• قوات الجبهة الديمقراطية تضرب «عيون دولة إسرائيل»
    2024-01-18
    أسامة خليفة / باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»

     

    في الصباح الباكر من يوم الاثنين 3/7/1991، نجحت خلية سرية من أبطال القوات المسلحة الثورية التابعة للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين باقتحام مرصد المراقبة الاسرائيلي على جبل الشيخ.

     

    المراصد المسماة إسرائيلياً «عيون الدولة» ذات التكنولوجيا المتطورة، وذات الأهمية الاستراتيجية في الحرب الإلكترونية المعتمدة على أجهزة ومعدات متطورة تقوم بجمع معلومات الإنذار المبكر، والمعلومات الاستخباراتية في توقيتها الفعلي، تدرك المقاومة الفلسطينية واللبنانية أهمية استهدافها، لتعمية هذه العيون عن تحركات ومواقع المقاومين وإطلاق صواريخهم ومسيراتهم.

     

    ومنذ عملية طوفان الأقصى، وتحديداً في 8/10 عندما بدأت عمليات المقاومة الإسلامية اللبنانية ضد المواقع الإسرائيلية، استهدفت قذائف وصواريخ مقاتلي حزب الله العديد من أبراج ونقاط المراقبة الإسرائيلية على الحدود، وفي رد أولي على اغتيال الشيخ المجاهد صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الضاحية الجنوبية في العاصمة اللبنانية بيروت والتي اعتبرت خروجاً عن قواعد الاشتباك، وتجاوزاً في الحرب المقيدة، ومحاولة لإخلال في معادلة الردع الاستراتيجي، قصف حزب الله بـ«62» صاروخاً قاعدة ميرون للمراقبة الجوية التي تنظم العمليات الجوية الإسرائيلية في اتجاه سوريا ولبنان وفي المنطقة عموماً، وأوقع فيها إصابات مباشرة ‏ومؤكدة، تقع قاعدة ميرون للمراقبة الجوية في العمق المحتل داخل فلسطين على قمة جبل الجرمق، وهي أعلى قمة جبل في فلسطين، وتُعتبر مركزاً للإدارة ‏والمراقبة والتحكم الجوي وواحدة من القواعد الرئيسية والأساسية والأهم في الشمال، مزودة بأحدث التقنيات لتحديد وتتبع المسيرات والصواريخ التي تطلق باتجاه أهداف اسرائيلية، حيث يتمّ توجيه صواريخ الاعتراض الجوي بناءً على المعلومات التي تقدّمها هذه القاعدة، من جهتها وسائل إعلام إسرائيلية أوردت أن مسيّرات وصواريخ أُطلقت من لبنان استهدفت موقعاً استخباراتياً للجيش الإسرائيلي في ميرون بالجليل الأعلى وقد سُمح لصحيفة «يديعوت أحرونوت» النشر: بأن حزب الله نجح في إلحاق أضرار بقاعدة المراقبة الجوية التابعة لسلاح الجو في ميرون بوابل صواريخ غير معتاد أمس السبت 6/1 واستطاعت أن تخترق كل وسائط الدفع  وتصل إلى أهدافها.

     

     في ليلة الثاني – الثالث من تموز 1991 استطاعت القوات المسلحة الثورية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين إضافة صفحة جديدة في سجلها الحافل بالعمليات العسكرية الناجحة، تأكيداً منها على مواصلة وفائها للعهد الذي قطعته على نفسها بالثأر لدماء الشهداء وتأكيداً على وجهة البندقية الفلسطينية وإبرازاً لإسهامها إلى جانب المقاومة الوطنية والإسلامية اللبنانية في مقاتلة العدو الصهيوني على أرض الجنوب والبقاع الغربي.

     

    فقد قامت دورية من أبطال القوات المسلحة الثورية بشن هجوم على موقع عسكري ونقطة رصد إسرائيلية جنوبي شبعا في القطاع الشرقي من الشريط الحدودي المحتل، وتمكنت المجموعة من اقتحام الموقع الإسرائيلي مستخدمةً أسلحتها الرشاشة والصاروخية والقنابل اليدوية، والتحمت مع العدو وقتلت اثنين وجرحت ثلاثة من أفراده.

