هل ما يجري في بحر العرب والبحر الأحمر يصعّد الحرب الإسرائيلية ضد غزة باتجاه حرب إقليمية؟. قد تتطور إلى حرب دولية في حال استمرارها؟. وفي حال إخفاق المجتمع الدولي في وقف إطلاق نار في غزة ؟. وفي حال عدم منع حدوث كارثة إنسانية في القطاع؟.
بعد تشكيل القوة البحرية الدولية بقيادة الولايات المتحدة يبدو أن واشنطن قد تراجعت عن خيار عدم توسيع نطاق الصراع ليشمل البحر الأحمر، بالاكتفاء بصد هجمات الجيش اليمني، وليس الرد عليه حتى لا يصبح البحر الأحمر ساحة جديدة للمواجهة، على النحو الذي تضطر الولايات المتحدة إلى الانخراط فيه، وإسرائيل لم تستطع أن تنجز بعد الحسم في غزة، خاصة وأنه مع دخول الحرب شهرها الثالث، لم يحقق الجيش الإسرائيلي أي إنجاز على الأرض، في إضعاف قدرات حماس العسكرية، وليس القضاء عليها، كما كانت تأمل إسرائيل من الاجتياح البري للقطاع.
وعن حركة التجارة البحرية في البحر الأحمر كان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن قد أكد « أن هذه ليست مشكلة أميركية فحسب، إنها مشكلة دولية وتستحق استجابة دولية، لهذا السبب أدعو إلى اجتماع غداً، اجتماع وزاري مع زملائي وزراء المنطقة وخارجها لمعالجة هذا التهديد».
قام وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن بزيارة لإسرائيل لطمأنتها عن عزم الولايات المتحدة، تأمين حرية الملاحة في البحر الأحمر، وأنها تقود تحالفاً بحرياً متعدد الجنسيات يتحمل عبء مواجهة القوات اليمنية، وهو هدف طالما سعت إليه إسرائيل بتدويل المشكلة وتصديرها إلى من ينوب عنها ويحمل عبئها ويدفع تكاليفها، فقد قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن تل أبيب توجهت لدول بينها بريطانيا واليابان لتشكيل قوة عمليات خاصة للعمل بالبحر الأحمر، وأضافت أن الطلب الإسرائيلي جاء إثر هجوم القوات اليمنية على 3 سفن تجارية ومدمرة أميركية، وأوضحت المصادر أن القوة الخاصة التي تريد إسرائيل تشكيلها دون المشاركة فيها ستعمل في إطار تحالف متعدد الجنسيات في باب المندب تقوده الولايات المتحدة.
تزداد التوترات على طرفي مضيق باب المندب، بعد إعلان الولايات المتحدة الأميركية إنشاء قوة دولية لحماية الملاحة في البحر الأحمر وبحر العرب، وأن القوة الدولية المزمع تشكيلها لحماية الملاحة في البحر الأحمر ستشمل مساحة 3 ملايين ميل من المياه الدولية، وأن واشنطن تسعى لانخراط 40 دولة في القوة الدولية لحماية الملاحة في البحر الأحمر، استجابت 9 دول فقط ليس بينها أي دولة من دول المطلة على البحر الأحمر، وهذا مهم من ناحية أن عسكرة البحر الأحمر لا يكتسب شرعية حقيقية دون هذه الدول، كما لا تشارك فيها أي دولة عربية سوى البحرين التي تستضيف قاعدة أمريكية للقيادة المركزية للقوات البحرية والأسطول الخامس الأمريكي.
تنخرط الإدارة الأمريكية في الحرب داخل غزة وخارجها، حيث تساعد إسرائيل في كل مشكلة وأزمة تواجهها، وتستمر في الدعم الشامل لإسرائيل، ولا تبدي الرغبة في الضغط اللازم والفاعل لإجبار إسرائيل على وقف العدوان، وفك الحصار عن القطاع، وبذلك لن تستطيع منع تحول حرب غزة إلى حرب إقليمية وحصرها في قطاع الصامد، طالما تدفع بالقوات الاسرائيلية للقضاء على المقاومة كأولوية، وبكل وسائل الإبادة التي تزودها بها واشنطن، وتغطي مجازرها سياسياً، فإنها تدفع باتجاه تصعيد الحرب لا لتشمل الإقليم كله بل لتتوسع باتجاه دولي.
بعد ثلاثة أيام من بدء معركة طوفان الأقصى وإعلان إسرائيل شن حربها العدوانية على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر 2023، هدد زعيم حركة أنصار الله عبدالملك الحوثي، يوم 10 تشرين أول/ أكتوبر بإطلاق صواريخ وطائرات مسيرة باتجاه إسرائيل، وأكدت القوات اليمنية جهوزيتها العسكرية على أرض الواقع، وفعّلت موقعها كإحدى جبهات محور المقاومة كطرف أساسي في معركة طوفان الأقصى، وفي يوم 19 تشرين الأول/ أكتوبر، أعلن الجيش اليمني مسؤوليته عن استهداف إيلات، وقيل وقتها إن مدمرة تابعة للبحرية الأمريكية اعترضت عدد من الصواريخ وعدة طائرات من دون طيار.
