صحفيو غزة وجائزة «اليونسكو» وتقرير «مراسلون بلا حدود»
2024-05-08
بقلم وسام زغبر
مدير مكتب مجلة الحرية في قطاع غزة
عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين
«ليس سهلاً أن أغير الواقع، لكنني على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم...»، تلك الكلمات القليلة بصوت الزميلة الصحفية الراحلة شيرين أبو عاقلة التي تصادف في هذه الأيام الذكرى الثانية لاستشهادها، ما زالت تصدح في أرجاء العالم بكلماتها القليلة التي تحمل معاني كبيرة عن دور الصحفيين البطولي رغم التحديات الكبيرة التي يواجهونها في مهنة الصحافة، ويتغير الحال عندما يتعلق الأمر بصحفيي فلسطين.
ففي الوقت الذي يحيي صحفيو العالم اليوم العالمي لحرية الصحافة وتصدر المؤسسات الدولية تقاريرها ومنشوراتها عن ما يتعرض له الصحفيون في العالم من انتهاكات وجرائم بحقهم، يحيي الصحفيون الفلسطينيون ذلك اليوم العالمي في مواجهة جرائم الإبادة الجماعية وخاصة في قطاع غزة وهم يوثقون بأقلامهم وعدسات كاميراتهم حرب الإبادة والتطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني.
وفي ذات الوقت الذي يتسلم صحفيو فلسطين جائزة اليونسكو لحرية الصحافة تكريماً لدورهم في تغطية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي تسلمها نيابة عنهم نقيب الصحفيين الفلسطينيين ونائب رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين الزميل الصحفي ناصر أبو بكر في احتفال أقامته المنظمة الأممية في العاصمة التشيكية «سانتياغو» بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، في هذا الوقت تخرج علينا مؤسسة «مراسلون بلا حدود» بتقرير منحاز للرواية الصهيونية ومتواطئ بشكل واضح مع الاحتلال بالإشارة إلى أن عدد الصحفيين الفلسطينيين الذين استشهدوا أثناء تغطيتهم للحرب 13 صحفياً من أصل 56 صحفياً قُتلوا في سياق لا يتعلق بنشاطهم المهني، ودون ذكر للأسرى من الصحفيين الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
من الواضح أن تقرير «مراسلون بلا حدود» بكل ما يحمله من أكاذيب وادعاءات تجاه الصحفيين الفلسطينيين يظهر بشكل جليّ تواطؤ هذه المؤسسة مع مجرمي الحرب الإسرائيليين الذين يواصلون استهداف الصحفيين ومنازلهم وأماكن عملهم وعوائلهم بشكل ممنهج في محاولة بائسة لقتل الحقيقة ومنعهم من القيام بدورهم المهني في تغطية الجرائم الإسرائيلية المتواصلة للشهر الثامن على التوالي، والتي دفع الصحفيون حياتهم ثمناً لذلك حيث استشهد 135 صحفياً وجرح العشرات واعتقل عددًا آخر، فيما دمر الاحتلال نحو 77 منزلاً لصحفيين وقتل نحو 30 مدنياً من عوائلهم، ودمر نحو 88 مؤسسة إعلامية.
ولم يشر تقرير مؤسسة «مراسلون بلا حدود» المثير للإشمئزاز إلى جرائم الاحتلال تجاه الصحفيين الفلسطينيين من قمع وتنكيل وإعتقال واخفاء قسري ومصادرة أدواتهم الصحفية ومنع إدخال أدوات السلامة المهنية من خوذ وسترات واقية، ولم يشر كذلك التقرير إلى منع الاحتلال الصحفيين الأجانب من دخول قطاع غزة لتغطية جرائم الإبادة الحاصلة هنا، وكذلك لقرار كنيست دولة الاحتلال بحظر عمل قناة الجزيرة في القدس المحتلة ومناطق ال48.
بالمقابل، إن جائزة اليونسكو لحرية الصحافة لعام 2024 المقدمة لكافة الصحفيين الفلسطينيين الذين غطوا الحرب الإسرائيلية على غزة، بكل ما تحمله من معاني ودعم معنوي للصحفيين هي رسالة قوية من أن منظمات الأمم المتحدة وعلى رأسها اليونسكو ستأخذ دورها في الوقوف لجانب الصحفيين وإنصافهم في تطبيق القانون الدولي بما يتعلق بحماية حرية الإعلام والصحفيين، وهذا يبعث الأمل في فتح تحقيق دولي في جرائم الإبادة تجاه الصحفيين ويشكل فرصة للعالم لتحقيق العدالة الدولية واظهار التزام دول العالم بمبادئ الدفاع عن حرية الصحافة وضمان عدم افلات قتلة الصحفيين من العقاب.
وختاماً، رغم المعيقات والتحديات الكبيرة، ورغم ازدواجية المعايير الدولية التي تقف حاجزاً أمام محاكمة قتلة الزميلة الصحفية شيرين أبو عاقلة التي استشهدت قبل عامين على الهواء مباشرة، وبدء النائب العام لمحكمة الجنايات الدولية كريم خان إجراءات التحقيق في جرائم الاحتلال تجاه الصحفيين، إلا إن نقابة الصحفيين الفلسطينيين ومعها الاتحاد الدولي للصحفيين وكافة نقابات واتحادات الصحفيين في العالم مصممون على المضي في إجراءات ملاحقة ومقاضاة مرتكبي الجرائم الإسرائيلية بحق الصحفيين الفلسطينيين حتى ينالوا العقاب.