الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الاربعاء 20/11/2024 العدد 1161
2024-11-21
الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات
هآرتس 20/11/2024
قبل وصول ترامب «فرصة العمر» الإسرائيلية لتدمير المشروع النووي الإيراني
بقلم: بني موريس
هل توشك إسرائيل على تفويت فرصة العمر؟ فرصة العمر هي العبارة المناسبة هنا، فبقاء الدولة اليهودية على المحك.
تتعلق المسألة بالهجوم على المنشآت النووية في إيران، التي أعلن قادتها منذ عقود أن نيتهم وسياستهم هي تدمير إسرائيل.
إذا حصلت طهران على سلاح نووي فبإمكانها بالفعل القضاء على إسرائيل (منذ عقدين، أعلن الرئيس الإيراني الأسبق، أكبر هاشمي رفسنجاني، أن إسرائيل «دولة قنبلة واحدة»، وكان يقصد بذلك أن قنبلة واحدة على تل أبيب كفيلة بتدمير الدولة اليهودية.)
إن فرصة مهاجمة البرنامج النووي الإيراني محددة بطبيعة السياسة الأميركية. حتى 20 كانون الثاني لا يزال جو بايدن، المؤيد للصهيونية، والذي أعلن مراراً وتكراراً أنه لن يسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، رئيساً للولايات المتحدة، قبل أن يسلم السلطة إلى دونالد ترامب.
تقليدياً، يُعتبر الرئيس المنتهية ولايته «البطة العرجاء»، لكن بايدن لا يزال القائد الأعلى للقوات المسلحة ويداه غير مكبلتين.
كما أنه لا يدين بأي شيء لكامالا هاريس بعد خسارتها أمام ترامب، وليس ملزماً بإرادة أو أهواء الشعب الأميركي (الذي أظهر حكمته وذكاءه بإعادة ترامب إلى الرئاسة).
خلال فترة ولايته، التي استمرت أربع سنوات، كان بايدن حريصاً على عدم توريط بلاده في حرب أخرى في الشرق الأوسط، نظراً للهزيمتين المهينتين في العراق وأفغانستان.
كما أنه حال في أكثر من مرة دون هجوم إسرائيل على المواقع النووية الإيرانية، وكان آخرها في 26 تشرين الأول، عندما كان هذا الخيار قيد الدراسة.
يمكن أن نتوقع أن بايدن لا يزال يرفض رؤية إسرائيل تهاجم المشروع النووي الإيراني، على الرغم من مخاوفه من امتلاك ملالي إيران الأسلحة النووية، ورغم فهمه أن حيازة إيران لهذه الأسلحة من شأنها أن تهدد وجود الدولة اليهودية، وتعرّض العالم الحر للخطر بطرق متعددة.
يبدو أن بايدن ببساطة ليس من النوع الذي يمتلك المقومات اللازمة لحسم الأمور (تماماً كما لم تكن الديمقراطيات الغربية قادرة على ذلك عندما امتنعت عن شن ضربة استباقية ضد ألمانيا النازية قبل سنة 1939).
لكن إسرائيل ليست الولايات المتحدة، وهي في وضع مختلف، خاصة أن إيران عبر وكلائها وبشكل مباشر، تهاجم إسرائيل منذ أكثر من سنة، بينما يقترب تهديد السلاح النووي من رقبة إسرائيل أكثر من أي وقت مضى. بالنسبة لإسرائيل يعدّ هذا الأمر مسألة حياة أو موت.
من المؤكد أن رئيس الوزراء الفاسد، بنيامين نتنياهو، غارق حتى أذنيه في المشاكل، فهو يفتقر إلى الدعم الشعبي الواسع، ويخضع للمحاكمة بتهم فساد، ويخضع موظفو مكتبه للتحقيق بسبب مجموعة من الممارسات المشبوهة، كما أنه متورط في حروب استنزاف مع «حماس» و»حزب الله»، دون أن تلوح بوادر لنهايتها.
لكن على مدار عقود، حذر نتنياهو بصوت عالٍ من التهديد النووي الإيراني، وفي هذه النقطة على الأقل، يبدو أنه يتحدث ويعمل بما يتماشى مع مشاعره (رغم أن أفعاله بالطبع لا تتماشى مع أقواله، ففي العقدين الماضيين، فشل دائماً في إرسال سلاح الجو للقيام بالضربة التي هدد بها مراراً). ولكن الآن حان الوقت لذلك.
طوال مسيرته رئيساً للوزراء كان نتنياهو ماهراً في المماطلة، لدرجة أن ذلك أصبح أقرب إلى الجُبن.
وربما يعتقد الآن أنه سيكون من الأفضل الانتظار حتى يتولى ترامب منصبه، وأن ترامب سيسمح بهجوم إسرائيلي على المواقع النووية الإيرانية، وربما يدعمه أو يشارك فيه. لكن من الأفضل لنتنياهو أن يعيد التفكير في هذا الأمر.
يجب ألا يراهن على ترامب، فأنا أشك في أن الرئيس الـ47 يهتم حقاً بمستقبل إسرائيل أو بقائها.
صحيح أنه خلال ولايته الأولى نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وساهم في هندسة اتفاقات أبراهام. لكنه ليس صهيونياً، ومن الممكن أن يكون في قرارة نفسه معادياً للسامية (فقد أطلق على مر السنوات بعض الإشارات التي قد تُعطي انطباعاً بذلك).
صحيح أنه يعتمد منذ فترة طويلة على صهره اليهودي، جاريد كوشنر، وأن ابنته إيفانكا - زوجة كوشنر - قد اعتنقت اليهودية، لكن القيم السياسية لترامب تتصدرها الرغبة في تحقيق الاستقرار العالمي الذي يضمن النمو الاقتصادي الأميركي (وكذلك مصالحه الاقتصادية الشخصية، بالطبع).
ومؤخراً، أعلن ترامب بصوت عالٍ رغبته في إنهاء الحروب الحالية في الشرق الأوسط (سواء كان ذلك يتماشى مع الرؤية الاستراتيجية لنتنياهو أم لا)، وأن تركيزه ينصب على احتياجات أميركا، وقد دعم تقليدياً العزلة وتقليص الالتزامات الدولية للولايات المتحدة.
يعتقد العديد من الإسرائيليين أن ترامب معادٍ للمسلمين، لكن خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، وخاصة في ولاية ميشيغان الحاسمة، التي تضم عدداً كبيراً نسبياً من المسلمين، أطلق ترامب بعض التصريحات المؤيدة للعرب، وأظهر تعاطفاً مع أولئك الذين يرون أنفسهم أكبر الضحايا في العالم حالياً.
بالطبع، هناك أيضاً البُعد الشخصي، فالعلاقة بين ترامب ونتنياهو كانت متوترة رغم محاولات رئيس الوزراء نيل رضاه. فشل نتنياهو فشلاً ذريعاً في هذا الصدد بعد أن هنأ بايدن بفوزه على ترامب في تشرين الثاني 2020.
وفي مرحلة ما خلال الحملة الانتخابية، بدا أن الرئيس القادم يلمح إلى موافقته على هجوم إسرائيلي ضد المواقع النووية الإيرانية، لكن ترامب رجل مزاجي، وقد يغير رأيه ويختار المصالحة بين الولايات المتحدة وإيران.
ويبدو أن اجتماع إيلون ماسك السري الأخير مع سفير إيران لدى الأمم المتحدة يلمح بقوة إلى هذا الاتجاه الذي قد يسير فيه ترامب. من يدري؟ مع ترامب، قد تعتمد الكثير من الأمور على آخر شخص همس في أذنه.
لو كنتُ مكان نتنياهو لما راهنتُ على ترامب بعد 20 كانون الثاني، وبالتأكيد ليس طوال السنوات الأربع المقبلة. صحيح أن الرئيس المنتخب أعلن عن عدد من التعيينات الوزارية المؤيدة لإسرائيل، الأسبوع الماضي، لكن كانت هناك أيضاً تعيينات أخرى، ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن ترامب سيدعم هجوماً إسرائيلياً على المنشآت النووية الإيرانية أو أن الولايات المتحدة ستنضم إلى مثل هذا الهجوم.
وهناك سؤال آخر يتعلق بقدرات إسرائيل: هل يمكن لسلاح الجو الإسرائيلي (ربما مع مساعدة من فروع أخرى من الجيش) تدمير أو على الأقل إلحاق ضرر كبير بالمشروع النووي الإيراني؟ لا أعرف، وربما لا يعرف قادة الجيش الإسرائيلي الإجابة بشكل قاطع أيضاً. هناك العديد من المتغيرات، وكما هو الحال في كل حرب، هناك الكثير من الأمور التي لا يمكن التنبؤ بها.
لكن في الأسابيع التي تلت الهجوم الذي شنّه سلاح الجو الإسرائيلي على إيران في 26 تشرين الأول، أعلن قادة الجيش الإسرائيلي أنه دمر أو ألحق ضرراً كبيراً بقدرات الدفاع الجوي الإيرانية، وأن الجمهورية الإسلامية – بما في ذلك منشآتها الرئيسة – أصبحت قابلة للاختراق بشكل كبير.
لا شك في أن إيران كانت تحاول في الأسابيع الأخيرة تعزيز دفاعاتها الجوية، لكنها لا تزال غير محصنة أمام هجوم كبير، وقد يكون مشروعها النووي - إلى حد ما - هدفاً سهلاً.
