بالتأكيد، كانت شوارع باريس خالية بعد مباراة باريس سان جيرمان أمام بوروسيا دورتموند في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا لكرة القدم. بالتأكيد أيضاً، لم يكن الباريسيون ليقبلوا بأن يخرج فريقهم مجدداً من البطولة لتستمر خيبته بفشله في دوري الأبطال بعدما كان يسعى للتتويج باللقب للمرة الأولى في تاريخه، وهو لذلك صرف أموالاً طائلة، وأتى بالنجوم من كل حدب وصوب، ليبقى بذلك اللقب الوحيد في تاريخ فرنسا في البطولة لمرسيليا.
لم يكن الباريسيون أيضاً ليقبلوا أن يخسر فريقهم مباراتَي نصف النهائي ذهاباً وإياباً بنتيجة 0-1، وأنه لم يتمكن من تسجيل أي هدف طيلة 180 دقيقة أمام الفريق الخامس في ترتيب "البوندسليغا"، على الرغم من وجود مبابي وديمبيلي وغيرهما.
ما يجعل خيبة الباريسيين تزداد هو أن كل الترشيحات كانت معهم لبلوغ النهائي، رغم أن فريقهم خسر ذهاباً، إذ إن الجمهور الباريسي كان وراءهم في ملعبهم، وكان يؤازرهم في أجواء تحفيزية غير عادية، وكذلك لأنَّ مبابي كان يلعب مباراته الأخيرة في باريس في دوري الأبطال قبل أن ينتقل إلى ريال مدريد الصيف المقبل، وكان يُنتظر أن يقدّم كل ما لديه وأفضل ما لديه في السنوات التي لعب فيها للفريق، وكان الباريسيون يعوّلون عليه لمنح فريقهم لقب دوري الأبطال قبل مغادرته باريس.
لكن ماذا كانت النتيجة؟ مبابي قدّم إحدى أسوأ مبارياته في باريس. غابت انطلاقاته السريعة ومراوغاته. لم يصنع الخطورة سوى في كرة واحدة أصابت العارضة على الرغم من أنه كان في مواجهة المرمى وكان يمكنه التسجيل.
في المقابل، استحقَّ دورتموند بلوغ المباراة النهائية بعدما قدّم أداء مميزاً في مباراتَي الذهاب والإياب. يمكن تلخيص نقاط قوة دورتموند في مباراة باريس بعدة أمور: الثقة والذكاء والشجاعة والعطاء والخبرة.
الثقة كانت واضحة لدى لاعبي دورتموند. وقد استمدوها من فوزهم في مباراة الذهاب. هكذا بدا اللاعبون واثقين بأنفسهم، وبأنهم يستطيعون إطاحة باريس سان جيرمان حتى في ملعبه من دون أن يتأثروا بكل الضغط الذي حاول الجمهور الباريسي أن يفرضه عليه، وكانوا يدركون قبل المباراة أنهم سيكونون تحت ضغط كبير، سواء من الجمهور الباريسي أو الفريق الباريسي. لذا لعبوا بثقة ومعنويات مرتفعة.
الذكاء كان أيضاً في لعب دورتموند، إذ كان يهاجم عندما يستدعي الأمر منه ذلك، ويدافع عندما يتطلّب الأمر ذلك. وفي كلتا الحالتين، فإن لاعبيه أدّوا بكفاءة عالية.
واستتباعاً لهذه النقطة، تأتي الشجاعة لدى دورتموند. على النقيض مما توقّعه كثيرون بأن دورتموند سيكون متهيباً الفريق الباريسي في ملعبه، وسيلعب المباراة منذ بدايتها في خطوط الخلفية، فقد فاجأ الباريسيين بالهجوم، وخصوصاً في الشوط الأول، إذ كانت خطة مديره الفني تيرزيتش ذكية بتسجيل هدف ليقلب الأمور على باريس ويجعل الضغوط عليه. وقد نجح في ذلك بتسجيل هدف عبر هوميلز، ليتفوّق تكتيكياً على إنريكي في المباراة كما تفوّق عليه في مباراة الذهاب.
كذلك، أدت خبرة لاعبي دورتموند دورها، وخصوصاً قائد الدفاع هوميلز الذي وقف بوجه الهجوم الباريسي، وأكثر من ذلك، سجل هدف الفوز من كرة من "كورنير"، وفاز بجائزة أفضل لاعب في المباراة، ليصبح من اللاعبين القلة الذين يفوزون بالجائزة في مباراتَي الذهاب والإياب. أضف إلى ذلك تأثير خبرة لاعبين، على غرار إيمري كان وسابيتزر، ومن ثم فإن تيرزيتش اعتمد على لاعب آخر ذا خبرة، هو رويس، في الشوط الثاني، وهو الذي يتقن اللعب في مباريات كهذه.
هكذا أوقف دورتموند طموح الباريسيين باللقب، وما أقساها أن تتلاشى طموحات الباريسيين في باريس!