أسامة خليفة / باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»
نقلت القناة الـ«12» الإسرائيلية أنها تتوقع طرح واشنطن مقترحاً أميركياً لحل العقدة الرئيسية في المفاوضات، والمتعلقة بعودة النازحين إلى شمالي غزة، وأشارت المصادر إلى أن مقترح واشنطن قد يتضمن عودة سكان أحياء بأكملها إلى شمالي غزة، وتوقعت هذه المصادر مرونة إسرائيلية في التعامل مع هذا الملف.
حسب منطق الأمور لا تتقدم العناوين الثانوية على الرئيسية، على هذا، يفترض بأي صفقة أو اتفاقية أن تسمى بحسب العقدة الرئيسية التي تم قبول الطرفين بالتسوية بشأنها، فلماذا لا تسمى «صفقة عودة المهجرين إلى شمال القطاع» بدلاً من أن يسمى ما يمكن التوصل إليه في المفاوضات «صفقة رهائن».
لم يتم إحراز أي تقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار وإتمام صفقة تبادل جديدة في المفاوضات غير المباشرة التي احتضنتها القاهرة مطلع نيسان /أبريل الجاري، بوساطة قطرية مصرية أميركية، لم يتجاوب الطرف الإسرائيلي مع أي من مطالب المقاومة، فلماذا المرونة الإسرائيلية في ملف عودة المهجرين إلى شمال القطاع؟.
الإجابة على ذلك تكمن في التمييز بين الثانوي والرئيسي، تمييز ينعكس بتحديد ما يمكن أن يطال بشأنه مرونة ما في المفاوضات، وما لا يمكن أن يتم أي تنازل فيه.
لا يخفى على أحد أن أولى الأولويات بالنسبة للحكومة الإسرائيلية هي تخليص الأسرى من قبضة المقاومة، ويتقدم على كل القضايا الأخرى في المفاوضات ولو أظهرت اسرائيل عكس ذلك، عروض وتهديد واجتماعات واقتراحات ومظاهرات بشأنهم ومن أجلهم، إذ تتحدث المصادر أنه من المتوقع أن تتقدم الولايات المتحدة باقتراح جديد بشأن «صفقة رهائن»، وتطالب الطرفين «إسرائيل وحماس» بتنازلات كبيرة.
ويتزايد الضغط الداخلي على الحكومة الإسرائيلية، التي تواجه معضلة المظاهرات المستمرة في عدة مناطق في تل أبيب والقدس وغيرها، من قبل عائلات الأسرى والمتضامنين معهم، للمطالبة بإقالة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والتوجه فوراً إلى انتخابات مبكرة، وإبرام صفقة جديدة لتبادل الأسرى بأي ثمن، وفي الوقت ذاته تتصاعد الحركة الطلابية في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوربية مطالبة بقطع العلاقات الأكاديمية والاقتصادية مع اسرائيل، ووقف العدوان على غزة وعملية سياسية تؤدي لقيام دولة فلسطينية.
وفي مجال الاجتماعات تتكثف جلسات الكابينيت ومجلس الحرب بشأن «الرهائن»، عقد مجلس الحرب الأحد 21 نيسان/ ابريل اجتماعاً، لمناقشة ملف «الرهائن المحتجزين» في قطاع غزة، لاستكشاف حلول إضافية لهذا المأزق، واستغل نتنياهو الاجتماع لمهاجمة الوفد الإسرائيلي المفاوض بسبب ما وصفها بالإحاطات الكاذبة والتي لا تؤدي إلا إلى الإضرار بجهود إعادة «المختطفين» على حد تعبيره. وجاء اجتماع الأحد بناء على طلب الوزيرين بمجلس الحرب بيني غانتس وغادي آيزنكوت، اللذين قالا -وفقا للقناة 13 الإسرائيلية الخاصة- إنهما طلبا عدة مرات بعقد مجلس الحرب لبحث قضية «المحتجزين» في غزة، لكن مكتب نتنياهو لم يرد على طلبهما.
وكان نتنياهو استبق الاجتماع باتهام حركة المقاومة الإسلامية (حماس) برفض جميع عروض إسرائيل لإطلاق «الأسرى»، وقال إنه سيوجه -الأيام المقبلة- ضربات إضافية ومؤلمة ضد حماس، في إطار المزيد من الضغوط العسكرية والسياسية عليها، وقبل ذلك اجتمع مجلس الحرب في 14 نيسان /أبريل لبحث الرد على الهجوم الإيراني الذي وقع قبل ذلك بيوم بإطلاق نحو 350 صاروخاً وطائرة مسيرة تجاه إسرائيل، دون الحديث في وقته عن قضية الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة.
