مسألة «التحالف الدفاعي» بين واشنطن وتل أبيب
2025-01-18
أسامة خليفة/ كاتب فلسطيني
كل من يتابع الأحداث، ويستمع إلى أخبار الشرق الأوسط، ويلحظ التحالف الوثيق بين واشنطن وتل أبيب، يعتقد بوجود معاهدة «تحالف دفاعي» موقعة بين الطرفين، وعلى الرغم من العلاقة القوية ما بين الولايات المتحدة وإسرائيل، إلا أن الطرفين لا يرتبطان حتى اليوم بمعاهدة أمنية على مستوى «التحالف الدفاعي». والسؤال يدور حول: لماذا لم تقدم الإدارة الأميركية على الدفع قدماً لخطوة نحو «التحالف الدفاعي»؟. ولماذا يعارض رؤساء المؤسّسة الأمنية والعسكرية الأميركية على مدى سنوات مسألة «التحالف الدفاعي»؟.
تتلقى إسرائيل الحصة الأكبر عالمياً من المساعدات الأمنية الأميركية - 55%، بموجب البند 22 من برنامج «التمويل العسكري الأجنبي» -، وتشكل هذه المساعدات 18% من الميزانية الأمنية الإسرائيلية. وتحصل إسرائيل حالياً على مساعدات عسكرية أميركية سنوية بقيمة 3 مليارات و800 مليون دولار، تطبيقاً لمذكرة تفاهم وقعت بين الطرفين- 14/9/2016، وتمتد لـ«10» سنوات. وتقدر قيمة المساعدات العسكرية التي تلقتها إسرائيل من واشنطن حتى الآن بأكثر من 130 مليار$. وتبنت الولايات المتحدة منذ اللحظة الأولى لطوفان الأقصى الرواية الإسرائيلية عن «الإرهاب» الفلسطيني المزعوم، وسرعان ما تحركت الأساطيل الأميركية إلى المنطقة، فازدحم بها شرق حوض البحر المتوسط، مدعوماً من قبل بريطانيا بشكل خاص في عرض للعضلات، وتظهير قوة الردع الأميركي والأطلسي، تحسباً لأية تداعيات عسكرية في مدى الإقليم، فضلاً عن جسر جوي، وآخر بحري أمدا إسرائيل بمتطلبات إدامة العدوان.
وقع الجانبان الولايات المتحدة وإسرائيل «43» اتفاقاً وتفاهماً أمنياً أولها «اتفاق الدعم اللوجستي الثنائي»- 23/7/1952، وتتوزع الاتفاقات ما بين إجراءات الدعم المتبادل والمناورات العسكرية، والتخطيط الأمني، والتعاون الاستخباري، وأبحاث تطوير الأسلحة، واستعمال القوات الأميركية للقواعد العسكرية الإسرائيلية، ورفع القيود عن بيع إسرائيل إنتاجها العسكري لعدد من الدول الأفريقية. وإلى جانب هذه الاتفاقات وُقعت سلسلة من التفاهمات شملت صفقات متعددة من الأسلحة الأميركية المتطورة في سياق التزام الولايات المتحدة بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل.
أقر الكونغرس بالإجماع في 3/12/2014، مشروع قانون يعتبر إسرائيل «شريكاً استراتيجياً كبيراً للولايات المتحدة»، ويعزز القانون العلاقات بين البلدين في مجالات الدفاع والأمن والطاقة والأبحاث والتنمية والأعمال والزراعة وإدارة الثروة المائية والتعليم. ويطالب الكونغرس، في نص القانون، الإدارة الأميركية بأن «تتبادل مع إسرائيل بصورة أكثر انتظاماً وأكثر تحديداً المعلومات المتعلقة بالتطورات العسكرية في الدول المحيطة». وتتم، بحسب القانون، «زيادة مخزون الأسلحة الأميركية في إسرائيل بمقدار 9 أضعاف»، أي من ما قيمته 200 مليون إلى 1,8 مليار$. ويسمح لإسرائيل بموجب اتفاقات سابقة استخدام هذا المخزون على أن تسدد ثمنه. يذكر أن إسرائيل قد استخدمت مخزون السلاح الأميركي لديها في عدوانها على قطاع غزة - صيف 2014.