     

    وأضاف البيان بأن المجموعة وتحت حماية نيران عناصر التغطية تمكنت من الانسحاب والعودة بسلام إلى قواعد انطلاقها في الشريط الحدودي المحتل.

     

    وبالرغم من أن العدو الصهيوني وكعادته إخفاء الأرقام الحقيقية لخسائره إلا أن الإرباك والذهول اللذين أصاباه جراء هذه العملية البطولية، واللذين عكستهما وسائل إعلامه المختلفة، كشفا حجم تأثير العملية عليه وعلى معنويات قواته، وكان مصدر عسكري إسرائيلي قد قال بأن العملية أسفرت عن مقتل الرقيب الاحتياط ايهود بن مردخاي «26» عاماً، بينما اعترفت صحف إسرائيلية يوم 5/7  بمصرع عسكري إسرائيلي برتبة ملازم إثر تعرض موقع إسرائيلي للقصف بصواريخ لاو فجر يوم 3/7، أما وزير الحرب الإسرائيلي حينها موشي أرينز فقد قال في حديث لإذاعة الجيش الاسرائيلي بعد ظهر يوم الأربعاء الثالث من تموز بأن جندياً إسرائيلياً قد قتل في هذه العملية.

     

    أبرزت الصحف الإسرائيلية العملية في عناوينها الرئيسة، وأفردت لتغطية انعكاسها على قادة الجيش الإسرائيلي مساحات واسعة، صحيفة «يديعوت أحرونوت» الصادرة يوم 4/7 وتحت عنوان ذهول في الجيش الإسرائيلي في أعقاب الهجوم، ذكرت بأنه ولأول مرة منذ العام 1973 (المقصود حرب تشرين التحريرية عندما استولى أبطال الجيش السوري على مرصد جبل الشيخ) يقتل جندي إسرائيلي جراء هجوم مسلح في منطقة عسكرية حظيت بلقب «عيون الدولة»، وأضافت الصحيفة بأن الهجوم المسلح على الموقع الإسرائيلي أصاب القيادة العسكرية بالذهول، حيث قال عدد من الجنرالات – والكلام للصحيفة- بأن هذا لا يمكن أن يحدث خاصة في أكثر المواقع أمناً، وأن هذه العملية  أصابت قائد الأركان في بؤبؤ عينه، واضطر للاعتراف للصحيفة نفسها بأن «للمخربين» أيضاً عمليات ناجحة.

     

    وتحت عنوان آخر علقت الصحيفة قائلة: بأن هذه العملية ليست مجرد عملية على شاكلة العمليات الأخرى، بل هذه العملية تعتبر من ضمن العمليات النوعية الموجهة ضد أهداف عسكرية تعتبر «رمزاً» لدى الجيش الإسرائيلي ومعروف لدى قيادة قوات الجبهة الديمقراطية أن هذا الموقع المحصن يشتمل على تجهيزات الكترونية متطورة لمراقبة كل المنطقة الشمالية والشمالية الشرقية.

     

    صحيفة «معاريف» الصادرة يوم 4/7 وصفت العملية بأنها جريئة بشكل خاص عندما قامت مجموعة من «المخربين» باختراق الحدود والوصول إلى الموقع، وقتل جندي، وجرح آخر، وإطلاق صاروخين من طراز لاو من مسافة قصيرة على الموقع، وإطلاق النيران الأوتوماتيكية من أسلحتهم الشخصية، وإلقاء القنابل والانسحاب من ساحة المعركة بسلام.

     

    وذكرت الصحيفة أن القائد العام للقوات الإسرائيلية «أيهود باراك» وقائد المنطقة الشمالية «يتسحاق مردخاي» وصلا إلى الموقع العسكري للوقوف على ما جرى، والاستفسار عن كيفية اختراق الموقع في منطقة في غاية الحساسية.

     

    وهذا ما كرره أيضاً صحيفة «حداشوت» الصادرة يوم 4/7 في مقال نشرته تحت عنوان سمعنا انفجاراً فاهتز جبل الشيخ بكامله.