هدفان رئيسيان يتمسك بهما نتنياهو لا يرضى التنازل بشأنهما: إعادة «الرهائن» والقضاء على حركة «حماس»، وتواصل إسرائيل حربها المدمرة على غزة، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، رغم صدور قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار فوراً، ورغم مثولها للمرة الأولى أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية، وقد خلفت هذه الحرب عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين معظمهم أطفال ونساء، فضلا عن كارثة إنسانية غير مسبوقة، ودمار هائل بالبنية التحتية، ولم تفلح الحملة الهستيرية للجيش الإسرائيلي في تحقيق أي تقدم في إطار هذين الهدفين.
وبدوره، أقر بيني غانتس أن أول أهداف الحرب إعادة «المحتجزين»، وأن إسرائيل ملزمة بإعادتهم، ولتحقيق ذلك فإنها بصدد تفعيل وسائل ضغط إضافية، عسكرية وسياسية واقتصادية، ويرى نتنياهو أن السبيل الوحيد لتحرير «الأسرى»، هو ممارسة إسرائيل المزيد من الضغط العسكري والسياسي على حماس، عبر توجيه ضربات إضافية ومؤلمة، والمقصود مزيد من استهداف المدنيين الفلسطينيين، والتهديد باقتحام الجيش الإسرائيلي لرفح، بما يعني ارتكاب المزيد من المجازر هناك حيث هُجّر معظم سكان القطاع. في الوقت الذي تشير فيه سير محادثات «المحتجزين» أنها لم تحرز تقدماً يذكر في المفاوضات، وتتطلع إسرائيل من واشنطن أن تبحث عن طرق مختلفة لكسر الجمود، بينما يصر نتنياهو على تحميل حركة حماس عرقلة التوصل إلى اتفاق برفضها القاطع كل عروض الحكومة الإسرائيلية لإطلاق سراح «الأسرى» الإسرائيليين، ويشيرون إلى أن زعيم حركة حماس في غزة يحيى السنوار هو مفتاح أي صفقة لاستعادة «الرهائن».
تدعي الحكومة الإسرائيلية أن تدمير حركة حماس هو الهدف الرئيسي، فقد اعترف قادة العدو استحالة تحقيق هذا الهدف، وأشار الجنرال الإسرائيلي المتقاعد إسحاق بريك إلى أن تل أبيب ليس لديها القدرة على تدمير حماس نهائياً، وأن دخول رفح لن يساعد في القضاء على أربعة كتائب تدعي إسرائيل أنها المتبقية لحماس في رفح جنوب القطاع.
في الجانب الفلسطيني ينبثق موقف حركة المقاومة من أن العديد من النقاط التي تمثل المطالب الوطنية الفلسطينية على درجة واحدة من الأهمية، وتتمسك بوقف إطلاق نار دائم، وسحب جيش الاحتلال لكامل قواته من القطاع. حتى مسألة «أسراهم وأسرانا» ذات أولوية بحكم مضمونها الإنساني الذي يتجاهله العدو من منطلق تمييز عنصري باعتباره أن أسراه من النوع البشري الذين يستحق الحرية، وكأن أسرانا أقل قيمة إنسانية لا يجري الاهتمام بآلامهم وآمالهم، وبالتالي بقضية شعبهم، ولكون كل ملفات التفاوض ذات أهمية بالغة، فالموقف الفلسطيني يتمتع بالثبات على معظم محاور التفاوض، رغم الضغوطات من الوسطاء، ورغم الرفض والتعنت والتهديد الإسرائيلي. وذكرت مصادر إعلامية إسرائيلية أن انخراط الولايات المتحدة الجاد، والضغوط التي تمارسها، يمكن أن تؤثر على الجمود الذي وصل إليه مسار المفاوضات لاسيما في موضوع «الرهائن»، وهنا المفارقة بأن الولايات المتحدة وسيط وشريك لإسرائيل في العدوان. لكن المباحثات بوساطة قطرية مصرية أميركية لم تسفر حتى اللحظة عن أي اتفاق، وفق ما هو مؤكد أن الضغوط الأمريكية باتجاه واحد نحو المفاوض الفلسطيني.
