يوم 29 تشرين الثاني هو يوم ذكرى لثلاث مناسبات تخص القضية الفلسطينية، ذكرى إصدار الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين ، يوم التضامن العالمي مع فلسطين 1977، قبول فلسطين عضو مراقب في الأمم المتحدة 2012، ليس من المصادفة اجتماع المناسبات الثلاث في يوم واحد، ذلك أن غالبية الدول التي صوتت لصالح قرار التقسيم اعتبرت نفسها مسؤولة مسؤولية مباشرة عن النكبة التي حدثت في فلسطين، والمأساة التي عاشها شعب فلسطين وما زالت مستمرة، وأن القرار «181» قرار التقسيم أعطى الضوء الأخضر للحركة الصهيونية لتنفيذ حملة تطهير عرقي، وأوكلت المهمة للعصابات الصهيونية لاقتلاع سكان القرى العربية من أراضيهم وبيوتهم، فارتكبِت المجازر ودُمرِت قرى، وصل عددها إلى أكثر من 520 قرية، هُجّر أهلها لضمان التواصل الجغرافي بين التجمعات اليهودية المتناثرة في فلسطين، كانت المستوطنات متباعدة والأحياء اليهودية في بعض المدن غير متصلة، واليوم الوضع في الضفة الغربية بات معكوساً بعد تقطيع أوصال الضفة الغربية وأصبحت تجمعات السكن الفلسطيني جزراً معزولة، يفصل بينها جدار الفصل العنصري، والمستوطنات، والحواجز والمواقع العسكرية، لمنع قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
تنظم الأمم المتحدة بالتعاون مع بعثة فلسطين لدى الأمم المتحدة في يوم التضامن فعاليات ونشاطات بهدف التعريف بالقضية الفلسطينية وضرورة حلها، وقد صدر الإعلان عن يوم التضامن بعد النكبة الفلسطينية بنحو ثلاثين عاماً أظهرت الأمم المتحدة خلالها عجزها عن حل قضية فلسطين، ومازالت القضية الفلسطينية بعد 77 عاماً مصدر التوتر والحروب في الإقليم، وتهديد السلام والاستقرار العالمي.
التضامن العالمي مع فلسطين بنشاطات محدودة، رغم أهميتها، كرفع العلم الفلسطيني أمام مقرات ومكاتب الأمم المتحدة حول العالم، إلا أنها لم تحرز تقدماً واضحاً لسنوات طويلة امتدت على مدى 47 عاماً منذ إقرار هذا اليوم حتى الآن، معرض سنوي عن حقوق الفلسطينيين اجتماعات خطابات والتغطية الإعلامية للاحتفال. في ظل تفاقم مأساة الشعب الفلسطيني مع حرب الإبادة التي تشنها اسرائيل على الشعب الفلسطيني لا تكفي للمضي في حل جاد لتعقيدات أزمة عالمية بهذا الشكل طال استعصاؤها، تحاول اسرائيل كسب الوقت لفرض أمر واقع، بمساعدة غير محدودة من قبل الولايات المتحدة بمختلف إداراتها، والتي تكرر استخدام الفيتو لإبطال مشاريع قرارات تؤدي إلى التقدم خطوات للاقتراب من تحقيق السلام. خلال الحرب العدوانية الإسرائيلية على غزة استخدمت الولايات المتحدة 4 مرات الفيتو لتعطيل قرار من مجلس الأمن لوقف إطلاق النار، مما يؤكد أن واشنطن وراء استدامة الصراع بما يخدم مشاريعها في المنطقة.
في هذا السياق يجب تفعيل وتطوير الاحتفال التضامني مع الشعب الفلسطيني، إلى اتخاذ خطوات باتجاهات متعددة وأيام متعددة على مدار العام، عدم اقتصاره على يوم واحد، بل ربطه بكل المناسبات المؤلمة التي يحفل التاريخ الفلسطيني من نكبة ونكسة ومجازر وحروب، وقرارات دولية ظالمة، ومعاهدات استعمارية جائرة، شهر تشرين الثاني يحفل بالعديد من المناسبات، واحدة منها صدور قرار تقسيم فلسطين، من المناسبات المؤلمة في التاريخ الفلسطيني صدور وعد بلفور 2 تشرين الثاني 1917، بينه وبين قرار التقسيم ثلاثون عاماً، لكنهما يتفقان في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين لا يحدد الوعد حصة ونسبة ما لليهود في فلسطين، بينما يحدد قرار التقسيم حصة اليهود، ويرسم خريطة لها متصلة جغرافياً بمنح اليهود 55% من فلسطين، وتعدادهم لا يتجاوز نصف سكانها من الطوائف الأخرى ذات الأغلبية، غير أن المؤلم هو في حقيقة هذه القسمة أنها تعبّر بوضوح عن فصل عنصري، يحط من شأن الطوائف غير اليهودية ولا يهتم لمظلوميتها، رغم أن فلسطين ليست كعكة يمكن اقتسامها، ولو افترضنا افتراضاً أن لليهود حصة في فلسطين، فالظلم يبدو في هذه القسمة غير العادلة بحصول الأغلبية السكانية على 40% من أرض فلسطين التاريخية.
