اندلعت الحرب في 7 تشرين الأول 2023، بعد أن أعدّت "حماس" الأرضية لها جيداً، ووصفتها بأنها "نصر إلهي". شاركت إيران و"حزب الله" في التخطيط للهجوم، وعلِما بمشروع الهجوم الكبير. أمّا "حماس" فكانت على دراية بالتضحيات المطلوبة، ومع ذلك، نادراً ما تمت الإشارة إلى آثار الرد الإسرائيلي المحتمل في الوثائق التي ضُبطت. إذ إن "حماس" اعتبرت أن التضحيات، خصوصاً الخسائر البشرية الكبيرة، أمر لا مفرّ منه لتحقيق الاستقلال.
ذُكرت في الوثيقة الرسمية التي تشرح دوافع عملية "طوفان الأقصى"، والتي نشرتها "حماس" في مواقعها الإلكترونية، عدة أسباب للحرب، لكن لا يوجد فيها بند يشير إلى السبب المباشر لاندلاعها. لقد تضمنت جملة الأسباب: حجيج اليهود إلى الحرم، وقضية السبعة ملايين لاجئ الموزعين على مخيمات الشرق الأوسط، وعدم حلّ القضية الفلسطينية منذ أكثر من 75 عاماً، والاستيطان في الضفة الغربية، والأسرى الفلسطينيون. لم تتم الإشارة إلى أيّ حدث كبير يبرر لحركة "حماس" شنّ حرب شاملة ضد إسرائيل، بدعم من محور المقاومة الإيراني، بل تشير تحليلات المقالات المنشورة في مواقع "حماس" إلى أن الهدف الأسمى كان الحؤول دون التوصل إلى اتفاق التطبيع مع السعودية، وهو هدف إيراني بامتياز.
كان يحيى السنوار الشخصية الأبرز في التخطيط وتنفيذ عملية "طوفان الأقصى"، بصفته قائد "حماس" في قطاع غزة، وكونه أحد مؤسسي الحركة، وأحد أعضاء جناحها العسكري، كان السنوار يتمتع بنفوذ غير مسبوق. وبعد اغتيال إسماعيل هنية، تم تعيين السنوار رسمياً في قيادة الجناح السياسي أيضاً، ليصبح أول قائد لحركة "حماس" يتدرج من الجناح العسكري (كتائب عز الدين القسّام) ليقود أيضاً الجناح السياسي للحركة، ويُعتبر رابع زعيم سياسي للحركة، بعد موسى أبو مرزوق وخالد مشعل وإسماعيل هنية. وحسبما ورد في مقال في صحيفة "الشرق الأوسط"، كان السنوار يمثل رمزاً للارتباط بإيران، وهو ارتباط شمل تدريبات لأفراد الجناح العسكري، وتزويدهم بالسلاح، بما فيه الأسلحة الدقيقة الإصابة، والدعم المالي الكبير من إيران.
وصفت مصادر في "حماس" مقتل السنوار بأنه الضربة الأقسى للحركة. لقد كان يتمتع بكاريزما وقدرة على جذب الأتباع. وشكّل استمرار وجوده في قيادة "حماس"، وبقاؤه على قيد الحياة، رمزاً لمعركة السابع من تشرين الأول، ومثّل بحد ذاته انتصاراً على إسرائيل. لكن مقتله يمثّل صورة انتصار لإسرائيل، بصرف النظر عن الكيفية التي ستنتهي بها الحرب. من المتوقع أن تتمكن "حماس" من تعيين قيادة جديدة مجدداً، والمرشحون لخلافة السنوار في قيادة غزة هم: خليل الحية، نائب السنوار في غزة، والذي يُعتبر شخصية أقل كاريزميةً وبراغماتيةً، ومحمد السنوار، شقيق يحيى، الذي يترأس حالياً الجناح العسكري لحركة "حماس" في القطاع (بعد أن خلف محمد الضيف)، وعز الدين حداد، قائد المنطقة الشمالية في القطاع، وهو تقريباً القائد العسكري الوحيد البارز الذي لا يزال على قيد الحياة. ومن المحتمل أن يعود خالد مشعل إلى قيادة الجناح السياسي مؤقتاً، إلى أن يقوم مجلس الشورى بتعيين قائد دائم.
بعد أن دُمّرت غزة وخلّفت الحرب أكثر من 50 ألف قتيل (بحسب مواقع "حماس"، ويشمل العدد المفقودين تحت الأنقاض) وأكثر من 100 ألف جريح، تسعى "حماس" لتبرير أسباب إطلاق عملية "طوفان الأقصى". باتت "حماس" تدرك جيداً أن مستوى تأييدها في صفوف سكان القطاع بلغ أدنى مستوياته بشكل غير مسبوق. وترى الأغلبية العظمى من الفلسطينيين في غزة اليوم أن قرار "حماس" بشأن البدء بالهجوم العسكري في 7 تشرين الأول 2023 كان قائماً على افتراضات خاطئة، ويُعتبر خطأً إستراتيجياً. ويأتي ذلك بصرف النظر عن مدى "أسلمة" المجتمع الفلسطيني منذ سيطرة "حماس" على قطاع غزة.
في مقال بعنوان "هل كان قرار السنوار [البدء بالحرب] صحيحاً؟"، نُشر في موقع "حماس" في 10 تشرين الأول 2024، بمناسبة الذكرى السنوية لاندلاع الحرب في غزة، جرى تقديم عملية "طوفان الأقصى"، بقيادة يحيى السنوار، على أنها "انتصار للمقاومة، والثبات، والإيمان، والصبر، وتضحيات أهل غزة". ووُصفت المقاومة بأنها "ملحمة تاريخية" تهدف إلى تحرير فلسطين من النهر إلى البحر. وكاتب المقال منير شفيق، وهو كاتب من أصول مسيحية - فلسطينية، كان ناشطاً في حركة "فتح"، ثم اعتنق الإسلام، واقترب من فكر "الجهاد الإسلامي" و"حماس" بالتدريج.
يعكس توقيت نشر المقال حالة الانفصال بين قيادة "حماس" وسكان القطاع الذين يعيشون معاناة شديدة. توصف معركة "حماس" في 7 تشرين الأول بأنها ملحمة بطولية وأعظم أشكال المقاومة، في ظل ما وصفه كاتب المقال بـ"استمرار السيطرة على المسجد الأقصى" والأسباب التي أوردناها سابقاً. ويصور المقال تحركات إسرائيل على أنها جزء من "عمل ممثلي الحضارة الغربية (العرق الأبيض) ضد البرابرة (شعوب العالم)". وتظهر علامات الاقتباس هذه في النص العربي الأصلي.
وبحسب المقال، يُعتبر هجوم "حماس" مشروعاً، بحسب القانون الدولي، بينما تُعتبر إجراءات إسرائيل لحماية حياة سكانها انتهاكاً لتلك القوانين. ويؤكد كاتب المقال أن إسرائيل ليس لها الحق في الوجود كدولة أو ككيان سيادي ضمن أيّ حدود كانت.
بعد عام على السابع من تشرين الأول لا يبدو أن "حماس" تحملت مسؤولية الدمار الذي ألحقته بشعبها في قطاع غزة، وبشعوب المنطقة. إنك لن ترى اعترافاً بالأخطاء، أو رغبةً في الوصول إلى مصالحة تاريخية تنهي الصراع بين الشعوب. فهل ستدرك "حماس"، بعد رحيل السنوار، أن الوقت حان للتوصل إلى تسوية وإنهاء الحرب التي خسرتها، وتسوية تعيد بناء غزة، والسلام إلى المنطقة؟
--------------------------------------------
يديعوت احرونوت 30/10/2024
إما تسوية أو استنزاف
بقلم: يوسي يهوشع
النقاش الحاسم حول تسوية لانهاء الحرب في الشمال والذي اجري أمس لدى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو جاء لترسيم إمكانيات الخروج من المعركة – انطلاقا من الفهم بان الجيش الإسرائيلي يقترب من انهاء اعمال التطهير في قرى الاحتشاد لحزب الله، التي توجد على مسافة بصقة عن بلدات الجليل.
وسع الجيش الإسرائيلي أول أمس العملية البرية الى منطقة هامة من ناحية إعادة الامن، توسيعا ينبع من اطار الخطة الاصلية. “كلما مر الوقت”، قال مسؤول كبير في هيئة الأركان، “افهم ان حزب الله لم يخطط لاحتلال الجليل لزمن قصير بل للبقاء فيه لاشهر. انت ترى كميات السلاح، هذا ببساطة لا ينتهي. كيف غفونا في الحراسة؟”.
أسئلة قاسية تثور عن سلوك دولة إسرائيل وجهاز الامن. لكن الى جانب الأسئلة يوضح المسؤول الكبير إياه بان نقطة النهاية لن تتأثر بـ “قرية أخرى الى الامام”. فمجرد وضع الهدف للجيش الإسرائيلي لا يضمن انهاء القتال بنار الطائرات والمدفعية، ولا عمليا بالمناورة البرية: طالما لم يتحقق اتفاق دائم، سيتعين على الجيش الإسرائيلي ان يعمق الإنجازات العملياتية كي يحمل حزب الله، حكومة لبنان والدول الوسيطة (من الولايات المتحدة وحتى روسيا، كما كشف النقاب عنه في “يديعوت احرونوت”) الى وضع نهاية بشروط مريحة لإسرائيل.
