العدالة الدولية تُحْيِي الضمير العالمي شكرا جنوب افريقيا
2024-01-30
النقيب عبد الرحيم الجامعي
شكرا لكِ جنوب افريقيا قلعة الأحرار ضد الأبارتايد ،
شكرا لأبناء نيلسن مانديلا جائزة نوبل للسلام قبل ثلاثين سنة وصديق فلسطين و الذي اعلن مقولته الشهيرة " ان حريتنا تبقى ناقصة بدون نيل الفلسطينيين لحريتهم."
و شكرا لحفدة ديزموند توتو جائزة نوبل للسلام قبل أربعين سنة ورئيس لجنة الحقيقة والمصالحة التي اسست للتحقيق في الجرائم التي ارتكبت إبان حكم الفصل العنصري ببلاده والذي قال قبل وفاته بان سياسة اسرائيل لا تضاهيها إلا سياسة التمييز العنصري التي كانت سائدة في بلاده ضد السود
كيف لا تنحي البشرية لدولة الأحرار جنوب افريقيا، التي انتصرت للشعب الفلسطيني بعيدا عن كل الحسابات و المخاوف و المصالح ، وفرضت مثول كيان الاحتلال امام محكمة العدل الدولية و الذي استقوى على المجتمع الدولى وعلى غزة التي لم يبق لاهلها سوى المقاومة و الموت ، والذي فرض ارهابه بعتاده وجيشه و مخابراته و وحشيته و بجرائمه ضد فلسطين والفلسطينيين وضد غزة والغزاويين ولبنان واللبنانيين ، وضد كرامة شعوب العالم التي اهتزت آخر جرائمه منذ اكتوبر والى اليوم ،
طوبا لجنوب افريقيا التي اعلنت غضبها جهرا و بمجرد اطلاق دولة العدوان لحربها و اشعال محرقتها في اكتوبر الماضي، و التي اتهمت الكيان الصهيونى بارتكاب جرائم حرب ،وجرائم إبادة جماعية في غزة، و تقدمت سابقا بشكاية امام المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي، و طلبت رجوع كل دبلوماسييها من دولة الاحتلال وسحبت سفيرها من تل ابيب وتلا ذلك تصويت برلمان جنوب افريقيا قطع العلاقات مع الكيان وإغلاق سفارتها.
كل العالم يعرف و بيقين ، ان الكيان الصهيوني لم يعترف طوال تاريخة بالعشرات من قرارات مجلس الامن المتعلقة بقضايا مختلفة مرتبطة بالملف الفلسطيني، و بالاساس بقضية القدس و بتهويده وتغيير معالمه وإحراق مسجده الأقصى ، وباقامة المستوطنات وبوقف اختلاقها وبنائها ووقف ترحيل الفلسطينيين، وغيرها ذلك من القرارات الأخرى ، ولم يابه الكيان المحتل أبدا بالعشرات من قرارات الجمعية العامة للامم المتحدة بخصوص فلسطين ومنها ما يتعلق بخرقه حقوق الإنسان و القتل و تدمير معالم الهوية الحضارية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، و بهدم حائط الفصل العنصري، و غيرها من القرارات
لقد نابت جنوب أفريقيا امام محكمة العدل الدولية عن كل الفلسطينيين وعن كل ضحايا جرائم الكيان الصهيوني بغزة، ونابت عن البشرية في كل بقاع العالم التي خرجت بالملايين سخطا ضد الكيان رافضة العدوان و الجرائم التي ارتكبها المجرمون وشركاءهم ومن يدعمونه، فأيقظت مبادرتها ضمير الإنسانية ووضعت حرب الإبادة ضد غزة امام منصة القضاء وهي تعرف بان اللجوء للقضاء سلاح قاتل للظالمين المستبدين أمثال جنرالات القتل الصهاينة.