تٌعد المناسبات التي تخص القضية الفلسطينية فرصاً مواتية لتثقيف الجمهور العام بشأن القضية، ولحشد الإرادة السياسية والموارد اللازمة لمعالجة المشكلات العالمية، فيما لو احتضنت تلك المناسبات من قبل منظمة الأمم المتحدة واحتُفل بها المناسبات واعتمد المزيد منها، لكانت جميعا أدوات قوية لحل الأزمة في الشرق الأوسط.
ولو أن يوم الوعد المشؤوم خصص ليكون يوماً للتضامن مع الشعب الفلسطيني، فوجهة الفعاليات والأنشطة التضامنية لنصرة شعب فلسطين تتركز على مطالبة بريطانيا بالاعتذار للشعب الفلسطيني عن دورها في صنع الكارثة الفلسطينية والتسبب بآلام المأساة المستمرة منذ ما قبل نكبة 1948، والضغط باتجاه تحملها المسؤولية الأخلاقية والسياسية والقانونية، وقيامها بما يلزم لاستعادة الحقوق التي ساهمت حكوماتهم المتلاحقة في اغتصابها، والزامها بالتوقف عن مساندة الكيان الغاصب.
من مناسبات شهر تشرين الثاني ذكرى استشهاد قائدين فلسطينيين لهما دور مهم في الحركة الوطنية الفلسطينية، استشهاد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في 11 تشرين الثاني اغتيالاً بسم يتسبب بتكسر الصفيحات الدموية، وهي ثالث عملية اغتيال بهذه الطريقة، نجح الموساد في دس السم مرة لوديع حداد، ومرة لياسر عرفات، وأخفقت في حالة ثالثة، من المهم تخصيص يوم عالمي ضد الاغتيال ومناهضة الإعدام خارج إطار القانون، والقتل على الشبهة، إذ لا يهتم الموساد بتبعات خرق القانون الإنساني، وفي التسبب بقتل عدد كبير من الأبرياء خلال ملاحقة المطلوبين، مثلما حدث في حي الدرج في غزة في 23 تموز/ يوليو 2002 بإلقاء قنبلة تزن طناً ألقتها طائرة (اف 16) إسرائيلية في منطقة مكتظة بالسكان مما أدى إلى استشهاد 18 فلسطينياً بينهم ثمانية أطفال. وكما جرى يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 في حادثة اغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله محمد عفيف في حي رأس النبع الذي لجأ إليه كثير من النازحين من الضاحية الجنوبية لبيروت. والحقيقة أن مثل هذه الحالات تستحق يوماً للتضامن مع ضحايا الاغتيال على الأقل لتحريك المشاعر الإنسانية وإدانة لمرتكبيها والمطالبة بمحاسبتهم.
في 20 تشرين الثاني عام 1935 استشهد الشيخ عز الدين القسام، في معركة مع جنود الجيش البريطاني، كان القسام إمام وخطيب الجامع الكبير في حيفا شخصية إسلامية، ثقافته الإسلامية، رغم ذلك اعتبر الصراع في فلسطين صراعاً قومياً بين العرب وكل من بريطانيا والحركة الصهيونية، وليس صراعاً دينياً مع اليهود، بدأ الصراع قومياً لكن بريطانيا والحركة الصهيونية بالخداع الاستعماري المعهود استطاعت أن تجعله صراعاً دينياً أدى إلى تحول كثير من اليهود إلى صهاينة، هذا النجاح ساهم فيه قيادات فلسطينية منقسمة على نفسها استخدمت الدين في الخصام والتنافس على كسب جماهير تتصف بالتقليدية والأمية، والتقرب من بريطانيا على أمل إبعادها عن اليهود، والرهان الخاسر على تراجع بريطانيا عن وعدها المشؤوم، و التوقف عن دعم المشروع الصهيوني.
والآن على الدبلوماسية الفلسطينية أن تشجع مشاركة يهود مناهضين للحركة الصهيونية والرافضين للسياسة العدوانية الإسرائيلية في حملات التضامن الهادفة إلى دحض مقولة معاداة السامية في كل مرة تدان أو تنتقد إسرائيل دولة أو مسؤولين، ورفض أن تكون اللاسامية سيفاً مسلطاً على رقاب من ينتقد اسرائيل ويدعو إلى محاسبة مسؤوليها بسبب جرائم ترتكب بحق الفلسطينيين.