الهدف الان، على حد قول المسؤول الكبير إياه، هو “تغيير الوضع الاستراتيجي. ضابط كبير في هيئة الأركان قال ان الهدف الان هو الانهاء في الوقت المناسب لاجل رفع الإنجازات الى الحد الأقصى. “بقدر ما يبتعد الاتفاق السياسي سيتعين علينا أن نعمق العملية”، قالوا في الجيش الإسرائيلي، “ولهذا توجد إمكانية لنتلقى تعليمات بمواصلة عملية المناورة حتى الى ما وراء الخطة الاصلية القائمة. فهذه إما تسوية أو حرب استنزاف، واذا وصلنا الى حرب استنزاف فسيتعين علينا أن نخلق شريطا امنيا يضمن إعادة السكان الى بيوتهم”.
مثلما في كل يوم منذ انطلقت العملية على الدرب، في الجيش الإسرائيلي يشددون بان الاتفاق هام – لكن ما هو اهم هو القدرة على الانفاذ بالنار لكل انتهاك له. “نحن سنطرح الشروط”، قال المسؤول الكبير في هيئة الأركان، “نقرر خطا لا يصل اليه احد ويمنع قوات الرضوان من العودة الى القرى”.
وأضاف ضابط في الجيش بانه “حتى اليوم كنا في فترات هدوء تام، تعاظمت فيها قوة العدو وكل بضع سنوات خرجنا الى حرب. هذا يجب أن ينتهي. وهذا ما نقوله لرؤساء السلطات في الشمال. لا مجال لمزيد من كسب الهدوء للسياح او المستجمين في الاكواخ بثمن تعاظم قوة العدو. سيتعين علينا أن نعمل بشكل متواصل، سواء بالنار ام باجتياحات برية اذا ما عاد حزب الله الى خط الحدود. هذا سيكون الواقع كي لا يعود الوحش ليكون هنا من جديد”. وعليه ففي الجيش سيعملون أيضا ضد تعاظم قوة حزب الله.
بناء على كل هذا، يقولون في الجيش، في الجمهور يجب أن يفهموا بان هذه السنة هي لست 2006: يجب الاستعداد لروتين جولات قتالية لاجل السماح بامن السكان في حدود الشمال.
في الجهاز يتابعون أيضا تعيين نعيم قاسم زعيما لحزب الله بدلا من حسن نصرالله الذي صفي. وزير الدفاع يوآف غالنت اعلن منذ الان بان “التعيين مؤقت” وساعة رمل الأمين العام الجديد انقلبت. لكن يجدر بالتذكير بان نصرالله أيضا كان ممكنا تصفيته في كل مناسبة تقريبا. وكل ما تبقى هو ان تتخذ إسرائيل القرار.
--------------------------------------------
يديعوت احرونوت 30/10/2024
الرابط الضروري بين الإنجازات العسكرية والانعطافات الواسعة، غير موجود
بقلم: د. ميخائيل ميلشتاين رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية – مركز ديان جامعة تل أبيب
سلسلة النجاحات العسكرية المدوية في الشهرين الأخيرين، وعلى رأسها تصفية نصرالله والسنوار، الى جانب المواجهة المتعاظمة مع ايران دحرت الانشغال في فجوتين جوهريتين ترتبطان الواحدة بالاخرى: غياب تحقيق معمق او جذور قصور 7 أكتوبر، وغياب استراتيجية مرتبة في إدارة الحرب. حين لا يوجد تعلم معمق لاخطاء الماضي وتطوير بوصلة استراتيجية يتم التحرك في ضوئها، تغرق إسرائيل في معركة استنزاف كثيرة الشعارات، لكن عديمة الأهداف القابلة للتحقق وبعد زمني واضح، وبلا شفافية وحوار بين القيادة والجمهور.
ان غياب التحقيق يضمن بقاء بقايا المفهوم المغلوط الذي ولد 7 أكتوبر وخلق مفاهيم مغلوطة جديدة تنبت على خلفية مواضع خلل لم يتم استيضاحها. باستثناء تحقيقات عسكرية موضعية، لم يحلل بعمق المفهوم والسياسة اللذين اتبعا تجاه غزة في السنوات ما قبل الحرب، وعلى رأسها التسوية الاقتصادية ولم يفحص لماذا عانى سياسيون، رؤساء منظومات الامن ورجال الاستخبارات من تشويهات فكرة عنيدة تجاه حماس ولماذا وجد تفكر جماعي ولم تطرح أراء أخرى في المنظومة.
وهكذا، نشأ وضع هاذٍ كان فيه معظم المسؤولين عن قصور 7 أكتوبر – من المستوى السياسي والأمني معا هم الذين يصممون السياسة في السنة الماضية، والتي تواصل كونها مليئة بالاخطاء. من خلال الخطوات العسكرية الناجحة في الشهرين الأخيرين، التي لا جدال في قيمتها – تحاول تلك المحافل إياها اصلاح الصورة العليلة في ظل ابراز الإنجازات وطمس ذكرى الفشل الذريع قبل اكثر من سنة بقليل.
الخطاب حول غياب التحقيق توقف من خلال الحجة في أنه “في وقت الحرب (التي لا ترى نهايتها) لا يجري تحقيق”. الخطاب حول غياب الاستراتيجية يصطدم بسخرية فظة في أن الاصطلاح يعبر عن انهزامية وفكرة مضادة للنصر المطلق. في هذا الإطار، زعم من جهة بان الإنجازات العسكرية هي الاستراتيجية او تعرض رؤيا بعيدة المدى، في الغالب منقطعة عن الواقع، تتضمن أهدافا مثل نزع تطرف غزة، إبادة حماس، نظام جديد في لبنان، ضعضعة النظام في ايران، “قطع محور الشر” وإقامة شرق أوسط جديد.
الطابق الاستراتيجي الذي هو الخيط الرابط الضروري بين الإنجازات العسكرية والانعطافات الواسعة، غير موجود. هذا وضع لا يطاق يعبر عن عدم التعلم من مواضع الخلل ما قبل 7 أكتوبر ويستوجب من الجمهور الغفير، وبخاصة رجال الاكاديميا والاعلام، الامتناع عن ان يسيروا أسري وراء شخصيات إشكالية وان يطرحوا أسئلة ثاقبة.
الحملة الحالية في شمال القطاع تعكس عموم مواضع الخلل. فإسرائيل تشرح بان هذا ليس تنفيذا “لخطة الجنرالات” او تمهيد التربة لتجديد الاستيطان في المنطقة، لكن في المقابل لا يشرح أيضا كيف يدفع الامر قدما بهزيمة حماس، فما بالك بتحرير المخطوفين – ويبدو أنه بالأساس يعرضهم للخطر. في الخلفية يجري الحديث عن شركات أمريكية خاصة ستأخذ المسؤولية عن توزيع المساعدات الإنسانية في المناطق التي “تطهر” من حماس، الاصطلاح الذي هو بحد ذاته غير محدد كي كيف ومتى سيتحقق، وهل هو واقعي.
وهكذا ينعكس إصرار إسرائيلي على تكرار التجربة الامريكية الفاشلة في العراق. في 2003 انطلقت الولايات المتحدة لاعادة خلق شرق أوسط، ديمقراطي ومستقل وإعادة تصميم وعي أبناء المنطقة وعلى الطريق استعانت بشركات مرتزقة. واليوم تطل من الخطاب الإسرائيلي خيالات برائحة أمريكية لنظام جديد يقوم على أساس “فقاعات” نقية وإدارة القطاع من خلال معلمين وشرطة من العالم العربي.
إسرائيل تضرب اعداءها بشدة لكنها ملزمة بان تفهم بان “الى الابد سيأكل السيف” ليست خطة عمل. صحيح أن هذا مبدأ وجودي في الشرق الأوسط (ينسى أحيانا) لكن لا يمكنه أن يحل محل جدول اعمال قومي واع. على إسرائيل أن تفهم انه لا يمكن إبادة العدو، وبمعقولية عالية أيضا حمله على رفع علم أبيض.
