• الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الاثنين 22/1/2024 العدد 915
    2024-01-23
    الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي

    افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

     

     

     

     

    هآرتس 22/1/2024

     

     

    يد أميركية لانتشال إسرائيل من الشلل السياسي الخطير

     

     

    بقلم: إيلي بخر

     

    دولة إسرائيل توجد في وضع استراتيجي معقد لم تكن فيه منذ عشرات السنين. 100 يوم من القتال أمام «حماس» لم تؤد إلى تدميرها أو إلى إعادة المخطوفين. وهناك شك كبير إذا كانت هذه الأهداف من ناحية عسكرية تعتبر أهدافا واقعية أصلا. في «يهودا والسامرة» تم إحصاء مئات القتلى الفلسطينيين، حيث ينفذ الجيش الإسرائيلي هناك أيضا هجمات جوية، الأمر الذي لم يحدث منذ سنوات كثيرة جدا. مع لبنان وسورية يتم تبادل اللكمات العسكرية التي يمكن في أي لحظة أن تؤدي إلى تصعيد خطير، في الوقت الذي فيه عشرات آلاف الاسرائيليين من سكان الشمال تم إخلاؤهم من بيوتهم منذ اشهر.

    المعركة تدور أيضا في ساحات بعيدة مثل اليمن، التي تؤثر على إسرائيل وعلى خطوط الملاحة العالمية. ورغم أن الحرب مبررة بدرجة غير مسبوقة ورغم أن إسرائيل قامت بشنها في أعقاب الهجوم الإرهابي في 7 تشرين الأول، إلا أن تأييد إسرائيل في العالم في حضيض غير مسبوق. حتى لو نجحت إسرائيل في الساحة القضائية في لاهاي، كما نأمل، فلا شك أنها تجلس الآن على كرسي الاتهام العالمي.

    من اجل مواجهة هذا الوضع المعقد جدا يجب على الحكومة عرض خطة تتجاوز المزيد من القصف والمزيد من الأهداف التي يجب تدميرها. يبدو أن الرد الوحيد الذي تستطيع الحكومة الحالية الموافقة عليه هو الرد العسكري، هكذا إسرائيل تعمل في كل الساحات. لكن هذا الوضع المعقد جدا يحتاج إلى مهارة سياسية من الدرجة الأولى أمام الحاجة الكبيرة والملحة لخطوات سياسية فإن الحكومة تكشف عن عجز كامل، شلل سياسي مطلق، هي غير قادرة على اتخاذ أي قرار، سواء بشأن مستقبل غزة أو بخصوص الوضع أمام الفلسطينيين في «يهودا والسامرة». النتيجة هي أن الحكومة لا تقترح أي مخرج للورطة التي وصلت إليها إسرائيل.

    الشلل السياسي هو شلل خطير جدا. فهو يمكن أن يؤدي بإسرائيل إلى وضع إشكالي اكبر، في المقام الأول إلى وضع احتلال وسيطرة مباشرة في قطاع غزة، الذي سيؤدي إلى التمرغ العسكري والمدني في الوحل، والى عمليات يومية إضافة إلى الحاجة إلى أن تتحمل المسؤولية المدنية الكاملة عن سكان القطاع. الشلل أيضا يمكن أن يؤدي إلى الفوضى والى غياب حكم في القطاع. الفراغ السلطوي يمكن أن يستدعي جهات مثل «داعش» وأمثاله. هذا كابوس إذا وقعت فيه إسرائيل فهي ستحتاج إلى سنوات كي تتخلص منه.

    إن عدم القدرة على اتخاذ أي قرار سياسي يؤدي بالحكومة، وفي أعقابها جزء من الجمهور، إلى الانغلاق العقلي ووضع أهداف تم أخذها من عالم الخيال. الإحباط يولد أمنيات صبيانية، أساسها هو أن الفلسطينيين «سيختفون عن عيوننا» في غزة وبعد ذلك في الضفة الغربية أيضا. هكذا يجب علينا فهم التصريحات الغبية حول القنبلة النووية والترانسفير وما شابه. جميعها تنبع من الرغبة الصبيانية نفسها في أن نغمض العيون ونهرب من الواقع. هذه هي الطريقة التي يتصرف بها الأطفال، ليس الحكومة أو الشعب، الذين يجب عليهم العودة إلى الوعي الذي فقدوه في تشرين الأول. لكن يبدو أن هذه الحكومة غير قادرة على ذلك. فتهرب نتنياهو من المسؤولية الشخصية عن سياسته التي أدت إلى سقوط 7 تشرين الأول، وتهرب شركائه في الحكومة من المسؤولية الوطنية التي تتمثل بمواقفهم غير المسؤولة في الموازنة، وعدم القدرة على الأداء العام والمتواصل، كل ذلك لا يترك أي أمل للتغيير.

    إلى جانب الحاجة إلى إجراء الانتخابات وإجراء تغيير في تركيبة هذه الحكومة الفاشلة، إسرائيل تحتاج إلى مساعدة. يبدو أنها لن تستطيع العودة إلى الوعي بقوتها الذاتية. وحقيقة أن الحكومة تقوم بتعويق أي مبادرة، بما في ذلك مبادرة لإطلاق سراح المخطوفين تشمل خطوطا عريضة للخروج من الأزمة، تعرض الدولة للخطر. هي العائق أمام إعطاء الأمان لمواطني إسرائيل وإعطاء الأمل لتحسين أمني واقتصادي، وتمنع خلق أفق سياسي.

    يجب على الولايات المتحدة الفهم بأن صداقتها مع إسرائيل تلزمها باتخاذ خطوات تخرجها من هذا الشلل الخطير جدا. يوجد لدى الولايات المتحدة ما يكفي من الأدوات التي ستجبر الحكومة على الخروج من المأزق السياسي الذي وضعت نفسها فيه، أولا وقبل أي شيء آخر، عرض مبادرة سياسية شجاعة وصريحة وشاملة تتضمن أيضا خطة للخروج من الأزمة.

    توجد لدى الولايات المتحدة القدرة على تشكيل ائتلاف واسع من اجل هذه المبادرة مع أوروبا والدول العربية التي توجد لإسرائيل معها اتفاقات سلام. هذه المبادرة تناقش، ضمن أمور أخرى، إطلاق سراح المخطوفين وهوية القوة التي ستدخل إلى القطاع بدل الجيش الإسرائيلي وخطة لإعادة إعمار الغلاف وقطاع غزة – في الطريق إلى اتفاق شامل اكثر.

    يجب عدم الخشية من الرافضين الذين يتغذون على تخليد النزاع. فهم سيعارضون بالطبع أي مبادرة. في نهاية المطاف فقط طرح مثل هذه المبادرة هو الذي يمكنه إنقاذ إسرائيل من الأزمة ويكون الهزيمة الحقيقية لـ»حماس». الوقت، الآن، مُلح.

    --------------------------------------------

     

     

     

     

    معاريف 22/1/2024

     

     

    إعادة المخطوفين: نعم، الانتخابات: لا

     

    بقلم: دافيد بن بست

    منذ أكثر من 100 يوم، يوجد مخطوفون في الجحيم الحماسي الرهيب. لأكثر من 100 يوم – ونحن لا ننجح في تحريرهم وإعادتهم إلى الديار، فماذا نقول للرضيع الذي يريد أمه أو أباه؟

    والعالم يواصل الصمت في ضوء الجرائم الوحشية لـ»حماس» النازية عديمة الرحمة. القضاة في لاهاي ينصتون انصاتا شديدا لترهات مندوب جنوب أفريقيا، الذي يرتدي رداء أكاذيبه – والقلب يريد أن يصرخ ضد الظلم والأخلاق المزدوجة لدولة فاسدة، تعطي إسنادا وتبريرا لأفظع الجرائم ضد البشر فقط بسبب الكراهية والمصالح الغريبة.

    «ثأر دم طفل صغير لم يخلقه الشيطان»، هكذا كتب حاييم نحمان بيالك في قصيدته عن ذبح اليهود في اضطرابات كيشينيف. هكذا بالفعل، الدم يغلي. نحن نطالب بتحرير أعزائنا وبالثأر أيضا وهو لا بد سيأتي. حتى ذلك الحين علينا أن نشد على الشفاه وننتظر أن يصل الجيش الإسرائيلي الذي يقوم بعمل مقدس من فوق الأرض ومن تحتها، إلى المخربين وزعمائهم، الذين يختبئون في الرمال كالفئران ويحاسبهم.

    إن تحرير المخطوفين الذين يذوون في سجن «حماس» هو الموضوع الأهم، قبل ملاحقة القتلة وزعمائهم اللعينين. ومع أن الهدفين لا يتضاربان بالتأكيد. ومهما استغرق الأمر من زمن – تماما مثلما وصلنا وصفينا آخر قتلة رياضيي أولمبياد ميونخ بالتوازي يطلق السياسيون ومحللو التلفزيون نداءات للانتخابات الآن وتفكيك ائتلاف الحرب. أفليس واضحا أن هزة معركة انتخابات الآن ستوقف الحرب ومحاولات تحرير المخطوفين؟ انتخابات الآن ستجر شعبا كاملا إلى خلافات تقسمه إلى أقطاب وذلك بينما لا تزال الحرب بعيدة عن النهاية ويوجد خطر لحرب أخرى مع عدو آخر – «حزب الله» التي قد تكون تقف على الأعتاب.

    كل من كانوا شركاء في الإخفاق الرهيب سيقدمون الحساب، لكن فقط بعد أن تستخلص الاستنتاجات في نهاية عمل لجنة التحقيق. احد المواضيع التي ينبغي أن تلقى اهتمام اللجنة هو فحص حقيقة أن منظومات الاتصال المدنية انهارت والخلوي تعثر ولم يعمل في 7 أكتوبر. أمام أعضاء لجنة الداخلية في الكنيست وقف قبل أسبوعين مندوب قيادة الجبهة الداخلية، الذي يحمل رتبة مقدم فيما كان الموضوع هو إسناد الاتصال المدني لمحبي الراديو في زمن الطوارئ. المثول المنقطع عن الواقع لمندوب قيادة الجبهة الداخلية اثبت مرة أخرى بأن هناك من لم يتعلموا أي شيئا مما حصل في إخفاق 7 أكتوبر. وعندما سأله رئيس اللجنة المجرب، النائب يعقوب اشير أن يفسر معارضته لشبكة طوارئ مدنية (ليس لها كلفة مالية) ادعى المقدم بأن قيادة الجبهة الداخلية «تمتلك أجهزة اتصال متطورة ومسنودة»، وان الموضوع لا داعي له.

    كان ينبغي لي أن أقاطعه واذكره بأنه في السبت الأسود لم تعرف منظومة الطوارئ لديهم حتى كيف تتصل مع المنظومة الموازية للشرطة. فمن نجح في الاتصال في 7 أكتوبر كان محبا للراديو من خلال جهاز اتصال بسيط نجح في الاتصال بصديقه في رمات غان ليبلغ عما يجري في بلدته ويستدعي النجدة – وليس المنظومة «المسنودة والمتطورة» لقيادة الجبهة الداخلية.