ومن غير الواضح كيف يمكن أن يؤثر هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية (وربما منشآتها النفطية المهمة أيضاً) على الحروب في غزة ولبنان، وعلى قضية الرهائن، ولكن قد يكون للهجوم تداعيات إيجابية. على أي حال، هذه هي اللحظة المناسبة للهجوم، وهي لحظة قد لا تتكرر.
--------------------------------------------
معاريف 20/11/2024
التسوية مع لبنان دون تطبيع أو تغيير عميق تقوّض إنجازات الجيش الإسرائيلي
بقلم: عميت يغور
يبدو أن كل الأطراف، بمن فيهم إسرائيل، يريدون إنهاء القتال والجهد العسكري في لبنان. وفي النهاية، هذه الرغبة مفهومة ومشروعة (على الرغم من أننا لم نستكمل زرع بذور واقع مختلف في لبنان في «اليوم التالي»، وهذا العنصر حاسم، في رأيي).
والسؤال ليس «متى»، بل «كيف»، كيف سينتهي القتال في الشمال، بعد أن ثبت في الماضي البعيد وغير البعيد (وخصوصاً بعد الانسحاب من لبنان في سنة 2000) أن «كيف» لها أهمية كبيرة.
السردية المركزية هي أن وقف إطلاق نار/تسوية هو الأداة الأساسية لإنهاء القتال. ماذا تعني التسوية؟ وثيقة مكتوبة موقّعة من الولايات المتحدة وإسرائيل ولبنان (وليس «حزب الله»)، تتضمن تفاصيل ما يجب فعله وعدم فعله في «اليوم التالي» في لبنان.
ليس المقصود- لا سمح الله- اتفاقات تطبيع مع لبنان، أو وثيقة تتطرق إلى التغيير العميق المأمول الذي يجب أن نحدده، ولا إلى كيف يجب أن يبدو لبنان من الآن فصاعداً، بل هي وثيقة عسكرية فقط، أساسها عدم تواجد «حزب الله» في المنطقة الواقعة في جنوبي خط الليطاني، وإعطاء الجيش الإسرائيلي حرية العمل في التصدي لأيّ خرق للاتفاق.
وأريد هنا أن أطرح بعض الأسئلة التي ترفض هذه السردية المركزية:
السؤال المركزي، ألا تملك إسرائيل الآن الحرية الكاملة للعمل في لبنان؟ لماذا، والحال هذه، نحن بحاجة إلى وثيقة مكتوبة ترسّخ ذلك؟
هل تتناول الوثيقة الشق العسكري المتعلق بانسحاب «حزب الله» إلى ما وراء نهر الليطاني وحرية العمل الإسرائيلي العسكري في لبنان فقط؟ أليس هناك علاقة بين الجانب العسكري والجانب السياسي من أجل خلق واقع إقليمي جديد في لبنان؟ ألا يجب أن يكون هناك خطوات سياسية وبنيوية وتنظيمية واقتصادية يُطلب من لبنان تعهُّد القيام بها في إطار التسوية؟
هل إيران متضمنة ومذكورة علناً في الاتفاق الذي سيوقَّع؟ وهل توقّف أحد وسأل لماذا أعطت إيران التسوية مباركتها؟ هل هناك إمكان أن إيران (التي صرّحت مؤخراً فقط بأن طهران تدعو إلى الموافقة على وقف إطلاق النار على أساس القرار 1701 والانسحاب إلى ما وراء الليطاني، وأنها ستواصل تأييدها لحزب الله، وستساعده على التعافي من الضربات القاسية التي تكبّدها) تحاول حصر خسائرها، وتعتبر هذه التسوية، عملياً، تسوية من أجل ترميم «حزب الله»؟ وماذا سيحدث لعناصر الحرس الثوري الموجودين في لبنان، وفي سورية؟ (التي تُعتبر أشبه بممر فيلادلفيا الشمالي لترميم حزب الله)، هل هناك نصّ صريح في الوثيقة يتضمن كلاماً واضحاً يقضي بطرد الحرس الثوري من المنطقة خلال فترة زمنية قصيرة (نوع من إنذار)؟
كيف يحدد الاتفاق الخروقات؟ وهل يُسمَح بإعادة إعمار الجنوب اللبناني؟ أليس عناصر حزب الله مواطنين لبنانيين أيضاً (عناوين إقاماتهم المسجلة في هوياتهم في الجنوب اللبناني)؟ مثلاً، هل يمكن أن تتحول الأنابيب التي ستدخل إلى الجنوب اللبناني من أجل استخدامها في الصرف الصحي إلى صواريخ؟ (كذلك الأمر بالنسبة إلى جميع المواد المزدوجة الاستخدام التي تدخل من أجل إعادة البناء، مثلما جرى في قطاع غزة)؟
هل فهمنا بعمق لماذا قيّدت التسويات السابقة إسرائيل فقط؟ وهل وجدنا رداً على ذلك في الوثيقة التي سنوقّعها؟ هل ندرك أن الصيغة اللغوية مهمة لأن إيران ولبنان يسميان الاتفاق الجارية بلورته «وقف إطلاق نار»، أي أنه لا يوجد تغيير بالنسبة إليهما، وما حدث هو جولة أُخرى من القتال، ولكلّ وقف إطلاق نار نهاية.
أعتقد أن التركيز في التسوية الجارية على الجانب العسكري فقط من دون إلزام لبنان واقعاً لبنانياً مختلفاً، ومع السماح بالوجود الإيراني العسكري في لبنان وسورية، يمكن أن يؤدي إلى تآكل الإنجازات العسكرية في لبنان.
وفي رأيي، عندما ننظر بدقة إلى المعركة كلها في لبنان، نجد أنها («حرب إيران الأولى»)، لذلك، إن ما سيجري سيحسم الكفة فيما إذا كنا سننجح في خلق واقع إقليمي مختلف يتراجع فيه «محور المقاومة الشيعية» ويختفي، بينما يتقدم محور اتفاقات أبراهام، ويأخذ مكانه، على الأقل على طول حدود دولة إسرائيل.
في ضوء ما قيل سابقاً، أعتقد أن توقيع إسرائيل تسوية من هذا النوع لن يغيّر شيئاً في الوضع القائم، بل سيقيّد إسرائيل دولياً، بشكل أو بآخر، وبمرور الوقت، سيعزز «نظرية الهدوء» وسط الجمهور، ويقوض حرية عمل الجيش الإسرائيلي في لبنان وسورية.
جزء من تغيير الواقع الإقليمي هو أن تقول إسرائيل بقوة للولايات المتحدة ولأطراف في المنطقة إن إسرائيل غير مستعدة لتوقيع اتفاق أقلّ من اتفاق تطبيع. مَن يريد تقييد حرية العمل الإسرائيلية، يمكنه الحصول على ذلك من خلال «التطبيع» معها، وهذا هو التغيير الأساسي الذي أدت إليه هذه الحرب.
علاوةً على ذلك، إن توقيع تسوية الآن يمكن أن يضرّ، جوهرياً، بالواقع الجديد لـ»اليوم التالي». لذا، من الضروري، الآن، وقبل أن نرتكب أخطاء، أن نفكر من خارج الصندوق، وأن نُظهر جرأة، في إمكان إسرائيل تقديم تعهدات للولايات المتحدة، لكن لا يجب عليها، بأيّ شكل من الأشكال، توقيع وثيقة مكتوبة لا تتضمن تطبيعاً، وخصوصاً عندما يعتبرها الطرف الثاني «وقفاً لإطلاق النار»، وعسكرية فقط، ولا تتطرق قط إلى الواقع الإقليمي الجديد الذي فرضته الإنجازات المذهلة التي حققها الجيش الإسرائيلي.
--------------------------------------------
هآرتس 20/11/2024
الجيش ليست لديه قدرة على الاستمرار
بقلم: اسحق بريك
لو جاء كائن من الفضاء الخارجي ونظر الينا من أعلى ماذا كان سيرى. كان سيرى حرب تستمر منذ اكثر من سنة، ولا نرى نهايتها. كان سيرى بأنه لم يتحقق أي هدف من اهداف الحرب، سواء تحرير المخطوفين أو عودة المخلين من الشمال الى بيوتهم أو تدمير حماس أو حزب الله أو ابعاد ايران عن وكلائها. كان سيرى أن اقتصاد اسرائيل في حالة انهيار، والمناعة الاجتماعية في حالة تفكك، وعلى شفا الحرب الاهلية، والعالم المتنور ينفصل عن اسرائيل، والجيش البري تآكل الى اقصى درجة.
هذا الكائن كان سيرى أن الجيش لا يقول الحقيقة للمستوى السياسي عن الازمة الشديدة في صفوفه، وعن جنود الاحتياط الذين 40 في المئة منهم اصبحوا يصوتون بالارجل وهم غير مستعدين للخدمة مرة اخرى، وعن الجنود النظاميين الذين يتم تسريحهم بسبب حالتهم النفسية والجسدية وعدم قدرتهم على مواصلة القتال. كان سيرى ايضا بأن الجيش البري موجود في حالة تفكك من ناحية القوة البشرية وتنقصه الوسائل القتالية.