في الشمال وفي الجنوب من المهم تصميم الواقع، لكن أيضا أن نكون واقعيين، وان نختار الأقل سوءً من بين كل البدائل الإشكالية. في غزة – التي إسرائيل غير معنية باحتلالها بالكامل، في ظل التواجد واخذ المسؤولية، ينبغي أن تفكر بتسوية تسمح بتحرير المخطوفين حتى بثمن انسحاب إقليمي من المنطقة المدمرة التي لم تعد حماس تهدد مها مثلما في 7 أكتوبر. اما استمرار السياسة الحالية فلا تؤدي الى هزيمة حماس فما بالك تطوير بديل إيجابي، وبدلا من هذا تتثبت حرب استنزاف تعرض حياة المخطوفين للخطر. في لبنان مطلوب تعميق الضربة لحزب الله، لكن الفهم أيضا بانه بعد الضربة الأولية، تبدأ المنظمة بإعادة تأهيل ذاتها وتثبت حرب استنزاف. في هذه الساحة أيضا نوصي بالامتناع عن التلويح بهدف “إبادة العدو”، وكذا “النظام الجديد” موضع شك. سيتعين على إسرائيل أن تحدد متى استكملت أهدافها العسكرية ونضج الوقت للتسوية – من موقع تفوق استراتيجي وبعد إزالة تهديدات ستتيح عودة سكان الشمال الى بيوتهم – الى جانب ضمان حرية عمل اذا ما وعندما يلحظ استئناف التهديدات (سيناريو معقول جدا).
ان اغلاق معركتي الاستنزاف بعد تحييد التهديدات، فرض تسويات مريحة لإسرائيل وترميم الردع التي تضرر في 7 أكتوبر ستسمح بالتركيز على ساحتين تحتاجان الى معالجة معمقة: ايران التي حتى بعد الضربات التي تعرضت لها، وعلى رأسها الضربة لحزب الله، ستواصل الدفع قدما بتهديدات متعددة الابعاد على إسرائيل وفي اقرب وقت ممكن البرنامج النووي، والضفة – التي تستوجب بحثا جماهيريا واعيا حول الواقع المركب الذي ينشأ في المنطقة، الى جانب قرارات تاريخية. بدون تغيير سلم الأولويات بهذا الشكل سيتثبت واقع الاستنزافت، سيتعاظم التهديد من جانب طهران ولن تفتح بوابات العالم العربي امام إسرائيل.
--------------------------------------------
هآرتس 30/10/2024
في مخيم اللاجئين شعفاط لا يصدقون أن السلطات ستحل محل “الاونروا”
بقلم: نير حسون
خلافا للصورة السائدة التي ترسخت في الجمهور الاسرائيلي فان شوارع مخيم اللاجئين شعفاط نظيفة جدا، بالتأكيد مقارنة مع شوارع الاحياء الفلسطينية القريبة. بجانب معظم المنازل والحوانيت توجد سلات صغيرة للقمامة، و20 عامل نظافة يعملون على الكنس وجمع القمامة، وفي وسط المخيم تعمل منشأة لجمع القمامة. خلف منشأة القمامة توجد ثلاث مدارس اساسية، اثنتان للاناث وواحدة للبنين، يتعلم فيها 600 طالب يرتدون الزي الموحد. مدارس كبيرة وتحظى بصورة ايجابية في اوساط الآباء. أمام الزقاق الذي يؤدي الى مدخل المدارس تعمل عيادة مجتمعية وصيدلية. كل هذه المنظومة – خدمات النظافة وجمع القمامة، المدارس، العيادة والصيدلية، يتم تشغيلها من قبل “الأونروا”. حسب القانون الذي تمت المصادقة عليه أول أمس في الكنيست فان كل هذه النشاطات ستصبح غير قانونية خلال 90 يوم.
القانون ينص على أنه يحظر على “الاونروا” العمل في “اراضي دولة اسرائيل السيادية”. ولأن الضفة الغربية وقطاع غزة لا تعتبر ارض سيادية لاسرائيل فانه هناك يمكن للاونروا مواصلة العمل. وان كان قانون آخر تمت المصادقة عليه ايضا أول أمس يحظر على سلطات الدولة اقامة علاقات مع الاونروا ويتوقع أن يؤثر ذلك على العلاقات بين الادارة المدنية والاونروا. سكان المخيم الذين يرون كيف أن السلطات الاسرائيلية تفشل في توفير الخدمات الاساسية للمخيم منذ 56 سنة، لا يعرفون كيف ستنجح السلطات في استبدال الاونروا خلال ثلاثة اشهر. ولكن ما يقلقهم بدرجة على تقل عن ذلك ليس الخدمات، بل مسألة هويتهم كلاجئين.
القدس الموحدة هي مكان للشذوذ. فهذه مدينة العاصمة الوحيدة في العالم التي 40 في المئة من سكانها، الذين هم ايضا مواليد المدينة، ليسوا من مواطني الدولة. 1 من بين عشرة من السكان الذين يعيشون وراء جدار من الاسمنت بارتفاع 9 امتار، يمرون كل يوم في حاجز عسكري. في الحي الاكبر فيها لا توجد في معظم ايام الاسبوع مياه. عشرات آلاف السكان يعيشون في بيوت بنيت بدون رخص بناء وما شابه.
الامر الشاذ والاكثر غرابة في المدينة هو حقيقة أن أحد الاحياء في القدس، اضافة الى رحافيا والقطمون وغيلو، هو مخيم اللاجئين الذي تديره الامم المتحدة. مخيم اللاجئين شعفاط اقامته الامم المتحدة والحكومة الاردنية في العام 1965، قبل حرب الايام الستة بسنتين. السكان الاصليين فيه هم لاجئون فلسطينيون سكنوا في حارة اليهود في البلدة القديمة منذ العام 1948. في حزيران 1967 عندما رسمت الحكومة حدود القدس الموحدة تم شمل المخيم داخل حدود المدينة. هكذا اصبح مخيم شعفاط مخيم اللاجئين الوحيد الذي يوجد داخل اراضي اسرائيل وحي من أحياء عاصمة اسرائيل.
ضم المخيم كان أمر خيالي. سكانه حصلوا في الواقع على هوية مقيم اسرائيلية. ولكن بلدية القدس تقريبا لم تدخل الى المخيم ولم توفر الخدمات له. وكالة الاونروا هي التي جمعت القمامة ووفرت المياه والتعليم والخدمات الصحية. الوضع كان مريح للجميع. الفلسطينيون شعروا أنهم جزء من تجمع اللاجئين الكبير في الضفة الغربية، والامم المتحدة اصبحت عامل مهم في المنطقة واسرائيل وفرت على نفسها ميزانيات ضخمة كان يمكن أن تستثمر في شرقي القدس.
الجدار الذي فصل المخيم عن المدينة
قبل عشرين سنة عندما تمت اقامة جدار الفصل، ايضا تم فصل المخيم عن اجزاء المدينة الاخرى. بين عشية وضحاها تركت السلطات الاسرائيلية المكان بالكامل والوضع في المنطقة تدهور بسرعة. مراقبو البناء والشرطة هم ايضا لم يأتوا، المقاولون قاموا ببناء على التلال التي توجد في محيطه ابراج كبيرة بدون مخططات ورخص بناء. هذه الابراج وفرت حل سكني لعشرات آلاف سكان شرقي القدس، وعصابات عنيفة وتجار مخدرات دخلوا الى الفراغ الذي خلفته الشرطة والمخيم اصبح متماهيا اكثر فأكثر مع مشكلات السلاح والمخدرات والعنف والفقر والارهاب. خلال فترة طويلة لم تكن مياه في المخيم، في المقابل، مياه المجاري تدفقت بشكل حرب.
في داخل كل ذلك استمرت الاونروا في العمل ووفرت الخدمات لمن لديه بطاقة لاجيء، التي اصدرتها الوكالة، ولكن الى جانب الخدمات الاونروا منحت الفلسطينيين عامل الهوية ايضا. بطاقة الاونروا هي رمز لحالة فلسطينية عامة، ترمز الى المطالبة بحل مشكلة اللاجئين كجزء من تسوية سياسية. “المشكلة ليست المدارس والعيادات، بل هي أنهم يسرقون من الناس حلم أن يكونوا جزء من الحل والحصول على التعويض أو العودة الى بيوتهم. الناس يسألون انفسهم لماذا عاشوا كل هذه المعاناة كلاجئين اذا كانوا سيعاملون اليوم كأي شخص آخر”، قال أمس احد سكان المخيم.
اليوم مسجل في مخيم شعفاط 17.500 لاجيء، الذين في معظمهم من الجيل الثاني والثالث أو حتى الرابع للاجئين من العام 1948. عدد مشابه من اللاجئين مسجل في اجزاء القدس الاخرى. الاونروا، مثل وكالات الامم المتحدة الاخرى ودول العالم لا تعترف بضم شرقي القدس. لذلك فانه من غير المتوقع أن تلغى مكانة اللجوء للاجئين المقدسيين. ولكن توفير الخدمات لهم من قبل الاونروا يتوقع أن يتضرر.
اضافة الى المدارس في المخيم فان الاونروا لديها ايضا ثلاث مدارس صغيرة في مناطق اخرى في شرقي القدس. بالاجمال الحديث يدور عن حوالي ألف طالب يجب استيعابهم الآن في مدارس البلدية. في بلدية القدس وفي وزارة القدس اعلنوا أمس بثقة بأنه يمكنهم استيعاب هؤلاء الطلاب. وحسب الخطة الآخذة في التبلور فان جزء منهم سيتم استيعابهم في مبان متنقلة في ساحات المدارس القائمة، لكن دون الحاجة الى استيعاب ألف طالب آخر جديد فان بلدية القدس ووزارة التعليم تجد صعوبة في مواجهة مشكلة النقص في الصفوف في شرقي القدس. هناك ينقص حسب تقرير جمعية “عير عاميم”، 2477 صف.