نابت جنوب أفريقيا امام محكمة العدل الدولية عن الأشقاء الاحباء اعضاء الجامعة العربية والإسلامية والمغاربية و الخليجية وعن كل من يُسَمى عربي ومسلم وأمازيغي ومسيحي الذين كساهم الخجل امام جرائم الاحتلال ، نابت جنوب إفريقيا امام المحكمة الدولية عن كل من رفع راية فلسطين في كل العواصم ، و عن كل من تظاهر من اجل فلسطين في الساحات والميادين، ونابت عن كل أسير من أسرى سجون الاحتلال، ونابت عن كل من غنى للقدس و لمساجدها وكنائسها، و نابت في النهاية عن كل الشهداء والجرحى والمفقودين.
كانت شكاية دولة جنوب أفريقيا اعلانا مدويا يقول لنا و للجميع ان بافريقيا حَمَلَةُ ضمائر وذكاء سياسي وقانوني ولها مدافعات ومدافعين عن حقوق الإنسان يبحثون لحلول لخلاص الإنسانية ولها كفاءات اكثر من عشرات الدول الغربية التي لا تحمل هما إلا لوسائل نهب ثروات القارة السمراء الطبيعية والبشرية و سحق شعوبها بديون أبناكِها و بأسلحة شركاتها التي تفجر الحروب المحلية و الاثنية و الانقلابات والسباق نحو السلطة بالنار والحديد .
عرفت جنوب افريقيا متى توجه رسالتها للعالم وعرفت كيف تتهم الغرب والعرب بالصمت على عدوان الكيان الصهيونى على غزة، واختارت كيف تجرم عدوان الكيان واختارت لذلك محكمة العالم وقضاة العالم و إِعلام العالم ، وعرفت كيف تلزم الكيان الوقوف في قفص الاتهام و الانحناء من برج عجرفته امام قضاء المحكمة، و عرفت كيف تفضح أكاذيبه وكيف تجرده امام القضاء من بهتانه و من سفسطة جنرالاته وتفصح أكاذيبهم و إنكارهم امام كل وسائل الاثبات المادية التي توثق وبتفصيل للجرائم و لعمليات القتل المنهجي ضد الغزاويين و التي ارتكبها الكيان امام المحكمة.
عرفت جنوب افريقيا كيف تقف امام العدالة وكيف تقنع السبعة عشر قاضيا بقوة ملفها، وسلامة دفوعها، بذكاء وكفاءة فريق دفاعها من المحامين، وفي النهاية عرفت كيف ترافع من اجل الاجراءات الاولية و المؤقتة وفي مقدمتها وقف العدوان ووقف قتل اعضاء الجماعات والتي صوتت لها غالبية مكونات المحكمة.
بالطبع انتصار قانوني مسطري اولي على الكيان القاتل لم يكن يتوقعه ، وهو انتصار يطرح امام العالم اشكاليات سياسية وتحديات جيواستراتيجية كبيرة تقف بثقلها من اجل تنفيذ الاجراءات الاولية المقررة من قبل المحكمة ضد الكيان المجرم لفائدة الشعب الفلسطيني ، كما يبقى التساؤل ملحا وهو كيف يمكن التعامل مع هذا الحدث الفريد وما هي المواقف التي يتعين اتخاذها من قبل الشعوب ومن قبل الدول والحكومات المناصرين للشعب الفلسطيني داخل و خارج المنصات الاممية الدولية ومنها مجلس حقوق الإنسان ، وكيف سيكون رد فعل الكيان الصهيونى الذي اعتاد تحدي واختاره للتعامل مع الشرعية الدولية.
وختاما يبقى السؤال كيف سيكون تفاعل المحكمة الجنائية الدولية من مقتضيات القرار الصادر من محكمة العدل الدولية ، بعد ان توصل المدعي العام بشكايات ضد الكيان المجرم، ودون شك سيرتبط الجواب بما سيتم معالجته في موضوعها و ستكشف عنه التحقيقات الجدية التي سيقودها المدعي العام للمحكمة مسلحا بالنزاهة
هذا ما ينتظره كل احرار العالم.