هذا الكائن كان سيرى بالضبط ما وصفه الصحفي ايتي انغل في برنامج “عوفدا” في الاسبوع الماضي. واليكم ملخص ما قاله (في مقاله عرض ضمن امور اخرى، توثيق لجنازة وعدد من اعضاء حزب الله الذين يطالبون بقتل شعبنا): “العدو تعزز، الثمن الذي يتمثل بحياة الانسان ارتفع، الحل السياسي بعيد اكثر من أي وقت مضى، الصورة التي يتم عرضها لنا، أن حزب الله ضعيف وأن الجيش الاسرائيلي هو المنتصر في الحرب في لبنان، هي مختلفة كليا، هم (مخربو حزب الله) لا يظهرون كمنظمة ارهابية مهزومة وتريد التوصل الى اتفاق سياسي، هم يظهرون كمتعطشين للدماء ومملوئين بالكراهية والثأر. واذا كان كل الجنود الذين فقدناهم من اجل تدمير المزيد من البيوت في جنوب لبنان والسلاح والانفاق، فان هذا فقط مسألة وقت الى أن تتم اعادة بناء كل هذه الاشياء. الصورة التي يعرضها المراسلون والمحللون العسكريون عن الواقع في لبنان لا تتفق مع الواقع الحقيقي”.
هذا الكائن من الفضاء كان سيرى ايضا كيف أن رئيس الاركان هرتسي هليفي يحاول أن يعرض على المستوى السياسي وعلى الجمهور صورة تقول بأن الجيش قوي جدا وقادر على تنفيذ أي مهمة تلقى عليه الى أن يتم تحقيق اهداف الحرب. لذلك فان وزير الدفاع الجديد، اسرائيل كاتس، المقطوع عن الواقع بشكل تام يعلن بأنه يجب مواصلة القتال ضد حزب الله حتى هزيمته بشكل كامل. وهليفي يفعل ما يؤمر به دون أن يشرح له بأن وضع الجيش الاسرائيلي متدني، ولا يمكنه سواء الدخول في عملية برية عميقة أو البقاء في المناطق التي احتلها بسبب النقص الكبير في جنود الاحتياط. الجيش لا يمكنه ايضا وقف مئات الصواريخ والقذائف والمسيرات التي يتم اطلاقها كل يوم وتشل الحياة وتدمر الشمال. رئيس الاركان يساهم في اخفاء الحقائق بشكل كبير الى جانب المستوى السياسي، وفي تفكك الجيش البري والتسبب بعدد كبير من القتلى والمصابين.
هذا الكائن كان سيرى سلوك المستوى السياسي المنحرف، الذي تتغلب لديه الاعتبارات السياسية للبقاء على اعتبارات الامن القومي. وكان سيرى ايضا كيف أن الكثير من ابناء الشعب يتصرفون مثل قطيع هائم، لا يعرف ما الذي يحدث من حوله ويدعم المستوى السياسي والامني المستخذي. كيف أن افضل ابناءنا يهاجرون من البلاد لأنهم فقدوا الامل في بناء مستقبلهم هنا. وكان سيرى كيف وصلت دولتنا، ابنة الـ 77 سنة فقط، الى انجازات بارزة في مجالات كثيرة مثل العلوم والتكنولوجيا والاقتصاد والطب وما شابه، والآن هي تقف على شفا الانهيار.
في نهاية المطاف هذا الكائن كان سيرى كيف فتح وزراء الحكومة عيونهم وادركوا أنه بقوة الذراع لا يمكن تدمير حزب الله وانهاء الحرب. وبناء على ذلك فان الحكومة توجهت الآن الى مسار التسوية السياسية بوساطة امريكية.
مع كل ذلك، بالتحديد رؤساء السلطات المحلية في الشمال لا يوافقون على فكرة التسوية السياسية لأنه بالنسبة لهم لا يمكن الوثوق بأي اتفاق مع حزب الله، وهم يواصلون المطالبة بهزيمته العسكرية المطلقة – وهو الطلب الذي لا يصمد في امتحان الواقع. هؤلاء هم نفس رؤساء السلطات الذين قبل الحرب وثقوا جدا بقدرات الجيش. وحتى أنا شرحت لهم بأنه لا يمكن للجيش أن يقوم بحمايتهم وأنه لا يمكنه هزيمة حزب الله، لكنهم لم يرغبوا في الاستماع، ولم يقوموا باعداد المستوطنات للحرب في أي مجال. لو أن مخربي حزب الله قاموا بمهاجمة مستوطنات الشمال في موازاة هجوم حماس في 7 اكتوبر لكان هناك آلاف القتلى والمخطوفين الآخرين، ولكان تم احتلال كل الجليل. حتى الآن يوجد لدينا 100 ألف مخلى، الذين بلداتهم مدمرة وحقولهم محروقة. في بداية الحرب اردت الالتقاء مع رؤساء السلطات في الشمال والشرح لهم كيف يجب عليهم الاستعداد امام الصواريخ والقذائف والمسيرات التي سيتم اطلاقها نحو مدنهم (قيادة الجبهة الداخلية لم تفعل أي شيء حيال ذلك). ولكنهم رفضوا الالتقاء. رغم ذلك هم لم يدركوا بعد الدرس، ويستمرون في مطالبة الجيش بهزيمة حزب الله بشكل مطلق، وإلا فانهم لن يعودوا الى بلداتهم.
كائن الفضاء الذي ينظر الينا كان سيرى بأن عدد من رؤساء المجالس والبلدات في الجليل الذين تخلوا عن البلدات وعن السكان في الاستعداد للحرب، وايضا اثناء الحرب، لا يستحقون البقاء في مناصبهم. هذا الكائن كان سيرى بأنه منذ بداية الحرب وحتى الآن يوجد لدينا 1772 قتيل و21744 جريح، و787 جندي قتيل، و101 مخطوف (احياء واموات) و143 ألف مخلى من بيوتهم، وتقريبا 300 ألف من الذين يخدمون في الاحتياط تم تجنيدهم، و26240 اطلاق للصواريخ والقذائف والمسيرات نحو اراضينا.
هذا الكائن كان سيعود الى اصدقائه في العالم الخارجي ويقول لهم: “لن تصدقوا ما رأيت، لكن يمكنكم الهدوء. يوجد في الكون اشخاص أكثر جنونا منا”.
--------------------------------------------
إسرائيل اليوم 20/11/2024
الفجوة الأساس امام اتفاق وقف النار مع لبنان هي حرية عمل للجيش الاسرائيلي
بقلم: يوآف ليمور
رغم التفاؤل الذي هب في الأيام الأخيرة من واشنطن ومن بيروت، كان يخيل أمس ان الفجوات بين إسرائيل ولبنان لا تزال تمنع استكمال الاتفاق الذي يسمح بوقف النار وعمليا لانهاء الحرب في الشمال.
الفجوة المركزية هي حول مطالبة إسرائيل بحري عمل تنفيذي كاملة في لبنان في المستقبل من طلعات التصوير وجمع المعلومات لسلاح الجو وحتى الهجمات الجسدية من الجو ومن البر. من ناحية إسرائيل يعتبر هذا شرطا أساس، والذي هو درس من حرب لبنان الثانية. فقد خرق حزب الله منذئذ بمنهاجية قرار 1701 للأمم المتحدة سواء في بند التسلح وإنتاج السلاح ام في بند التموضع في جنوب لبنان، دون أن ترد إسرائيل. اما الان فتطلب إسرائيل موافقة صريحة بان تتمكن من العمل في لبنان اذا ما عاد حزب الله وخرق الاتفاق في المستقبل.
لبنان يعارض هذا المطلب ويقترح فرض الاتفاق بواسطة جيش لبنان لمساعدة قوات اليونيفيل. اما إسرائيل فقد أوضحت بانها سترفض ترك امنها مرة أخرى في ايدي الاخرين، وفي ضوء الرفض اللبناني فمعقول أن تحصل إسرائيل على “اذن” من الولايات المتحدة للعمل بحرية باسناد من القوى العظمى الأوروبية (فرنسا، بريطانيا وألمانيا) التي ستكون شريكة في الاتفاق. يمكن لهذا العمل الإسرائيلي ان يكون مطلوبا منه ان يمر عبر آلية استيضاح تمنح إمكانية للبنان “لمعالجة” الخروقات قبل أن تعمل إسرائيل بنفسها.
وقف نار لـ 60 يوما
ستسمح إسرائيل للجيش اللبناني لان ينتشر بقوات معززة في جنوب لبنان بنية ان تكون دولة لبنان مسؤولية بشكل كامل عما يجري في حدودها. اما قوات اليونيفيل القائمة فتطلب إسرائيل “رفع مستواها” بوحدات نوعية اكثر وكذا أيضا بمكانة اللجنة التي تشرف على تنفيذ الاتفاق: الان تحكم بين الطرفين لجنة ثلاثية يشارك فيها مندوبو إسرائيل، لبنان والأمم المتحدة، وإسرائيل معنية بان تستبدلها بلجنة أوسع يترأسها مندوب امريكي والى جانبه مندوب فرنسي. في إسرائيل يأملون في أن يتفق أيضا على آلية لاستيضاح خلافات أخرى بين الطرفين وعلى رأسها ترسيم الحدود التي لا يوجد توافق حولها والتي شكلت علة دائمة لحزب الله لابقاء الحرب ضد إسرائيل.
الامريكيون معنيون بان يوقع الاتفاق فورا ويؤدي الى انسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان ووقف القتال. وأعربت محافل رفيعة المستوى عن شكها فيما اذا كان الامر ممكن التنفيذ في جدول زمني قصير، ويحتمل أن يتقرر وقف نار من 60 يوما تبحث الأطراف خلالها بالبنود موضع الخلاف، بما في ذلك في تحرير المعتقلين اللبنانيين الذين اسرتهم إسرائيل في اثناء الحرب وفي موعد عودة مئات الاف سكان القرى في جنوب لبنان ممن تركوا بيوتهم.