    --------------------------------------------

     

    هآرتس 22/1/2024

     

    بعد سبع سنوات، شخصية رفيعة سابقة ستقول: لم يكن علينا شن الحرب

    بقلم: عميره هاس

    بعد اربع أو خمس سنوات سيكون هناك أب طازج يحتضن طفله، الابن الأول، وفجأة تضربه ذكرى أب يحمل بين يديه طفل أو طفلة، والى جانبه امرأة محجبة معها ولدين أو ثلاثة، جميعهم يسيرون نحو الجنوب مع مئات الناس الآخرين بين قطع الشوارع المحطمة واكوام الرمل ورؤيتهم مشوشة بسبب ذرات الغبار المتطايرة بسبب المشي عليها الدخان يتصاعد من مكان بعيد، أزيز المسيرات لا يتوقف، صوت الانفجارات تتلاحق الأب الطازج سيتذكر كيف أنه ، عندما كان جندي في نهاية الخدمة الالزامية أمر في مكبر الصوت هذا الأب ("أنت الذي ترتدي القميص الاخضر وتحمل الطفل")، توقف وتوجه شرقا نحو الجنود الذين يوجدون وراء كومة التراب والدبابات.

    من خلف الغبار يُرى الأب وهو يعطي الطفل لامرأة، ويقترب منه وهو يرفع يديه الى أعلى. فيلم صامت. اذا كان أحدهم قد قال أي شيء للآخر، فان الأب الطازج الآن كان في حينه لا يمكنه سماعه. ربما في لحظة الذكرى هذه سيزيد احتضانه، وربما العكس بخوف تقريبا سيسارع الى وضع طفله في العربة ويذهب ليشرب الماء، ويمسح العرق الذي خرج فجأة على جبينه. ربما فقط سيبتسم ويقول بينه وبين نفسه: "لقد أريناهم، أبناء الزانية، ماذا يعني ذبحنا مثل الاغنام. ويُقبل جبين ابنه".

    بعد ثلاث أو أربع سنوات ستصل وثائق سرية الى المراسل العسكري في جلسة مع المحررين سيسألون، هل هذه الوثائق وصلت ايضا للمنافسين، وما الذي ستسمح الرقابة العسكرية بنشره النيابة العسكرية تحقق منذ سنتين ونصف في 12 حالة تقريبا من حالات الاعدام من مسافة صفر لمواطنين في بيوتهم، بعد أن تم فصلهم عن زوجاتهم واولادهم، وفي حالات لاطلاق النار من مسافة قصيرة على نساء كن يمشين بين الانقاض. عدد من اسماء المشبوهين باطلاق النار المخالف للتعليمات محرجة بشكل خاص. ابن لشخص مشهور، الضابط الذي تم تعظيمه في وسائل الاعلام، لم يتقرر بعد اذا كانت ستقدم ضده لائحة اتهام ومحرجة ايضا هوية عدد من القتلى مواطنة بريطانية - بريطانيا ستطلب توضيحات شخص رفيع معروف في فتح، معارض لحماس - الـ "سي.آي.ايه" علقت عليه آمال كثيرة. محررة معروفة ستتذكر بأنه كانت في الوقت الحقيقي للاحداث في وسائل الاعلام الفلسطينية والعربية منشورات عن عمليات تشبه الاعدام، لكن لم يكن بالامكان فحص مصداقيتها - كما هو معروف هذه وسائل اعلام مجندة، ومن الذي يمكنه تصدیق مدير مستشفى حكومي تسيطر عليه حماس.

    بعد خمس سنوات فانهم في نحطم الصمت" سيصنفون جميع الجنود السابقين الذين توجهوا اليهم بعد الحرب ثلاثة شباب يعانون من ما بعد الصدمة، اربعة جنود احتياط حاربوا في جباليا وجنديان تم وضعهم في سجن سدیه تیمان اثناء الخدمة النظامية، وجندية من قسم المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي، لا يوجد بينهم أي من الطيارين أو مشغلي المسيرات.

    بعد ثلاث سنوات بعض النشطاء سيقيمون نصبا تذكاريا للعائلات التي محيت بالكامل، أو بشكل جزئي في عمليات القصف في الحرب (عدد يتكون من اربع خانات). على صخرة كبيرة سيتم نقش اسماء العائلات واسماء القتلى فيها. هذه الصخرة سيتم وضعها تحت جنح الظلام في بلدة ديرنسي في شمال باريس، وسترفع الستارة ناجية من هذه العائلات "لاسامية ونفي للكارثة"، ستحتج الجالية اليهودية، وعمال البلدية سيتم ارسالهم لتحطيم هذه الصخرة. أو أن رئيسة البلدية ستشارك فى احتفال رفع الستارة وتقبل الناجية، والجالية اليهودية ستصرخ : "عميلة، مثل حكومة فيشي".

    بعد سنتين الوكالة الحكومية في امريكا للتطوير "يو.اس.إيد" ستنشر عطاء لاخلاء وطحن الانقاض في القطاع. هذا العطاء ستفوز به شركة بملكية جهاز المخابرات في مصر وشخصيات رفيعة سابقة في مكتب منسق اعمال الحكومة في المناطق ومقاول فلسطيني.

    بعد أربع سنوات لجنة خاصة تتكون من ممثلي الرباعية واسرائيل والاردن ومصر ستقوم باستكمال خطة اعادة اعمار القطاع وحتى البدء في الاعمال فان شركة "سفرة مريحة" في بيتح تكفاه ستفوز بعطاء توريد 280 ألف خيمة ضد المطر بأحجام مختلفة للسكان الذين بقوا، وشركة "مغاربة" في رعنانا ستفوز بعطاء الكرفانات المتنقلة "يو.اس. إيد" في هذه الاثناء ستقوم بتصميم وطرح العطاءات لتخطيط واعمار البنى التحتية لمياه المجاري وشبكة المياه، التي تدمرت بالكامل. وستقوم بمراجعة اقتراح قدمته شركة "هولي لاند انتربرايزس محدودة الضمان" لترميم جميع المباني التاريخية والمواقع الأثرية التي قام بتدميرها سلاح الجو في عمليات القصف.

    بعد ست سنوات، في الانتخابات في الشتات الفلسطيني وفي الانتخابات السرية في الضفة الغربية، ستفوز حماس باغلبية الاصوات في المجلس الوطني في م.ت.ف. بعد سبع سنوات شخصية امنية رفيعة سابقة ستقول: "لم يكن يجب أن يُغرينا شن هذه الحرب. نحن سقطنا في شرك حماس. عشرات الآلاف غادروا البلاد والآن نحن نعاني من النقص الكبير في القوة البشرية في مجال الطب والهايتيك". وعلى سؤال توجهه مجرية المقابلة فى قناة دولية: أليس كذلك تقول دائما الشخصيات الرفيعة عندما تصبح شخصيات سابقة. هو سيهز رأسه. هذه الشخصية الامنية الرفيعة الموازية التي تشغل هذا المنصب ستدين اقواله، وفي الكنيست سيتم تسريع المصادقة على قانون يصادر رواتب المتقاعدين السابقين الذين يصدرون الآن تصريحات ضد سياسة الحكومات التي خدموا فيها.

    --------------------------------------------

    هآرتس 22/1/2024

     

    حزب الله بين ضغط داخلي وجبهة تزداد اشتعالاً مع إسرائيل

     

     

    بقلم: تسفي برئيل

     

    كرسها البطريرك الماروني في لبنان، بشارة الراعي، موعظته الصباحية (الأحد) لدعوة يائسة للبرلمان في بيروت لعقد اجتماع لأعضائه والبدء في نقاشات متواصلة لاختيار رئيس جديد. “هذا هو الواجب الأول لرئيس البرلمان والأعضاء”، قال. “والامتناع عن ذلك خيانة لحق الشعب الذي انتخبكم. لبنان دولة عمرها أكثر من 100 سنة. عليكم التسامي إلى هذا المستوى الرفيع وإعادته إليه”. أمام خشية من تدهور المواجهة بين إسرائيل وحزب الله إلى حرب شاملة، فإن الدعوات اليائسة والمستعجلة للراعي، الزعيم الديني للطائفة المارونية والذي يشارك في الخطوات السياسية في لبنان، بات لها وزن كبير في أوساط الجمهور. ولكنه غير كاف لتجسيد خطوة حيوية لازمة في محاولة تحييد الذعر من الحرب وبسرعة.

    في نهاية الأسبوع الماضي، نشرت “واشنطن بوست” أن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة أنها ستنتظر حتى نهاية الشهر من أجل استكمال الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق جديد يبعد حزب الله إلى شمال نهر الليطاني. بعد ذلك، حسب التقرير، ستوسع إسرائيل الهجمات ضد حزب الله. موقف حزب الله العلني أن ثمة مكاناً للنقاش، لكن أي اتفاق سيكون مرتبطاً بوقف الحرب في غزة. إسرائيل رفضت هذا الشرط. القوى السياسية في لبنان وزعماء أجانب، من العرب والغرب، يحاولون العمل على التوصل إلى تسوية. رئيس الحكومة المؤقت في لبنان، نجيب ميقاتي، يصوغ موقفه بمرونة رائعة، تلزم من يطمح إلى مواصلة تولي هذا المنصب ويحتاج إلى تأييد حزب الله – في الوقت الذي يطلب منه إرضاء الطائفة المسيحية غير المتجانسة، وإرضاء خصوم حسن نصر الله، رئيس المنظمة الإرهابية الشيعية.

    في المقابلات التي أجراها مع وسائل الإعلام في المنتدى الاقتصادي في دافوس في الأسبوع الماضي، قال ميقاتي إن “وقف إطلاق النار في غزة هو حجر الأساس في أي مفاوضات”. وأثنى على “السلوك العقلاني” لحزب الله، الذي حسب قوله “يرى نصب عينيه مصلحة لبنان فوق أي اعتبار آخر”. قبل بضعة أيام من ذلك، أوضح ميقاتي أنه لا يربط الحرب في غزة بقضية لبنان. ويمكن التقدير أنه في اللحظة التي سيتبلور فيها مسار دبلوماسي متفق عليه، فسعرف ميقاتي كيفية ملاءمة موقفه. إن إلحاحية العثور على حل دبلوماسي آخذة في الاتساع أمام توسيع ساحة الهجمات المتبادلة في لبنان وإسرائيل، وتوسيع سياسة التصفيات لكبار رجال إيران وحزب الله.

    هذه الأمور تزيد الخوف من رد فعل حسن نصر الله. وحتى الآن، يبدو أن الجهود الدبلوماسية مرتبطة بنجاح الدول الخمس التي تحملت المسؤولية عن “ملف لبنان”، وهي: الولايات المتحدة، ومصر، والسعودية، وفرنسا، وقطر. القضية الأولى أمام هذه الدول كانت انتخاب رئيس جديد للبنان، ولكن عند اندلاع الحرب في غزة وانضمام حزب الله للمعركة، طفت على السطح من جديد قضية تطبيق قرار الأمم المتحدة 1701، الذي ينص على إبعاد قوات حزب الله إلى شمال نهر الليطاني وتجريده من سلاحه. ولكن لا أحد الآن يطرح هذه القضية للنقاش. وسائل الإعلام اللبنانية نشرت في نهاية الأسبوع الماضي أن هذه الدول الخمس يتوقع أن تجتمع في نهاية الشهر الحالي أو بداية شباط، في بيروت أو في القاهرة أو حتى في الرياض، للمضي بعملية انتخاب رئيس للبنان وإبعاد حزب الله من جنوب لبنان.