فما الذي سيضيفه «التحالف الدفاعي» إلى كل ما تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل؟. في حال التوقيع على اتفاق «تحالف دفاعي» ستكون الولايات المتحدة ملزمة بالتدخُّل عسكرياً لصالح الكيان بحكم المعاهدة، ولو لم تكن راغبة بذلك، يقول مسؤول إسرائيلي إنّ هذا الطرح يُشكّل «تغييراً أساسياً جداً في مبادئ الأمن القومي لإسرائيل» الذي يشدّد على ضرورة أن يدافع الكيان عن نفسه بنفسه. وتساءل عمّا يدفع الحكومة الإسرائيلية الحالية لتغيير هذه العقيدة الأمنية المستمرّة منذ عقود.
ربما أحد يجيب أن إسرائيل وحدها لم تكن قادرة على الدفاع عن نفسها أمام هجومين إيرانيين، فقد فشلت الدرع الدفاعية الإسرائيلية المتعددة الطبقات المتوسطة وطويلة المدى في مرتين صد الهجوم الصاروخي الباليستي الإيراني على مطاراتها ومواقعها العسكرية.
منذ خمسينيات القرن الـ«20» دارت في إسرائيل نقاشات على المستويين السياسي والأمني حول جدوى وضرورة عقد «تحالف دفاعي» مع الولايات المتحدة، وكان بن غوريون من أبرز مؤيدي عقد هذا الحلف بهدف تعزيز قدرة الإدارة الصهيونية على توطيد أركان الدولة العبرية الناشئة. وقد تجدد نقاش هذا الموضوع خلال ولايات حكومات كل من إسحق رابين- 1992/1995، وشمعون بيريس- 1995/1996، وإيهود باراك- 1999/2001، وكان الدافع وراء جولات النقاش الثلاث المذكورة، بحسب «معهد بحوث الأمن القومي» الإسرائيلي: «تعويض إسرائيل عن التنازلات المشمولة في الاتفاقات مع الفلسطينيين، وتخفيف تأثير هذه التنازلات على الرأي العام في إسرائيل». كما طرح بنيامين نتنياهو هذه الفكرة في حملة انتخابات الكنيست الـ«22» بتاريخ 18/ 9/2019. والواضح هنا أن طرح نتنياهو جاء بتأثير وجود دونالد ترامب على رأس الإدارة الجمهورية في البيت الأبيض، والذي تماهى مع مواقف نتنياهو عبر خطة «صفقة العصر»، على صعيديّ حل الصراع العربي/ الفلسطيني - الإسرائيلي، والموقف تجاه الملف النووي الإيراني. وقد عرض «معهد بحوث الأمن القومي» في إسرائيل لهذا الموضوع في تقرير له 3/10/2023، بيًّن فيه حيثيات وجهتي النظر المؤيدة والمعارضة على النحو الآتي:
يرى المؤيدون أن عقد التحالف «سيكون التعبير المثالي عن العلاقات الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة، وسيضعها رسمياً كجزء من السياسة القومية في الدولتين، وسيعزز العلاقات على المدى البعيد. كما يعزز قوة الردع الإسرائيلية أمام أعدائها، ويرسخ في وعيهم الالتزام الأميركي بعيد المدى بأمن إسرائيل، التي يمكن أن تحتاج إلى الدعم الأميركي إذا أصبحت إيران دولة نووية، لا سيما إذا تشكل شرق أوسط فيه الكثير من اللاعبين النوويين».
تنطلق المعارضة إزاء التحالف الدفاعي مع واشنطن من تقدير مفاده أنّ مثل هذه الخطوة يمكن أن تضرّ بحرّية الكيان العملياتية في الشرق الأوسط. ومن أجل الالتفاف على هذه العقبة، يقول المعارضون إن «العلاقة الخاصة»، التي تربط الطرفين تقوم بالأساس على التزام أميركي قوي وعميق بأمن إسرائيل، وضمان تفوقها العسكري النوعي في مواجهة دول المنطقة، وأن التجربة أثبتت إيفاء واشنطن بهذا الالتزام من غير توقيع اتفاق من هذا النوع، كما حصل في حرب 1973، على سبيل المثال. ويتحسب أصحاب هذا الرأي من أن إسرائيل في حال توقيع «حلف دفاعي» مع واشنطن «ستفقد حرية عملها، وستحتاج الى التبادلية، أي المساعدة في الدفاع عن الولايات المتحدة في أرجاء العالم وتأييد سياستها الدولية». ويمكن الإشارة هنا إلى تزايد تأييد هذا الرأي في الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية في ظل الخلاف الإسرائيلي - الأميركي حول الملف النووي الإيراني. [«نحو اتفاق دفاع بين الولايات المتحدة وإسرائيل» - صحيفة «الأيام» الفلسطينية، رام الله، نقلاً عن موقع «معهد بحوث الأمن القومي» في إسرائيل- 4/10/2023].
وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، دريمر، برر أنّ «التحالف الدفاعي» سيكون ضيقاً ولا يتعامل إلا مع التهديدات الوجودية مثل السلاح النووي الإيراني، أو الهجوم بأسلحة غير تقليدية من قبل أطراف أخرى في المنطقة أو سيناريوهات التصعيد الشديدة للغاية. وأنّه سيُحدَّد بدقة كلّ سيناريو.
في نفس الاتجاه جاءت مقاربة يعقوب ناغل مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حيث اعتبر أنّ « مثل هذا التحالف يحتوي على كثير من أوجه القصور، أهمّها أنّ طلب التحالف ذاته يبعث برسالة مفادها أنّ إسرائيل تفتقر للثقة بقوّتها، وبقدرتها على الدفاع عن نفسها بنفسها، بغضّ النظر عن النصّ الذي سيُكتب في وثائق التحالف، لكنّ العنوان وحده يخلق الضرر الأساسي».
وتابع ناغل أنّ «الحصول على انطباع بأنّ إسرائيل قرّرت الانضمام للولايات المتحدة، واحتواء إيران النووية، طالما لا تتجاوز الخط الأحمر، مسألة وهمية، وليست مهمّة، لأنّها ستكون مُحصَّنة، وستدخل العتبة النووية، كما أنّ الادعاء بأنّ إسرائيل مع التحالف لن تفقد حرّيتها في العمل، وأنّ الولايات المتحدة ستساعدها، ادعاء خاطئ، وأيّ تحليل منطقي يظهر عكس ذلك تماماً». وحذَّر ناغل أيضاً من أنّ «التحالف فقط سيعطي الجيش الإسرائيلي والمستوى السياسي سبباً آخر لعدم مهاجمة إيران، وعدم مهاجمة البنية التحتية الخطرة والمنشآت التي بناها حزب الله على الأراضي اللبنانية، بما فيه المستخدمة لإنتاج أسلحة دقيقة، بدعم وتمويل من إيران».
تؤكد الولايات المتحدة على التزامها الثابت بالحفاظ على قدرة إسرائيل على ردع أعدائها وتعزيزها، وذلك تماشيا مع العلاقة الأمنية طويلة الأمد بين البلدين والالتزام الأمريكي الراسخ بأمن إسرائيل، وبخاصة لناحية الحفاظ على تفوقها العسكري النوعي وقدرتها على الدفاع عن نفسها ضد أي تهديد أو مجموعة من التهديدات. وتعيد الولايات المتحدة التأكيد على أن هذه الالتزامات مدعومة من الحزبين وليست مجرد التزامات أخلاقية، بل أيضا التزامات استراتيجية ذات أهمية حيوية للأمن القومي الأمريكي، هذه العلاقة العضوية بين الولايات المتحدة - إسرائيل تربط في المنطقة بين مسوِّغات وجود إسرائيل، وبين مصالح الولايات المتحدة، وبخصوص فرضية أن يدفع الاتفاق الولايات المتحدة للدفاع عن الكيان لصهيوني فقد اعتبر أنّ الأمر ليس تلقائياً، وفي لحظة تاريخية إذا ما افتقدت إسرائيل وظيفتها الاستعمارية في خدمة المصالح الأميركية، أو أن تتبدل أولويات الولايات المتحدة، وأن تلتف واشنطن على قانون الكونغرس الذي يعتبر إسرائيل حليفاً رئيساً للولايات المتحدة من خارج حلف الناتو الذي يقوم على نظام للدفاع الجماعي المتبادل يلزم الدول الأعضاء بالشراكة في الرد على أي هجوم من قبل أطراف خارجية.