ومع أن وقف النار سيؤدي الى هدوء مؤقت، لكن مشكوك أن يسمح بالعودة الكاملة لسكان الشمال الى بيوتهم. لكنه سيسمح بالبدء في سياقات اعمار مختلفة وبتسريع سياقات إقامة العائق الجديد على طول الحدود. في اليوم التالي للحرب يفترض بحدود الشمال ان تبدو مختلفة تماما عما كانت تبدو حتى 7 أكتوبر سواء من ناحية طبيعة العائق والوسائل الالكترونية التي ستنصب فيه ام من ناحية كمية القوات وشكل انتشارها وتفعيلها.
تحدي خط الحدود الشرقي
في هذه الاثناء، وعلى خلفية الاتصالات للاتفاق، شدد الجيش الإسرائيلي الضغط العسكري على حزب الله في محاولة لتحقيق إنجازات أخيرة وعلى أمل دفع لبنان الى مزيد من التنازلات. كجزء من ذلك تعززت الهجمات ضد اهداف حزب الله في بيروت وكذا الاعمال العسكرية ضد البنى التحتية للحزب في جنوب لبنان، بما في ذلك خلف خط القرى الثاني الذي يوجد على مسافة نحو 6 كيلو متر عن الحدود.
يدور الحديث أساسا عن المجال الشرق الذي يهدد الجليل الأعلى، حيث مدى نار الصواريخ المضادة للدروع تسمح أحيانا بالاصابة حتى من خلف نهر الليطاني والذي تبحث الأطراف فيه الان.
هذه مسألة مركزية تقلق جدا رؤساء السلطات لان من شأن هذه المناطق ان تبقى تحت تهديد مباشر في المستقبل أيضا. ادعائهم بان البحث في الليطاني كخط الفصل لتواجد حزب الله لم يعد ذا صلة في ضوء تمديد مدى النار، لكن لما كان الليطاني تقرر كمسلمة بين الطرفين، مشكوك أن تتمكن إسرائيل من تغيير ذلك الان.
حزب الله هو الاخر شدد الجهود لضرب إسرائيل، بما في ذلك محاولات متسارعة لاطلاق الصواريخ الى قلب البلاد وشمالها وجباية ثمن من القوات العاملة في جنوب لبنان. واضح أن المنظمة لا تزال تجد صعوبة في أن تنسق النار بمنهاجية وتعمل تحت خوف دائم من الاغتيالات لكبار رجالاتها وضرب بناها التحتية. كجزء من هذا الغي امس خطاب الزعيم الجديد نعيم قاسم “لاسباب امنية”.
ان الموافقة اللبنانية على وقف النار ستسمح لأول مرة منذ 7 أكتوبر بفك الارتباط بين لبنان وغزة. معقول ان تطلب إسرائيل أكثر من هذا: ان تتوقف الهجمات الى أراضينا حتى من جانب لبنان ووكلائها الاخرين في المنطقة. يمكن للايرانيين ان يفرضو هذا على الميليشيات في العراق وفي سوريا وبشكل جزئي على الحوثيين في اليمن. في إسرائيل يأملون في أن تنجح إدارة ترامب الجديدة في دحر ايران الى الزاوية في هذه المسألة أيضا.
--------------------------------------------
يديعوت: 20/11/2024
تثبت سيطرة دائمة في القطاع؛ هكذا تتحقق خطة اقامة حكم عسكري في غزة
بقلم: اليشع بن كيمون
هل إسرائيل في الطريق الى تحقيق فكرة الحكم العسكري في قطاع غزة؟ الوزيران سموتريتش وبن غفير سبق أن اعربا عن رأيهما في الموضوع مرات لا تحصى، لكن الان يبدو أن الأمور تتلقى دفعة على الأرض.
علمت “يديعوت احرونوت” أن جهاز الامن بدأ في الأيام الأخيرة يعمل بشكل فاعل مع شركات خارجية للعناية بكل مواضيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة تحت اشراف إسرائيلي. يدور الحديث عن انتقال من خطط كانت على الورق الى تحققها العملي على الأرض. إضافة الى ذلك يعمق الجيش في القطاع الاستيلاء على الأرض، يوسع المحاور التي يحوزها ويقيم مثابة “بؤر عسكرية” – كل هذا في الطريق الى استيلاء واسع على الأرض وعمليا إحلال حكم عسكري في القطاع.
في الأيام الأخيرة تجرى مداولات يقظة في الموضوع بين الجهات المختلفة، بينها وزير الدفاع، كبار رجالات جهاز الامن ووزراء كبار للدفع قدما بالسياسة. وحسب مصادر مطلعة على التفاصيل ثمة عدد من الشخصيات في قيادة المنطقة الجنوبية تدفع بهذا الاتجاه داخل المنظومة وتخلق حوارا مع المستوى السياسي في هذا الموضوع. يأتي الانتقال الى اعمال نشطة في هذا الشأن على خلفية تغييرين هامين أخرا حتى الان أعضاء الكابنت من الجانب اليميني وازيلا عن الطريق: استبدال وزير الدفاع يوآف غالنت بإسرائيل كاتس وانتصار دونالد ترامب في الانتخابات الامريكية.
وتروي مصادر مطلعة على التفاصيل بان الوزير غالنت كان جديا تجاه الأفكار التي كانت تأتي من جهة وزير المالية سموتريتش بالنسبة للضفة الغربية وقطاع غزة ومثّل موقف جهاز الامن في جملة مواضيع بما فيها هدم البؤر الاستيطانية، اصدار أوامر اعتقال اداري لنشطاء من اليمين المتطرف وكذا في مسألة اليوم التالي في قطاع غزة. الخطط للاستيلاء على الأرض كجزء من الثمن الذي يجبى من حماس تتوافق مع خطط المستوطنين للاستيطان في شمال القطاع.
وتدعي محافل في الاستيطان بان الحديث يدور عن فترة زمنية تاريخية لتغيير الواقع على الأرض تجاه الفلسطينيين وفرصة لن تتكرر. وتدعي هذه المحافل بانه تقرر عدم انتظار دخول إدارة ترامب الى البيت الأبيض بل البدء منذ الان لتخطيط وتنفيذ اعمال على الأرض لتكون اول من تضع على الطاولة خططا تشكل أساسا لعمل الإدارة الجديدة. في هذا السياق يشرح مصدر رفيع المستوى في الاستيطان بان الامر المركزي هو “الحفاظ بكل ثمن على وحدة الائتلاف انطلاقا من الرغبة في تنفيذ الخطط في صالح الاستيطان”.
ومع انه لم يتخذ قرار سياسي بالنسبة لـ “اليوم التالي” في قطاع غزة واساسه إقامة حكم عسكري، ينشغلون في الحكومة بذلك ويعملون مرحلة إثر مرحلة في الطريق لتحقيق الخطة. فضلا عن التداعيات الاقتصادية، اللوجستية والأمنية لاقامة حكم عسكري توجد أيضا تداعيات قانونية بعيدة الأثر تتعلق بالسيطرة على مليوني فلسطيني.
تشير مصادر قانونية الى انعدام وضوح شديد في مسألة ما العمل في غزة بعد 13 شهر حرب. معنى السيطرة المدنية في غزة هي أن تكون إسرائيل مطالبة بتوفير احتياجات السكان – مساعدات إنسانية، كهرباء، اتصالات وصرف صحي وليس فقط السماح لمنظمات دولية لنقل الطعام والتطعيمات.
بغياب قرار من المستوى السياسي تضطر إسرائيل في الأشهر الأخيرة للتصدي لالتماسات الى محكمة العدل العليا في مسألة احتلال القطاع تنطوي كما اسلفنا على تداعيات قانونية عديدة بالنسبة للعناية بالسكان وكذا إجراءات دولة كتلك الجارية في محكمة العدل الدولية في لاهاي. على الطاولة موضوع أيضا حل آخر لا يحظى باي تقدم على الاطلاق وهو سيطرة كيان آخر كالسلطة الفلسطينية – حل يعارضه نتنياهو وأعضاء حكومته معارضة قاطعة – او كبديل أخذ مسؤولية على المنطقة من دولة أخرى، حل غير قابل للتنفيذ طالما تواصل قتال إسرائيل في غزة.
--------------------------------------------
هآرتس 20/11/2024
النار تقترب من المكتب والديمقراطية ستتحمل الثمن
بقلم: عاموس هرئيلِ
لافتة لحزب نوعم – شريك صغير وحالم في ائتلاف نتنياهو – تم تعليقها أمس على جسر في شارع ايالون. “دمه (لا سمح الله) على يديك”، كتب على خلفية صور رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والمستشارة القانونية للحكومة غالي بهراف ميارا. بعد بضع ساعات نشرت شائعات عن عملية قريبة لنتنياهو لاقالة رئيس الشباك رونين بار، وايضا اقالة المستشارة.
في هذه الاثناء تسرب لوسائل الاعلام نبأ مشوه من جهة مصلحة السجون: حبل شنق وجد في زنزانة ايلي فيلدشتاين، المتحدث بلسان نتنياهو، المشبوه الرئيسي في قضية المعلومات الاستخبارية المسروقة. بعد ذلك قيل إن هذا كان اختراع مرتجل من ادوات مسموح بها توجد في غرفته، الذي هدفه غير واضح. ولكن في نفس الوقت قالوا بأنهم في مصلحة السجون يخشون “من نية انتحار” بطل القضية، لذلك نقلوه الى غرفة اعتقال اخرى.
