جاء تعريف «الاسكوا» - لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا - للسلام متضمناً سبع معان:
«تثير كلمة "سلام" تفسيرات وردود أفعال معقدة ومتضاربة في بعض الأحيان. يعني مصطلح "السلام" بالنسبة للبعض "غياب النزاع". أما بالنسبة للآخرين، فهذا يعني "إنهاء العنف" أو "الوقف الرسمي للأعمال العدائية". وبالنسبة لآخرين أيضاً، يعني "العودة إلى حل النزاع بالوسائل السياسية". يعرّف البعض "السلام" بأنه تحقيق "العدالة والاستقرار الاجتماعي"، أما بالنسبة للآخرين، فهو "الرفاهية الاقتصادية"، و"الحرية الأساسية". يمكن أن يكون صنع السلام عملية ديناميكية لإنهاء النزاع من خلال التفاوض أو الوساطة. غالباً ما يكون السلام غير مستقر، حيث نادراً ما يتم حل مصادر النزاع أو القضاء عليها تماماً. بما أن النزاع متأصل في حالة الإنسان، فإن السعي من أجل السلام قوي بشكل خاص في أوقات النزاع العنيف. ومع ذلك، فإن الرغبة في استيعاب مرتكبي العنف من دون حل مصادر النزاع - التي يطلق عليها أحياناً "السلام بأي ثمن" - قد تؤدي إلى نزاع أكبر لاحقاً».(موقع الاسكوا الالكتروني)
نتفق مع رؤيتهم: «طاقاتٌ وابتكار، ومنطقتُنا استقرارٌ وعدلٌ وازدهار».
ونؤيد رسالتهم: «بشغَف وعزْم وعَمَل: نبتكِر، ننتِجُ المعرفة، نقدِّمُ المشورة، نبني التوافق، نواكب المنطقةَ العربية على مسار خطة عام 2030. يداً بيد، نبني غداً مشرقاً لكلِّ إنسان».
لكن لنتفق على أن معنى السلام يشمل كل النقاط التي نص عليها تعريف «الاسكوا» كتلة واحدة مترابطة متناغمة وليست كما قيل متضاربة، ولا نتفق أن النزاع متأصل في حالة الإنسان - حتى لا يستخدم هذا التأصيل في مزيد من النزاع - إنما المتأصل هو الميل للأمن والأمان، وحب السلام، وتمني السلامة للذات وللآخرين.
يدعي ترامب أنه سيكون رجل السلام الذي ينهي الحروب في العالم، وهذا شيء عظيم وجيد نتفق معه، لكن لرجل السلام صفات تقترب من الكمال، هل الرئيس ترامب قادر على مواجهتها؟. والسؤال الأصح: هل ترامب رجل سلام حقيقي أم مزيف؟. نأمل من قلوبنا أن يكون ترامب بطل السلام القادم إلى البيت الأبيض في مطلع العام القادم، وليس منافق السلام في البيت الأسود في أربع سنوات عجاف لا تثمر لا سلاماً ولا أمناً، وعكس ما يقوله ترامب يؤدي نفاقه إلى حروب ونزاعات.
رجل السلام يتمتع بصفات أهمها حب العدل، إن أراد فعلاً أن يكون رجل سلام وينهي الحروب على كوكب الأرض، أن تكون مبادراته عادلة لإنصاف الشعوب المظلومة، هل يظن ترامب أن يقوم سلام في الشرق الأوسط دون أن ينال الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية، هذه حقيقة بديهية: الظلم لا يصنع السلام، والسلام العادل في الشرق الأوسط واضح وضوح الشمس، يكمن في الشرعية الدولية حسب ما جاء في قرارات الأمم المتحدة بما يخص القضية الفلسطينية.
رجل السلام لا يمكن أن يؤيد كياناً عنصرياً، ولا أن يقبل إسرائيل دولة لليهود فقط، ولا أن يتماهى إلى درجة العنصرية مع اليمين الإسرائيلي المتطرف، في إنكار وجود شعب، والسعي المدمر لإبادته، رجل السلام لا يدعم قانون الدولة القومية لليهود في إسرائيل، الذي أقره الكنيست، مشروع «إسرائيل اليهودية الكبرى »، هذا مشروع اليمين المتطرف في الحركة الصهيونية العالمية، لا يتوافق بالمطلق مع أي مشروع سلام حقيقي، أنه مشروع للحروب لأنه يحمل في طياته التطهير العرقي لما تبقى من شعب فلسطين فوق أرضه .
السلام لا يقوم على الاحتلال، وسلب الأرض، وضمها بالقوة وفرض الأمر الواقع، نقلت القناة 12 الإسرائيلية، يوم الجمعة 16 آب/أغسطس عن الرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب قوله: «إن مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخارطة، ولطالما فكّرت كيف يمكن توسيعها»، وعلى حساب من ؟. إذا لم تجد من يمنح أرضه لإسرائيل سلمياً – ولن يجد- هل تنتزعها منهم بالسلاح ؟. هل يظن ترامب أن هناك دولة في العالم كله تقدم جزءاً من أراضيها تبرعاً؟. إذا كان ذلك ممكناً فلما لا تقدم الولايات المتحدة جزءاً من أراضيها لإسرائيل ؟.
مشروع ترامب في ولايته السابقة تمثل في صفقة القرن التي كانت صفقة لتصفية القضية الفلسطينية، هل يتوقع ترامب أن الفلسطينيين سيرضخون ويبيعون وطنهم في صفقة السلام مقابل الازدهار، ويقرون بشرعية الاستيطان في الأرض الفلسطينية المحتلة، ويقبلون بالتنازل عن القدس باعتبارها العاصمة الموحدة لإسرائيل، ويسكتون على نقل سفارة بلاده إلى المدينة المقدسة.