    أشارت تقارير أنه من المتوقع في هذا اللقاء أن يشارك عاموس هوكشتاين، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي، الذي بشكل رسمي هو المسؤول عن موضوع الطاقة، لكن ألقيت عليه فعلياً مهمة التوصل إلى اتفاق بهدف تهدئة جبهة لبنان – إسرائيل. ثمة أهمية كبيرة لمشاركته في اللقاء، لأن مشاركته تعني رفع مستوى المحادثات، وتدخلاً مباشراً للبيت الأبيض، وليس فقط وزارة الخارجية الأمريكية التي تمثلها السفيرة الأمريكية الجديدة في لبنان ليزا جونسون. الافتراض الأساسي لدى واشنطن أن المفاوضات السريعة بين إسرائيل ولبنان حول ترسيم الحدود بين الدولتين والتوصل إلى اتفاق نهائي حول الحدود، ستحيد ادعاءات حزب الله، التي تقول إن إسرائيل ما زالت تحتل أراضي من لبنان، وهو الوحيد الذي يمكنه تخليصها من يدها.

    إن إيجاد خط للحدود متفق عليه أمر ضروري أيضاً من أجل أن يقوم لبنان -الذي لا يعترف بـ “الخط الأزرق” الذي تم وضعه في العام 2000 عند انسحاب إسرائيل كحدود دولية- بنشر جيشه على طولها. عندها يمكن أن تطلب بيروت من حزب الله سحب قواته عن الحدود. ولكن التهديد بتوسيع الحرب لن ينتظر حتى تبدأ إسرائيل ولبنان في النقاشات حول ترسيم الحدود، أو إنهاء المحادثات من أجل بدء انتشار جديد للجيش اللبناني وحزب الله. تقول إسرائيل وبحق إن ابعاد حزب الله يخضع للقرار 1701 الذي أنهى حرب لبنان الثانية، وهو غير مرتبط بترسيم الحدود. ولكن حتى لو أفاد التقدير الأمريكي بأن المفاوضات حول ترسيم الحدود قد تتم بشكل متواز وتساعد على المطالبة بإبعاد حزب الله، فإنه يجب الآن أيضاً التغلب على العلاقة التي يصمم عليها حزب الله بين ترتيبات الحدود والحرب في غزة.

    خصوم حزب الله السياسيون يطرحون تخوفاً آخر، وهو أن حسن نصر الله قد يبتز القيادة في لبنان وفي “الخُماسية” لتنازلات بخصوص هوية الرئيس الجديد، مقابل الموافقة على إجراء المفاوضات وإبعاد قواته عن الحدود. في مقابلة مع صحيفة “السياسة” الكويتية في نهاية الأسبوع الماضي، قال رئيس حزب الكتائب المسيحية في لبنان، سامي الجميل: “في خلفية الحوار بين حزب الله وإسرائيل خوف كبير من أن يتم التوصل إلى اتفاق على حساب سيادة لبنان، وأن يحصل حزب الله على لبنان كهدية على استعداده للانسحاب من الجنوب”. الجميل الذي يعد العدو اللدود للمنظمة الشيعية، هدد بأنه إذا حدث ذلك “نكون قد ضحينا بلبنان الذي كان منارة العالم العربي”. وقال الجميل في المقابلة إنه حصل على تهديدات على حياته، وأنه “يعرف من أين تأتيه هذه التهديدات”. ترجمة تحذيراته الفعلية هي أنه إذا حصل حسن نصر الله على رئيس يروقه، سليمان فرنجية المقرب من الحزب مثلاً، فسيكون لبنان في يد حزب الله. عندها لا شيء سيقف أمام نفوذ إيران، ولن تستطيع أي قوة المطالبة بنزع سلاح حزب الله، الذي سيفرض بواسطته قوته على الدولة.

    قضية الإنجازات السياسية التي يطمح حزب الله إلى الحصول عليها لنفسه مقابل سحب قواته من منطقة الحدود، لم تغب عن عيون زعماء “مجموعة الخمس”. ولكن هذه المجموعة منقسمة فيما بينها حول مسألة كيف سيتم الدفع قدماً بالعملية الدبلوماسية بالصورة الأكثر نجاعة وسرعة. فرنسا مثلاً، عرضت في أيلول الماضي اقتراحاً يقول بأن الرئيس سيكون سليمان فرنجية، المفضل لدى حزب الله، ولكن رئيس الحكومة القادم سيكون قائد الجيش جوزيف عون الذي كما يبدو سيكون ثقلاً موازياً في تأثيره. قبل شهر عندما احتدمت المواجهة بين إسرائيل وحزب الله، طرحت فرنسا اقتراحاً آخر، وهو تعيين فرنجية في منصب الرئيس مقابل تطبيق القرار 1701. موقف الولايات الأمريكية الحالي في هذه القضية لم يتضح بعد، في حين أن لب اهتمامها موجه للتهدئة على الحدود. من غير الواضح أيضاً إذا كانت السعودية، المعارضة الشديدة لحزب الله، ستوافق على تأييد الحل الفرنسي أو مساعدة لبنان فيما بعد على الخروج من الأزمة الاقتصادية إذا ترأس لبنان رئيس مقرب من حزب الله.

    إضافة إلى ذلك، لا توجد حتى الآن أي ضمانة في أن تثمر نقاشات “مجموعة الخمس” بنتائج حقيقية على الأرض أمام مصفوفة القوى الداخلية في لبنان. ليس في يد أعضاء المجموعة أي أوراق مساومة أو رافعة ضغط يمكنها أن تفرض حلاً سياسياً في مسألة تعيين الرئيس، أو حلاً دبلوماسياً يبعد حزب الله عن الحدود. سيكون القرار في نهاية المطاف لحزب الله نفسه، الذي أوضح حتى الآن بأنه يبقي الباب مفتوحاً أمام المفاوضات. إن حرباً واسعة مع إسرائيل لن تخدم مصالحه السياسية، لكن ومن أجل تحقيقها سيحتاج إلى “جبهة ساخنة” تستخدم الضغط على خصومه.

    --------------------------------------------

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

    هآرتس 22/1/2024

     

    الأمن الإسرائيلي: أنفاق غزة تفوق هندستنا وتكنولوجيتنا

     

     

     

    بقلم: انشل بابر

    في الأسابيع الأولى للحرب، نظر ضابط في الجيش الإسرائيلي بخيبة أمل في غرفة عمليات إلى خارطة الأنفاق في القطاع الموجود تحت مسؤوليته، وقال: “هذه لم تعد ذات صلة”، قال بامتعاض وألقاها جانباً، وهو يعرف أن قواته قد عثرت على عشرات فتحات الأنفاق والأنفاق في أماكن لم تظهر في الخارطة الموجودة أمامه، التي ارتكزت إلى تقديرات استخبارية. ومثل جهات أخرى في كل المستويات في الجيش الإسرائيلي، فإنهم جميعاً شركاء في الاعتقاد بأن شبكة الأنفاق في قطاع غزة أكبر بكثير مما قدروا في البداية، ومتشعبة أكثر. إضافة إلى ذلك، يزداد الاعتقاد لدى أوساط كبار في الجيش بأن القوات لم تدمر كل أنفاق حماس و”الجهاد الإسلامي” في القطاع، وكما يبدو أيضاً ليس معظمها.

     الجيش الإسرائيلي يقلص القوات في القطاع بعد حوالي ثلاثة أشهر من القتال بمشاعر مختلطة – من جهة، بسبب إنجاز غير مسبوق بتدمير أنفاق وفتحات أنفاق. ومن جهة أخرى، خيبة أمل بسبب بقاء الكثير منها، وكما يبدو لن تدمر أيضاً في المستقبل الكبير. الأنفاق تحت القطاع كانت قائمة حتى قبل إقامة حماس في 1987، والآن يتبين أن الكثير منها سيبقى هناك بعد الحرب الحالية.

     

    منظومة تحت أرضية

     

     تم حفر الأنفاق الأولى في القطاع بعد احتلاله على يد إسرائيل في حرب الأيام الستة، عندما استخدمتها التنظيمات الإرهابية بشكل قليل لتخزين السلاح والذخيرة. تم تنفيذ الحفر الأول الكبير بعد التوقيع على اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر. عندما تم تقسيم مدينة رفح إلى قسمين في أعقاب الانسحاب من شبه جزيرة سيناء. تنظيمات إرهابية ومنظمات جريمة وكبار رجال السلطة الفلسطينية وقبائل بدوية وسكان محليين، جميعهم استخدموا الأنفاق لتهريب البضائع والسلاح. في العام 1999 تم اكتشاف النفق الأول لحماس الذي خططت حماس عبره لاختطاف جندي من الجيش الإسرائيلي وتهريبه إلى خارج القطاع والمطالبة بإطلاق سراح مئات المخربين مقابله. كان من بين المخططين يحيى السنوار الذي كان في تلك الفترة في السجن.

     منذ الانفصال في 2005 ازدادت الأنفاق وتوسعت، واعتاش آلاف سكان القطاع من خلال التهريب. في عملية “الرصاص المصبوب” في نهاية 2008 تم تدمير الكثير من الأنفاق في القطاع، لكن المئات منها بقيت عاملة. حل الجيش الإسرائيلي الأول لهذه الظاهرة كان النشاطات في محور فيلادلفيا، وهو قاطع عازل قرب الحدود أقيم في 1982 بعد الانسحاب من شبه جزيرة سيناء. استمرت في هذه المنطقة مواجهات تحت الأرض بين إسرائيل والفلسطينيين لعقدين، وتم خلالها تفعيل أنفاق تفجير ومهاجمة مواقع الجيش الإسرائيلي وقتل الكثير من الجنود. من ناحيته، قام الجيش بحفر واستخدام المواد المتفجرة لاكتشاف الأنفاق وتدميرها. تطورت الوسائل مع مرور الوقت، لكن بالمقابل تطورت قدرة الفلسطينيين، الذين في كثير من المرات تفوقوا على الجيش في ذلك.

     منذ العام 2005 بدأ الجيش الإسرائيلي في تفجير أنفاق بواسطة القصف في جولات القتال، وفي أوقات التهدئة اعتمد على مصر كي تعمل ضد هذه الأنفاق. ورغم هذه الجهود، فإن الأنفاق ازدادت وتطورت وتعمقت على يد حماس والقبائل البدوية وتمدد “داعش” في شبه جزيرة سيناء، وفيها تم تهريب بالأساس السلاح وأعضاء لتنظيمات إرهابية، الذين خرجوا لإجراء لقاءات تنسيق والتدرب خارج القطاع. بعد ذلك، انتقلت الشبكة تحت الأرض من فيلادلفيا إلى محور هوبرز الموجود على الحدود بين إسرائيل وغزة. وبعد أربعة أشهر على الانفصال، تم اكتشاف النفق الأول قرب معبر إيرز. في حزيران 2006 تم اختطاف جلعاد شاليط في العملية الأولى التحت أرضية التي اجتازت الحدود بعد الانفصال، التي نفذتها حماس وتنظيمات إرهابية أخرى. دخل المهاجمون عبر نفق اخترق 100 متر للحدود تقريباً في منطقة كرم أبو سالم وعادوا مع شاليط في فتحة فتحوها في الجدار الحدودي.