حتى المساء تنافس فيما بينهم وزراء واعضاء كنيست في الائتلاف، بعضهم شخصيات رفيعة جدا، في دعوات غاضبة لاقالة بهراف ميارا وبار. آخرون طلبوا اطلاق سراح المتحدث على الفور، الذي وصف كشهيد يخضع للتحقيق السياسي، وكل ما يهمه هو اسقاط نتنياهو. هؤلاء الاشخاص الذين منذ اشهر يديرون الظهر لعائلات المخطوفين يذرفون الآن دموع التماسيح على مصير عائلة المشبوه بأنه نشر معلومات مزورة بصورة تستهدف احباط صفقة المخطوفين.
ما زال من غير الواضح هل التسريبات والتصريحات تعكس نية حقيقية وفورية لاقامة بهراف ميارا وبار، أو فقط تمهيد الارض لذلك بواسطة تعويد الجمهور، الذي رد باستغراق وغضب على ليلة غالنت الاولى في آذار 2023، وبلامبالاة شبه تامة لاقامة وزير الدفاع في الشهر الماضي. الظاهر للعيان هو أن نتنياهو راكم ثقة بالنفس بعد نجاحه في المحاولة الثانية لاقالة غالنت. في الخلفية يتم الشعور بتأثير دونالد ترامب، فوز المرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الامريكية والتهديدات الفظة التي ينثرها حوله بشأن تصفية الحساب مع خصومه في جهاز القضاء والامن في امريكا. نتنياهو تعود على تقليد خطوات ترامب في الجبهة الداخلية. هكذا هو فعل ايضا بعد فوزه السابق في 2016.
لا شك أن بهراف ميارا وبار يزعجان رئيس الحكومة في خططه (بدرجة اقل هو معني ايضا بابعاد رئيس الاركان هرتسي هليفي). قضية فيلدشتاين وسرقة المواد السرية من قسم الاستخبارات، التي تلقي بظلالها ايضا على آخرين في مكتب نتنياهو، تساهم في هذه الاجواء المشحونة. ورغم محاولة رئيس الحكومة تقزيم الموضوع إلا أنه كشف الاشتباه باستخدام منظومة متشعبة، جمعت معلومات حساسة من الجيش الاسرائيلي وتلاعبت بها ونشرتها في البلاد وفي الخارج، وعندها اهتمت باعادة تدوير الرسائل الحاسمة لنتنياهو – التي بحسبها المظاهرات من اجل اطلاق سراح المخطوفين تمس بجهود التوصل الى صفقة – كل ذلك بنجاح غير قليل.
فيلدشتاين هو اصغر الاعضاء في المكتب واحدثهم، التي هي مجموعة معظمها تسير مع نتنياهو منذ عشر سنوات والاعضاء فيها يعرفون أين يتم دفن الاسرار. يصعب التصديق بأنهم شاركوه في كل الامور المعروفة للمنظومة، أو أنه وجد نفسه في اتصال مباشر ودائم مع رئيس الحكومة. الآن لا يوجد أي دليل على أن الاخير ورط نفسه بشكل مباشر في اخراج المعلومات من الاستخبارات العسكرية أو نشرها. وحتى الآن الضغط في موضوع فيلدشتاين أصبح واضحا. الايام القريبة القادمة هي ايام حاسمة في هذه القضية. النيابة العامة قريبة من تقديم لائحة اتهام ضد فيلدشتاين على اعتبار أنه الشخص الرئيسي. واذا قرر التحدث بحرية ومحاولة انقاذ نفسه فانه يمكنه توجيه النار الى اشخاص آخرين في المكتب.
الاعلامي يانون مغيل، البرغي الرئيسي في الماكنة (“انبوب حسب وصفه)، غرد امس في تويتر، وبعد ذلك قام بمحو التغريده، بأن فيلدشتاين اعترف في محادثة مع رئيس الاركان بأنه هو الذي سرب الوثيقة السرية لصحيفة “بيلد” الالمانية. واضاف بأنه كان بين هليفي وفيلدشتاين دماء فاسدة. مراسلون آخرون في معسكر نتنياهو اتهموا هليفي بأنه اراد المس بفيلدشتاين من خلال التحقيق، لذلك فانه هو المسؤول عن تعريض المشبوه للخطر، في “اقبية الشباك” (التي خرج منها الآن). الغضب ومهاجمة رئيس الجهاز مصدرها كما يبدو، بالاساس، هذا التحقيق، الذي يقرب النار من المكتب. ميخائيل هاوزر طوف كشف أمس في الصحيفة سبب آخر وهو أن الشباك رفض توفير خاتم مطاطي لذريعة جديدة لنتنياهو، تهدف الى تأجيل تقديم شهادته في محاكمة الآلاف المخطط لها في 2 كانون الاول. أي تقديم رأي مهني يقول بأنه من الخطر على رئيس الحكومة التواجد لفترة طويلة في مكان واحد مثل المحكمة في القدس.
التحقيق الجديد والمحاكمة القديمة يمكنهما احتجاز نتنياهو في نوع من حركة الكماشة، يبدو أنه غير مقتنع بعد تماما بأنه يستطيع النجاة منها. في هذه الاثناء من يؤيدونه يشيرون الى متهمين آخرين وبذلك يبحثون عن طريق نجاة ممكنة. من هنا جاء الانقضاض على المستشارة القانونية ورئيس الجهاز. نتنياهو في ظهوراته العلنية المعدودة يبث دمج غريب ومتميز بين الغطرسة من التطورات الايجابية (فوز ترامب وتوسيع الائتلاف وانجازات الجيش الاسرائيلي في لبنان) وبين الخوف الكبير من الاخطار الكامنة له (مؤامرات جهاز الامن وجهاز القضاء). كالعادة هو الضحية الوحيدة التي معاناتها مهمة، هناك وقت كثير مكرس – في خطابات وفي قنوات الدعاية – لوصف الملاحقة التي مر بها اكبر من الضائقة الفظيعة للمخطوفين في انفاق غزة.
المادة 7 في قانون الشباك تنص في وصف هدف الجهاز وعمله بأن “الجهاز مسؤول عن الحفاظ على الانظمة الديمقراطية ومؤسساتها”. واجراء لاقالة المستشارة يمكن أن يصطدم بالصعوبات حتى بسبب اتفاق تضارب المصالح الذي وقع عليه نتنياهو على خلفية محاكمته. قانونيا، اقالة بار يمكن أن تكون خطوة اكثر سهولة للتنفيذ. هو ايضا يخضع بالكامل لصلاحية نتنياهو. من غير الصعب فهم الى أين يسعى رئيس الحكومة، شريطة أن هذه هذه العملية لا تكلفه انتفاضة عارمة للجمهور. تعيين رئيس خدمة متعاطف اكثر من احتياجاته الشخصية، كما حدث مع المفتش العام للشرطة، سيمكن من ابعاد المتظاهرين عن بيته، وبعد ذلك فرض القيود على الاحتجاج بشكل عام، بما في ذلك نضال عائلات المخطوفين. من هنا فصاعدا المنزلق الحاد لتخريب الديمقراطية يمكن أن يصبح بسهولة سقوط حر. نحن نوجد في لحظة حاسمة لاستمرار النظام الديمقراطي في اسرائيل.
--------------------------------------------
هآرتس 20/11/2024
الاستحواذ المرضي لعدم اهلية نتنياهو يخدم قادة الانقلاب النظامي
بقلم: رفيت هيخت
في الفترة الاخيرة امتلأت الصحف في اسرائيل بشائعات منمقة عن نية نتنياهو العزل الفوري لرئيس الشباك رونين بار. على الفور بعد ذلك جاء ايضا تفصيل اسباب هذه الخطوة التي ظهر وكأنها اخذت من كتب التاريخ في دول مثل رومانيا في الثمانينيات، أو روسيا (دائما). استغلال اطلاق الالعاب النارية نحو منزل رئيس الحكومة في قيصاريا، والعداوة لجميع حراس العتبة، لا سيما الذين لا يتعاونون مع التخلي المجرم عن المخطوفين، ومحاولة التأثير على رئيس الجهاز بهدف توفير رأي مهني يؤيد محاولة نتنياهو التملص من شهادته في المحاكمة – كل ذلك كان جزء من الذرائع لهذه الخطوة المستقبلية. والى كل ذلك يضاف بالطبع التفسير الدائم لـ “وجود ضغوط شديدة في محيط نتنياهو”.
من غير الواضح اذا كان الحديث يدور عن معلومات تم تسريبها من الحاشية أو أنها كانت من مصدر آخر. المؤكد هو أن تنفيس بالون التجربة هذا يخدم نتنياهو، ويأتي في موازاة استئناف الهجوم الوحشي لاعضاء الحكومة على المستشارة القانونية – التي هي حارسة عتبة اخرى ما زالت واقفة، لوحدها تقريبا، أمام محاولة الحكومة استغلال وضع الحرب وكسر ذراع الديمقراطية في اسرائيل.