في المحكمة العليا تتم مناقشة منذ فترة طويلة التماس قدمه الآباء من اجل توفير الصفوف لاولادهم. القضاة أمروا الدولة ببلورة خطة لحل هذه المشكلة. ولكن في السنتين الاخيرتين الدولة قدمت مرة تلو الاخرى طلبات تأجيل، التي تفسر الحاجة الى فترة اخرى من اجل بلورة الخطة. على هذه الخلفية تسمع تصريحات وزارة القدس وبلدية القدس حول الاستعداد لاستيعاب طلاب مدارس الاونروا في القدس، وكأنها مقطوعة عن الواقع. في بلدية القدس رفضوا أمس القول اذا كانت البلدية ستحصل على ميزانية من وزارة المالية لاستيعاب طلاب مدارس الاونروا وعن كيفية العمل في كل المجالات التي تتولاها الاونروا. من مكتب مئير بوروش، وزير شؤون القدس، جاء بأن الوزارة “تتحدث مع وزارة المالية من أجل تخصيص الميزانيات المطلوبة”.
سكان مخيم شعفاط لا يصدقون بأن البلدية ستعمل على توفير الخدمات لهم التي توفرها الاونروا الآن. على سبيل المثال العيادة في المخيم توفر العلاج الدائم لمرضى السكري وكبار السن، الذين يجدون صعوبة في الحصول على مثل هذه الخدمات في جهاز الصحة في اسرائيل بسبب سكنهم خارج جدار الفصل. “الامور التي هم الآن مسؤولون عنها لا ينجحون في حلها، فكيف سيتحملون المزيد من المسؤولية”، قال شاهر علقم، العضو في لجنة المخيم. عندما تم سؤال السكان عن مشاركة موظفي الاونروا في الارهاب، هم يرفضون الادعاءات الاسرائيلية ويقولون بأنه حتى لو كان هذا الامر صحيح فانه يتعلق بحفنة من الموظفين المؤقتين في منظمة كبيرة جدا تشمل آلاف الموظفين.
عرض مزيف للسيادة
مركز نشاط مهم آخر للاونروا في القدس، الذي هو ايضا سيضطر الى الاغلاق خلال الثلاثة اشهر القادمة، هو المقر الاقليمي للاونروا الموجود قرب حي رمات اشكول، ويوفر الخدمات لفروع الاونروا في ارجاء الضفة الغربية. المقر الذي يوجد في المبنى التاريخي، مدرسة الشرطة، اقامه البريطانيون وكان في حرب الايام الستة جزء من منشأة “تلة الذخيرة”. منذ اندلاع الحرب الحالية فان مقر الاونروا هو هدف ثابت لنشطاء اليمين المتطرف. عدة مرات تم القاء الزجاجات الحارقة عليه وتسبب بحرائق فيه. أمس تم وضع على سور المدخل كيس فيه حلوى ولافتة طلب فيها من الجمهور أن يأخذ الحلوى بمناسبة توديع الـ “أونروا”، وتم توقيعها من قبل “شباب الصهيونية الدينية”.
مثلما في قرارات كثيرة تتعلق بالقدس منذ 1967، ايضا قانون طرد الاونروا لم يأت على خلفية الرغبة في حل مشكلة، والتخفيف على سكان القدس أو تحقيق مستقبل أفضل. ومثل قانون القدس من العام 1980 ايضا التصريحات الفارغة حول وحدة المدينة الأبدية، ومثل قانون آخر تم تمريره أمس، يمنع فتح قنصليات اجنبية مخصصة للعرب في المدينة، ايضا القانون بشأن الاونروا استهدف فقط وضع اصبع في العين، وتقديم عرض مزيف للسيادة وصياغة بيانات لامعة لوسائل الاعلام. حتى لو كانت هناك مشكلات في الاونروا فان الحديث لا يدور عن منظمة ارهابية، بل عن منظمة تقدم خدمات حيوية لمئات آلاف الاشخاص، بعضهم من سكان عاصمة اسرائيل.
من بين اعضاء الكنيست الـ 92 الذين صوتوا في صالح القانون لم يتجرأ أي عضو على النظر مباشرة الى المشكلات الحقيقية في القدس. ولا أحد من بينهم ايضا تجرأ على قول الحقيقة للجمهور الاسرائيلي بأنه بعد 56 سنة على الاحتلال والضم فان القدس ليست موحدة أكثر وليست اسرائيلية اكثر مما كانت في حزيران 1967، أننا أقرب الى دولة ضم عنصرية ودولة منبوذة في العالم اكثر من دولة يهودية وديمقراطية. بدلا من ذلك هم يأملون بالاكتفاء بالحلوى التي يوزعها على سور مقر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين للامم المتحدة.
--------------------------------------------
إسرائيل اليوم 30/10/2024
اتفاق الان من موقع قوة
بقلم: يوآف ليمور
الانشغال بوقف النار في الشمال ليس نظريا. فعلى جدول الاعمال يوجد مقترح عملي ينهي الحرب بشروط مريحة لإسرائيل ويسمح لها بالتركيز على انهاء المعركة في غزة وإعادة المخطوفين.
في الأسابيع الأخيرة أوضحت إسرائيل بانها ستوافق على وقف نار في الشمال بثلاثة شروط مركزية: الأول – التطبيق الكامل لقرار 1701 لمجلس الامن وعلى رأسه منع تعاظم قوة حزب الله وحظر عمله العسكري جنوبي الليطاني. الثاني، نشر قوات معززة من الجيش اللبناني ووحدات اكثر نوعية من اليونيفيل في جنوب لبنان. والثالث، حرية عمل كاملة للجيش الإسرائيلي في حالة محاولة حزب الله خرق التفاهمات.
من بين الشروط الثلاثة هذه، الأكثر إشكالية هو الثالث. فإسرائيل معنية بان تتلقى من القوى العظمى الوسيطة (الولايات المتحدة وفرنسا، وبقدر اقل روسيا أيضا) “شيك مفتوح” لاعمال مستقبلية. لبنان سيعارض ذلك حفاظا على سيادته، والموضوع سيبقى غامضا وملحقا بقرار إسرائيلي. في الماضي هددت حكومات إسرائيل اكثر من ذلك ونفذت القليل، والاختبار سيكون في الخرق الأول – وسيكون كهذا – عندما ستكون حاجة لمهاجمة شاحنة سلاح تحاول العبور من سوريا الى لبنان أو خلية لحزب الله تتسلل الى القرى في منطقة الحدود.
زعيم حزب الله الجديد نعيم قاسم قال علنا في خطابه الأخير ان منظمته ستوافق على وقف النار، بمعنى قطع الارتباط بين حزب الله وحماس وبين لبنان وغزة. هذه السياسة التي قادها حسن نصرالله هي التي جرت الشمال الى حرب لسنة فاكثر، وهي التي أدت في نهاية المطاف الى تصفيته والى تدمير القيمة عظيمة الابعاد لمنظمته. اما قاسم، الذي لم يعد ابدا مرشحا لقيادة المنظمة، ولا يتمتع بهالة او حضور نصرالله، بحاجة للهدوء كي يبني صلاحياته ويرمم منظمته. معقول ان يشاركه في أقواله هذه اسياده الإيرانيون الذين يخشون من الضياع التام لاستثمارهم في لبنان.
لا للغرق في الوحل اللبناني
كثيرون في إسرائيل بمن فيهم وزراء كابنت ومسؤولون كبار في جهاز الامن يعتقدون ان لا يوجد ما يدعو إسرائيل لان تعطي لحزب الله حبل نجاة وان عليها أن تواصل الضغط على الغاز. هذا نهج مشروع وان كان مفعما بالمشاكل. يمكن للجيش الإسرائيلي أن يواصل القتال في لبنان الى الابد. والاهداف ستكون وفيرة دوما، لكن أساس قوة حزب الله هزمتها منذ الان: وزير الدفاع غالنت قضى بان حزب الله تبقى مع 20 في المئة من قوته فقط والدليل – الصعوبة التي واجهتها المنظمة في تنسيق النار نحو أراضي إسرائيل (رغم الثمن الأليم لقتيل إضافي بنار أمس في معلوت ترشيحا.
فضلا عن ذلك فان لاستمرار القتال سيكون ثمن باهظ بالقتلى، سيرتفع مع الغرق في الوحل اللبناني في موسم الشتاء. كما ستكون له اثمان أيضا في مزيد من التآكل في الشرعية الدولية لإسرائيل، في الاقتصاد، في تعميق العبء على منظومة الاحتياط وفي ابعاد موعد عودة سكان الشمال الى بيوتهم.
بالمقابل، اذا ما تمكن الاتفاق من ربط حكومة لبنان بخطوة ذي مغزى يعود فيه للبنان أيضا التوازن الطائفي سيكون ممكنا الحديث عن إمكانية افق مختلف في حدود الشمال – كما اسلفنا تبعا لحفظ ردع إسرائيلي اكثر كثافة على طول الحدود عن ذاك الذي كان فيها في 7 أكتوبر.