     منذ أن سيطرت حماس على القطاع في 2007 وسعت الأنفاق الهجومية المخترقة للحدود بشكل كبير. في العقد التالي، ركز جهاز الأمن الجهود من أجل تدميرها، لكن النجاح كان جزئياً، وفي عملية “الجرف الصامد” في 2014 اجتاز مخربون بواسطة أربعة أنفاق خارقة للحدود وقتلوا 11 جندياً إسرائيلياً. تحقيق “هآرتس” بعد العملية كشف أن القوات التي دخلت إلى مدخل غزة لم تأت مستعدة لمعالجة الأنفاق ولم تكن لديها الوسائل والتدريب المناسبين. تقارير مراقب الدولة في 2007 و2017 أشارت إلى إخفاقات شديدة في استعداد الجيش الإسرائيلي والمستوى السياسي أمام تهديد الأنفاق.

     لقد مر عقد تقريباً منذ اكتشاف النفق الأول في معبر إيرز في العام 2005 حتى بدأت وزارة الدفاع في الأعمال لهذا العائق التحت أرضي، الذي يشمل جدراناً إسمنتية عميقة ومجسات جيوفونية. استكملت إقامة هذا العائق في نهاية 2021 مع وعود كبيرة، وكانت القيادة العليا الأمنية على ثقة بأنه سيحبط أي هجوم واسع في أراضي إسرائيل، لذلك لم يشعروا بإلحاحية العمل ضد الأنفاق الموجودة داخل القطاع. “العائق أدى إلى انخفاض الاهتمام بموضوع الأنفاق في القطاع بشكل كبير على مستوى الإشارة إلى الأخبار الهامة”، قال مصدر استخباري يتابع منذ سنوات حماس بالإشارة إلى سلم الأولويات لدى الأجهزة الاستخبارية. “هذا ليس لأننا لم ننشغل بهذا الأمر، لكنه شعور لدى الجهاز بأن هذه الأنفاق ما لم تجتز الحدود فإنها أقل تهديداً لنا”. لم ينجح العائق في اختبار الواقع في 7 تشرين الأول. فالجدار الموجود فوق الأرض تم إهماله، وأكثر من 250 مخطوفاً ابتلعتهم أنفاق القطاع.

     

    مسألة وقت – ثمن

     

     في عملية “حارس الأسوار” في 2021 شن الجيش الإسرائيلي عملية “جنوب أزرق”، التي سميت أيضاً عملية “المترو”. كانت الخطة جعل رجال حماس يعتقدون أن الجيش الإسرائيلي سيهاجم كي يختبئوا في الأنفاق. عندها يتم تفجيرها بالقصف، وهكذا سيقتل مئات وربما آلاف المخربين تحت الأرض. عملياً، قتل عدد قليل من المخربين، وفشلت محاولة التمويه. ولكن حتى لو نجحت هذه العملية، فقد تبين في هذه الحرب أن الجيش لم يعرف في حينه جميع أماكن الأنفاق، وهكذا أمكن لحماس نشر رجالها في نقاط كثيرة تحت الأرض.

     الافتراض العملياتي للجيش الإسرائيلي في بداية الحرب الحالية هو أن التهديد الأساسي من الأنفاق استخدامها كنقطة خروج لكمائن ضد قواته. ولكن كمائن الأنفاق في العملية البرية الحالية قليلة نسبياً. “حسب معرفتنا عن تشكيلة قوات حماس، اعتقدت أننا سنشاهد المزيد من الكمائن من جراء الأنفاق”، قال أحد ضباط الألوية المقاتلة.

     في البداية، اعتبر الجيش الإسرائيلي ذلك أفضلية. وتحركت الفرق من خط شاطئ غزة نحو الشرق بقوات مدرعة. “بدلاً من التوقف عند الأنفاق، نمر فوق الأنفاق”، قال جنرال إسرائيلي في تلك الفترة. ولكن بالتدريج، تسرب إدراك لدى الجيش بأن شبكة الأنفاق أكبر ومتشعبة أكثر مما قدر، وأن استخدامها الرئيسي من قبل حماس ليس لمهاجمة الجيش الإسرائيلي، بل حماية قواتها.

     والافتراض أنه كان يكفي “احتلال” الأراضي الموجودة فوق الأنفاق لبضعة أسابيع لإجبار رجال حماس، بسبب نقص الأوكسجين والطعام والمياه، على الخروج إلى الخارج، ولكن تبين أنه افتراض خاطئ؛ ليس فقط لأن الأنفاق مزودة جيداً للمكوث لفترة طويلة، بل لأنها سمحت أيضاً بالانتقال بين عدة مناطق في المدينة والقطاع. خلال القتال، أعلن الجيش الإسرائيلي عن تدمير كتائب لحماس في شمال القطاع، لكنه وجد نفسه يقاتل بقايا هذه الكتائب في قطاعات مختلفة، وعندما وجدت علامات على وجود مخطوفين في أنفاق، كان قد تم نقل هؤلاء المخطوفين منذ فترة طويلة إلى نفق آخر.

     في صالح سلاح البر، بالأساس سلاح الهندسة، يجب القول إنهم أخذوا تحدي الأنفاق في السنوات الأخيرة على محمل الجد. تم توسيع طواقم وحدة “يهلوم” ومعداتهم التكنولوجية للتحقيق في الأنفاق. الوحدات الخاصة، من بينها “عوكتس”، تدربت في المدى التحت أرضي وتم تشكيل طواقم خاصة لتدمير الأنفاق الأكبر، وحسنت قوات الهندسة الأخرى من قدراتها التحت أرضية، وتم تطوير مواد متفجرة جديدة لمكافحة الأنفاق.

     ولكن كل ذلك لم يكن كافياً. فقد كشف قادة في الميدان أن الكتائب احتاجت في بعض الأحيان إلى بضعة أيام وحتى أسابيع للعثور على الأنفاق وتدمير المئات منها. في هذه الأثناء، كان يجب على مئات الجنود المكوث في ساحة المعركة والدفاع عن أنفسهم وتأمين قوات الهندسة. وفي المحيط المدني الذي يخلو من الكمائن أو الصواريخ مضادة للدروع، فإن تدمير مئات الكيلومترات من الأنفاق تبدو عملية هندسية معقدة وواسعة وتحتاج إلى أشهر طويلة. حسب منشورات في وسائل الإعلام الأجنبية، فإن الجيش علق الآمال على مشروع باسم “أطلانتس”، الذي سيتم في إطاره ضخ مياه البحر إلى الأنفاق على أمل إغراقها. نشرت هيئة “كان 11” أن هذا المشروع الريادي كان ناجحاً. عملياً، هناك شك في أنه تم تسجيل أضرار ملموس جراء هذه العملية، وربما كان الهدف من نشرها جعل المقاتلين في الأنفاق يهربون إلى سطح الأرض.

     في الأسبوع الماضي، اقتبس ضباط كبار في “نيويورك تايمز” حيث قدروا بأن طول شبكة الأنفاق في القطاع يبلغ نحو 700 كم، هذا خلافاً لتقديرات استخبارية كانت في البداية تبلغ 400 كم. أحد قادة الألوية الذي عمل ضد الأنفاق في مدينة غزة، قال في الشهر الماضي: “الأمر يتعلق بمسألة الوقت المتاح لنا هنا، والثمن الذي نحن مستعدون لدفعه”. بعد ذلك، غادر هذا القائد القطاع، في حين أن جزءاً فقط من الأنفاق تم تدميره.

     سيضطر جهاز الأمن للاعتراف بأن تدمير الأنفاق كان من البداية هدفاً غير واقعي، وأن الجيش الإسرائيلي ربما يمكنه التعامل معها كتهديد عسكري، لكنها ستبقى تحت غزة. وكما قال المهندس يئير رماتي، الذي لم يتعامل في أي يوم مع الأنفاق ولكنه يعتبر أحد الآباء لخطة الدفاع الإسرائيلية ضد الصواريخ: “سيكون لإسرائيل تفوق تكنولوجي في السماء، لذا ستحاول حماس دائما جرنا إلى تحت الأرض”.

    --------------------------------------------

    يديعوت أحرونوت 22/1/2024

     

    حرب اللانهاية أم “الجزرات الإقليمية”؟ بايدن ونتنياهو في معركة “رأس برأس”

     

     

    بقلم: ناحوم برنياع

     

    هرتسي هليفي ونصر الله، وهما شخصان يعرف أحدهما الآخر منذ زمن بعيد، يسيران هذه الأيام على شفا هوة. لا يريد أحدهما أن يسقط، ورغم ذلك فإمكانية السقوط واقعية. يشاهد البيت الأبيض المسرحية بأنفاس محبوسة. الخوف مزدوج: الأول، أن يسقط الاثنان؛ أما الثاني فأن يسقطا عليهم.

     كل خطوة عسكرية تتم هذه الأيام هي نوع من الإشارة: عندما تهاجم إيران باكستان فهي تحذر إسرائيل من أنها إذا وسعت القتال من لبنان فستطلق الصواريخ نحوها، وعندما تصفي دولة مجهولة مسؤولاً إيرانياً في سوريا فإنها تحذر الإيرانيين من استعدادها لمواجهة مباشرة.

     الدراما الدائرة على الحدود الشمالية تقترب من الحسم. طرف ما في معركة الاستنزاف المتبادلة، الطرف الإسرائيلي، يبدي بوادر استنفاد. يخيل أنها تقترب من الحسم في جبهات أخرى أيضاً: في المواجهة بين نتنياهو وبايدن، وفي جهود تتجدد لتحرير المخطوفين، وفي الجبهة السياسية الداخلية. كله مترابط.

     حاك الأمريكيون رزمة مركبة، إحدى الرزم الأكثر تركيباً وسبق أن حيكت في تاريخ الشرق الأوسط. في المرحلة الأولى، يفترض بالطرفين أن يوافقا على وقف نار في غزة لزمن محدد، وتحرير مخطوفين وسجناء، وتوسيع المساعدات الإنسانية لغزة. في المرحلة الثانية، يفترض أن يتوصلا إلى وقف شامل للقتال، وانسحاب إسرائيل، وتحرير باقي المخطوفين والسجناء، ومرابطة قوة دولية في غزة، وتسليم تدريجي لتحكمها سلطة فلسطينية معززة في ظل إشراك حماس في السلطة.

     الجزرة التي ستعطى لإسرائيل هي موافقة سعودية على التطبيع؛ أما جزرة السعودية فاتفاق دفاع بينها وبين الولايات المتحدة؛ وستكون جزرة غزة إعمار القطاع بأموال الدول النفطية؛ وستكون جزرة السلطة الفلسطينية بتعهد إسرائيلي وأمريكي لحل الدولتين.

     يفترض بالمسيرة أن تحل الأزمة في الشمال: لبنان يتلقى مساعدة أمريكية وعربية لاقتصاده المنهار، وحزب الله ينسحب حتى ما وراء الليطاني، والسكان على جانبي الحدود يعودون إلى بيوتهم.

     هل يمكن إصدار دعوات للاحتفال في ساحة البيت الأبيض؟ تماماً لا، وليس بسبب رفض يحيى السنوار فقط. فالخطة الأمريكية وضعت نتنياهو أمام بايدن في معركة رأس برأس. لا يمكن استبعاد إمكانية أن ينتصر نتنياهو في هذه الحرب– وكأنه ينتصر.

     كل شيء يبدأ في الطريقة التي رد فيها الشخصان على مذبحة 7 أكتوبر. بايدن صدم وتضامن مع إسرائيل ومد لها مساعدة غير مسبوقة، كما أنه توصل إلى استنتاج بأنه لم يعد يمكنه تجاهل المسألة الفلسطينية؛ فهي تضربه في الخارج والداخل- داخل حزبه وناخبيه. أما نتنياهو فتوصل إلى استنتاج معاكس: كل الفلسطينيين مرفوضو الاتصال ومحظور الحديث معهم، ومحظور إعطاؤهم قوة، ولا صلاح لهم. في هذه المرة، كان رد نتنياهو متوافقاً مع رد الشارع.