ويوم الثلاثاء 31 تشرين الأول/أكتوبر أعلن المتحدث العسكري باسم الجيش اليمني يحيى سريع إن قواته أطلقت دفعة كبيرة من الصواريخ وعدداً من الطائرات المسيرة إلى أهداف في عمق إسرائيل، في حين أعلنت إسرائيل اعتراضها للصواريخ بواسطة منظومة «أرو3».
في 6 كانون الأول/ ديسمبر أعلنت القوات المسلحة اليمنية قصف أهداف عسكرية في منطقة إيلات «أم الرشراش» بدفعة من الصواريخ البالستية، وأكدت استمرار عمليتها العسكرية ضد إسرائيل، واستمرار منع السفن الإسرائيلية من الملاحة في البحر الأحمر والعربي إلى أن يتوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، في حين أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض صاروخ باليستي كان متجهاً إلى مدينة إيلات باستخدام منظومة الدفاع الجوي آرو.
ومع استمرار الحرب في غزة وتطور الأزمة الإنسانية وتفاعل الجماهير العربية وغضبها على هذه الوحشية الإسرائيلية المفرطة تزداد احتمالات التصعيد اليمني من استهداف ميناء إيلات إلى استهداف تل أبيب، للرد على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وما يتعرض له الشعب الفلسطيني هناك من انتهاكات وعمليات إبادة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ربط أنصار الله القول بالعمل، وجسدوا الحقيقة العملية الميدانية للمساندة بين أطراف محور المقاومة، بالدعم الكامل والمساندة الملموسة لشعب فلسطين وللفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، هذا فتح جبهة ثالثة لم تكن متوقعة جنوبي شبه جزيرة العرب تعمل على مستويين: المستوى الأول قصف إسرائيل بالطائرات المسيرة والصواريخ، صحيح أنه ليس لليمن حدود مع غزة ، وتقع على مسافة بعيدة من مركز الصراع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن التكنولوجيا الحديثة لا تعرف حدوداً، أول هذه الصواريخ، التي يُعتقد أنها شاركت في الضربة على دولة الاحتلال، هي صواريخ طوفان الباليستية متوسطة المدى التي يتراوح مداها بين 1350-1950 كيلومتر، وقد أرادت الحركة أن تثبت جهوزيتها العسكرية على أرض الواقع، وإنها إحدى جبهات المقاومة في طوفان الأقصى، وأن لديها ترسانة من الأسلحة التي تمكنها من الوصول إلى العمق الإسرائيلي، إذ يتطلب استهداف جنوبي فلسطين المحتلة عام 1948 أن تقطع الصواريخ نحو 1800 كيلومتر من اليمن وعلى امتداد البحر الأحمر، وقد وصلت بعض الصواريخ اليمنية إلى ميناء إيلات، وتعرضت مواقع إسرائيل لهجمات يمنية شنتها القوات المسلحة اليمنية على إسرائيل بهدف الضغط لوقف حربها العدوانية المتوحشة، والتي أدت إلى استشهاد أكثر من 20 ألف مدني فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال، شملت الهجمات عمليات قصف للجنوب الفلسطيني المحتل باستخدام الصواريخ الباليستية والجوالة والطائرات المسيرة. وقال المتحدث باسم القوات اليمنية العميد يحيى سريع أن «الهجمات جاءت استجابة لمطالب الشعب اليمني ودعوات الدول الإسلامية للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، بالتزامن مع الحرب على غزة».
والمستوى الثاني: يأتي من أن اليمن تشرف على مضيق باب المندب الذي يعد أحد أهم الممرّات البحريّة في العالم، وأكثرها ازدحاماً، يعبره ما يوازي خمس الاستهلاك العالمي من النفط، ويمر عبره 30% من احتياجات إسرائيل بعض منها مواد ذات استخدام عسكري، بينما معظم احتياجاتها العسكرية من أوروبا أو من أمريكا تمر عبر المتوسط.
أعلنت القوات اليمنية منع مرور السفن الإسرائيلية، وحظر مرور جميع السفن مهما تكن جنسيتها المتجهة إلى إسرائيل من مضيق باب المندب والبحر الأحمر والبحر العربي، محذرة جميع شركات الشحن من التعاون مع إسرائيل، علماً أن التجارة البحرية لإسرائيل، لا تجري فقط من خلال سفنها، ولكن قد تتم من خلال سفن مملوكة لدول أو شركات أخرى، هذه التطورات وضعت التجارة الدولية أمام أبعاد سياسية واقتصادية، ستؤدي إلى ارتفاع معدلات تضخم الاقتصاد العالمي، كما ستؤثر على تجارة اسرائيل مع شرق آسيا.