ومن منجزات ترامب التي لا يمكن تصنيفها كمنجزات تحقق السلام في المنطقة، اعترافه بضم الجولان السوري، وخالف ما كان رؤية أميركية للسلام في ادعاء الرؤساء ممن سبقوه إلى حل الدولتين.
أعلن ترامب رغبته بوقف إطلاق النار في لبنان وفلسطين، وهي نقطة مهمة وأساسية في صنع السلام، أو أنه البداية والمنطلق لتحقيق السلام، لا بد أن يتبعه إزالة آثار العدوان، والقائمة في استمرار الاحتلال للأرض العربية، ومنذ العام 1948 مُنع اللاجئون من حق العودة إلى بيوتهم التي هجّروا منها، وما تلا ذلك من عدوان عام 1967 في احتلال المزيد من الأرض العربية والفلسطينية، ترفض إسرائيل إعادتها لأصحابها الشرعيين.
رجل السلام لا يبتز الشعوب ولا ينهب خيراتها ولا يمكن أن يتصف بالخداع والتآمر والنفاق والاحتيال، والمصداقية تتطلب العمل والفعل وعدم الاقتصار على تصريحات فارغة من مضمونها، لكن ماذا يعني تصريح ترامب المراوغ، عندما سئل عما إذا كان يشجع نتنياهو على الموافقة على وقف إطلاق النار، قال: «لا، لم أشجعه، فهو يعرف ما يفعله لقد شجعته على إنهاء هذا الأمر، تريد إنهاء الأمر، لذا يجب أن ينتهي بسرعة لكن انتصر، وأنهي الأمر ويجب أن يتوقف القتل. إن إسرائيل يجب أن "تنهي ما بدأته" فيما يتعلق بعمليتها العسكرية في غزة». هذا في أواخر يوليو/تموز الماضي خلال زيارة نتنياهو لواشنطن لإلقاء كلمة في الكونغرس، التقى بترامب في مقر إقامته، فأخبر نتنياهو أن يحقق انتصاره وينهي هذا الأمر. النتيجة واحدة يا ترامب تشجعه أو تغض النظر عن جرائمه، وهو يحقق نصره المزعوم على المدنيين وسكناهم ويدمر مصادر عيشهم، أنت شريك المجرم في ارتكاب جريمته. لكن كيف سيضمن لهم الانتصار؟. بلا دماء ولا قتل ولا تدمير، بلا حرب يا رجل السلام!!.
يريد السيد ترامب دعماً أميركياً لعدوان إسرائيل على الشعب الفلسطيني، عندما قال: «سأقدم لإسرائيل الدعم الذي تحتاج إليه للانتصار، لكنني أريدهم أن ينتصروا بسرعة»، أين منه ادعاءه بالرغبة بالسلام وانهاء الحروب؟.
السيد ترامب لن يمنع إسرائيل من تحقيق النصر ولن يطالبها بوقف إطلاق النار، يقول «منذ البداية، تعمل هاريس على تكبيل يد إسرائيل خلف ظهرها، وتطالب بوقف فوري لإطلاق النار، تطالب على الدوام بوقف إطلاق النار". وأضاف أن وقف الحرب "ليس من شأنه إلا منح (حركة المقاومة الإسلامية) حماس الوقت لإعادة تجميع صفوفها وشن هجوم جديد على غرار هجوم السابع من أكتوبر».
رجل السلام لا يتهم حركات التحرر بالإرهاب، وبحجة الإرهاب يسعى إلى قتل المدنيين العزل بحكم أنهم يوفرون الملاذ الآمن، ذريعة أصبحت مستهلكة وواهية، هل كان لحركات التحرر أن تقاتل وتقدم الشهداء والتضحيات لو نالت حريتها واستعادت استقلالها.
كيف يكون رجل السلام صديق رجل الحروب والقتل وارتكاب المجازر؟. ترامب صديق نتنياهو عدو السلام، ولا يمكن أن يكون رجل سلام صديق عدو الشعوب، ونتنياهو مجرم حرب يجب أن ينال عقابه على ما ارتكبه من إبادة جماعية، وهذا حسب محكمة العدل الدولية، كمنظمة دولية لها مكانتها ومصداقيتها، ومن يحمي مجرم حرب ليس رجل سلام.
خلال وجود ترامب في البيت الأبيض لأربع سنوات 20 كانون الثاني/يناير 2017 ـــــــ 20 كانون الثاني/يناير 2021، كان ترامب خلالها معاد بشدة للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ومؤيد قوي لإسرائيل وتحديداً لنتنياهو، الشعب الفلسطيني ليس بحاجة أن يكتشف سياسة ترامب في الدعم المطلق لإسرائيل في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني ويعي شعبنا أن ترامب يريدون سلاماً على قياس فهمه، ووفق معاني لا تتعدى ما يسميه كوشنير السلام الاقتصادي، رخاء بلا حقوق سياسية ووطنية، بفرضها فرضاً بسحق المقاومة، وكسر إرادة الشعب الفلسطينيي.
رجل السلام لا يهدد الناس ويثير الفزع والخوف بينهم وعلى الأخص بين مواطنيه، لقد وصف ترامب المتظاهرين الأميركيين المناصرين للقضية الفلسطينية والمطالبين بإنهاء الدعم الأميركي لحرب إسرائيل بأنهم «بلطجية من أنصار حماس» و«متعاطفون مع التطرف»، وهدد باعتقالهم وترحيلهم من الولايات المتحدة إذا أصبح رئيساً.
مع ذلك نأمل أن نرى دونالد ترامب جديد كرجل سلام حقيقي.