ان استكمال هذه الخطوات هو ممكن في مدى أيام. فالجيش الإسرائيلي أنهى على أي حال القسم الحالي من المهمة التي كلف بها في جنوب لبنان في غضون نحو أسبوعين – فترة زمنية سيكون ممكنا استغلالها أيضا لمواصلة صيد كبار رجالات حزب الله، وربما حتى قاسم نفسه وتعميق الضربة للمنظومات الاستراتيجية لدى المنظمة في بيروت وفي العمق اللبناني.
ان انهاء المعركة في الشمال سيعيد إسرائيل أيضا الى النقطة التي بدأ فيها كل شيء. دون صلة بهوية الإدارة التي ستنتخب الأسبوع القادم في واشنطن لن تتمكن إسرائيل من أن تتفادى لزمن طويل الحسم بالنسبة لمستقبل القطاع، واساسا في مسألة المخطوفين.
بالضبط مثلما في لبنان الإنجازات الكبرى التي حققها الجيش الاسرائيلي في ميدان المعركة تسمح لإسرائيل بالعمل من موقع قوة ومع العلم بانها ستتمكن من استئناف المعركة في كل وقت تقرره.
--------------------------------------------
هآرتس 30/10/2024
جهاز الامن استنفد القتال في لبنان وفي قطاع غزة، وماذا بشأن نتنياهو؟
بقلم: عاموس هرئيلِ المحلل العسكري لصحيفة هآرتس
الاجماع في جهاز الامن واسع بدرجة مفاجئة. كل كبار القادة في الجهاز، من وزير الدفاع يوآف غالنت فما دون تحدثوا في الاسبوع الاخير بصوت شبه موحد. بعد سلسلة الانجازات العسكرية والاستخبارية في الاشهر الثلاثة الاخيرة فان الحرب في قطاع غزة وفي لبنان قريبة من الاستنفاد. فقد بقيت للجيش الاسرائيلي خطوات حيوية معدودة على الارض. وبعد ذلك في اقرب فرصة يفضل السعي الى التوصل الى اتفاقات تنهي القتال في الشمال وفي الجنوب وتشمل صفقة لاعادة جميع المخطوفين من أسر حماس.
في جهاز الامن يقولون بأنه اذا استمرت الحرب لفترة طويلة اخرى فسيكون من الصعب تحقيق الكثير مما تم تحقيقه في السابق، في حين أن البقاء الطويل في المناطق التي تم احتلالها يزيد خطر التورط والكثير من الخسائر. قوة الضربات ضد حزب الله وحماس، ومؤخرا ايران، تخلق فرصة معقولة من اجل التوصل الى اتفاق. ولكن هذا الاتفاق سيكون مقرون ايضا بتقديم تنازلات غير سهلة بالنسبة لاسرائيل.
هذا التفسير المتفائل مبني على أمل أن اعداء اسرائيل سيتساوقون في هذه المرة مع تقديرات الاستخبارات – الامر الذي لم يحدث حقا في الـ 13 شهر الاخير منذ الهجوم الارهابي على بلدات غلاف غزة في 7 اكتوبر. وهو ايضا يتعلق برغبة شخص رئيسي واحد وهو رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. في قيادة الجيش العليا يقولون بأنه من الصعب قراءة نوايا نتنياهو الذي ينثر اشارات متناقضة في تصريحات علنية وفي نقاشات مغلقة.
ربما أن اللغز أسهل على الحل مما يعتقدون. في “أخبار 12” تم بث أول أمس تسجيل يقولون إن نتنياهو قاله في قائمة الليكود حول صفقة التبادل. نموذج العملية معروف منذ بداية السنة الحالية: في كل مرة يظهر فيها ظل احتمالية لتحقيق صفقة (في هذه الحالة ارسال رؤساء الشباك والموساد الى مصر وقطر، واقتراح مصري ضبابي لاطلاق سراح بعض المخطوفين مقابل فترة قصيرة من وقف اطلاق النار)، الذي اهتم رئيس الحكومة برفضه على الفور، من خلال التسريب أو التسجيل. في هذه المرة قال إنه لن يوافق على صفقة لا تسمح للجيش الاسرائيلي باستئناف القتال في القطاع. في الجيش يعتقدون أن هذا خلاف زائد: في الاصل حماس لن تضبط نفسها فيما بعد وهي ستخرق الاتفاق بصورة تلزم في مرحلة معينة بالعودة الى القتال.
مع ذلك، تغيرت عدة امور منذ المرة السابقة التي اتبع فيها نتنياهو اسلوب مشابه في شهر تموز الماضي. أولا، الاهتمام بحياة المخطوفين زاد كثيرا. كل عشرة ايام بالمتوسط نحن نفقد حياة المخطوفين، حذر مؤخرا الوزراء مصدر مطلع على هذه القضية. توجد ايضا حالات لمخطوفين الذين اعلنت الدولة عن موتهم، لكن لا توجد معلومات دقيقة عن مكان دفنهم، بسبب أن رجال حماس الذين دفنوهم قتلوا اثناء المعارك مع الجيش الاسرائيلي.
في مركز الاسرى والمفقودين العسكري توقفوا عن التحدث عن دفعة “انسانية” اولى في الصفقة، التي كان يمكن أن تشمل النساء والمرضى والجرحى. يفترضون هناك بأن جميع المخطوفين بعد فترة طويلة جدا وظروف قاسية جدا يوجدون في حالة صحية خطيرة. وضع جثث المخطوفين الستة الذين قتلوا على يد حماس في رفح يدل على ذلك. ايضا احتمالية تنفيذ عمليات انقاذ ناجحة اخرى تضاءلت جدا، بعد أن اصدرت حماس أمر للحراس باعدام على الفور المخطوفين في أي حالة تشخص فيها حركة لقوة للجيش الاسرائيلي قرب المكان.
ثانيا، هناك شيء ما في موقف الجيش تغير، هذه المرة اخيرا نحو الافضل. سلسلة النجاحات للجيش الاسرائيلي وجهاز الاستخبارات، في لبنان وفي ايران وفي غزة، اعادت القليل من الحيوية الى وجه هيئة الاركان، المسؤولة الرئيسية عن الاخفاقات في 7 اكتوبر، والتي من الجدير بها أن تنسب لنفسها ايضا المس الكبير بقدرات حزب الله وحماس ونجاح الهجوم الجوي في نهاية الاسبوع الماضي في ايران (نتنياهو الذي يتملص كليا من المسؤولية عن الفشل ينسب لنفسه في المقابل الفضل في النجاح). جيوش واجهزة مخابرات صديقة غربية وفي المنطقة، التي كانت مصدومة من فشل اسرائيل قبل سنة، يغدقون الثناء على الجيش الاسرائيلي، بفضل الانجازات في هذه الاشهر. هم يتأثرون من جودة المخابرات ودقة الضربات الجوية والقدرة على العمل على مسافة بعيدة عن حدود اسرائيل، ايضا في مناطق مأهولة ومكتظة. يصعب الحديث عن ردع اقليمي بعد كارثة كبيرة بهذا الحجم، لكن من الواضح أن وضع اسرائيل تحسن في الفترة الاخيرة.
هذا ايضا يؤثر على قدرة المساومة للقيادة الامنية في النقاشات وفي الخلافات المتواترة مع نتنياهو. اذا فكر رئيس الحكومة في التخلي عن رئيس الاركان هرتسي هليفي ورئيس الشباك رونين بار من اجل القاء مسؤولية الفشل عليهما، فهو سيجد الآن صعوبة في فعل ذلك. وضع غالنت معقد أكثر. فنتنياهو اهتم في ضم للائتلاف اربعة اعضاء كنيست من قائمة جدعون ساعر، وحتى الآن هو يهتم بالحفاظ على التهديد باستبدال غالنت بساعر، أو مثلما طرح أمس، حتى استبداله باسرائيل كاتس. مع ذلك، الاحتمالية الفورية لاقالة وزير الدفاع ربما ستتضاءل اذا تم التوصل الى التسوية التي تلوح في الافق حول مواصلة تهرب الحريديين من الخدمة بدون حاجة الى دفع الائتلاف الى تمرير قانون جديد، يعارضه غالنت.
فقط لا تُبلغوا بن غفير
الفجوة بين الخطاب القاطع في اسرائيل والوضع على الارض تتجسد في عمليات الجيش الاسرائيلي في مخيم جباليا في شمال القطاع، التي بدأت في بداية الشهر الحالي. الجيش دخل الى جباليا من اجل القضاء على البنية التحتية للارهاب التي احيتها حماس من جديد في المخيم، وهي تشمل مئات المخربين. في الخلفية كانت هناك محاولة للدفع نحو تطبيق “خطة الجنرالات”، التي تقترح استخدام الضغط الكبير على سكان المنطقة بهدف دفع مئات آلاف المدنيين الفلسطينيين نحو الجنوب.
