عز الدين ابو عيشة
تطبيقاً لسياسة فصل الاتصال الجغرافي بين شمال قطاع غزة وجنوبه، بدأت إسرائيل تعبيد طريق جديد ينهي أي اتصال بين شقي القطاع، ويتيح سهولة كبيرة للجيش في إحكام السيطرة الأمنية عليه.
واختارت إسرائيل منطقة وسط القطاع لإنشاء الشارع الجديد الذي تهدف منه إلى إعادة تشكيل تضاريس غزة، إذ بدأت الآليات العسكرية الهندسية في رصف طريق طويل يقطع أواصر القطاع.
منطقتان جغرافيتان
يخلق الشارع الجديد الذي تعبده إسرائيل منطقتين جغرافيتين لا يوجد بينهما أي رابط بصورة نهائية، المنطقة الأولى تقع في الشمال ويطلق عليها شمال غزة، والثانية في الجنوب وتسميها تل أبيب جنوب غزة.
تأخذ خريطة غزة شكلاً جغرافياً أقرب إلى شكل المستطيل، ومن جهة الشرق تحد إسرائيل القطاع ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط، وعندما شرعت في تعبيد الشارع الجديد لتقسيم القطاع، وقفت المدرعات الهندسية في وسط الحدود الشرقية وبدأت مهمتها.
أوكلت حكومة تل أبيب مهمة تقسيم القطاع لجزأين إلى الفرقة 99 في الجيش الإسرائيلي وهي مكونة من أربعة ألوية، لواءان مظليان ولواء غولاني ولواء غفعاتي، وأجرت هذه الفرقة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة مناورات تحاكي عملية عسكرية في قطاع غزة.
تنفيذ المهمة
خصصت إسرائيل للفرقة 99 ثلاث مهمات، الأولى العمل على إفراغ شمال غزة من السكان ودفعهم نحو الجنوب، والثانية منع عودة النازحين الذين غادروا نحو جنوب القطاع لشمال غزة، والثالثة تقسيم أرض القطاع إلى قسمين.
ولتنفيذ المهمة الثالثة، تولت الكتيبة 601 التابعة لفيلق الهندسة في الجيش الإسرائيلي تعبيد الطريق، إذ جلبت الجرارات والشاحنات والمعدات الثقيلة، وأخذت تشق الشارع في وسط غزة من جهة الشرق، حتى الغرب حيث البحر الأبيض المتوسط.
وتشتهر منطقة وسط القطاع التي يعبد فيها الجيش الإسرائيلي الشارع الجديد، بانتشار الأراضي الزراعية وقليل من المباني السكنية وجزء محدود من الشاليهات السياحية.
ولإنشاء الشارع، حرق الجيش الأراضي الزراعية ودمر جميع المباني السكنية وجرف المنطقة بالكامل، ثم بدأت الآليات العسكرية الهندسية تعبيد الطريق وأطلقت عليه إسرائيل اسم "شارع 749".
الهدف من الشارع
يقول قائد كتيبة 601 شمعون أوركابي "منذ أسابيع ونحن نعمل على خلق طريق 794، إنه يحجز شمال قطاع غزة عن منطقة الجنوب، ويمتد من الحدود الشرقية مع إسرائيل حتى شاطئ البحر غرباً، هذا مفاجأة من العيار الثقيل".
ويضيف أن "هذا الطريق هدفه حماية المنطقة من عودة الفلسطينيين لشمال غزة، كما يساعد على تسهيل مداهمة المناطق حيث يوجد عناصر حركة حماس، فمن خلال هذا الشارع يمكن حماية جنودنا وتسهيل عملية المرور منه إلى الشمال".
رصفت إسرائيل "طريق 749" بالحصى فقط، ولم تعبده بطبقة من الأسفلت، وطول هذا الشارع يبلغ نحو ثمانية كيلومترات، ويقطع شارعي صلاح الدين والرشيد الرئيسين في القطاع واللذين يربطان الشمال والجنوب.
