مفهوم الممارسة السياسية في الساحة الفلسطينية
2024-07-30
أسامة خليفة / باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»
ثمة مفردات لغوية تبدو مترادفات لوجود معنى مشترك بينها، في ذات الوقت بينها اختلاف، وإظهاره يلبي مطلب الدقة، ولا سيما في الدراسات العلمية، هناك العديد من مترادفات السلوك في اللغة: الفعل، النشاط، التصرف، العمل، الممارسة، قد يكون السلوك واعياً أو غير واعٍ، واختياري أو غير اختياري، لكن الممارسة لابد أن تكون واعية واختيارية. وتقترب الممارسة من مفهوم الأداء أي طريقة وأسلوب القيام بعمل ما، والمهم من الممارسة والأداء هي حصاد النتائج المتوخاة من العمل، ويتقاطعان في التكليف والقيام بالواجب. وقد عرّف بعض الباحثين الممارسة السياسية، تعريفاً تحليلياً: على أنها فعل يحدث في بنية علائقية لأكثر من فاعل واحد، فهي أداء مجتمعي، ترتبط مفاهيمياً وتجريبياً بالأبعاد التحليلية لمعرفة الفاعلين ومواقعهم.
الممارسة السياسية مفهوم يقابل النظرية السياسية، أو الممارسة تتعلق بالنظرية، الممارسة: هي محاولة لتطبيق النظرية على أرض الواقع، قد تفشي وقد تنجح، وتهدف إلى تحويل المبادئ والنظريات إلى واقع اجتماعي سياسي، تقترب من الشكل الاحترافي للنشاط السياسي النابع من الفهم العميق للنظرية، وإذا لم تكن نابعة من ها هنا، يقال في السياسة وممارستها مهنة من لا مهنة له، الممارسة ترتبط باتباع نهج معين، يؤدي حسب الممارس إلى تحقيق ما يؤمن به، إنها النشاط الدائم الذي توضع فيه مبادئ علم أو فن السياسة موضع التنفيذ. وكثرة الاشتغال بالسياسة، تحول الممارس إلى متمرس أي صاحب خبرة كبيرة في هذا المجال.
وإن لم تكن ثمة نظرية شبه متكاملة تستند إليها الممارسة السياسية، فعلى الأقل مبدأ عام يوجه السلوك أو التصرف أو الفعل في اتجاه معين، ربطاً بالنتائج المترتبة على هذا التصرف.
ومن غرائب الأحوال في عالم السياسة أن تسبق الممارسة النظرية، وهذا ما قيل في التجربة الناصرية في مصر، كما قيل في الممارسة السياسية لحركة فتح على الساحة الفلسطينية، قيل ذلك لرفضهما العمل السياسي المؤدلج والإطار الحزبي للممارسة السياسية، في مصر حُلّت الأحزاب، وذُوّبت في الاتحاد الاشتراكي رفضاً للحزبية، أما حركة فتح فقد لعبت وما زالت تلعب دوراً رئيسياً في النضال الوطني وفي صياغة العملية السياسية في فلسطين. لكنها لم تلعب الدور نفسه من حيث الريادة في المجال الفكري النظري، وفتح بتسميتها «حركة التحرير الوطني الفلسطيني» حملت مشروع برنامج يركز على الأهداف الوطنية العامة، دون تصور لبنية طبقية ولمصالح الفئات الاجتماعية، ودورها في النضال الوطني، وأغفلت دور الاتحادات الشعبية، التي من خلالها تمارس جماهير شعبنا دورها في تفعيل مؤسسات منظمة التحرير. ارتكزت حركة فتح في الجانب النظري على شعارات نابعة من مبادئ أساسية، منذ نشأتها أكدت على استقلالية القرار الفلسطيني في تحرير فلسطين، ورفعت الشعارات الوطنية، بعيداً عن التنظير والمزايدة، العقائدية والأيديولوجية، فحصلت حركة فتح عند نشأتها على التأييد الجماهيري وسعة الانضمام إلى صفوفها، كأول جماعة فلسطينية، تتبنى الكفاح المسلح، باعتبارها من أهم أشكال الممارسة، التي تتطلب إعداد الفدائيين بدنياً وعسكرياً كأولوية على الجانب النظري الفكري.