نشر الخطة التي لم يتم تبنيها رسميا، اثار ردود شديدة في الغرب ومطالبة الادارة الامريكية بتوضيح من اسرائيل. عمليا، في الحقيقة تم ابعاد بشكل مؤقت عشرات آلاف المواطنين عن المخيم، لكنهم لم يواصلوا طريقهم نحو الجنوب. حسب بيانات الجيش الاسرائيلي فانه في ثلاثة ايام في الاسبوع الماضي انتقل نحو الجنوب عبر ممر نتساريم 12 – 29 شخص في اليوم فقط. وبعد أن شوشت اسرائيل بشكل متعمد ادخال المساعدات الانسانية الى شمال القطاع فقد اضطرت الى التراجع. مؤخرا أمر المستوى السياسي الجيش، بضغط امريكي، بالاهتمام بادخال 250 شاحنة في اليوم الى القطاع، الامر الذي بالطبع لم يتم ابلاغ اعضاء اليمين المتطرف به، الذين يطالبون بتجويع وتعطيش السكان.
الجيش الاسرائيلي قلص في هذا الاسبوع حجم العملية واخرج من المخيم لواء من الالوية الثلاثة التي عملت فيه. بالنسبة لعدد القتلى، صحيح أنه قتل حسب الجيش مئات المخربين، لكن هناك خسائر ايضا في الطرف الاسرائيلي. أمس قتل ضابط وثلاثة جنود من الوحدة متعددة الابعاد بسبب انفجار بيت مفخخ. في الاسبوع الماضي قتل بانفجار عبوة ناسفة العقيد احسان دقسة، قائد اللواء النظامي المدرع 401. وفي حادثة اخرى اطلق صاروخ مضاد للدروع على بيت احتله الجيش في المنطقة بعد فترة قصيرة من انهاء رئيس الاركان زيارة له في البيت.
نتنياهو عقد أمس جلسة مشاورات أمنية مقلصة لمناقشة الاقتراح الامريكي لتسوية تنهي القتال في لبنان. الادارة الامريكية تبذل هنا جهد اخير بقيادة المبعوث عاموس هوخشتاين قبل الانتخابات الرئاسية الامريكية بعد ستة ايام. الاتفاق يتحدث عن ابعاد حزب الله الى شمال نهر الليطاني وتعزيز الجيش اللبناني بمساعدات دولية، ضمن امور اخرى بتدريب بريطاني وثيق، وتعزيز قوة اليونفيل الفاشلة واقامة آلية لتنفيذ ناجع للقرارات. ضباط كبار في الجيش قالوا للصحيفة بأنه يوجد على الاجندة “اقتراح افضل بكثير من القرار 1701، الذي انهى حرب لبنان الثانية. ولكن كل شيء مرهون بقوة احتمالية التنفيذ”.
--------------------------------------------
معاريف 30/10/2024
الانتفاضة الثالثة على الاعتاب
بقلم: ايهود ياتوم
لم تتضح نهائيا بعد اذا كانت حادثة الدهس في بداية الأسبوع في غليلوت هي عمل إرهابي، لكن اذا كانت كذلك، فانها العملية الرابعة في الأسابيع الأخيرة من جانب عرب إسرائيل.
يدور الحديث عن ظاهرة مقلقة تقع بالتوازي مع تنفيذ عمليات على أساس يومي في يهودا والسامرة. وهي تفيدنا باننا نوجد على اعتاب انتفاضة ثالثة وتثبت بان مساعي ايران لزرع الخوف والدمار في الجبهة الإسرائيلية الداخلية على ايدي وكلائها لا تتوقف للحظة.
الشبكات الاجتماعية ووسائل الاعلام غارقة في الدعاية التي تدفع عرب السامرة ويهودا وباقي عرب إسرائيل لتنفيذ عمليات قاسية في مجتمعنا. في بداية الحرب أصبحت هذه الجبهة هي احدى الجبهات المركزية للشباك الذي الى جانب الجيش والشرطة يبذل جهودا عظيمة لاجل احباطها.
في معظم الحالات ينجح الإحباط وينقذ الحياة. لكن أحيانا تنفذ العمليات وتجبي ضحايا كثيرين من بين المواطنين ورجال قوات الامن.
ان تعاظم عمليات الإرهاب هو بالأساس نتيجة تحريض لا يتوقف، تزمت ديني ونزعة ثأر. يجب التشديد: عشرات العمليات تمنع كل يوم. المئات منها أحبطت. مخربون كثيرون صفتهم قوات الامن، بعضهم وهم في طريقهم لتنفيذ عمليات تفجيرية. مئات المخربين اعتقلوا وحقق معهم، ونتائج التحقيقات التي يجريها محققون مختصون ومهنيون في الشباك تخلق مخزونا من المعلومات الاستخبارية النوعية وتسمح بتنفيذ اعمال احباط عديدة أخرى.
في الأسابيع الأخيرة نلاحظ في أوساط عرب إسرائيل والمناطق تعاطفا زائدا مع حماس وحزب الله مما يستوجب استعدادا واسعا في محاولة لمنع انتفاضة أخرى.
وفي موضوع آخر: حان الوقت للسعي الى مبادرة إسرائيلية تنهي الحرب مقابل إعادة المخطوفين. لقاء كل ثمن يلزم. فوجود الجيش الإسرائيلي في غزة أصبح خطيرا وزائدا، والمعارك هناك ضد خلايا عصابات عديمة القيادة، مستقلة، تلاحق بنار فتاكة المقاتلين تتسبب بخسائر زائدة.
لا يوجد تفسير منطقي لاستمرار تعريض جنود الجيش الإسرائيلي للخطر. فقد نفذوا ما كلفوا به بتفان، ببسالة وبنجاح عظيم.
كل يوم إضافي هناك يعرض حياتهم للخطر بلا هدف ويعرض حياة المخطوفين للخطر.
بتقديري فان انهاء القتال في الساحة الجنوبية سيسرع إعادة المخطوفين، سيؤثر إيجابا على تحقيق اتفاق سياسي في الشمال وسيسمح بالبدء بترميم البلدات المدمرة وعودة سكانهم الى بيوتهم.
--------------------------------------------
هآرتس 30/10/2024
لا يتم فعل أي شيء في غزة “باسمنا”: نحن واولادنا نفعل ذلك بأنفسنا وبتفاخر
بقلم: تسفي برئيل محلل الشؤون العربية في صحيفة هآرتس
هاكم تمرين صغير في الديمغرافيا الشعبوية: هذا الاسبوع وصل عدد القتلى في القطاع الى اكثر من 43 ألف شخص – 2 في المئة من سكان القطاع. اذا طبقنا هذا العدد على مواطني اسرائيل فهو يساوي قتل 180 ألف اسرائيلي، وفي الولايات المتحدة يدور الحديث عن موت 6.5 مليون مواطن. ولكن كما قلنا هذا تمرين في الشعبوية، لأنه على الفور ستقفز “حقائق” تريد دحض هذا العدد.
تقريبا ثلث القتلى في غزة يعتبرون مخربين، حتى لو كانوا يعملون في الخدمات الصحية لحماس، أو كانوا معلمين في المدارس التابعة لحماس أو نشطاء في جمعيات خيرية تمولها حماس. جميعهم حماس. الثلثان الآخران هم “ضرر عرضي، كما هو سائد في كل الحروب. بالاجمال عددهم صغير نسبيا مقارنة مع عدد المدنيين الابرياء الذين قتلوا في حرب الولايات المتحدة في العراق وفي افغانستان. لقد خرجنا طاهرين، عدد القتلى بحد ذاته كان يجب أن يثير القشعريرة، وربما اثار الاستغراب القليل بدرجة معينة.
التقارير اليومية الجافة للمتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي حول عدد المخربين الذين تم قتلهم تصف لنا “الخطوة”، المسافة بيننا وبين النصر المطلق، وهي آخذة في التقلص. بضع مئات اخرى وربما بضعة آلاف وسنصل الى نهاية القصة.
بماذا يعنينا حسن نصر الله أو السنوار وتدمير “البنى الارهابية” وتصفية مخازن السلاح والذخيرة، فوق الارض وتحتها، وحتى تدمير المستشفيات والعيادات والمدارس والمباني. كل ذلك لا يشبع رغبة الانتقام. كان يجب أن يبلغ السيل الزبى منذ فترة طويلة، بعد أن تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين في السنة الماضية عدد القتلى لديهم في الـ 57 من الاحتلال.
ولكن نحن في زخم يجب عدم وقفه، ليس فقط القتل يوسع قلوبنا: كل شاحنة تدخل الى قطاع غزة وهي محملة بالمواد الغذائية الاساسية تجعلنا نشعر بالغثيان. “خطة الجنرالات” الشيطانية، التي تستهدف تجويع عشرات آلاف الاشخاص وجعلهم يهربون الى اماكن أقل خطر بقليل من اجل اعطاء مجال للجيش الاسرائيلي بحرية القتل، تحولت الى استراتيجية وتحصل على دعم الجمهور. هذه الخطة مغطاة بخدعة الجهود التي يتم بذلها لتحرير المخطوفين.