اقالة وزير الدفاع يوآف غالنت التي تم وقفها في المرة السابقة في آذار 2023، قام نتنياهو بوضعها مرة اخرى على الطاولة عشية التصعيد في الشمال وهجوم البيجرات في ايلول. في حينه قام باعادتها الى الطبقة العليا في التجميد الى حين التنفيذ الكامل قبل اسبوعين تقريبا. ما تحقق في هذه الفترة هو تطبيع الفكرة، التي في البداية تم النظر اليها كما تستحق – فضيحة فاسدة لا اساس لها وليس لها أي صلة بالاعتبارات المهنية، بل هي تنبع من المصالح السياسية. ربما هذا هو الوضع الذي يوجد امامنا: تعويد الجمهور على فكرة اقالة احد حراس العتبة، الذين يتجرأون على معارضة حكم عائلة نتنياهو. فائدة ثانوية، مهمة ايضا، لهذه الشائعات هي تخويف من يتجرأون على التحقيق في الاسلوب الاجرامي السائد في مكتب نتنياهو وفي الحكومة، ويعارضون القوانين الفاسدة.
إن زيادة تهديد الديكتاتورية من ناحية نتنياهو ينبع من ازمات ما زالت حتى الآن لم يتم حلها. الاولى هي الخوف الكبير من تقديم شهادته في المحكمة التي يمكن أن تبدأ في 2 كانون الاول. وحسب مصادر في محيطه، اكبر بكثير من تسريب المعلومات التي تمت سرقتها من الجيش الاسرائيلي وارسالها الى صحيفة “بيلد”، وهي القضية الآخذة في خنق مكتبه – نتنياهو مضغوط من الشهادة، وللدقة، من اخراجه الى حالة عدم الاهلية في اعقاب الالتماسات التي ستقدم للمحكمة العليا اثناءها أو بعدها.
الاستحواذ المرضي لعدم اهلية نتنياهو، يقف ايضا من وراء الرسالة الغريبة والمهينة التي اصدرها رؤساء الائتلاف في الاسبوع الماضي حول هذا الامر، والتي ليس لها أي صلة بالواقع. المستشارة القانونية لا تهدف الى ذلك، وبالتأكيد ليس قضاة المحكمة العليا، الذين يعملون بتشكيلة هشة، محافظة ومليئة بالخوف. في الواقع يبدو أن ردود فعل نتنياهو الهستيرية هي التي اوصلته الى هذه المنطقة. والاكثر خطورة من ذلك هو أنها تدفع كل الدولة نحو صراع خطير وفوضوي بين السلطات. النزاع الشخصي لنتنياهو مع جهاز انفاذ القانون والخوف الكبير من السجن، تخدم ايضا خيال قادة الانقلاب النظامي. فهم يهتمون باقالة المستشارة القانونية للحكومة أو رئيس الشباك، التي سيتم الغاءها في المحكمة العليا، ضمن امور اخرى، بسبب التضارب الواضح للمصالح الذي يوجد فيه من قام بعملية العزل، الامر الذي سيؤدي الى الفشل التاريخي والفوضوي بسبب عدم احترام الحكومة لقرار المحكمة العليا.
السبب الثاني في خيبة أمل نتنياهو هو عدم النجاح في حل ازمة قانون الاعفاء من التجنيد. مثلما تشير جميع الاستطلاعات التي فيها حزب وزير المالية يوجد هو و”بلد” وجدعون ساعر تحت نسبة الحسم. الجمهور المتدين القومي لا يشتري هذه الهراءات، كما أنه رغم تعليمات الصقورية إلا أن ادارة ترامب لا يبدو أنها ستقدم هدية الضم، على الاقل ليس في المستقبل القريب.
ازاء الازمة المتطورة في جهاز الاحتياط، ووقوف لجنة الخارجية والامن يولي ادلشتاين وبعض اعضاء حزب الصهيونية الدينية، الذين في هذه الاثناء يلمحون الى أنهم لن يؤيدوا أي عملية خداع تعفي الحريديين من التجنيد – يبدو أن نتنياهو غير قريب من الحل. في اعقاب ذلك يبدو أن نتنياهو يقوم بدحرجة اشياء نحو كل من يهدد بالوقوف في طريقه، سواء امام محاولته اليائسة لاحباط تقديم شهادته، أو بهدف اعفاء الحريديين من التجنيد.
--------------------------------------------
هآرتس 20/11/2024
يجب علينا الصمت والاندماج في النظام الجديد
بقلم: تسفي برئيل
لنفترض للحظة، ليس كتمرين على الخيال الموجه، بل كسيناريو واقعي – أن حكومة الجريمة وكنيست الجنون سيحققون جميع رغباتهم. وأنه بعد اسبوعين سيتم طرد المستشارة القانونية للحكومة، وأن رئيس الشباك ستتم اقالته، وأن رئيس الاركان سيعلن بأنه لم يعد يستطيع الاستمرار، وأن الجنود سيقتلون من اجل الدفاع عن النظام وليس عن الوطن، وأن مشاريع القوانين التي استهدفت ترسيخ انقلاب نظامي في اسرائيل ستتم المصادقة عليها كقوانين، وبالطبع ايضا قانون الاعفاء من الخدمة، وما شابه.
لنفترض أن رئيس الحكومة لن يحصل فقط على الاعفاء من تقديم شهادته – محاكمته سيتم تأجيلها الى نهاية ولايته. يمكن الادعاء ايضا أن هذا ليس سيناريو رعب آخر، بل هو الوضع القانوني والاداري السائد الآن في اسرائيل، وأنه لا يوجد أي معنى لوجود حراس العتبة.
يبدو أن مواطني اسرائيل ينضمون لمئات ملايين الاشخاص في العالم الذين يعيشون في مثل هذا الوضع، ليس فقط في دول العالم الثالث، بل ايضا في ما يعتبر “عالم غربي”، الدول الاوروبية وربما قريبا في الولايات في ظل حكم ترامب. قلة قليلة من المواطنين يهاجرون في الحقيقة من بلادهم للبحث عن مكان معقول أكثر لتربية اولادهم فيه ويبدأون حياة جديدة، حتى بثمن تبني هوية سياسية وثقافية مختلفة، وربما أن الاغلبية الساحقة ستواصل العيش في اقفاص الضغط والقمع والاحباط التي ولدت فيها. الفرق بين هذه الدول واسرائيل يكمن في وجود الأمل في التغيير، الامر الذي يجعل المواطنين يطورون معارضة سياسية ويذهبون مرة تلو الاخرى الى صناديق الاقتراع للتحرر من الكابوس. احيانا هذا الامل يتحقق، مثلما حدث في الانتخابات في حزيران في بولندا. واحيانا الفرق بين الديكتاتورية التي تستند الى اجراءات ديمقراطية وبين الديمقراطية الليبرالية، يكمن في نسبة معدودة، تحافظ على الامل في التغيير مثلما حدث في الانتخابات في تركيا في 2023، التي فيها للمرة الاولى خلال العشرين سنة لولايته اضطر رجب طيب اردوغان الى التنافس لولاية ثانية.
لكن هناك ايضا امثلة كثيرة لدول فقد فيها الجمهور الامل. دول يشعر المواطنون فيها بأنهم لاجئون في بلادهم. يبدو أن اسرائيل تسير في هذا المنحدر الحاد. هذا لا يعتبر لجوء رسمي فيه يفقد الشخص وطنه بسبب الاحتلال أو يهرب للنجاة بحياته من رعب المطاردة، بل هذا لجوء فيه الشخص يغترب وينفصل لأنه ليس لديه القدرة على التأثير على مستقبل بلاده، وكأنه طالب لجوء، مواطن اجنبي أو سائح.
الآن يوجد عدد كبير من السكان، ليس فقط العرب الذين تم ابعادهم كليا عن الخطاب العام، اختاروا الصمت لأنهم ادركوا الثمن الباهظ الذي سيدفعونه اذا قاموا بالاحتجاج. هم يرون كيف أن الاحزاب التي كان يجب عليها تمثيل قيمهم تقوم بالتخلي عن مواقفها من اجل اعتبارها احزاب “صهيونية”. هم يبحثون عن قيادة بديلة فقط كي يخرج في الصنارة جنرال أو اكثر في الاحتياط لا يتجرأون على طرح ايديولوجيا مختلفة ويحرصون على الحركة داخل الظل الذي يفرضه النظام.
هؤلاء المواطنون الذين يخشون اقالة المستشارة القانونية للحكومة ورئيس الشباك خوفا من فقدان حراس العتبة، اجتازوا العتبة الآن. هم ينفعلون من اللافتة الصفراء الصادمة والتي تذكرهم بأنه يوجد “طفل في غزة”، يهودي مخطوف، لكنهم يعرفون أنه يجب كم الافواه وعدم التحدث عن آلاف الاطفال الغزيين الذين قتلوا.
لا يوجد أي حارس عتبة سيبقى في منصبه، يمكنه ترميم الاخلاق الذي ضاعت، أو ايقاظ من سباتهم مئات الآلاف، أو ربما فقط عشرات الآلاف، من المواطنين كي يخرجوا للاحتجاج من اجل المخطوفين، ناهيك عن وقف جرائم الحرب التي يتم ارتكابها في غزة. هم سيصمتون لأن المخطوفين وعائلاتهم ليسوا فقط العائق امام النصر المطلق، بل هم يزعجون ايضا، كمواطنين – لاجئين، من اجل الاندماج في المجتمع الاسرائيلي الجديد الذي تقوم بهندسته بنجاح عصابة النظام الاجرامية.