     رأى بايدن فرصة: سيحول المصيبة التي جرت في الغلاف إلى اتفاق يكون بطاقة دخوله إلى التاريخ؛ نتنياهو أيضاً رأى فرصة: سيكون الرجل الذي يمنع الاتفاق الذي يؤدي إلى إبادة الشعب اليهودي. المتهم بالإخفاق الأكبر سيصبح بطل الأمة. كان الصدام محتماً.

     هجوم نتنياهو على الخطة أدخل البيت الأبيض في حالة ضغط. ما العمل، هل نجرب إقناع الشركاء العرب بتخفيف حدة التعهد بدولة فلسطينية، أو العكس: نشر الخطة ومحاولة الحديث إلى الرأي العام في إسرائيل من فوق رأس نتنياهو؟ أي إدارة أخرى كان يمكنها أن تهدد إسرائيل بالإعلان عن إعادة التقويم. عندما اتخذ كيسنجر هذه الخطوة حيال رئيس الوزراء إسحق رابين، في آذار 1975 ارتفعت شعبية رابين في إسرائيل للحظة إلى السماء. في النهاية، اضطر رابين للتنازل. “وافق رابين في آب على تنازلات لم يوافق عليها في آذار”، قضى ايتمار رابينوفيتش في السيرة الذاتية التي كتبها عن رابين.

     لن يعلن بايدن عن إعادة تقويم. لا خطر كهذا في ذروة حرب يفتخر هو فيها بأنه يقف إلى جانب إسرائيل، بكل قلبه. لكنه كفيل بأن يعرض على الإسرائيليين بديلاً لما يعرضه عليهم رئيس وزرائهم: نتنياهو يعرض حرباً بدون موعد انتهاء، حرب الـ “عليّ وعلى أعدائي يا رب”؛ أما بايدن فيعرض تسوية فيها رهان كبير ومشاكل كبيرة، تسوية تتعارض ومصالحهم في هذه النقطة، لكن فيها أملاً أيضاً.

     لما كانت أمريكا منقسمة اليوم في كل موضوع، لشدة الأسف بالنسبة لإسرائيل أيضاً، فلنتنياهو احتمال معقول للانتصار. لن تكون صفقة؛ لن تكون مسيرة؛ لن يتحرر مخطوفون؛ لن يكون خروج من غزة وتهدئة في الشمال وفي الجنوب؛ سيستمر الابتعاد عن أمريكا، عن الغرب، عن الدول العربية السنية. مثلما في الصراع ضد النووي الإيراني سينتصر في المعركة، وسيهزم في الحرب.

     عندما أسمع خطاباً ملتهباً لنتنياهو في الموضوع الفلسطيني أتذكر أحد لقاءاته مع رفاق في الجانب الفلسطيني من حاجز إيرز. نحن الصحافيين نظرنا إليهما من النافذة. عرفات جاء بسيجارين كوبيين، هدية لصديق. أشعلا السيجارين ودخلا في سحابة دخان متصاعدة. تذكرت الفصل الأخير في “مزرعة الحيوانات” لأورويل، الفصل الذي يرتبط فيه الأعداء في وليمة مشتركة. ذاك المشهد لم يغير رأيي في عرفات؛ غير رأيي في نتنياهو.

    ---------------------------------------------

     

    هآرتس 22/1/2024

     

     

    معارضة الجمهور لحل الدولتين

     

     

    بقلم: يونتان ليس

     

    على خلفية النقاشات حول مسألة "اليوم التالي" للحرب في قطاع غزة فانهم في المجتمع الدولي يخافون من معارضة الجمهور الإسرائيلي لحل الدولتين على ضوء ميله لليمين في أعقاب هجوم حماس في 7 تشرين الأول. استطلاع جديد أظهر أن الجمهور الإسرائيلي يمكن أن يؤيد اتفاق يتضمن إقامة الدولة الفلسطينية.

     رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، كرر (الأحد) موقفه الذي يقول بأن إسرائيل يجب أن تسيطر أمنيا "على كل المنطقة غرب نهر الاردن"، بما في ذلك قطاع غزة، بعد الحرب. "تصميمي هو الذي منع على مدى السنين إقامة الدولة الفلسطينية التي كانت ستشكل خطرا وجوديا على إسرائيل. وطالما أنا رئيس الحكومة فإنني سأستمر في التصميم على هذا الموقف بحزم"، أضاف. أقوال نتنياهو هذه جاءت استمرارا لمحاولته في الأيام الأخيرة شرح تقرير جاء فيه بأنه لم يرفض إقامة الدولة الفلسطينية في المحادثة التي جرت أول من أمس مع الرئيس الاميركي جو بايدن.

     الانشغال المتزايد بمسألة "اليوم التالي" للحرب يضع نتنياهو أمام ضغوط متناقضة. بايدن وأوساط أخرى في المجتمع الدولي زادوا مؤخرا جهودهم العلنية للدفع قدما بعملية إقامة الدولة الفلسطينية. "فايننشال تايمز" نشرت أمس أن وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي سيناقشون تداعيات رفض نتنياهو لهذه العملية. ومصدر رسمي في الاتحاد قال للصحيفة بأن الوزراء سيناقشون محفزات إيجابية وسلبية لإسرائيل. في المقابل، أعضاء في ائتلاف اليمين لنتنياهو أعلنوا في السابق بأنهم لن يسمحوا بالدفع قدما بهذه العملية. وبقاء الائتلاف هو شرط ضروري لقدرة رئيس الحكومة على البقاء في منصبه، رغم مسؤوليته عن الاخفاقات التي سبقت هجوم حماس.

     في المستوى السياسي قدروا في الأسابيع الأخيرة بأن الجمهور الإسرائيلي يميل نحو اليمين في مواقفه بعد 7 تشرين الاول، وأنه سيجد صعوبة في الموافقة على الضغط من أجل التسوية. حسب هذه التقديرات الجمهور يمكن أن يرى في المفاوضات على إقامة الدولة الفلسطينية، أيضا في قطاع غزة، إنجاز آخر لحماس. في محيط نتنياهو كان هناك من حذروا حتى من إمكانية أن الحرب الحالية ستنقش في الوعي التاريخي كـ "حرب الاستقلال الفلسطينية".

     دبلوماسي أجنبي، يشارك بشكل جيد في جهود المجتمع الدولي للتوصل إلى اتفاق إقليمي هام بعد الحرب، قدر أن الرأي العام في إسرائيل سيصعب على الدفع قدما بهذا الاتفاق. "الانطباع هو أن الجمهور الإسرائيلي فقد ثقته بأي اتفاق مع الفلسطينيين، لذلك يجب تشجيعه والإظهار له بأنه يوجد أمل في مثل هذه الخطوات"، قال.

     حسب أقوال هذا الدبلوماسي فإنه يمكن ربط إقامة الدولة الفلسطينية باتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية. "السعودية أوضحت في السابق بأنها لن تدفع قدما باتفاق مع إسرائيل دون تقدم مهم مع الفلسطينيين، لكنها لم تطلب رؤية إقامة الدولة الفلسطينية كشرط لذلك"، أوضح. "الرئيس الأميركي توجد له فترة محدودة للانشغال بهذا الأمر. وهو بحاجة إلى إنجاز سياسي مهم في الشرق الأوسط في حملته الانتخابية. وإذا كان يمكن إشراك السعودية في الاتفاق مقابل استعداد إسرائيل لمناقشة إقامة الدولة الفلسطينية فهذا سيكون إنجاز".

    رغم التقديرات حول ميل الجمهور الأسرائيلي لليمين، إلا أن استطلاع جديد أجري على عينة من 500 شخص أظهر أن الجمهور يمكن أن يؤيد إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح كجزء من اتفاق يشمل اعادة المحتجزين وتطبيع العلاقات مع السعودية. حسب الاستطلاع الذي أجراه معهد "مدغام" برئاسة مينو جيفع لصالح مبادرة جنيف، 51.3 في المئة من الجمهور الأسرائيلي سيؤيدون اتفاق بدعم الولايات المتحدة يشمل إعادة المحتجزين والاتفاق على إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في الضفة الغربية وفي قطاع غزة وتطبيع العلاقات مع السعودية، 28.9 في المئة يعارضون، 19.8 لا يعرفون.

    تم سؤال المستطلعين أي وضع كانوا سيفضلونه بعد ثلاث سنوات في قطاع غزة. 50.5 في المئة أجابوا بأنهم كانوا سيفضلون وضع فيه جنود الجيش الأسرائيلي غير موجودين في القطاع، مقابل 32 في المئة كانوا سيفضلون رؤية الجيش الأسرائيلي في القطاع، 17 في المئة لا يعرفون. من أجابوا على الاستطلاع سئلوا إذا كانت نظرتهم للولايات المتحدة تغيرت منذ 7 تشرين الاول، وإذا كان كذلك فكيف. 65 في المئة عبروا عن نظرة إيجابية للولايات المتحدة منذ 7 تشرين الأول، 38.2 في المئة أجابوا بأن نظرتهم لم تتغير وبقيت جيدة، 26.3 في المئة قالوا أن نظرتهم تغيرت للافضل، 17.1 في المئة قالوا أنها تغيرت للأسوأ.

     مدير عام مبادرة جنيف، غادي لبتيانسكي، يرى في نتائج الاستطلاع الدليل على إمكانية الدفع قدما بهذه العملية. "مقابل الأمن الأقليمي وإعادة المخطوفين فإن الجمهور الأسرائيلي مستعد للموافقة على إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح"، قال واضاف. "إسرائيل يجب عليها قول نعم للرئيس الأميركي، وقول لا للوزراء سموتريتش وبن غفير".

    ---------------------------------------------

     

    يديعوت أحرونوت 22/1/2024

     

     

    انعدام المعرفة لثقافة الآخر

     

     

    بقلم: ميخائيل ميلشتاين

     

    أحد الاستنتاجات المركزية للجنة التحقيق الأميركية التي فحصت سلوك وكالات الاستخبارات عشية 11 أيلول 2001، كانت أن قسما كبيرا من رجالها يفتقد القدرة اللغوية والمعرفة للثقافات الأجنبية. في أعقاب ذلك أوصي بالدفع قدما بتعلم معمق لهذه المواضيع، إلى جانب تطوير الاستخبارات العلنية التي تسمح بفهم التيارات العميقة في أوساط موضع البحث.

    بعد أكثر من نحو 20 سنة، رغم أن المعلومات العلنية أصبحت في متناول اليد وأكثر غنى، أغلقت في إسرائيل وحدة "حصاب" التي كانت مؤتمنة على جمع المعلومات العلنية. في الخلفية قبعت الفرضية بأنه في وسائل تكنولوجية متطورة ستستخلص معلومات حرجة عن "الآخر"، إلى جانب الإيمان الذي يقول إن حدة التفكير "الغربي" تشكل أداة مركزية تسمح بتحليل الواقع والمستقبل، حتى دون التحكم بلغة أو بثقافة موضع البحث.