حتى من كان على قناعة بأنه فقط بمزيد من الضغط العسكري والتصفيات وعملية تطهير اخرى فان المخطوفين سيعودون، اصبح الآن يهز الكتف وهو مستعد للتنازل عن المخطوفين شريطة أن يحصل على رزمة تعويضات على شاكلة قتلى فلسطينيين آخرين. المخزون لا ينفد. ففي القطاع ما زال يعيش حوالي مليونين وربع شخص. ينتظرون في الطابور القنبلة التي ستسقط عليهم. ومثلما في المتاهة فان الفئران تركض بين جباليا وبيت لاهيا، بين رفح وخانيونس، مرة من الشمال الى الجنوب ومرة من الجنوب الى الغرب وهكذا دواليك، يبحثون عن ملجأ لبضع لحظات بين انقاض البيوت أو في الخيام المصنوعة من المواد الممزقة، وفي الطريق يأملون بأن ينشروا في الشبكات الاجتماعية أقوالهم الاخيرة.
يهوديت كارف، صاحبة الضمير التي يوجهها الضمير الانساني والاخلاقي والقيمي، ارادت هز الاركان (“هآرتس”، أمس) عندما قالت: “انقذونا نحن الاسرائيليون من تأنيب الضمير بسبب المذبحة التي نرتكبها ضد الآخر، وبسبب القتل الجماعي الذي يتم ارتكابه باسمنا في قطاع غزة وفي المناطق الموجودة تحت سيطرتنا، وبسبب عار سرقة الحقوق والاراضي واللامبالاة تجاه مصير من ليسوا نحن. انقذونا من حكومة خبيثة، التي بسببها نحن جميعا مسؤولون عن جرائم الحرب التي يتم ارتكابها باسمنا، وعن الاخلاق اليهودية وقيم دولة اسرائيل التي يتم محوها هناك”، صرخت من أعماقها. ولكن هذا متأخر جدا.
ما نشاهده في غزة هو من الآن القيم الاساسية لدولة اسرائيل والاخلاق اليهودية المشوهة المصبوبة فيها. لا يتم فعل أي شيء “باسمنا”. نحن واولادنا نفعل ذلك بأنفسنا، وبتفاخر. وقول رئيس حكومتنا، “نصرنا هو من اجل كل الانسانية”، مع هذه البشرى فان ضمائرنا اصبحت طاهرة.
--------------------------------------------
هآرتس 30/10/2024
على نتنياهو أن يختار: الصهيونية الدينية أو استمرار الحرب أو الأحزاب الحريدية؟
بقلم: رفيت هيخت
القانون الخاطف، الاقتراح الاخير في محاولة لمواصلة تهرب الحريديين بدون دفع أي ثمن جماهيري، استهدف السماح بتمويل الرعاية اليومية لاطفال طلاب المدارس الدينية الملزمين بالتجند. في محيط رئيس الحكومة على قناعة بأن هذا الاقتراح سيتم قبوله من قبل الجمهور بصورة سلسة اكثر من قانون التهرب من الخدمة العسكرية، الذي تم صده بتأخير صادم، على خلفية العدد الكبير من الجنازات التي تخرج من بيوت شعب اسرائيل الاخرى.
ثقة الليكود والحريديين بالحل الذي تم طبخه كبيرة جدا. حتى قبل بضعة ايام كانوا على ثقة بأنه يمكنهم تمرير قانون الاعفاء من التجند، ومن المحتمل أنهم مرة اخرى لا يرون المفهوم ضمنا. في الائتلاف هناك من يعطون اشارات على أنهم لن يدعموا محاولة تمديد قانون التهرب، التي تعمل على معالجة بصورة عملية التداعيات الاقتصادية لتهرب الحريديين بدون أي خطوة في توجه المشاركة في تحمل العبء.
“قيادة الحريديين خدعتنا”، قال احد اعضاء الائتلاف، المطلع على المحادثات التي جرت حول قانون التجنيد. “في السابق كانت موافقة على خطة معينة، وفي هذه المرحلة كان يجب أن يكون 3 – 4 آلاف مجند حريدي. هذا هو الحد الادنى الأقل. قيادة الحريديين كان يجب عليها القول لشبابها اذهبوا للتجند”. هذا المزاج سائد في الائتلاف اكثر مما اعتقد رؤساء الائتلاف.
اذا تم الدفع قدما بهذا الاقتراح فان أول من سيعارضونه يتوقع أن يأتوا من الصهيونية الدينية. الضغط القطاعي على اعضائها كبير جدا، وهو ايضا الذي حول رئيس القائمة، بتسلئيل سموتريتش، من دعم قانون التهرب من الخدمة الى موقف متشدد اكثر، الذي قطع العلاقة بينه وبين دعم الحريديين من ميزانية الدولة. الحريديون من ناحيتهم يواصلون نفس السلوك المقطوع عن الواقع والوقح، الذي فقط يثير ضدهم المزيد من الناس والقطاعات. من البداية رفع مطالبة الحريديين بسن قانون التهرب لم ينبع فقط من ظروف الثكل الصادمة، التي تكشف وقاحتهم بصورة قوية جدا. الحريديون ادركوا أن جهاز الامن امتنع أصلا عن تنفيذ قرار المحكمة العليا، ولم يقم بتجنيد الحريديين (أو كما قال احد الوزراء في الحكومة، “أصلا لا يتم تجنيد الحريديين. فلماذا يحتاجون أصلا الى قانون التجنيد”). ولكن مع العقوبات الاقتصادية المرافقة هم يجدون صعوبة في التسليم بذلك.
النتيجة الفورية للنشاطات الحكومية لمعالجة تمويل من يرفضون التجنيد، هي تضرر عشرات آلاف الآباء، بينهم ايضا حريديون ليسوا في سن التجنيد. بهدف منع العقوبة الاقتصادية للملزمين بالتجنيد يؤخر وزير العمل يوآف بنتسور (شاس) امكانية تقديم طلب لتمويل مراكز الرعاية في النهار المراقبة، لكل السكان. كل ذلك بدون أن يعبر الحريديون عن الاستعداد للبدء في تحريك عملية كبيرة لتجنيد ابنائهم، في حين أن الصهيونية الدينية والصهيونية العلمانية تضحي بنسبة عالية من أبنائها.
بنيامين نتنياهو ايضا، الذي يظهر الآن كشخص قوي سياسيا وقادر على كل شيء يعمل فعليا في محورين لا يمكن عدم تصادمهما. نتنياهو يفتح المزيد من الجبهات ويرفض انهاء الحرب. ولكن في نفس الوقت هو لا يعالج مشكلة نقص القوة البشرية في الجيش والتآكل الآخذ في الازدياد في اوساط من يتحملون العبء.
من جهة، هو وافق على طلب الصهيونية الدينية بمواصلة الحرب. ولكنه من الجهة الاخرى يتجاهل صرختها في اجراء العدالة والقيام بتجنيد الحريديين الى جانب ابنائها الذين يتعلمون التوراة. مشروع قانون تمويل الرعاية في النهار لن يخفف الصراع، كما يعتقدون في الليكود، بالتأكيد لأنه في كل بضع ساعات يسمعون مرة تلو الاخرى عن سقوط المزيد من الابناء والآباء والاخوة والاصدقاء والجيران. هذا الامر فقط سيزيد الاشتعال.
في نهاية المطاف الخيار الموجود امام نتنياهو هو واحد من اثنين: اما استمرار الحرب وتجنيد الحريديين أو انهاء الحرب والسماح بمواصلة تهرب الحريديين. بدرجة معينة هذا اختيار بين ركنين من اركان الائتلاف، الصهيونية الدينية والحريديين.
--------------------------------------------
هآرتس 30/10/2024
خلاصة الكلام: إسرائيل حكومة وشعباً.. دولة تطهير عرقي
بقلم: أسرة التحرير
منذ ثلاثة أسابيع ونصف وقوات الجيش الإسرائيلي تحاصر شمال قطاع غزة. إسرائيل تمنع تماماً دخول المساعدات الإنسانية وتجوع مئات الآلاف الذين يعيشون هناك؟ التقارير القادمة من المنطقة المحاصرة جزئية، فمنذ بداية الحرب وإسرائيل تمنع الصحافيين الدخول إلى القطاع. ومن القليل الذي انكشف لعيان الجمهور، يمكن أن يقال أمران عن الحصار: حجم المصابين الهائل من المدنيين نتيجة قصف يومي ينفذه الجيش الإسرائيلي في مخيمات وبلدات الشمال، من أطفال، ونساء، وشيوخ ورجال أبرياء؛ ومؤسسات الصحة والإغاثة انهار معظمها وباقي المؤسسات في حالة انهيار، لذا فإن مئات آلاف الناس عرضة الآن لخطر الجوع أو يعيشون جوعاً حقيقياً.