وتؤكد حركة المقاومة الفلسطينية تمسكها بموقفها الذي قدمته للوسطاء في 14 مارس/آذار الماضي، والذي يستند إلى وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب قوات الاحتلال من غزة، وعودة النازحين إلى أماكن سكناهم، وحرية حركة الناس وإغاثتهم وإيوائهم، وصفقة تبادل أسرى جادة.
لم يوافق العدو الصهيوني على وقف إطلاق النار الدائم على قطاع غزة، يريد استئناف الحرب على القطاع، بعد استعادة أسراه، وهذا لا يمكن أن يكون، وهو بمثابة تخلي عن ورقة القوة لدى المقاومة في المفاوضات.
يريد العدو للمقاومة أن توافق على خرائط انتشار الجيش الإسرائيلي، كأن المقاومة تشرعن احتلال القطاع أو جزء منه، وهذا لا يمكن أن يتم.
ترفض إسرائيل مطالب المقاومة الفلسطينية في المفاوضات بتسمية مصر وقطر وتركيا وروسيا والولايات المتحدة، بالإضافة للأمم المتحدة، دولاً ضامنة، لأنها تريد أن تتملص من التزاماتها حين تسنح لها الفرصة كما هي عادتها في الاتفاقات السابقة، والسؤال هنا عن الضامن الأمريكي، وهو مازال يوافق على اقتحام رفح من قبل الجيش الإسرائيلي ويزوده بما يلزمه من قنابل ومعدات وسلاح، ويقدم له المساعدات المالية، والتغطية السياسية لعدوانه.
ويمكن القول إلى حد ما أن الأمر الرئيسي في ملف المفاوضات بالنسبة للفلسطينيين، ويتقدم على غيره بأهمية الحالة الإنسانية المتردية على كل الغزيين، وليس فقط على أسرانا الذين يعانون من التنكيل في سجون العدو الإسرائيلي، هو «اتفاق لوقف إطلاق النار»، وقد نفى مصدر قيادي في حركة المقاومة الإسلامية «حماس» إحراز تقدم في المفاوضات التي تستضيفها القاهرة من أجل التوصل لوقف إطلاق النار، وقال إن الوفد الإسرائيلي لم يتجاوب مع هذا المطلب، مما أدى إلى مغادرة وفد حركة حماس للتشاور مع قيادة الحركة، وأشارت القناة المصرية 8/4/2024 إلى أن وفدي حماس وقطر غادرا القاهرة وسيعودان خلال يومين لإتمام بنود الاتفاق النهائي، فيما سيغادر الوفدان الإسرائيلي والأميركي العاصمة المصرية خلال ساعات قليلة، وأضافت أن المشاورات ستتواصل خلال الساعات الـ«ـ48» المقبلة.
أكثر من ستة أشهر مضت والحرب العدوانية مستمرة على قطاع غزة، تخللتها العديد من جولات التفاوض الرامية لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح «الرهائن المحتجزين»، إلا أن تلك المحاولات لم تستطع الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار، حتى بعد قرار من مجلس الأمن الدولي الذي دعا إسرائيل لتنفيذ هدنة إنسانية خلال شهر رمضان الذي يُعتبر ذو خصوصية دينية بالنسبة للمسلمين.
على غير واقع الحال تظهر وسائل الاعلام الإسرائيلية والأمريكية ولأسباب عديدة تفاؤلاً، يقوم على تجزئة موضوعات المفاوضات دون الأخذ بمجمل النقاط دفعة واحدة إذ يجري تقدم في جانب وتعثر في جانب آخر، ونُقل عن مسؤول أميركي قوله إن التوصل إلى صفقة بات أقرب من أي وقت مضى، وأكدت هيئة البث الإسرائيلية أن جميع الأطراف تظهر في المفاوضات مرونة أكبر من ذي قبل، وقالت: «إن حماس تريد التوصل إلى اتفاق»، بالتأكيد تريد ذلك من منطلق حرصها وتمسكها بالمطالب الوطنية التي تستند إلى وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب قوات الاحتلال من غزة، وعودة النازحين إلى أماكن سكناهم، وحرية حركة الناس وإغاثتهم وإيوائهم، وصفقة تبادل أسرى جادة، والترتيب للمطالب بهذا الشكل يعكس الأولويات بالنسبة للمقاومة.