"بوليتيكو": كيف ستواجه "إسرائيل" اتهامات الإبادة الجماعية في لاهاي
2024-01-08
كتب جيمي ديتمر، مقالاً في صحيفة "بوليتيكو" تناول فيه القضية المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، من قبل جنوب أفريقيا ضد "إسرائيل"، والتي تتهم الاحتلال بارتكابه جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، ويشير إلى المسار القضائي وكيف يحاول نتنياهو السيطرة على الوزراء في حكومته ودفعهم لعدم التصريح بشكل تعتبره المحكمة دليلاً للإدانة.
فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
أوعز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى اليمين المتطرف والقوميين المتدينين في حكومته الائتلافية بـ "توخي الحذر في كلماتهم عند الحديث عن الأهداف المرجوة من الحرب على الفلسطينيين، كل كلمة لها معنى عندما يتعلق الأمر بالدبلوماسية"، محذراً من أن التحدث بدوره يضر بصورة تل أبيب الدولية.
وجاء نداء نتنياهو بتوخي الحذر بسبب سلسلة من التصريحات العلنية المثيرة للجدل التي أدلى بها المتشددون في حكومته، عن "ضم قطاع غزة وطرد الفلسطينيين من القطاع".
وهذه التعليقات غير الحكيمة والغريبة ستتشكل أدلة دامغة على "إسرائيل"، خاصة الآن وهي تتحضر للدفاع عن نفسها أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، التي حددت جلسة استماع الأسبوع المقبل بشأن اتهامات الإبادة الجماعية التي وجهتها جنوب أفريقيا ضد "إسرائيل".
وكان وزير الزراعة آفي ديختر يستمتع بتصريحاته عن أن هذه الحرب هي "نكبة غزة"، المصطلح العربي الذي استخدم للإشارة إلى طرد الاحتلال الإسرائيلي ما يقدر بنحو 700 ألف فلسطيني في عام 1948.
وبالمثل، أعلن الوزير جدعون ساعر أن غزة "يجب أن تكون أصغر في نهاية الحرب"، وأن "كل من يبدأ حرباً ضد إسرائيل يجب أن يخسر الأراضي". وأثار وزير التراث عميحاي إلياهو غضباً دولياً عندما فكر علناً فيما إذا كان "ينبغي على إسرائيل إسقاط قنبلة نووية على غزة"، وهي فكرة أصر لاحقاً على أنها "مجازية".
وبطبيعة الحال، تسبب كل هذا الكلام في إثارة الذعر بين حلفاء "إسرائيل" الغربيين، الذين يشعرون بالفعل بعدم الارتياح بشأن مسار الحرب وارتفاع عدد القتلى المدنيين. وجعلت من الصعب للغاية درء مطالب واشنطن ولندن وباريس لتخفيف محنة المدنيين في غزة والحفاظ على دعمهم للحملة العسكرية لـ "سحق" المقاومة.
كما أن التصريحات هذه وفرت صورة حقيقية عن جرائم دولة الاحتلال الإسرائيلي أمام المتظاهرين والمؤيدين لحقوق الفلسطينيين.
علاوة على ذلك، تسعى بريتوريا، عاصمة جنوب أفريقيا، الآن إلى استصدار أمر مؤقت عاجل من محكمة العدل الدولية، يعلن أن "إسرائيل" تنتهك اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948. تعرف محكمة العدل الدولية أحياناً باسم المحكمة العالمية، وهي المكان القضائي للأمم المتحدة لحل النزاعات بين الدول.
ومما لا شك فيه أن الإجراءات الكاملة التي أثارتها شكوى جنوب أفريقيا ستستمر لسنوات، ومن المحتمل أن تستمر لفترة طويلة بعد انتهاء الحرب على غزة. لكن المسؤولين الإسرائيليين يخشون من أن محكمة العدل الدولية قد تصدر أمراً قضائياً مؤقتاً، وهم يبذلون قصارى جهدهم لضمان عدم القيام بذلك.