إعادة تشكيل تضاريس القطاع
بحسب "القناة 14" العبرية، فإن "شارع 749" يعد أحد المساعي الإسرائيلية لإعادة تشكيل تضاريس قطاع غزة، وهو دليل على أن الجيش يستعد للبقاء طويلاً في القطاع، وعُبّد الطريق بغية تسهيل عملياته العسكرية كجزء من خططه للحفاظ على السيطرة الأمنية على غزة لبعض الوقت.
وتقول "القناة 14" إن الجيش يخطط لقبضة أكثر إحكاماً على المنطقة التي كانت نقطة انطلاق لهجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي على مدن غلاف غزة والمواقع العسكرية الإسرائيلية.
تسعى إسرائيل من خلال الطريق الجديد لمنع عودة النازحين إلى الشمال
وتشير إلى أن خطة الجيش هي الاستمرار في التحرك بسرعة عبر القطاع على طول مسار آمن حتى بعد انسحاب معظم القوات، ومن المقرر استخدام الطريق لتسيير دوريات فيه لحين اكتمال العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة والتي قد تستمر أشهراً طويلة.
ويختلف "شارع 749" عن الحاجز العسكري الذي يقيمه الجيش الإسرائيلي في شارع صلاح الدين والذي من خلاله قطع الطريق بين شمال غزة وجنوبها، والفرق بينهما أن الحاجز عبارة عن نقطة عسكرية فقط، بينما الشارع يمتد على طول أرض غزة من الشرق إلى الغرب.
قلق سكان غزة
رصد سكان غزة "شارع 749" حديثاً، فيقول المواطن ماجد الحسنات "أحرق الجيش الإسرائيلي المنطقة ودمر كل ما فيها، كما أنشأ سواتر رملية محاذية للشارع، مما يعني أنه يحاول إغلاق المنطقة من الاتجاهين".
ويعرب سامي الصالحي عن اعتقاده بأن "خطة الجيش الإسرائيلي في تقسيم قطاع غزة إلى نصفين دائمة وليست موقتة، فالشارع أقيم في منطقة حيوية وحساسة، ونشعر بالخوف من أن يصبح هذا الشارع أمراً واقعاً مفروضاً علينا أو أن يصبح المرور منه عبر الحواجز الإسرائيلية أحد تفاصيل حياتنا خلال الأعوام المقبلة".
وأصيب سكان غزة بالقلق من الشارع الجديد، وعبروا عن مخاوفهم من فصل الشمال عن الجنوب، وقطع التواصل الإغاثي والإنساني والاجتماعي بين المنطقتين.
حرب نفسية
ويقول مدير المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة إن "الطريق العسكري الذي يقيمه الجيش ليس معبداً بالأسفلت، وإنما بـ’البسكورس‘، وهي طبقة توضع تحت الطبقة السطحية للطرق، وتتكون من مواد حصوية، مما يعني أنه طريق موقت".
ويضيف أن "إسرائيل عبدت عام 2008 طريقاً يشبه الشارع العسكري، لكن مع انتهاء العدوان وقتها جرفته ولم يعُد له أثر، وتستخدم إسرائيل التهويل الإعلامي في الحديث عن الشارع ضمن الحرب النفسية لإضعاف المعنويات".
القضاء على حلم العودة
ويوضح الباحث في الشؤون الإسرائيلية رجائي الكردي أن "فصل شمال قطاع غزة عن جنوبه يهدف إلى قطع الإمدادات عن مقاتلي حماس، وإفراغ القطاع الشمالي من سكانه، بحيث يتيح ذلك المجال أمام عملية عسكرية برية من دون عوائق بشرية".
ويردف أنه "بسبب هذا الشارع العسكري توقف خط سير المساعدات الإنسانية الضئيلة أصلاً إلى شمال غزة، وعملية الفصل بين الشمال والجنوب مسألة حساسة في المفاوضات الرامية إلى وقف إطلاق النار، وربما تعرقل كل التقدم في إطار باريس".
ويوضح الكردي أن "شارع 749" يفهم منه أن إسرائيل تقطع الطريق أمام أحلام عودة النازحين من رفح لشمال غزة وأن الخيارات المتبقية هي وسط القطاع أو النزوح إلى سيناء وتحقيق خيار التهجير.