بزعم إسرائيل، فإنها بلغت السكان بأن عليهم الخروج من شمال القطاع والتحرك جنوباً في المحاور التي قررها الجيش لهذا الغرض. هؤلاء السكان الذين سبق لكثيرين منهم أن نزحوا مرتين وثلاث مرات وأكثر من الأماكن التي فروا إليها هرباً من رعب الحرب، مطالبون بالنزوح مرة أخرى، وإسرائيل تمتنع عن إعطاء تعهد للنازحين بأنهم سيتمكنون من العودة بعد انتهاء القتال.
وعليه، فلا غرو أن اشتباهاً جسيماً يثور بأن إسرائيل تنفذ عمليا تطهيراً عرقياً في شمال القطاع؛ وأنها حملة تهدف إلى إفراغ الفلسطينيين من شمالي القطاع إلى الأبد. هذا الاشتباه يستوي مع مبادئ “خطة الجنرالات” التي يروج لها اللواء احتياط غيوار آيلند – خطة نفى وزير الدفاع غالنت بأنه ينفذها عملياً، ومع أم مع مطالب أحزاب التفوق اليهودي في الائتلاف، التي تروج رسمياً لسياسة الطرح الجماعي ولتجديد الاستيطان في قطاع غزة.
التطهير العرقي جريمة أخلاقية وقانونية. الطرد الجماعي يعد في القانون الجنائي جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. لشدة الفظاعة، في حكومة نتنياهو من هم معنيون بتنفيذ جرائم كهذه. منذ بداية الحرب دعوا إلى “محو غزة”، وإحداث “نكبة ثانية”. كثيرون في الجمهور في إسرائيل استخفوا بأقوالهم، وكذا جهاز إنفاذ القانون وعلى رأسه المستشارة القانونية للحكومة غالي بهرب ميارا، امتنع عن معالجة هذا التحريض على ارتكاب الجرائم.
وها هي النتيجة أمامنا: إسرائيل تنزلق إلى تطهير عرقي، جنودها ينفذون سياسة إجرامية لليمين الكهاني والمسيحاني، وحتى المعارضة في الوسط وفي الوسط – اليسار، لا تفتح فاها. إن الإجماع على التطهير العرقي معيب، وكل زعيم جماهيري لا يدعو إلى وقف الطرد، إنما يعزز الجريمة ويشارك فيها. إذا لم تتوقف هذه المسيرة على الفور، فإن مئات آلاف من الناس سيصبحون لاجئين، وجماعات أهلية كاملة ستخرب، والوصمة الأخلاقية والقانونية للجريمة ستلتصق على جبين كل الإسرائيليين وستلاحقهم.
--------------------------------------------
انقطاع الكهرباء والاتصالات يخفي أهوال الحصار
المفروض على شمال غزة
30/10/2024
الصحفيون غير قادرين على تقديم التقارير، وعمال الإنقاذ غير قادرين على إنقاذ ضحايا الهجوم الإسرائيلي الذي يعيق الحركة والاتصالات.
صحيفة "ذي غارديان" البريطانية، تنشر تقريراً تتحدث فيه عن المعاناة والدمار والمجازر التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي في شمال غزّة، وقصف المستشفيات وشبكة الاتصالات، ما يترك الضحايا من دون إسعاف وعلاج، والجرائم من دون تغطية إعلامية.
إنّ الحصار الإسرائيلي المشدد على جباليا وعدة أجزاء أخرى من شمال غزة، والذي فرضته الدبابات والقوات البرية، يعني أنّ فرق الدفاع المدني والمسعفين لم يتمكنوا من القدوم لإنقاذ المحاصرين تحت الأنقاض. ولم يتمكن أي مراسل من الوصول أيضاً، باستثناء أنس الشريف، الذي يعيش بالقرب. وقال في مقطع فيديو من الشارع الهادئ المظلم: "لا دفاع مدنياً، ولا تغطية، لا شيء سوى الموت والدمار. لا أحد يأتي لإنقاذهم".
لا توجد حتى الآن روايات رسمية أو شاملة عن الغارات على الحواجة، وهو الوضع الذي تكرر في مختلف أنحاء شمال غزة حيث أصبحت الحركة والاتصالات صعبة على نحو متزايد بعد أربعة أسابيع من الهجوم الإسرائيلي المتجدد على المنطقة.
لقد قامت "إسرائيل" بشكل روتيني بتشويش شبكات الهاتف والإنترنت في غزة خلال حملتها المستمرة منذ عام، كما إنّ الشبكات غير متصلة بالإنترنت بشكل روتيني بسبب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية أو نقص الكهرباء أو الوقود للمولدات.
ويقول المدنيون والعاملون في المجال الإنساني والمسعفون والعاملون في مجال الإعلام على الأرض في شمال غزة إنّ المشكلة تزداد سوءاً، ما يؤثر في جهود إنقاذ الأرواح التي يبذلها عمال الإنقاذ والمسعفون، فضلاً عن قدرة الصحفيين على نقل الأخبار.
وأصبح الاتصال بين المستشفيات والعاملين في مجال الصحة ووكالات الإغاثة متقطعاً، وجعل القتال البري السفر أكثر خطورة، ما يجعل من الصعب تنسيق الرعاية والعلاج وجمع بيانات الضحايا بدقة. وعلّقت خدمة الدفاع المدني أنشطتها يوم الأربعاء الماضي بعد أن هاجمت القوات الإسرائيلية أطقمها ودمر قصف الدبابات آخر سيارة إطفاء لديهم.
وبذلت رجاء، وهي صيدلانية تبلغ من العمر 28 عاماً، مع صديقتين، قصارى جهدها لمساعدة الجرحى بعد الغارات الجوية في بيت لاهيا يوم السبت والتي أسفرت عن مقتل 40 شخصاً على الأقل. ولم تكن هناك وسيلة للاتصال بالمستشفيات الثلاثة التي لا تزال تعمل في المنطقة، ولم تأت سيارات الإسعاف على الإطلاق؛ ويعتقد أنّ عدداً غير معروف من الأشخاص دفنوا تحت المباني المنهارة.
"لقد ساعدنا في نقل الجرحى أو نقلهم على عربات تجرها الحمير، وأخذناهم إلى منزلنا. كان لدينا بعض الأدوات، لذلك كان بوسعنا القيام ببعض الإسعافات الأولية، لكننا شاهدناهم جميعاً يلفظون أنفاسهم الأخيرة. كان هناك طفل صغير بجمجمة مفتوحة لا يزال على قيد الحياة، لا أعرف كيف". وأضافت: "إنّ ما يؤلمني أكثر، الشعور بالعجز الشديد. لو كانت هناك سيارات إسعاف، لكان معظمهم على قيد الحياة الآن".
لقد أسفرت العملية الجوية والبرية الإسرائيلية الجديدة في شمال غزة عن مقتل ما لا يقل عن 800 شخص، وفقاً للمسعفين ووزارة الصحة في المنطقة. وفي صباح يوم الثلاثاء، قال مسؤولون فلسطينيون إنّ ما لا يقل عن 60 شخصاً قتلوا في غارة إسرائيلية أخرى على بيت لاهيا.
يقول ما يقدر بنحو 400 ألف شخص متشبثين بالشمال إنّ الظروف هي الأسوأ في الحرب حتى الآن. لقد هاجمت "إسرائيل" المستشفيات والملاجئ، كما نفدت المواد الغذائية والمياه بسبب الحصار المفروض على إيصال المساعدات والحصار الذي يركز على جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، والذي يقيد الحركة بشكل مطرد. وقال العديد من الأشخاص الذين تحدثت إليهم صحيفة "ذي غارديان" إنّ المياه النظيفة نفدت منذ أكثر من أسبوع، وأنهم يشربون كميات صغيرة من مياه الصرف الصحي يومياً للبقاء على قيد الحياة.
إنّ انقطاع الاتصالات والقيود المفروضة على الحركة يساهمان أيضاً في قلة أو تأخير الإبلاغ عن المجازر والمعاناة الناجمة عن الهجوم الإسرائيلي الجديد في شمال القطاع. وإضافة إلى هذه الصعوبات، يبدو أنّ "إسرائيل" صعّدت من حملتها ضد الصحفيين المحاصرين في القطاع، حيث قُتل خمسة صحفيين في غارات جوية إسرائيلية خلال عطلة نهاية الأسبوع.
لقد قتلت "إسرائيل" ما لا يقل عن 170 صحفياً ودمّرت 86 منشأة إعلامية في غزة حتى الآن، وفقاً لتقرير جديد صادر عن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.
وقالت فيونا أوبراين، مديرة منظمة "مراسلون بلا حدود" في المملكة المتحدة: "إننا نشعر بالفزع الشديد إزاء الاتهامات المستمرة التي لا أساس لها، والتي تربط الصحفيين في غزة بجماعات إرهابية... إن إسرائيل تنشر وثائق تزعم أن هذا ليس دليلاً كافياً أو ترخيصاً بالقتل ويعرضهم لخطر أكبر".
وأكدت أنّ "هناك محاولة منهجية من جانب إسرائيل لإغلاق التغطية الإعلامية لأحداث غزة ومنع نشر القصة، وكان أبرزها قتل الصحفيين".