    كلما انكشفت معلومات أخرى عن صورة الاستخبارات عشية هجمة 7 أكتوبر يتبين أن الفجوة المركزية لم تكن انعدام المعرفة (المعلومات المفصلة كانت موجودة قبل نحو سنة)، وأنه لا يمكن تحجيم الإخفاق بمشاكل التبليغ، اليقظة أو انعدام الانفتاحية. فأحداث 7 أكتوبر عكست أولا وقبل كل شيء انعدام فهم متطرف حول "الآخر"، فجوة عانى منها أصحاب القرار السياسي، محافل الأمن، وكذا رجال الأعلام والأكاذيب.

    بالذات في المعلومات العلنية، تلك التي دحرت إلى الهوامش، انعكس منذ بضع سنوات السيناريو الذي تحقق في 7 أكتوبر، الأمر الذي انضم إلى تقارير مجندات المراقبة والاتصال التكتيكي (الذي لم يغطَ استخباريا)، والتي منها طرحت مؤشرات تدل على الهجوم المرتقب. العنوان المركزي في إعلام حماس في السنتين الأخيرتين كان "جهاد!" ليس الارتداع من إسرائيل، حفظ التهدئة أو التطلع إلى مزيد من تصاريح العمل. وسائل الأعلام إياها كانت مليئة بتوثيق التدريبات على سيناريوهات أصبحت واقعا في 7 أكتوبر، وعلى رأسها تدير العائق البري، السيطرة على قواعد وبلدات، وأخذ إسرائيليين في الأسر.

    الاستنتاج البسيط، شبه المحرج، الواجب من كل المجتمع الإسرائيلي، بعد 7 أكتوبر هو أن كل من يعنى بموضع بحث أجنبي، يجب أن يتحكم بلغته ويعرف ثقافته، ولا يهم إذا كان هذا رجل استخبارات، أكاديميا أو إعلام. مثلما يتحكم كل باحث بالشؤون الأميركية تحكما جيدا بالإنجليزية ولا يعتمد على الترجمات، وكل من يعرف كخبير في الشؤون الإسرائيلية لا يعتمد على "غوغل ترانزليت" بدلا من قراءة العبرية، هكذا ملزم كل من يعنى بالشرق الأوسط بأن يتحكم بالمفاتيح الأساسية التي في ضوئها تعمل المنطقة.

    هذا الاستنتاج طرح في تحليل قصور 1973، وحظي بتجسيد تشكيلي للمثقف المصري حسين فوزي الذي ادعى أمام حاييم غوري في 1977 بأنه لو كانت الاستخبارات الإسرائيلية تقرأ الشعر المصري لكانت فهمت بأنه في ضوء الإهانة الوطنية القاسية التي تكبدتها مصر في 1967، فإن حرب يوم الغفران كانت محتمة.

    الدرس بالنسبة للحاجة لمعالجة فجوة انعدام المعرفة الكافية لثقافة "الآخر" كان بالتالي معروفا على مدى نصف قرن، لكنه انغرس بشكل قليل إذا كان انغرس، ونهايته أنه تسبب بتكرار الأخطاء المريرة إياها في 7 أكتوبر، وبقدر كبير حتى بحدة اكبر.

    هذا بالطبع استنتاج صادم بالنسبة لعموم المجتمع الإسرائيلي المطالب بأن يقتحم "فقاعة الذكاء الاصطناعي" الذي يغرس وهما حول عظمة وتفوق على المجال وبدلا من هذا العودة إلى بساطة التعليم المنهاجي لمحيطنا. سيكون واجبا إلزام ليس فقط ضباط الاستخبارات الذين يعنون بملاحقة وتحليل "الآخر" أن يكتسبوا التحكم بلغته وثقافته، بل اكساب هذه القدرات لعموم المجتمع ونوصي بأن يتم الأمر من خلال نص تعليم العربية باللهجة الدارجة في المدارس الابتدائية بالقانون. ستكون هذه وسيلة للتعلم عن الأعداء، لتعزيز الاتصال بالأصدقاء وأساسا الفهم الدقيق والواعي للمجال الذي نعيش فيه.

    ---------------------------------------------

     

    هآرتس 22/1/2024

     

     

    أسئلة صعبة

     

     

    بقلم: أسرة التحرير

     

    في 14 كانون الأول انتشل الجيش الإسرائيلي من نفق في جباليا جثث الجنديين رون شرمان ونيك فايزر والمواطن الياهو طوليدانو الذين اختطفوا في 7 أكتوبر. بعد نحو شهر من ذلك سلم الجيش عائلات الثكلى تقرير التشريح الجنائي وبلغ عن العثور على الضحايا مما يثير أسئلة صعبة ومقلقة تتطلب استيضاحا وكشفا جماهيريا.

    الأسئلة طرحتها بكل حدتها معيان شرمان، ام رون. في بوست نشرته على الفيسبوك اتهمت شرمان الجيش الإسرائيلي بقتل ابنها بغاز سام، ضخ الى نفق احتجز فيه المخطوفون الذين شكلوا مثابة "درع بشري" لمسؤول حماس احمد غندور. "نتائج التحقيق: رون بالفعل قتل"، كتبت الام. "ليس على ايدي حماس... ليس بنار بالخطأ، ليس بنار صديقة، قتل مع سبق الإصرار. قصف بغاز سام... بالفعل، وجدوا أن لرون أيضا بضعة أصابع محطمة، اغلب الظن عقب محاولاته اليائسة للخروج من قبر السم". على حد قولها، "رون اختطف بسبب اهمال اجرامي من كل كبار رجالات الجيش والحكومة الخربة، ممن أعطوا الأوامر بتصفيته كي يغلقوا الحساب مع مخرب ما متعطش للدم، لكن إضافة لذلك أيضا غبي ما حقا يدعى غندور من جباليا.

    الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي دانييل هجاري عقب بتملص. على حد قوله لم يكن ممكنا التحديد مما مات المخطوفون الثلاثة، و "في هذه المرحلة لا يمكن استبعاد أو تأكيد انهم قتلوا نتيجة خنق، اختناق، تسميم أو بأثر هجوم للجيش الإسرائيلي أو عملية لحماس". هذا الجواب المتملص يأتي على ما يبدو لاسكات البحث واثارة الشك في اقوال العائلة، دون نفيها مباشرة او الصدام مع أهالي ثكلى.

    هذا التملص محظور قبوله. فما نشرته معيان شرمان في اعقاب الإحاطة المفصلة التي تلقتها من مندوبي الجيش لا يمكنه ان يبقى معلقا في الهواء. حتى لو لم يعمل الجيش هكذا في حالة رون شرمان، فان الأسئلة تستوجب جوابا: هل استخدم الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة غازات سامة كي يقتل من يتواجدون في الانفاق؟ واذا كان بالفعل تم استخدام مثل هذه الوسائل، فهل هي مسموح استخدامها حسب احكام الحرب التي ملزمة إسرائيل بها؟ واذا ما استخدمت هذه الوسائل فمن اعطى الاذن لاستخدامها؟

    وكذلك: هل حياة المخطوفين لها وزنها على الاطلاق عند القرار بمعالجة الانفاق ام ان الاعتبار الوحيد في هذا الشأن هو الحاجة العملياتية للمس برجال حماس.

    كل هذه الأسئلة تستوجب فحصا من جهة خارجية. جهة، تتلقى المعلومات اللازمة من الجيش ومن الحكومة وتطرح استنتاجاتها للجمهور. لا يمكن ان ننتظر ان يتم هذا الاستيضاح الحيوي "في اليوم التالي".

    ---------------------------------------------

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

    إسرائيل هيوم 22/1/2024

     

     

    بدون صفقات ومخادعات.. وعدتم؟ أوفوا

     

     

    بقلم: عدي شورتس

     

     

    باحث في معهد مسغاف للاستراتيجية الصهيونية

     

    قادة المستوى السياسي والعسكري وعدوا مواطني إسرائيل بعد فظائع 7 أكتوبر بأن ما كان لن يكون، وأنهم لن يسمحوا للأحداث الصادمة أن تتكرر. بعد أن كانوا مسؤولين، كلهم، من جنرالات هيئة الأركان وحتى وزراء الحكومة ورئيسها – عن الإخفاق الأكثر رعبا في تاريخ إسرائيل، فإن الحد الأدنى المطلوب مهم هو أن يوفوا بوعدهم ويواصلوا الحرب حتى تحقيق أهدافها.

    إن الدعوات لوقف الحرب الآن هي دليل على ضعف عقلي لا يطاق. فليست العظمة العسكرية للجيش الإسرائيلي هي التي توجد قيد الاختبار في أرجاء الشرق الأوسط كله بل وأيضا قوة روح الشعب في إسرائيل. فإذا كنا بالفعل أمة تحب الحياة ونرغب في أن نواصل الوجود في المنطقة الوحشية والعنيفة التي تسمى الشرق الأوسط، فإن علينا أن نواصل الحرب حتى تقويض القدرات العسكرية والسلطوية لحماس – بالضبط مثلما وعدتنا القيادة الإسرائيلية.

    في الاختيار الوحشي بين تحرير الرهائن مقابل وقف الحرب (إذا كان مثل هذا العرض قائما بالفعل) وبين إنهاء القتال، حتى بثمن حياة اكثر من 100 إسرائيلي أحياء تحتجزهم حماس، فلا يوجد أي شك في أن مصلحة العموم تتغلب. قيادة مسؤولة ومتوازنة يجب عليها دوما أن تفكر بمصلحة عموم السكان. الحزن المفهوم والذي لا يطاق لعائلات المخطوفين ليس بوصلة جيدة لاتخاذ القرارات. رباطة الجأش والتفكر وأساسا أخذ مصالح إسرائيل للمدى البعيد في الحسبان، تملي استمرار القتال.

    التجربة الأميركية

    لكثير من المحافل في الساحة الدولية توجد مصلحة في وقف القتال أو تقليص مداه. الولايات المتحدة معنية بتحديد القتال وعدم السماح له أن ينزلق إلى حرب شاملة في الشرق الأوسط، وبالأساس الامتناع عن مواجهة مباشرة مع إيران. في سنة انتخابات تسعى الإدارة الأميركية للامتناع عن مواجهة عالمية واسعة، كفيلة أيضا بأن تشرك الصين وروسيا، رغم أنهما مشاركتان في النزاع منذ زمن بعيد. التجربة الأميركية المؤكدة وعديمة الجدوى هذه تعبر عن مصالحهم في السياسة الخارجية. ينبغي احترام مصالح صديقتنا الأكبر والأهم، لكن لا يجب تفضيلها على المصالح الأساسية والوجودية لمواطني إسرائيل. ليس لنا ترف الإتجار بالاحتياجات الأكثر أولية لكل مجتمع بشري بصفته هذه – وعلى رأسها ضمان الحياة نفسها.

    كما أن المطالبة من الداخل ومن الخارج لعرض رؤيا لـ "اليوم التالي" لا تبعث في مثل هذه الظروف اكثر من الهزء. كل محاولة لإعمار غزة أو منع القطاع من أن يصبح المرة تلو الأخرى مربض إطلاق للهجمات ضد إسرائيل تفترض بداية القضاء التام على حماس.