من شأن صدور حكم من محكمة العدل الدولية ضد تل أبيب، وإن كان مؤقتاً، أن يمنح المدعيين انتصاراً كبيراً، ويضع حكومة نتنياهو في موقف محرج، حيث لا تستطيع تجاهل أمر قضائي من شأنه أن يسبب لتل أبيب صعوبات كبيرة مع حلفائها الغربيين، الذين يعانون بالفعل من اضطرابات وتحديات سياسية داخلية خاصة بهم للتعامل معها. كما أن تل أبيب تخاطر بتآكل الدعم الغربي لهدف الحرب الرئيسي المتمثل بعدم حدوث هجوم مثل "طوفان الأقصى" مرة أخرى، على الأقل في المستقبل المنظور.
ومن المرجح أن يؤدي تجنب الأمر القضائي إلى تعكير صفو السياسة الداخلية الإسرائيلية المحمومة بالفعل أيضاً، والمخاطرة بتحطيم الوحدة الشاملة التي تغذي الوحدة الداخلية خلف الحرب.
مع ذلك، فإن إطاعة الأمر القضائي والدعوة إلى وقف الحملة العسكرية من شأنه أن يخاطر بقلب السياسة الإسرائيلية رأساً على عقب أيضاً، مما قد يؤدي إلى انهيار ائتلاف نتنياهو الحاكم الأهوج.
ويتوق العديد من شركاء نتنياهو في الحكم من اليمين الديني بالفعل إلى حرب أوسع ضد "حزب الله" في لبنان والمقاومة في الضفة الغربية. وبالفعل اندلعت بين ممثلي ائتلاف نتنياهو، بسبب تراجعه عن تعهداته السابقة بمنع قطرة وقود من دخول قطاع غزة، حيث قال المتطرف إيتمار بن غفير، الوزير المشرف على الشرطة الإسرائيلية، "طالما أن رهائننا لا يحصلون حتى على زيارة من الصليب الأحمر، فلا معنى لإعطاء العدو هدايا إنسانية".
ولا يثير الدهشة أن "إسرائيل" تخطط الآن لرفع قضية قوية أمام محكمة العدل الدولية ضد مزاعم الإبادة الجماعية في جنوب أفريقيا، والتي وصفها المتحدث باسمها إيلون ليفي بأنها "تشهير دموي".
ولإعداد قضيتها، تقوم تل أبيب بتجميع فريق من كبار المحامين من (وزارتي العدل والخارجية ومجلس الأمن القومي والجيش الإسرائيلي). كما أن البحث جار عن حقوقيين دوليين بارزين للمساعدة، ويتم ذكر اسم المحامي الأميركي المثير للجدل آلان ديرشوفيتزك "كمدافع" محتمل.
وفي الوقت نفسه، تتواصل الحكومة الإسرائيلية مع الحكومات الغربية للحصول على بيانات دعم. ومن المرجح أن يطلب من أوكرانيا، التي رفعت قضية الإبادة الجماعية ضد روسيا، تقديم أدلة رسمية ضد موسكو لإبعاد الأنظار عن قضية الجرائم الإسرائيلية.
كجزء من الدفاع، من شبه المؤكد أن المدافعين عن "إسرائيل" سوف يعيدون تدوير الاتهامات لحركة "حماس" بارتكاب الفظائع مع أنه ثبت زيفها. وسوف يجادلون بأن لـ "إسرائيل" الحق في "الدفاع عن نفسها"، وأن القيام بذلك دون التسبب في سقوط ضحايا مدنيين أمر "مستحيل".
خلال مؤتمر صحفي عبر الإنترنت هذا الأسبوع، حاول ليفي أن يظهر خطوات الجيش لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين في غزة. وقال، "إن حماس تتحمل المسؤولية الأخلاقية الكاملة عن الحرب التي بدأتها".
لكن مهمة الدفاع عن "إسرائيل" أمام محكمة العدل الدولية سوف تطارده تصريحات ديختر وشركائه، الذين تستشهد بهم جنوب أفريقيا في ملف القضية القانونية. وعلى الرغم من مناشدة نتنياهو لوزراء ائتلافه، إلا أنهم لم يتوقفوا عن تعليقاتهم، وفي الأسبوع الماضي خصت وزارة الخارجية الأميركية بالذكر وزيرين إسرائيليين يمينيين متطرفين كانا يضغطان من أجل إعادة توطين الفلسطينيين خارج غزة، وانتقدت خطابهما التحريضي وغير المسؤول.
بالتالي، قد يندم نتنياهو كثيراً لعدم إخضاع شركائه المتطرفين في الائتلاف لحزم أكبر.