• طوفان الأقصى: بين الثورة الشعبية والبرنامج المرحلي
    2024-10-06


    لؤي صوالحه
    في خضم الصراع المستمر مع الاحتلال الإسرائيلي، تشكلت انتفاضة "طوفان الأقصى" كإحدى أبرز المراحل الثورية التي تمثل التحام الشعب الفلسطيني بجميع قواه السياسية والاجتماعية في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية. هذه الانتفاضة لم تكن مجرد رد فعل عابر على الاعتداءات الصهيونية المتكررة، بل جاءت كنتيجة لتراكم الغضب الشعبي والنضج السياسي لدى مختلف القوى الفلسطينية، لا سيما تلك التي تتبنى النهج اليساري الثوري مثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. هذه القوى تنظر إلى الانتفاضة كجزء من نضال طويل الأمد يهدف إلى تحرير فلسطين والعودة إلى الوطن، وهو ما ينسجم مع البرنامج المرحلي الذي تبنته الجبهة منذ عقود.

    إن الانتفاضات الفلسطينية، بدءاً من انتفاضة الحجارة في 1987 إلى الانتفاضة الثانية، شكلت محطات مهمة في النضال الوطني، وكانت "طوفان الأقصى" استمراراً لهذا المسار. مع تصاعد العدوان الصهيوني وتفاقم الاستيطان والتهويد، يأتي الطوفان الشعبي كتجسيد مباشر لتنامي الوعي الوطني وتجدد روح المقاومة الشعبية. وهنا يتضح أن طوفان الأقصى يعكس تحولاً في ميزان القوى الداخلية، حيث يعيد التأكيد على أن الشعب الفلسطيني بكافة تياراته السياسية والاجتماعية لن يرضى بأقل من تحرير أرضه واستعادة حقوقه. بالنسبة للجبهة الديمقراطية، التي ترى في الوحدة الوطنية والمقاومة الشاملة أدوات لا غنى عنها، يمثل هذا الطوفان فرصة لتأكيد رؤيتها الثورية القائمة على تحقيق الأهداف الوطنية من خلال النضال الشعبي والجماهيري.

    إن الربط بين الماضي والحاضر في هذا السياق يعزز من فهم طبيعة النضال الفلسطيني المتواصل، إذ أن البرنامج المرحلي، الذي قدمته الجبهة الديمقراطية كخارطة طريق للنضال الوطني، كان منذ البداية مبنياً على إدراك عميق لطبيعة الصراع مع الاحتلال. إذ سعى إلى تحقيق دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967 كخطوة في مسار التحرير الكامل. ومن هنا، ورغم الانتقادات التي وُجِّهت لهذا البرنامج، فإنه شكل رؤية عملية تستند إلى قراءة واقعية لميزان القوى محلياً ودولياً، مع التأكيد على أن هذه المرحلة لن تكون نهاية المطاف، بل جزءاً من مشروع التحرير الأشمل. وفي هذا السياق، تأتي انتفاضة "طوفان الأقصى" لتجدد الأمل في تحقيق تلك الرؤية، حيث يبرز الدور المركزي للمقاومة الشعبية في مواجهة الاحتلال وإحباط مخططاته.

    على الرغم من كل التحديات السياسية والاقتصادية التي يواجهها الشعب الفلسطيني، وخاصة داخل المخيمات التي باتت ترمز لمعاناة الفلسطينيين ورفضهم لكل محاولات التهجير والتذويب، يبقى الطوفان الشعبي تعبيراً عن قوة الإرادة الفلسطينية. الاحتلال الإسرائيلي سعى دوماً إلى محاصرة المخيمات وتفتيت البنية الاجتماعية الفلسطينية، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل. وفي هذا الصدد، كانت المخيمات عبر العقود مركزاً للثورة الشعبية، وخزاناً للفدائيين والمقاومين، وتعتبر "طوفان الأقصى" استمراراً لهذا الإرث الثوري.

    إن البرنامج المرحلي الذي تبنته الجبهة الديمقراطية لم يكن فقط تعبيراً عن وعي استراتيجي طويل المدى، بل هو في صميمه خطة عملية لتحقيق مكاسب على الأرض من خلال الكفاح المتواصل. وبهذا الفهم، لا يمكن أن يُفهم "طوفان الأقصى" بمعزل عن هذه الرؤية، حيث يتكامل النضال الشعبي مع الكفاح السياسي لتحقيق أهداف التحرير والعودة. إن الأوضاع الميدانية تشير إلى أن الشعب الفلسطيني بات أكثر استعداداً للتضحية والفعل المقاوم، وهو ما يعكس روح البرنامج المرحلي الذي يدعو إلى استثمار كل الوسائل المتاحة، من المقاومة الشعبية وحتى العمل الدبلوماسي والسياسي.

    ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي، وتنامي التحالفات التطبيعية مع بعض الأنظمة العربية، يجد الشعب الفلسطيني نفسه أمام تحديات كبرى، لكنها في الوقت ذاته تشكل حافزاً لمزيد من الوحدة والتكاتف. الجبهة الديمقراطية، بوصفها قوة يسارية ثورية، تؤكد دائماً على أن وحدة الصف الفلسطيني هي السبيل الوحيد لتحقيق النصر. وقد كانت الجبهة دائماً داعمة لتشكيل جبهة وطنية مقاومة تضم جميع الفصائل والقوى، وبالتالي، فإن هذا يعكس إيمانها العميق بأهمية التعاون والتنسيق المشترك لتحقيق الأهداف الوطنية.

    إن "طوفان الأقصى" جاء ليعيد الاعتبار للمقاومة الشعبية كوسيلة ناجحة في مواجهة الاحتلال، وليؤكد أن الشعب الفلسطيني لن يرضخ للضغوط ولن يستسلم للواقع المفروض عليه. وعليه، لقد أثبتت هذه الانتفاضة أن الروح الثورية الفلسطينية لا تزال حية، وأن الجبهة الديمقراطية، برؤيتها اليسارية وتوجهاتها الوطنية، تبقى جزءاً أساسياً من هذا النضال. ففي كل بيت فلسطيني، تتجلى روح المقاومة، وفي كل شارع من شوارع فلسطين تتردد أصداء الطوفان الذي يذكر الجميع بأن هذا الشعب لن يتوقف عن مقاومة الظلم حتى تحقيق التحرير الكامل.

    من المهم أن نؤكد أن "طوفان الأقصى" يمثل نقطة تحول في مسار النضال الفلسطيني، حيث أصبح واضحاً أن الشعب الفلسطيني قادر على مواجهة الاحتلال بأدواته الشعبية والسياسية. ومن هذا المنطلق، يصبح من الضروري أن تواصل الجبهة الديمقراطية والقوى الوطنية الأخرى دعم هذا التحرك الشعبي من خلال تقديم رؤية نضالية شاملة تتضمن الوحدة الوطنية والتنسيق المشترك بين كافة فصائل المقاومة. فكما أن "طوفان الأقصى" قد أظهر وحدة الشعب في ميدان المواجهة، فإنه يجب أن يكون دافعاً للوحدة السياسية على المستوى القيادي.

     إن "طوفان الأقصى" ليس حدثاً عابراً في تاريخ النضال الفلسطيني، بل هو تجسيد لروح الثورة التي لن تتوقف حتى تحقيق الحرية والاستقلال. وفي النهاية، تبقى الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، بمواقفها الثابتة ودعمها المستمر للمقاومة الشعبية، حاملة لواء البرنامج المرحلي الذي يسعى إلى تحرير الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.


    http://www.alhourriah.ps/article/94742