     

    أما صحيفة هآرتس الصادرة يوم 4/7 فقد أبرزت العملية في عنوانها الرئيسي، بالإضافة لما ذكرته الصحف المذكورة أعلاه، أبرزت الصحيفة قولاً نسبته لمصدر أمني رفيع المستوى، جاء فيه: بأن الجيش الإسرائيلي سيرد على تصعيد العمليات العسكرية ضد الأهداف الإسرائيلية على الحدود الشمالية، وأن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تصاعد عمليات التخريب، وأمام السياسة الجديدة التي ينتهجها «المخربون» والتي تحاول الوصول إلى حدود «إسرائيل» وتنفيذ العمليات، وأنه ما من شك في الرد الإسرائيلي من أجل إزالة هذا الخطر الجديد.

     

    ومن تفاعلات العملية البطولية ما ذكره مراسل صحيفة «معاريف» عندما أكد بأن الجنود والضباط الإسرائيليين الذين تواجدوا في الموقع العسكري سيقدمون للمحاكمة بسبب الخلل في تصرفاتهم خلال وقوع العملية، فقد علم مراسل الصحيفة أنه في أعقاب تحقيق أجراه قائد المنطقة الشمالية ستتخذ إجراءات تتضمن نقل بعض ضباط الموقع إلى مواقع أخرى، أو تقديمهم إلى المحكمة التأديبية، فقد كان من المفروض أن تنتهي العملية بشكل مختلف رغم عنصر المفاجأة، ورغم تمكن أعضاء المجموعة من الوصول إلى الموقع، حيث أفادت التحقيقات بأن الجنديين أطلقا النار بشكل غير مجدٍ، ولم يتخذا الإجراءات المطلوبة، مما يشير إلى الارتباك الذي أحدثته العملية الفدائية البطولية لدى أفراد وضباط الموقع الإسرائيلي.

     

    وقد صرح أبو ميزر قائد المجموعة لمراسل مجلة الحرية أن مجموعته قد انطلقت نحو الهدف الإسرائيلي من أحد مواقعنا في لبنان ، وبعد الاستطلاع الأولي الذي كان قد تم قبل فترة وجيزة من تنفيذ العملية، حيث أمضينا فترة لا بأس بها في مراقبة واستطلاع الهدف بشكل دقيق، تم التسلل باتجاه الموقع في التاسعة ليلاً ووصلنا إلى نقطة الحراسة الخاصة بالموقع في حوالي الساعة الثانية فجراً، فوراً قمنا بإطلاق النار على جندي الحراسة بكاتم الصوت، مما أدى إلى مقتله، وتعاملنا مع ضابط كان متجهاً إلى نقطة الحراسة بواسطة قنبلة يدوية، ثم قمنا بإطلاق قذائف اللاو والقنابل اليدوية على الموقع من الداخل مما أدى إلى تدمير جزء منه وتدمير أجهزته الالكترونية، وإصابة عدد من أفراد العدو.  وقد انتهزنا حالة الذعر التي سادت صفوف العدو للانسحاب الذي تم تحت تغطية بإطلاق النار من مجموعة الحماية، ورغم القصف المدفعي ومحاولات الحوامات الإسرائيلية بالتحليق بحثاً عنا وصلنا إلى مواقعنا بسلام دون أي إصابة، تقديرنا لخسائر العدو هو مقتل ثلاثة إسرائيليين وجرح أكثر من ستة، وقال خالد أحد أبطال المجموعة أن الهدف من العملية التي يعمل بها عدد من الخبراء والعلماء من الاستخبارات الإسرائيلية هو تدمير هذا الموقع وإثبات قدرة مقاتلينا على تجاوز كل العقبات التي يصنعها العدو وضربه في عق أكثر المناطق حساسية، وأكدنا من خلال العملية أننا مصممون على تكريس الكفاح المسلح، ودعماً للانتفاضة الشعبية الباسلة، وأضاف أبو غسان أحد أبطال المجموعة أنها جزر من واجبنا في العمل إلى جانب المقاومة الوطنية اللبنانية في السعي لتحرير الشريط الحدودي المحتل، وتأتي في مرحلة دقيقة يحاول فيها العدو الإسرائيلي ومن خلفه الولايات المتحدة التحريض على ضرب الوجود الفلسطيني المقاوم.

     

    المرجع: مجلة الحرية العدد «415/ 1490»، 14-20 تموز 1991، المقال بعنوان: قوات الجبهة الديمقراطية تضرب «عيون دولة اسرائيل»!.

     

     

     


    http://www.alhourriah.ps/article/87238