    من مثل الأميركيين يعرفون هذا. قبل أن يصمم الاميركيون اليابان كأمة محبة للسلام وودية في نهاية الحرب العالمية الثانية، اسقطوا عليها قنبلتين ذريتين، اوقعوا خرابا لا يقدر على عشرات المدن اليابانية وقتلوا حسب التقديرات نحو مليون مواطن ونحو مليوني جندي آخرين من أصل سكان بنحو 70 مليون نسمة. إذا ما حسبنا هذه النسبة مع حجم السكان في قطاع غزة سنحصل على نحو 90 ألف قتيل أكثر بثلاثة أضعاف حتى من التقارير (المبالغ فيها أغلب الظن) لحماس. الاستنتاج يجب أن يكون واضحا: لا صفقات مخطوفين، لا ضغط دولي ولا مخاداع "اليوم التالي" يمكنها أن تحل محل الحسم العسكري لحماس في ميدان المعركة. واجب الولاء الأساس للقيادة الإسرائيلية هو للمواطنين في إسرائيل. ولهذه القيادة ينبغي أن نقول بشكل واضح: وعدتم؟ أوفوا.

    ---------------------------------------------

     

    لا يمكن لـ"إسرائيل" أن تنتصر في غزة بعد الآن

     

     

     

     

     

    بقلم: شون رايمنت

     

    مجلة "The Spectator" البريطانية البريطانية تؤكد أنّ "إسرائيل" غير قادرة عن الانتصار في غزة، أو تحقيق هدفها المتمثّل بـ"إبادة حماس"، في حين يحاول "جيشها" تدمير غزة بدلاً من ذلك.

     

    أول مبدأ في الحروب وأهمها بالنسبة إلى قادة الحملات العسكرية عبر التاريخ، هو تحديد "الهدف" السياسي بوضوح أمام الجنرالات والجنود، حتى يعرف الجميع ما يسعون إلى تحقيقه.

    من سوء حظ "الجيش" الإسرائيلي، أنّه يفتقر إلى هذه البديهة في حربه على الفلسطينيين في غزة. فالهدف ليس واضحاً وكذلك إمكانية تحقيقه. وشعار القضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة يواجه استحالةً، وبتعبير أدقّ، إنّ رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، يمضي في تعنّته الخطير نحو تحقيق هزيمة من بين فكي أوهام النصر.

    عندما تحدّث الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى الإسرائيليين خلال زيارة قصيرة بعد 12 يوماً من هجمات الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر، قال إنّه و"العديد من الأميركيين" يفهمون "صدمة إسرائيل وألمها وغضبها". ثم أضاف محذّراً، "يجب تحقيق العدالة، لكنني أحذّر من هذا، بينما تشعرون بهذا الغضب، لا تستهلكوه، كما فعلنا حين كنا غاضبين في الولايات المتحدة بعد أحداث أيلول/سبتمبر الشهيرة حيث ارتكبنا أخطاء أيضاً".

    مع ذلك، يبدو أنّ تحذير بايدن تجاهله نتنياهو بالكامل، ووجّه "جيش" الاحتلال نحو تدمير غزة وقتل سكانها وجعلها مكاناً لا يصلح للعيش، ومن الصعب استخلاص أي استنتاج آخر. حتى الآن، استُشهد أكثر من 22,000 مدني وجرح ما يصل إلى 50,000، وفقاً لإعلان وزارة الصحة الفلسطينية في غزة. وقد نزح أكثر من مليوني شخص، وأصبح عشرات الآلاف بلا مأوى، ودُمّر العديد من المستشفيات والمدارس. ومما لا شك فيه أنّ مستوى التوحش الإسرائيلي الذي تعرّض له سكان غزة، سيعزّز التفاف الجمهور الفلسطيني حول المقاومة المتعاظمة في ميادين مواجهة "جيش" الاحتلال لا العكس، فيما يتمنى نتنياهو القضاء على حركة حماس.

    اعتقد الإسرائيليون أنّ "الجيش" الإسرائيلي سيضرب حركة حماس بقوة وبسرعة، وينقذ الأسرى ويزعم أنّ المهمة أُنجزت. قد يتساءلون متى ستنتهي الحرب أخيراً، حتى نتنياهو يبدو غير قادر على تحديد موعد لانتهاء الصراع.

    كذلك تدفع "إسرائيل" ثمناً باهظاً في عدوانها الإجرامي على غزة، إذ تعترف "تل أبيب" بمقتل ما يقرب من 700 من مجنّديها منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وهو رقم أكبر من عدد الجنود الإنكليز الذين قتلوا خلال 8 سنوات من الحرب على العراق. كذلك، تُقدَّر التكلفة المالية للعدوان الإسرائيلي بنحو 50 مليار دولار.

    التاريخ مليء بأمثلة على الحروب التي خسرت فيها القوة المهيمنة واضطرت إلى الانسحاب من الحرب في حالة يرثى لها، كما في الحرب المدعومة من حلف شمال الأطلسي في أفغانستان خلال العقدين الماضيين، حين لم يتمكن أكبر تحالف عسكري في التاريخ من تحقيق نصر واضح، وكذلك كانت النتائج في الحرب الكارثية على العراق.

    يواجه الاحتلال الإسرائيلي الآن خطراً حقيقياً يتمثّل في خسارة عدوانه العسكري على غزة، ولم يصل إلى الحد الأدنى من تحقيق أي من أهداف حربه. كل ما فعلته "تل أبيب" حتى اللحظة هو التدمير وقتل الأبرياء، بدلاً من السعي للأمن الاستراتيجي.

    هذه ليست وجهة نظر من الخارج فحسب، بل وجهة نظر إيهود باراك، رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي السابق، وكان أيضاً قائداً لنتنياهو عندما خدما معاً في قوات الاحتلال الخاصة.

    في مقال لاذع في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، رأى باراك أنّه بدلاً من أن تكون حماس تهديداً وجودياً لـ"إسرائيل"، تشكّل قيادة نتنياهو الخطر الأكبر على كيان الاحتلال، ويرجع هذا أساساً إلى رفضه التام لحل الدولتين لأزمة الصراع.

     كذلك، دعا باراك إلى إجراء انتخابات مبكرة وقال صراحة، إنّه على الرغم من جهود الجنود، وبعد 15 أسبوعاً من القتال، إنّ حماس لم تهزم وعودة الأسرى صارت غامضة، وكتب: "لا يمكن للجيش الإسرائيلي تحسين احتمال الفوز عندما لا يكون هناك هدف سياسي محدد. وفي غياب هدف واقعي، سينتهي بنا المطاف إلى الغرق في مستنقع غزة، والقتال في وقت واحد في لبنان والضفة الغربية، ما يؤدي إلى تأكّل الدعم الأميركي وتعريض "اتفاقيات أبراهام" للخطر، وهذا النوع من السلوك يجرّ أمن إسرائيل إلى الهاوية".

    لا شك في أنّ الحرب هي أكثر المساعي البشرية التي لا يمكن التنبؤ بها والأكثر خطورة، وهذا هو السبب في أنّ معظم القادة العسكريين العقلاء يميلون إلى تجنّبها بأي ثمن، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنّه بمجرد بدء الحروب يكون من الصعب جداً إنهاؤها.

    تتصاعد الحرب على الفلسطينيين في غزة وفي الضفة الغربية، وتهدّد بالتوسع إلى حريق يشمل كل الأقاليم، وهذا احتمال حقيقي للغاية من زيادة الهجمات من اليمن والعراق ولبنان.

    منظّر الحرب البروسي كارل فون كلاوزفيتس، يقول: "كل شيء في الحرب بسيط للغاية. لكن أبسط الأشياء قد تكون أصعبها". هذه الكلمات يمكن أن تطارد بسهولة قادة الاحتلال الإسرائيلي الذين يعتقدون أنّ تدمير المقاومة الفلسطينية المستحيل هو الطريق إلى النصر.

    ---------------------------------------------

     

    في تحد لرئيس الوزراء نتنياهو، آيزنكوت يقول إن الحديث عن “الهزيمة المطلقة” لحماس مجرد أوهام

     

     

    قال الوزير في مجلس الحرب إن هناك حاجة لإجراء انتخابات جديدة لاستعادة ثقة الجمهور، ويحذر من أن عملية مثل عنتيبي لإنقاذ الرهائن "لن تحدث" في غزة، والطريقة الوحيدة لإعادتهم هي من خلال صفقة

    بدا أن وزير مجلس الحرب غادي آيزنكوت ينتقد إدارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للحرب المستمرة مع حماس في غزة، مشيرا إلى أن الحديث عن النصر الكامل على الحركة غير واقعي، وإلى أنه يجب إجراء انتخابات جديدة في غضون أشهر لاستعادة ثقة الجمهور في الحكومة في أعقاب هجمات 7 أكتوبر المدمرة.

    وأجرى رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق آيزنكوت مقابلة واسعة النطاق مع برنامج “عوفدا” على القناة 12، والتي تضمنت أيضا محادثة حول الخسائر الشخصية التي سببتها الحرب له ولعائلته. وقد قتل نجل آيزنكوت، الرقيب (احتياط) غال مئير آيزنكوت (25 عاما) أثناء القتال في غزة في أوائل ديسمبر، وقُتل بعده ابن أخيه الرقيب ماؤور كوهين آيزنكوت (19 عاما) بعد يوم واحد.

    تم بث المقابلة مع آيزنكوت بعد ساعات من رفض نتنياهو فكرة إجراء انتخابات في خضم الحرب، التي قال إنها قد تستمر حتى عام 2025، وتعهده بـ”تحقيق النصر الكامل” على حماس ردا على هجمات الحركة الحاكمة لغزة في السابع من أكتوبر، عندما هاجم آلاف المسلحين جنوب إسرائيل، مما أدى إلى مقتل 1200 شخص، واحتجاز حوالي 240 كرهائن.

    وقال آيزنكوت في المقابلة: “من يتحدث عن الهزيمة المطلقة لا يقول الحقيقة. لهذا السبب لا ينبغي لنا أن نروي القصص… اليوم، الوضع الفعلي في قطاع غزة هو أن أهداف الحرب لم تتحقق بعد”.

    وتعهدت إسرائيل بتدمير قدرات حماس العسكرية والحكمية في غزة وإزالة تهديد الحركة للإسرائيليين، لكنها تعرضت لانتقادات لعدم وجود خطة لغزة بعد الحرب مع ارتفاع عدد القتلى في القطاع الفلسطيني. كما وعدت إسرائيل بتأمين عودة الرهائن.

    ووافق حزب آيزنكوت “الوحدة الوطنية” على الانضمام إلى ائتلاف نتنياهو في حكومة طوارئ لإظهار للوحدة السياسية بعد هجوم السابع من أكتوبر.

    وردا على سؤال عما إذا كانت القيادة الإسرائيلية الحالية تقول للجمهور الحقيقة، قال آيزنكوت ببساطة “لا”، وبدا وكأنه ينتقد رفض نتنياهو حتى الآن تحمل المسؤولية المباشرة عن الإخفاقات الاستخباراتية والعسكرية والقيادية في 7 أكتوبر.

    وقال: “أنا في مرحلة وفي عمر لا أثق فيه بهذا الزعيم أو ذاك بأعين مغمضة، وأحكم على الرجل بناء على قراراته والطريقة التي يقود بها البلاد”.

    وأضاف أن الإخفاقات المزعومة في التسلسل القيادي “لا تعفيه من المسؤولية”، في إشارة على ما يبدو إلى ادعاءات نتنياهو السابقة بأن قادة الأمن لم يحذروه من هجوم وشيك لحماس، وأن جميع قادة الأمن أكدوا له باستمرار على أنه تم ردع الحركة الفلسطينية.

    وبدا أيضا أنه ينتقد رفض نتنياهو إجراء مناقشات رفيعة المستوى بشأن التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب في غزة.

