أسامة خليفة / باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»
مع دخول الحرب بما حملت شهرها التاسع، يتضح أكثر فأكثر أن فكرة اليوم التالي ولدت ميتة، ولا مؤشرات على اقتراب الحسم العسكري المزعوم أمريكياً وإسرائيلياً، نشطت فصائل المقاومة في استهداف قوات العدو المتوغلة في القطاع، نشاط برز من الشمال إلى الوسط فالجنوب، في دلالة توضح أن المقاومة استطاعت ترتيب أمورها، وترميم كتائبها، وتنظيم وتطوير عملياتها، ولا سيما في الشمال والوسط، بعد التوغل في الجنوب، واقتحام رفح، بهدف معلن اسرائيلياً وهو استكمال تفكيك كتائب المقاومة المتبقية في رفح،وقد روّجوا أنها ستكون النهاية المرجوة لهم، ولكن بعد مرور أكثر من شهر على توغل جيش الاحتلال في محور صلاح الدين ووصولهم إلى معبر رفح، ومرور أكثر من ثمانية شهور على الحرب البرية، تعود المعركة إلى المربع الأول حيث كانت جاهزية المقاومة في اليوم العشرين للطوفان في أوجها، وأتم استعدادها، وتحتفظ بكامل قوتها على التصدي لجيش الاحتلال وقدرتها على إيقاع الخسائر بجنوده وآلياته، بل أكثر من ذلك، اليوم الأول المتجدد تبدو المقاومة أشد بأساً وأكثر عدة وعدداً، وقد أوردت وسائل إعلام إسرائيلية أن مسؤولاً عسكرياً إسرائيلياً، قال: أن المقاومة تعيد ترتيب كتائبها التي أعلن الجيش الإسرائيلي عن تفكيكها، شمال قطاع غزة، حيث قامت بتعيين قادة جدد وجمعت عناصر من كتائب مختلفة، معترفاً أنها قد تعافت من الأضرار التي ألحقها الجيش بها.
وفي دلائل أخرى على استعادة المقاومة عافيتها وإعادة الأمور في ساحة القتال إلى ما كانت عليه في اليوم الأول من الحرب البرية، توسيع رقعة المعارك على الامتداد الجغرافي لقطاع غزة من أقصى الشمال إلى الوسط إلى الجنوب، في بيت حانون المدينة التي لا تبعد سوى أمتار عن السياج الحدودي استطاعت المقاومة يوم الثلاثاء 21 أيار/ مايو تنفيذ كمين مركب ومحكم نفذ على ثلاث مراحل واستمر نحو 26 ساعة وأوقع خسائر جسيمة في صفوف جنود العدو أرغمه على الانسحاب، ومنذ ذلك الوقت أوقف العدو تقدم وتوغل قواته في بيت حانون بشكل كامل، وشهد القطاع عمليات نوعية أوجعت الجيش الذي لا يقهر وأذلته، ومنها انزال خلف خطوط العدو، واستهداف آلياته ودباباته من المسافة صفر، وقنص جنوده ،مما يحدد طبيعة هذه الحرب أنها حرب استنزاف، وقع العدو في شراكها، وستطول، طالما لا يريد وقف إطلاق النار والانسحاب الكامل من غزة، إلى أن يدرك ويعترف أن اليوم التالي يبتعد عن يد من أرادوه تصفية للقضية الوطنية الفلسطينية.
عمليات نوعية خططت لها قيادة المقاومة في غزة ما يدل أنها لم تفقد السيطرة على الميدان وتدير الاشتباك القتالي بكفاءة، كاستدراج العدو إلى الكمائن المركبة مثلما حصل في تل السلطانفي منطقة الحي السعودي غرب مدينة رفح،حيث أعلن الجيش الإسرائيلي يوم السبت 22 حزيران مقتل 8 جنود في قطاع غزة من بينهم نائب قائدة سرية في وحدة الهندسة 601 وضابط برتبة نقيب في تفجير ناقلة جند من طراز "نمر" في حي تل السلطان بمنطقة رفح.
وتم استدراج قوة إسرائيلية إلى كمين مركب ضد الجيش الإسرائيلي في حي الشابورة بمدينة رفح يوم الخميس 20 جزيران 2024، أسفرت عن مقتل أربعة جنود إسرائيليين وإصابة ستة آخرين في تفجير منزل مفخخ،أعلن عنهالجيش الإسرائيلي بما سماه حدثاً صعباً.
الأربعاء 15 أيار 2024وفي جنوب حي الزيتون تم استهداف قوة إسرائيلية راجلة بقذيفة مضادة للأفراد وإيقاعهم بين قتيل وجريح جنوب حي الزيتون في مدينة غزة، حيث تصدت المقاومة لعمليات العدو في حي الزيتون في مدينة غزة بعد عملية عسكرية هناك استمرت 6 أيام.
وكانت المقاومة قد أعلنت يوم الأربعاء 15 أيار 2024 أنها تمكنت من قتل 12 جندياً إسرائيلياً في عملية مركبة بمنطقة بلوك 4 في مخيم جباليا.
وفي 16حزيران وفي دوار النابلسي في حي تل الهوى جنوب غربي مدينة غزة، استهدفت المقاومة قوات إسرائيلية متمركزة عند المفترق، والعملية تمت بإعداد وتجهيز حقل الألغام وزراعة العبوات الناسفة، ومن ثم تفجير حقل الألغام في القوة الإسرائيلية وإيقاع أفرادها بين قتيل وجريح.
