شمالي غزة في مواجهة خطط "اليوم التالي للحرب"
2024-10-15
حسن لافي
ينفّذ "الجيش" الإسرائيلي أكبر عملية إبادة جماعية للكينونة الفلسطينية، بكل ما تحمله الكلمة من دلالات، فالعملية العسكرية الإسرائيلية تستهدف تهجير سكان شمالي غزة بالكامل من تلك المنطقة، من خلال استهداف كل من الحجر والبشر والشجر في المنطقة، بحيث لا تصبح قابلة للحياة والعيش للفلسطيني، وكل ذلك تحت ذريعة محاربة البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية والقضاء على سلطة حماس.
لكن "إسرائيل"، في حقيقة الأمر، منذ أكثر من 12 شهراً تائهة وغير قادرة على حسم رؤيتها لليوم التالي في غزة، بعد الحرب، الأمر الذي يجعل جيشها يقاتل طواحين الهواء في غزة، من دون هدف سياسي واضح لذلك القتال.
قد يكون هناك عدة أطروحات وخطط تم نقاشها داخليا في "إسرائيل"، بصورة رسمية وغير رسمية ، أهمها: أولاً، خطة الفقاعات السكانية، التي قدمها وزير الحرب، يؤاف غالانت، ومبنية على تقسيم قطاع غزة إلى 24 فقاعة، وفصل تلك المناطق "الفقاعات" بالكامل، عن سائر مناطق غزة، على أن تبدأ الخطة من أقصى شمالي غزة وصولاً إلى جنوبيها بالتدريج، من خلال العمل على تحييد أفراد المقاومة بداخلها من جانب قوات الاحتلال، وإنشاء بنى تحتية أساسية في تلك المناطق، تديرها لجان إدارة محلية فلسطينية من سكان تلك المناطق لإدارة الحياة العامة، والأمن يكون في يد الإسرائيلي الذي سيشكل حماية خارجية من عودة حماس أو مهاجمتها للجان الإدارية، مع إمكان طرح فكرة الرحيل الطوعي لسكان غزة أو جزء منهم.
ثانياً، خطة الدمج، التي قدمها عميت هاليفي، عضو لجنة الخارجية والأمن في الكنيست عن حزب "الليكود"، والمبنية على أساس دمج قطاع غزة في "إسرائيل"، كون هاليفي يَعُدّ أن "الانفصال" الإسرائيلي عن قطاع غزة كان الخطيئة الكبرى التي قامت بها "إسرائيل"، لذلك لا يتأتى تصحيح تلك الخطيئة إلا بدمج قطاع غزة في "إسرائيل" بالتدري وبصورة مدروسة، وذلك يكون جوهر خطة "اليوم التالي".
وتنفيذ خطة الدمج، بحسب هاليفي، يتطلب عمليات صارمة وتدريجية لإزالة المقاومة، "التطرف"، من السكان وإزالة التسليح من المنطقة، لضمان نجاح الدمج، بحيث تكون السيطرة المركزية على قطاع غزة (بالتأكيد في المدى المنظور) عبر إدارة عسكرية إسرائيلية، على أن تشمل خطة "اليوم التالي" حرية الهجرة، من أجل تخفيف ديموغرافي كبير عن قطاع غزة، وعن إمكان إعادة الدمج والاحتواء للقطاع من جانب "إسرائيل".
خطة الجنرالات، والتي قدمتها مجموعة من جنرالات الجيش المتقاعدين، وفي مقدمتهم غيورا آيلاند، تعتمد على أسلوب التجويع من خلال منع دخول المأكل والمشرب ومستلزمات الحياة الإنسانية لمنطقة شمالي قطاع غزة، وتطبيق حصار مطبق على تلك المنطقة بعد تهجير أهلها منها في اتجاه جنوبي قطاع غزة، وقتل الرافضين إما قصفاً وإما جوعاً. القراءة المعمقة لتلك الخطط تشير إلى أن أهدافها الأساسية واحدة، وهي تغيير الوضعين السكاني والأمني في قطاع غزة جذرياً، من خلال محاولة تهجير أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من قطاع غزة، لكن الخلاف الإسرائيلي الحقيقي يكمن في الآليات والتكاليف والأثمان. وفي ظل استمرار الصمود الفلسطيني الاسطوري، برز صوت جديد في "إسرائيل"، عبّر عنه المحلل السياسي للشؤون العربية، يهودا عاري، ومفاده أنه ليس من الضروري أن يكون هناك خطة إسرائيلية استراتيجية لليوم التالي للحرب، سواء في غزة أو لبنان، بل إن الحرب ونتائجها هي التي ستهيئ الظروف لوضع الخطة لليوم التالي للحرب؛ بمعنى آخر، أن القدرة العسكرية الإسرائيلية هي من يحدد الأهداف الاستراتيجية للحرب، وهذا يذكرنا بفكرة أن "حدود إسرائيل ترسمها دباباتها".
لذلك، فإن مدى نجاح "إسرائيل" في حربها هو من يرسم خريطة أطماعها في المنطقة، كما عبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، عبر قوله إن هدف الحرب خلق ترتيبات جديدة للشرق الأوسط. في سياق كل ما سبق، ما يحدث الآن من مجازر وإبادة جماعية في منطقة شمالي قطاع غزة، عبارة عن تجربة إسرائيلية لتنفيذ المشترك بين كل خططها لليوم التالي.
وفي حال سكوت المجتمع الدولي سيتم استمرار تنفيذ تلك الخطط بهمجيتها، لكن يبقى وعي الشعب الفلسطيني ومقاومته لطبيعة الخطر الوجودي الذي تشكله تلك الخطط، الدافع الرئيس إلى عدم تعاطي سكان شمالي قطاع غزة مع أوامر الإخلاء، وتفضيلهم الموت على الرحيل عن أراضيهم.