    وقال لبرنامج “عوفدا” أنه “عليك أن تظهر القيادة في القدرة على قول الحقيقة للناس، والقدرة على رسم المسار”.

    وقال أن “أهداف الحرب لم تتحقق بعد، لكن [عدد الجنود على الأرض] أصبح الآن محدوداً أكثر… عليك أن تفكر في الخطوة التالية”.

    وقال آيزنكوت أيضا إنه يجب إجراء الانتخابات في الأشهر المقبلة لتجديد ثقة الجمهور في القيادة.

    “من الضروري، في غضون أشهر، إعادة الناخب الإسرائيلي إلى صناديق الاقتراع وإجراء انتخابات من أجل تجديد الثقة، لأنه لا توجد ثقة في الوقت الحالي”.

    وتابع: “كدولة ديمقراطية، تحتاج دولة إسرائيل إلى أن تسأل نفسها بعد مثل هذا الحدث الخطير: كيف يمكننا الاستمرار من هنا مع قيادة خذلتنا بشكل بائس؟”.

    وبعد الضغط عليه للرد على ادعاء نتنياهو بأن الانتخابات في منتصف الحرب ستضر بالوحدة العامة، قال آيزنكوت “إن انعدام ثقة الجمهور الإسرائيلي في حكومته ليس أقل خطورة”.

    وقال آيزنكوت، الذي عادة ما يكون مقتضبا، في المقابلة الصريحة إنه وزعيم حزب “الوحدة الوطنية” بيني غانتس، وهو أيضا رئيس أركان سابق للجيش الإسرائيلي، منعوا إسرائيل من شن هجوم استباقي على منظمة حزب الله المدعومة من إيران في لبنان في الأيام التي تلت هجمات 7 أكتوبر القاتلة.

    وأضاف أنه في 11 أكتوبر، كانت إسرائيل على وشك ضرب حزب الله، لكنه تمكن مع غانتس من إقناع المسؤولين في مجلس الحرب بالتأجيل.

    وقال: “أعتقد أن وجودنا هناك منع إسرائيل من ارتكاب خطأ استراتيجي فادح. لو – بحسب المنشورات – تم اتخاذ قرار بمهاجمة لبنان، لكنا قد حققنا رؤية [زعيم حماس في غزة يحيى] السنوار الاستراتيجية لإشعال حرب إقليمية فورية”.

    “كنا سنجلب على الفور المحور بأكمله في سوريا والعراق وإيران مع حماس، التي سببت لنا أكبر ضرر منذ إنشاء الدولة، لتصبح ساحة ثانوية”.

    وتشهد الحدود الإسرائيلية اللبنانية قتالا يوميا لكنها لم تصل إلى حد حرب شاملة.

    وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي هذا الأسبوع إن “احتمال حدوث ذلك في الأشهر المقبلة أعلى بكثير مما كان عليه في الماضي”.

     

    “البديل هو الجحيم”

     

    ردا على سؤال حول وفاة ابنه الأصغر غال الشهر الماضي، قال آيزنكوت: “أصبحت الأيام والليالي أكثر صعوبة، ولكن بالنسبة لي على الأقل، لا يوجد بديل لأنني أعلم أن البديل سيء على المستوى الشخصي، وسيء كعائلة، وبالتالي، فهو شيء يجب أن أذكر نفسي به كل يوم. أشعر أنه يجب علي [الاستمرار]. البديل هو الجحيم”.

    وقُتل غال آيزنكوت في انفجار قنبلة داخل فتحة نفق بالقرب من جنود في مخيم جباليا شمال غزة في 7 ديسمبر 2023. وتم نقله في حالة خطيرة إلى مستشفى في إسرائيل، حيث توفي متأثرا بجراحه.

    وقال آيزنكوت أنه علم أن غال، وهو عضو في الكتيبة 699 في اللواء 551، وطاقمه “كانوا في مهمة للاستيلاء على المباني، مما سيمكنهم من الوصول إلى قيادة [حماس]، حيث سيكون هناك رهائن وجثث [رهائن]”.

    ويعتقد أن 132 رهينة اختطفتهم حماس في 7 أكتوبر ما زالوا في غزة – وليسوا جميعهم على قيد الحياة – بعد إطلاق سراح 105 مدنيين من أسر حماس خلال هدنة استمرت أسبوعا في أواخر نوفمبر. وتم إطلاق سراح أربعة رهائن قبل ذلك، وأنقذت القوات إحدى الرهائن. كما تم استعادة جثث ثماني رهائن وقتل الجيش ثلاث رهائن عن طريق الخطأ في الشهر الماضي.

    وأكد الجيش الإسرائيلي مقتل 27 رهينة من الذين ما زالوا محتجزين لدى حماس، بالاستناد على معلومات استخباراتية جديدة ونتائج حصلت عليها القوات العاملة في غزة. كما تم إدراج شخص آخر في عداد المفقودين منذ 7 أكتوبر، ولا يزال مصيره مجهولاً.

    وفيما يتعلق بالرهائن المتبقين، قال آيزنكوت لبرنامج “عوفدا” إنه لن تكون هناك عملية مثل عملية عنتيبي لإنقاذهم.

    وقال إن عملية إنقاذ جريئة مثل العملية التي نفذتها فرقة كوماندوز إسرائيلية عام 1976 وأنقذت 98 رهينة من مسلحين فلسطينيين وألمان في عنتيبي بأوغندا “لن تحدث”.

    وفي 27 يونيو 1976، اختطف المسلحون طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الفرنسية كانت في طريقها من تل أبيب إلى باريس، وحولوا مسارها إلى مطار عنتيبي في أوغندا، حيث استقبل الخاطفين الدكتاتور عيدي أمين. وأودت المهمة الأسطورية بحياة أربعة رهائن وحياة يوني (يوناتان) نتنياهو، الأخ الأكبر لنتنياهو، الذي قاد فرقة الإنقاذ.

    وقال آيزنكوت إن الرهائن الذين احتجزتهم حماس في 7 أكتوبر منتشرون، تحت الأرض بشكل رئيسي، بطريقة تجعل “احتمال [إنقاذهم] بعد أوري مجيديش منخفضا للغاية”.

    وتم انقاذ الجندية أوري مجيديش في أواخر أكتوبر من قبل الجيش الإسرائيلي والشاباك، بعد أيام من إطلاق إسرائيل عمليتها البرية في غزة. وهي لا تزال الرهينة الوحيدة من بين 132 المختطفين المتبقين التي تم إنقاذها من خلال عملية عسكرية.

    وقال آيزنكوت إن القوات “لا تزال تبذل كل جهد وتبحث عن كل فرصة [لإنقاذ الرهائن] ولكن الاحتمال منخفض، والقول بأن [هذا سيحدث] هو وهم”.

    وأضاف: “يجب أن نقول، بشجاعة، إنه من غير الممكن إعادة الرهائن أحياء، على المدى القريب، دون صفقة”، منتقدا “أي شخص يحاول بيع الأوهام للجمهور”.

    وقال آيزنكوت إن وقف القتال في غزة “لفترة معينة” سيكون مطلوبا على الأرجح كجزء من أي اتفاق محتمل، وأشار إلى الهدنة التي استمرت أسبوعا وتمت بوساطة قطرية في أواخر نوفمبر.

    وأضاف أن فترة التوقف التالية ستكون على الأرجح أطول “بثلاث أو أربع أضعاف، لكن بعد ذلك ستظل أهداف الحرب سارية”.

    ---------------------------------------------

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

    بوريل: علينا البحث عن خطط ملموسة لحل الدولتين

     

    قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الاثنين، إن الوضع الإنساني في غزة لا يمكن أن يكون أسوأ من ذلك، مؤكدا في الوقت ذاته أن "الطريقة التي تتبعها إسرائيل لتدمير حماس خاطئة".

    وأكد قبيل انطلاق اجتماع المجلس الوزاري للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية في بروكسل، أنه "يتعين علينا البدء في الحديث عن خطط ملموسة لحل الدولتين"، موضحا أن حل الدولتين سيكون صلب المباحثات وليس فقط وقف إطلاق النار.

    وشدد على حل الدولتين مؤكدا أن إسرائيل لا يمكنها بناء السلام "بالوسائل العسكرية وحدها"،

    وقال بوريل للصحافيين "ما هي الحلول الأخرى التي يفكّرون بها؟ دفع جميع الفلسطينيين للمغادرة؟ قتلهم؟".

    ومن المقرر أن يشارك وزراء خارجية عرب بينهم نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، الاثنين، في محادثات بشأن الحرب على قطاع غزة على هامش اجتماع المجلس الوزاري للاتحاد الأوروبي.

    بوريل، دعا للاجتماع وزراء خارجية دول عربية ووزير الخارجية الإسرائيلي ورئيس جامعة الدول العربية إلى بروكسل، حيث من المقرر أن يناقش الاجتماع التطورات في المنطقة بشكل أوسع، والوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة، والحاجة إلى منع امتداد الحرب إلى المنطقة وسبل المضي قدمًا.

    وأكد بيان نشره موقع خدمة السياسة الخارجية الأوروبية واطلعت عليه "المملكة"، أن بوريل دعا للمحادثات، كلا من نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، وزير الخارجية السعودي فيصل بن عبد العزيز. فرحان آل سعود، ووزير الخارجية المصري سامح شكري، ووزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، إضافة إلى وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس.

    ومن المقرر أن تناقش الاجتماعات الوضع الإنساني في قطاع غزة والحاجة إلى مساعدة إنسانية بدون معوقات، تجديد الدعوة لإطلاق سراح المحتجزين والتنفيذ الكامل لقرارات الأمم المتحدة، الوضع في الضفة الغربية المحتلة ومخاطر التصعيد الإقليمي، بما في ذلك في البحر الأحمر.

    وسيناقش الوزراء أيضا ما أسموه "اليوم التالي للحرب"، حيث يتضمن خطة السلام المحتملة ومؤتمر السلام والحاجة إلى اتخاذ خطوات ملموسة لإحياء حل الدولتين، بما في ذلك من خلال الدعم المستمر للسلطة الفلسطينية.

    وقال الصفدي سابقا، إن الأردن يرفض الحديث عن اليوم التالي لغزة، قبل وقف العدوان على غزة، وخارج سياق خطة شمولية لتلبية حقوق الشعب الفلسطيني كاملة.

    وقدم بوريل خلال كانون الأول الماضي مجموعة مقترحات لتوجيه عمل الاتحاد الأوروبي؛ منها عدم التهجير القسري للسكان المدنيين في غزة، ولا احتلال إسرائيل للقطاع، إضافة إلى استمرار العمل ضد حماس، بما في ذلك من خلال الإجراءات التقييدية، العمل على فرض إجراءات تقييدية ضد المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية المحتلة، أسوة بالولايات المتحدة، والاستخدام الفعال لمهمات سياسة الأمن والدفاع المشتركة للاتحاد الأوروبي على الأرض.

    في حصيلة غير نهائية، ارتفع عدد الشهداء منذ بدء العدوان على قطاع غزة في السابع من شهر تشرين الأول الماضي إلى قرابة 25105 شهداء، و62681 مصابا، غالبيتهم من النساء والأطفال، وآلاف الضحايا ما زالوا تحت الركام وفي الطرقات ولا يمكن الوصول إليهم.

    ------------------انتهت النشرة----------------


    http://www.alhourriah.ps/article/87381