--------------------------------------------
هآرتس 20/11/2024
اسرائيل الآن هي دولة ابرتهايد
بقلم: حجاي العاد
بعد مرور يومين على الانتخابات الامريكية قامت ايلانا ديان باجراء مقابلة مع كاتب الاعمدة في “نيويورك تايمز” توماس فريدمان. وقد قال في هذه المقابلة بأن ” اكثر شيء يُخاف منه على اسرائيل هو ترامب، الذي ببساطة سيقول لبيبي: افعل كل ما يريده، قم بضم هذا، حافظ على هذا واحتل هذا، لأنه عندها اسرائيل ستبقى مع 7 ملايين يهودي، الذين في نهاية المطاف سيحتلون اكثر من 7 ملايين عربي”.
فريدمان لم يفسر، وديان لم تسأل. كيف بالضبط المستقبل الذي وصفه يختلف عن الوضع الموجود الآن في اسرائيل – فلسطين. عمليا، وصف مستقبل نظري بائس ليس إلا صياغة دقيقة لواقع حقيقي معروف. مع نفي الواقع فان فريدمان وصف ما اصبحت عليه اسرائيل الآن – ومنذ فترة طويلة: واقع ثابت فيه 7 ملايين يهودي يسيطرون، يستغلون ويسلبون الحقوق، من 7 ملايين فلسطيني، أي ابرتهايد.
فريدمان هو محلل حصل على جوائز كثيرة، وهو مقرب من الرئيس جو بايدن، واحيانا يعمل كصوته غير الرسمي. ديان هي من المراسلين المقدرين في اسرائيل. مع ذلك، الاثنان تحدثا عن امور لا يمكن وصفها إلا بالهراءات – هذا الامر تم التعامل معه كمقابلة معقولة بين مراسلين جيدين، ليبراليين ويؤيدان الديمقراطية، ولا يؤيدان اشخاص سيئين مثل نتنياهو أو ترامب، الامر الذي اوصلنا الى ميتشغين، التي فيها تأسست هذه السنة حركة “غير ملزمين” احتجاجا على علاقة ادارة بايدن بالحرب والطريقة التي خدمت فيها الولايات المتحدة القتل الجماعي للفلسطينيين وتدمير غزة. هذه الحركة طلبت من مؤيديها التصويت بـ “غير ملزمين” في الانتخابات المبكرة، من اجل اظهار التحفظ من ادارة بايدن، وفي نفس الوقت المطالبة في أن تعتبر الولايات المتحدة الفلسطينيين بشر وحمايتهم من القتل والتجويع والتطهير العرقي.
مصوتو “غير ملزمين” يمكنهم بالتأكيد الاشارة الى عدد كبير من تصريحات بايدن وانطوني بلينكن، التي عبرت عن التزام عالمي بحقوق الانسان. وكان يمكنهم العودة اربع سنوات الى الوراء، الى وعد بايدن بأن يتصرف بشكل مختلف جوهريا عن سلفه ترامب، وكان يمكنهم اقتباس الخطاب الافتتاحي لوزير الخارجية بلينكن الذي اشار الى العلاقة بين الديمقراطيات القوية وحقوق الانسان وامكانية منع صعود زعماء ديكتاتوريين.
الوعود شيء والواقع شيء آخر. عمليا، ادارة بايدن لم تلتزم بهذه القيم. الديمقراطيون مكنوا اسرائيل من ارتكاب جرائم حرب فظيعة – في الوقت الذي فيه يسلحونها ويدعمونها. حتى “الانذار” الاخير لم يقدم أي شيء باستثناء نموذج آخر يشير الى أي درجة الادارة الامريكية هي لا تلتزم وبحق بالقيم التي اقسمت باسمها. الانذار انتهى بعد 30 يوم، وتقريبا لم تتم الموافقة على أي طلب فيه. ولكن ما هي الخطوات التي تم اتخاذها ضد اسرائيل ردا على ذلك؟ لم يتم اتخاذ أي خطوة.
السناتور بيرني ساندرز قال: “يجب عدم الدهشة والمفاجأة من أن الحزب الديمقراطي الذي تخلى عن طبقة العمال سيكتشف أن هذه الطبقة تخلت عنه”. هذه الاقوال الدقيقة صحيحة ليس فقط في سياق الاقتصاد. فاذا كان الحزب لا يلتزم بناخبيه أو القيم المعلنة فلماذا سيلتزم به أي أحد.
الجمهور يرى ما وراء الاكاذيب الليبرالية ويرفضها. النتيجة كما هو متوقع هي رئيس ديكتاتور. مع ذلك، نحن بقينا مع التحذير من مستقبل فيه يمكن لاسرائيل أن تفعل ما تريده، في حين أنها في الواقع هي تفعل ما تشاء أصلا، مع سياسيين ليبراليين لا يلتزمون بحقوق الانسان، الذين يتم تكرار اقوالهم من قبل صحافيين ليبراليين لا يلتزمون بالوقائع. مع كلمات سامية، لكن عمليا، هراءات وجرائم حرب.
“هيا، سنبدأ هذا الصباح بالتدريب”، قالت نيكول بابتسامة كبيرة أمام الكاميرا، وهي مقدمة حملة الدعاية الجديدة لتجنيد المجندين والمجندات للخدمة في السجون، التي تعرض مصلحة السجون كعالم أحلام للمساواة بين الجنسين. إذا حكمنا على الأمور حسب الإعلان والأفضلية الأساسية للعمل في مصلحة السجون، فهي أيام الإجازة وتدريبات اللياقة البدنية واللحظات المؤثرة التي يحصلون فيها على توجيه اللكمات للسجناء.
الكاميرا ترافق نيكول وأصدقاءها في درس الجودو، الذي قطع عند استدعائهم إلى القسم بمكبر الصوت. “هيا، لدينا عمل مثير”، قالت نيكول بنفس الابتسامة العريضة وهي ترتدي وسائل الحماية. “العمل المثير” ينتهي بتصوير السجانين وهم يجرون سجيناً مكبلاً ويحنون رأسه بالقوة، لكن لا حاجة للقلق. تحتم نيكول الحدث بتنفس الصعداء وتذهب إلى البيت ليومين على خلفية رائعة لغروب الشمس. “هيا، لتكوني جندية في سجن في مصلحة السجون”، يعلن المذيع بشكل مغر.
كما يتحول رجال الإطفاء إلى “محاربي نيران”، يتبين أن السجانين أصبحوا من الآن فصاعداً “محاربي السجن” (قريباً في دعاية لضريبة الدخل: “محاربو ضرائب”، جريئون، يقتحمون محلات صغيرة فجراً). هذا التجديد التافه هو جزء من عملية عسكرة اللغة العبرية، التي يصبح فيها كل صاحب منصب محارباً، وكل وزير وزيراً للأمن، وكل عملية احتجاج إرهاباً. ولكن تغيير الاسم من أصحاب المواقع الخطيرة في هذه الحالة: إذا كان السجانون محاربين فهذا يعني أن السجناء عدو يجب محاربته. “الأعداء” الذين هم تحت رحمة السجانين، يأتون في معظمهم من مجموعة سكانية ضعيفة بحاجة إلى الدعم والتأهيل، لكن هذا وبحق يظهر أقل حماسة من الوعود بـ “عمل مثير” على حسابهم.
هذه المقاربة المشوهة تفيد في تمثيل روح الوزير بن غفير، الذي أظهر منذ بداية طريقه في وزارة الأمن الوطني، استحواذاً مرضياً غريباً للمس بحقوق السجناء الأمنيين، خلافاً لموقف جميع الجهات المهنية. عندما تكون هذه هي روح القائد، فليس غريباً أن تعرض لمصلحة السجون دعاية للعنف ضد السجناء كعمل مثير، والسجين الوحيد فيها يظهر مكبلاً مقتاداً بشكل مهين. إن نزع الشرعية يميل للتمدد دائماً: من سجناء أمنيين إلى جنائيين، ومن سجناء إلى مشبوهين، ومن مشبوهين إلى كل مواطن قد يعرض الحكومة للخطر (في الديكتاتورية، الجميع مشتبه فيهم مسبقاً).
يصعب اتهام منتجي الدعاية – اللكمات هي الإغراء الوحيد تقريباً الذي يمكنهم عرضه على السجانين المحتملين. ومثل أي مجال آخر، الذي مس به بن غفير، وأصبحت منظومة السجون أيضاً في السنة الأخيرة ساحة كارثية، ليس فيها تخطيط أو سياسة.
في تقرير خاص نشرته النيابة العامة في شباط الماضي، أشير إلى أن الارتفاع الكبير في عدد السجناء الأمنيين في أعقاب الحرب، أدى إلى “أزمة غير مسبوقة في السجون، في إطارها يتجمع السجناء، الجنائيون والأمنيون، في مساحة عيش غير إنسانية”. الزيارات التي قام بها ممثلو النيابة إلى منشآت السجون، كشفت ظروفاً صحية متدنية ومشكلة الحشرات وظروف تهوية غير مناسبة، ونقصاً في المعدات الأساسية وما شابه. كالعادة، بدلاً من معالجة الأزمة بشكل مهني، يفضل بن غفير ورجاله الحل الشعبوي: اعتقال المزيد من الأشخاص (أيضاً نشر صور مهينة وتمس بخصوصيتهم)، استخدام ظروف السجن الصعبة كوسيلة للعقاب، وبعد ذلك تجنيد كتائب سجانين جدد بمساعدة الوعد بدروس القتال بالأيدي وضرب السجناء والانتقام).