من قواعد الممارسة، صياغة الرؤية السياسية بطرح سياسي واضح الأهداف والأبعاد من خلال النظرية وإمكانية تطبيقها في الممارسة الناجحة، على المستوى التنفيذي تحدد مدى قربنا أو بعدنا عن الممارسة السياسية الواعية وربط المرحلي بالاستراتيجي والذي يضع الأحداث الجزئية المتتالية في إطار محدد.
الشمول وسعة النطاق تؤدي إلى اتخاذ القرار على ضوء معطيات شاملة وليست جزئية وبالتالي قد يكون القرار
صائباً بوضع كل قرار في إطار واسع وهو ما يجعل الممارسة السياسية ممارسة استراتيجية مستقبلية.
الممارسة الفاشلة أو الخاطئة هي الممارسة التي لا تؤدي إلى تحقيق مكاسب أو منفعة أو إحراز تقدم في النظرية التي تستند إليها الممارسة، ويأتي تطبيق النظرية بنتائج عكسية، وهذه هي السياسة التي أودت إلى اتفاقية أوسلو، باعتباره عند البعض التطبيق الممكن لبرنامج النقاط العشرة لمنظمة التحرير الفلسطينية، للوصول من خلال هذا الطريق إلى دولة فلسطينية مستقلة. الممارسة السياسية الخاطئة هي بالتأكيد ممارسة فاشلة، لكن أيضاً الممارسة الفاشلة قد يكون سببها عدم واقعية الفكرة. والفكرة الجيدة بحاجة إلى كوادر جيدين مؤهلين، ويتحملون المسؤولية في ربط الممارسة بالنظرية. في الفكر الثوري خصوصاً تظهر قدرات الكادر النوعي المتميز في التطبيق العملي على أرض الواقع لهذا الفكر الذي يهدف إلى إحداث تغيير شامل ومتسارع.
وقد تكون الممارسة الخاطئة مقصودة، كمن يرفع شعاراً ويمر من تحته، وهو تعبير عن الديماغوجية، حيث تطرح أفكاراً مثالية مثل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق المرأة والمواطنة في المجتمع المدني من قبل أشخاص منتفعين وأصحاب مصالح شخصية، أو تكون الممارسة الخاطئة غير مقصودة لذا يتكرر الخطأ دون التصحيح بالمراجعة النقدية، وإذا سقطت النظرية تفرق شمل معتنقيها. وهناك من يحمل أفكاراً جيدة لكن يعجز عن تطبيقها لأسباب عديدة، إنما سيادة أجواء الديمقراطية في المجتمع تسهل ذلك.
الديمقراطية مفهوم نظري لا ينفصل عن الممارسة السياسية، تحدد الديمقراطية شكل الممارسة، ومدى الحرية المسموح بها للناشطين، وبدورها الممارسة تساعد على تحديد الديمقراطية بحيث تطور المفهوم في المجال العملي من المفهوم الأولي «حكم الشعب نفسه بنفسه» إلى مصطلحات عديدة ومتشعبة، منها: الديمقراطية الشعبية، المركزية الديمقراطية، الديمقراطية المباشرة، الديمقراطية نصف المباشرة، الديمقراطية النيابية، الديمقراطية التعددية، الديمقراطية الفدرالية، الديمقراطية الدستورية، الديمقراطية التمثيلية، الديمقراطية الرئاسية، الديمقراطية البرلمانيّة....
قد تكون الممارسة حملات للناشطين بشأن الإجراءات المستقبلية، عبر تنسيق الأنشطة والفعاليات تتضمن فهماً مشتركاً لأهدافهم. وتحتاج إلى معايير مثل الكفاءة الذاتية، ولهذا تهتم المنظمات السياسية بتربية وإعداد الكادر الذي يؤدي دوره بإتقان وحرفية. تحدد معايير الممارسة السياسات المناسبة للتعامل مع القضايا المختلفة من خلال تحديد العوامل التي تؤثر فعلاً في القضايا محل الصراع.