في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني احتجزت قوة بحرية من القوات اليمنية السفينة «غالاكسي ليدر»، المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي، تنفيذاً للتحذير السابق من قبل القوات اليمنية، ولا تزال السفينة ترسو في ميناء الحُديدة في اليمن، وأعلن قائد حركة أنصار الله عبد الملك الحوثي أن مصير السفينة مرتبط بخيارات المقاومة الفلسطينية وبما يخدم أهدافها في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وهدد أيضاً بمزيد من الهجمات ضد المصالح الإسرائيلية، بما في ذلك أهداف محتملة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وأكد على قدرة قواته على رصد واستهداف السفن الإسرائيلية في هذه المناطق.
ومع استمرار العدوان الصهيونيِ على غزة، وارتكاب المجازر المروعة، وحرب الإبادة الجماعية، وفرض الحصار على الغذاء والدواء والماء، وكل سبل الحياة، ورداً على الحرب على غزة أعلنت القوات اليمنية منع مرور السفن المتوجهة إلى الكيان الصهيونيِ من أي جنسية كانت، واشترطت لوقف ذلك فك الحصار عن غزة، وأن يدخل القطاع حاجته من الغذاء والدواء، وأكدت حرصها الكامل على استمرار حركة التجارة العالمية عبر البحرين الأحمر والعربي لكافة السفن ولكافة الدول عدا السفن التي تنقل بضائع إلى الموانئ الإسرائيلية.
تشارك الولايات المتحدة العدو الصهيوني في حصار غزة وحرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، ويتدخل جيشها من خلال المدمرة الأمريكية كارني لتأمين مرور سفينتين متجهتين إلى اسرائيل، الأولى «يونيتي إكسبلورر» التي ترفع علم جزر البهاما، والثانية سفينة الشحن «نمبر 9» التي ترفع علم بنما.
وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية تعرض المدمرة الأمريكية يو إس إس كارني في البحر الأحمر لهجوم بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية أطلقت من مناطق سيطرة حركة أنصار الله في اليمن، بينما أعلن أنصار الله عن تمكنهم من إسقاط مسيرة أميركية من النوع «إم كيو 9 ريبر» في الثامن من تشرين الثاني /نوفمبر.
الولايات المتحدة لا تريد فك الحصار عن غزة يتضح ذلك من خلال ما تروجه عن اليوم التالي بعد القضاء على حركة حماس، هذا من جهة، ومن جهة ثانية سيؤدي إصرار القوات البحرية اليمنية على منع حركة التجارة الإسرائيلية في البحر الأحمر، إلى الصدام مع البحرية الأمريكية.
وفرنسا تشارك الولايات المتحدة هذا النفاق، إذ لا تتدخل في الحد من تداعيات حصار غزة بما تسببه من كارثة إنسانية، لكنها تتدخل من أجل تجارة اسرائيل، فقد أعلنت هيئة أركان الجيوش الفرنسية أنّ الفرقاطة الفرنسيّة المتعدّدة المهمّات «لانغدوك» العاملة في البحر الأحمر، اعترضت مسيرتين في البحر الأحمر انطلقتا من سواحل اليمن.
وكتحريض أمريكي لرد دولي على إجراءات القوات اليمنية في نصرة شعب فلسطين، أعلن وزير الدفاع الأمريكي أوستن عن إطلاق «عملية حارس الازدهار» لحماية التجارة في البحر الأحمر. وقال أوستن، الذي يقوم بزيارة إلى البحرين، التي تستضيف الأسطول الأمريكي في الشرق الأوسط، إن الدول المشاركة في تشكيل هذا التحالف الدولي تشمل بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا، وهذه الدول ستقوم بدوريات مشتركة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، لمواجهة هذا التهديد وهذه الهجمات باعتبارها حسب رأيهم غير مسؤولة وخطيرة وتنتهك القانون الدولي، وقال أوستن: «هذا تحد دولي يتطلب عملاً جماعياً. ولذلك أعلن اليوم عن إطلاق ‘عملية حارس الازدهار»، وهي مبادرة أمنية مهمة جديدة متعددة الجنسيات. أما إسرائيل التي تحاصر غزة منذ العام 2006 وتسببت حالياً بكارثة إنسانية لا مثيل لها في تاريخ البشرية، تدمغ جبين العالم المتحضر بوصمة عار أبدية، فهي الدولة المارقة التي يحق لها تجاوز القانون الدولي دون محاسبة.
بعد إعلان واشنطن تشكيل تحالف لمجابهة الهجمات التي استهدفت سفناً تجارية في البحر الأحمر على خلفية الحرب في غزة، حذر زعيم أنصار الله عبد الملك الحوثي الولايات المتحدة من المشاركة المباشرة في الحرب إلى جانب إسرائيل، وقال: إنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي إذا كان لدى الولايات المتحدة توجه للتصعيد وارتكاب حماقة باستهداف اليمن، وأضاف أنهم سيستهدفون البوارج والملاحة الأمريكية بالصواريخ والمسيّرات إذا استهدفت الولايات المتحدة اليمن، وقال إن عمليات الجماعة تقتصر على السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى إسرائيل، وإن الملاحة آمنة أمام كل السفن الأخرى.