وراء الابتسامة الواسعة ومشهد الغروب الرائع، تبدو دعاية مصلحة السجون وهي تسوق حلم بن غفير وحزبه بالرقابة والعقاب: دولة سجونها مليئة، والتعامل مع السجناء بعنف. كلنا نشبه بالتدريج السجانين والسجناء، عفواً، نشبه محاربي السجون وأكياس الضرب غير الإنسانية.
--------------------------------------------
هآرتس 20/11/2024
من يحمي المستشارة القانونية من عصبة “نتنياهو أولاً”؟
بقلم: أسرة التحرير
هجمة الحكومة واليمين على المستشارة القانونية للحكومة غالي بهرب ميارا، بلغت ذروة جديدة لا تنحصر في تكرار الدعوات لإقالتها، بل فيها أيضاً بوادر حماسة بلا كوابح من كلاب الهجوم البيبية في الحكومة ووسائل الإعلام. هذا التحريض يشهد على أن بهرب ميارا تقوم بعملها بتفان، وتحمي بجسدها – وأحياناً وحدها تقريباً – الديمقراطية في وجه المحاولات العنيدة من أعضاء الحكومة باستكمال السيطرة السياسية على أجهزة الدولة. بقدر ما تنوي الحكومة تجاوز القانون فتصطدم بمنظومة التحصينات من المستشارة القانونية، يتعاظم الغضب وتعابير التحريض ضدها وكذا الرغبة في إبعادها.
تخرج بهرب ميارا أعضاء المعسكر عن أطوارهم، الذي يشترطون قبل أي شيء الولاء لنتنياهو على حساب الولاء للدولة والجمهور. تطيع القانون ولا تطيع نتنياهو دون أن تطأطئ رأسها: فقد عارضت تأجيل شهادة نتنياهو في قضية الدفاع في محاكمته، وأمرت بإرسال أوامر تجنيد لـ 7 آلاف من أبناء المدارس الدينية، ورفضت الدفاع عن رغبة الحكومة في تمويل حضانات لأبناء المتملصين من الخدمة، ومؤخراً طلبت من نتنياهو النظر في إقالة بن غفير من منصب وزير الأمن القومي عقب محاولاته استكمال تسييس الشرطة.
في قائمة “خطايا”، تلعب بهرب ميارا دور النجم أيضاً في معارضتها تعيين آريه درعي وزيراً، وفي العصي التي دقتها في دواليب الانقلاب النظامي، ومعارضتها لقانون التملص من الخدمة وغيرها. فماذا تساوي المستشارة القانونية إذا لم تسمح للحكومة بفعل ما تشاء؟
لحظ الجمهور، إقالتها ستشكل علة لإخراج نتنياهو إلى العجز. غير أن نتنياهو قد يجتاز هذا الخط الأحمر ليهيئ تنحية رئيس “الشاباك” رونين بار، بسبب رفضه توفير إعفاء “أمني” لرئيس الوزراء يجنبه المثول أمام المحكمة للإدلاء بشهادته. هكذا تعمل الأمور في إسرائيل-نتنياهو: كل الطرق الفاسدة للحكومة تؤدي إلى محاكمة نتنياهو.
إذا أقيلت المستشارة القانونية فسيكون هذا عملاً واضحاً من تضارب المصالح. فالمتهم يستغل قوته في كونه رئيس الوزراء لينحّي المدعية العامة في محاكمته. لكن إقالة رئيس “الشاباك” عقب رفضه توفير إعفاء لنتنياهو من المحاكمة تقع هي الأخرى ضمن تصنيف تضارب المصالح.
على الجمهور أن يفهم ما الذي يجري أمام ناظريه. إبعاد المستشارة القانونية وتعيين فزاعة قانونية يقول “نعم” لكل ما تريد الحكومة عمله – سواء كان قانونياً أم لا – سيمنح الحكومة حرية مطلقة لاستكمال الانقلاب وتصميم صورة النظام على مقاييسها ورغباتها. على الجمهور أن يقف دفاعاً عن الأفراد الذين لا يزال يحمون الدولة من الحكومة ورئيسها.
--------------------------------------------
يديعوت أحرونوت 20/11/2024
الصحافة الإسرائيلية بأسلوب “أقترح احتلال لبنان”
بقلم: أمنون ليفي
هذا زمن الوحوش؟ يخرجون من مخابئهم ويسيطرون على وسائل الإعلام. الصحافة التي كانت ملتزمة بالحقيقة، تضعف. وتنمو في مكانها وسائل إعلامية لا أهمية فيها للحقائق، بات التلفيق خياراً شرعياً، والأمر الوحيد المهم هو التصويت الذي يجريه الناس بجهاز التحكم من بعيد للتنقل بين القنوات. وحسب هذا النهج، لا حاجة لنروي للجمهور ما هو ملزم بأن يعرفه عن بلاده في ساعة الحرب، بل هناك حاجة لنبث له أخباراً يحبها، وإلا سيغير المحطة.
كنا نخاف من الرقابة دوماً. ذات مرة، كنا نرى في مدير عام سلطة البث ضابطاً معيناً يشرف على البث ويناسبه مع إرادة الحكومة. احتقرنا هؤلاء المدراء العامين وحاولنا تجاوزهم. أملنا في مجيء يوم تكون فيه وسائل الإعلام حرة من ضغوط سياسية. عندما بثت القناة 2، كان يخيل أن هذا اليوم قد حل. لكن سرعان ما تبين بأن المدير العام الضابط حلت محله وسيلة أخطر: مدى المشاهدة، تفضيل الجمهور. واكتشف المذيعون بأن هناك حاجة لبث قصص يحبها الجمهور، وإلا سيفقدون مصدر رزقهم.
لم تحول مدى المشاهدة إلى الضابط الأكبر في لحظة واحدة؛ فقد استغرق هذا سنوات. بداية، لم يجد هذا تعبيره إلا في برامج لا تبث الأخبار، وكان هذا شرعياً هناك: وضع برامج رقص أو طبخ والتفكير بمدى المشاهدة. وهذا منطقي في قناة تجارية. أما عندما تسلل هذا إلى طرف الأخبار، إلى القسم الخفيف في النهاية، بات أكثر إشكالياً بعض الشيء. لكن الأخبار نفسها شوهت في زمن الحرب لأغراض مدى المشاهدة، وبات هذا رهيباً. عندما يكون توافق بين موقف سياسي ومدى المشاهدة، وهذا التوافق يملي مضمون الأخبار، فهذا يغير كل ما عرفناه عن وسائل الإعلام.
قنوات الحكم هي التي قادت هذه المسيرة، حيث استبدلت هذه المعلومات بالدعاية. وقد نجحوا في هذا على نحو فائق. في زمن الحرب الأكثر رهبة في تاريخنا، فإن مشاهدي ومستمعي وقراء هيئات وسائل الإعلام التابعة للحكم واثقة بأننا نعيش في فترة معجزة بفضل زعامة رئيس الوزراء المحبوب. ليس صدفة أن أناس قناة 14 يسمون القنوات الأخرى قنوات الذعر، لأن في بثهم بلاداً أخرى: مسحورة، سعيدة وبعيدة المنال.
لشدة الأسف، تبين أن الجمهور يفضل دعاية مفرحة على حقيقة محزنة. ترى الصحف الوضع وتعلق في معضلة: هل نرى فظائع الحرب؟ هل نتحدث عن ترك المخطوفين لمصيرهم؟ عن الدمار الذي لحق بغزة؟ عن الشبان الذين يتركون البلاد؟ إذا بثثنا سنهرب المشاهدين إلى القناة 14 حيث يوزعون البقلاوة وينشدون “تبارك الرب الذي يحبني دوماً، لن يكون لي إلا الخير”. إذا لم نبث، فسنخون غايتنا.
أصحاب القنوات والمدراء يرون أيضاً مدى ارتفاع المشاهدة. وليسوا وحدهم: حتى نحن، الصحافيين، محبي الحياة والرزق. وهذا ما دفع بعضاً منا للسير على الخط وفقاً لوسائل الإعلام الجديدة. زمن الوحوش هو هذا الزمن، كما أسلفنا، وإذا يتبين أن الكسر يميناً هو طريق الحصول على منصب، فهذا ما سنفعله. نبث تحريضاً بلا أساس، وفي الغداة نفحص جدول مدى المشاهدة.
هذه مسيرة ذعر، ونسير شوطاً بعيداً في نهايتها. مشروع قانون النائب شالوم دنينو بتأييد من الوزير كرعي، بأن يظهر مدى المشاهدة على الشاشة في الزمن الحقيقي، سيدهور الوضع أكثر فأكثر. أرى في خيالي كيف يطلب المحرر الذي يرى هبوطاً في مدى المشاهدة أثناء البث من المذيع في الأستديو أن يغير النبرة. “نحن نخسر”، سيصرخ عبر السماعة، “أقترح احتلال لبنان كله”.
إن أساس أداء الديمقراطية الليبرالية لمهامها هو اختيار عقلاني للجمهور، ويجب أن يقوم هذا على أساس معلومات حقيقية. هذه المعلومات آخذة في الاختفاء في بعض من الديمقراطيات الغربية. زعماء كترامب، هم الوليد المباشر لثقافة التلفيق في وسائل الإعلام. المخيف هو التفكير في أي نوع من النظام سيتوقف هذا التدهور.