كما أن معالجة قضايا وأوضاع معقدة تحتاج إلى الكوادر السياسية جيدة التدريب، لم يكونوا ليستطيعوا التعامل معها دون الإلمام بتلك القواعد الأساسية، فهي توفر إطاراً أو مبرراً نظرياً لتبرير قرارات القادة، وتوفر الجانب المعرفي في عملية صنع القرار.
ويفترض بالممارسة السياسية، أن تنقل المهتمين بالشأن العام من المشاركة السياسية اللاواعية إلى المشاركة الواعية، وهي المشاركة التي لابد أن تتعدى متابعة الأحداث التي تدور، سواء كان عن طريق تحليلها، وتفسيرها، وتقييمها، والتنبؤ بها إلى ما هو أبعد من الأحداث إلى أهم المفاهيم والقواعد التي تحكم اللعبة السياسية، أي قواعد صناعة الأحداث.
فالمواطن الذي يهتم بالسياسة ويشارك في الشؤون السياسية، تدفعه ضرورة الممارسة والمناقشة إلى قراءة المنشورات ومتابعة الأخبار والمقالات والتعليقات السياسية، الممارس في المجال السياسي ينطلق من ضرورات تحصيل المعرفة بالمسائل السياسية، وهو أمر أساسي في مفهوم الممارسة التي لا تقتصر فقط على الاهتمام بمتابعة الأحداث المحلية الفلسطينية والعربية والعالمية، وعلى الاطلاع والمعرفة النظرية، الممارسة لا تقتصر على الاهتمام بمطالعة موضوعات القضية الفلسطينية، ولا تدل فقط غلى رغبة بتحصيل المعرفة، وخزن المعلومات في الذاكرة، بل بتحويل المعرفة إلى ممارسة واعية ترتبط بالإحساس بالمسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمع وقضاياه.
من قواعد الممارسة السياسية، الربط بين نتيجة سياسية محددة، وممارسة سياسية محددة، الكفاح المسلح (ممارسة) يؤدي إلى استقلال دولة فلسطين(نتيجة)، النضال ضد سياسة الفصل العنصري (ممارسة) تؤدي إلى دولة ثنائية القومية (نتيجة).
القاعدة التوجيهية الإرشادية تقرر حقيقة لابد أن يدركها الممارس للعمل السياسي، في الحالة الفلسطينية نقول: الصراع نوعان ( وجودي مع العدو الإسرائيلي، وديمقراطي بين فصائل العمل الوطني)، (ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة)، (النضال السلمي هو الشكل المناسب في هذه المرحلة)، فهذا النوع من القواعد توجيهي إرشادي ليس له أثر سياسي مباشر ولكنه يؤثر في طبيعة أسلوب أداء الفاعل السياسي.
وفقاً لمفهوم السيادة، تعتبر الممارسة السياسة من أهم اختصاصات الدولة، وفي العديد من الدول النامية تنتهك السيادة الوطنية جراء التدخلات الخارجية في شؤونها، هذا يتم عبر ممارسات القوة الناعمة بفرض عقوبات اقتصادية وغيرها، أو عبر الممارسة السياسية العنفية، إما بالحرب العدوانية أو عبر تصدير الإرهاب لتحويل الدولة الوطنية إلى دولة فاشلة. وفي فلسطين ترتبط ـــــــــ مجمل الممارسات العدوانية للسلطات الإسرائيلية والمستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وانتهاك حرمة المسجد الأقصى والاعتداء على المصلين، والممارسات العنصرية والسياسة التمييزية، ورفض تطبيق القرارات والمواثيق الدولية ــــــــ ترتبط بالهدف الاستعماري الاستيطاني، وتهجير شعب فلسطين عن أرض وطنه.