وفي وسط القطاع حيث أراد الجيش السيطرة على محور نتساريم لكنه تحول إلى منطقة قتل مكشوفة تتساقط فوقها قذائف الهاون، ما يدل على فشل العدو في تثبيت تواجده على أي شبر في قطاع غزة.
سقوط المزيد من جنود الاحتلال بين جريح وقتيل في يوم واحد، ساهم في إرباك قادة العدو، حول ما يعلنه عن اقترابه من تحقيق أهدافه وعن إنجازات قد حققها، وحول تفكيك كتائب المقاومة، كل هذا الوقت الذي استغرقه القتال لا يبدو أن ضربة قاسية قد أفقدت المقاومة القدرة على القتال، يعبر صمودها عن مظاهر قوة وبأس قادرة على الاستمرار في منع العدو من تحقيق أي انجاز مهما طال زمن المعركة، بينما في الجهة المقابلة بدت قطعات جيش العدو منهكة غير قادرة على تحقيق أهدافها، كيف تبدو الأمور في اليوم 260 من بدء العدوان على قطاع غزة؟. يتحرك رجال المقاومة على كامل الرقعة الجغرافية فيما يشبه اليوم الذي بدأت فيه المعارك البرية في غزة،يوم السبت 28 اكتوبر 2023، يوم تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتدمير (العدو) « فوق الأرض وتحت الأرض»، أعلن إطلاق العملية البرية، وبدء المرحلة الثانية من الحرب على غزة. هل مازال نتنياهو مصراً على تحقيق «النصر الكامل»؟. أم يرضى مهزوماً بديلاً عنه بحل تفاوضي يدفع ثمنه غالياً؟. يبدو عاجزاً في الميدان بعيداً عن تحقيق صورة نصر بأي شكل يقدمه لمستوطنيه، كل ما أنجزته آلة الاحتلال العسكرية، بعد هذا الهجوم الهمجي استهداف المدنيين، الذي تسبب بعشرات الآلاف من الشهداء والجرحى معظمهم نساء وأطفال، وتدمير هائل في البنية التحتية، لم يستطع الجيش الأسطوري المصنف من أقوى جيوش العالم كسر شوكة المقاومة ولم تستطع هذه القوة الوحشية أن تنال من صمود الحاضنة الشعبية للمقاومة، وبدلاً من استعادة أسراه لدى المقاومة، تبرز الصور التي تبثها المقاومة جنوداً جدداً يقعون في الأسر، وعادت المقاومة إلى قصف تل أبيب برشقة صاروخية كثيفة،أطلقت من غزة، رداً على المجازر الإسرائيلية بحق المدنيين، ودوت صفارات الإنذار في جميع مدن الوسط، للمرة الأولى منذ أكثر من 4 أشهر،يوم الأحد 26 أيار/ مايو أكدت مصادر إسرائيلية أن صواريخ وشظايا سقطت في مدن هرتسليا ورعنانا وكفار سابا، شمال تل أبيب. وأعلنت إذاعة الجيش الإسرائيلي إطلاق نحو 12 صاروخا من منطقة رفح نحو قلب إسرائيل، كل ما قامت به إسرائيل لم يجلب الأمن لمستوطنيها، وتوالى سقوط صواريخ المقاومة على غلاف غزة، لاسيما قواعدها العسكرية ومناطق تحشد الجنود.
ماذا يعني قصف تل أبيب بعد 233 يوماً من الحرب؟ أمر يكذب قيادتهم السياسية والعسكرية التي تسوق لإنجازات كبيرة حققها جيشها في غزة.
عدم تحقيق الانتصار الذي منوا النفس فيه أسقط أهدافهم الواحد تلو الآخر وجعل القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، تتخبط وسط تأكيد بعضهم عدم جدوى الهدف الذي وضعوه لليوم التالي: غزة خالية من المقاومة بادعاء القضاء على حركة حماس، الآن يطرحون تعديلاً لرؤيتهم لليوم التالي، بأن السلطة في غزة لا تديرها حركة حماس، ولا يمكن أن تكون جزءاً من هذه السلطة. الولايات المتحدة التي تدعي تمسكها بالمبادئ الديمقراطية تغفل عن المبدأ الديمقراطي الأول أن السلطة مصدرها الشعب، هذا المبدأ الذي أقرته حركة التطور التاريخي للفكر الحضاري الانساني في المجتمعات الحديثة نحو الديمقراطية وحكم الشعوب نفسها بنفسها في عهد ولى فيه زمن الوصاية والانتداب، يُطرح الآن في وجه ما يسمى اليوم التالي الذي يبتدع الامريكيون والإسرائيليون وآخرون أشكالاً من السلطة تحكم غزة بعد انتهاء الحرب بمعزل عن إرادة الشعب الفلسطيني في انتخاب من يمثله.
مما يتناسونه أيضاً أن الشعب الفلسطيني قد انتقد حركة حماس لانشغالها بأمور السلطة، في مرحلة تتطلب تركيز جهودها باعتبارها حركة مقاومة، وأطلقوا عليها سلطة الأمر الواقع، وعادت الحركة إلى موقعها المقاوم وفق ضرورات إنجاز مهام مرحلة التحرر الوطني من خلال طوفان الأقصى، بالخلاصة المقاومون ليسوا طلاب سلطة، في الوقت ذاته يرفضون ويقاومون أي سلطة مفروضة عليهم، وخارجة عن إرادة الشعب الفلسطيني.