• واشنطن بوست: صدام متوقع بين بايدن ونتنياهو حول خطة الحرب و"اليوم التالي"
    2023-12-23
    واشنطن: حول الصدام بشأن أجندة ما بعد الحرب بين بايدن ونتنياهو والتشدد المتزايد بشأن حل الدولتين ومستقبل السلطة الفلسطينية كتبت ياسمين أبو طالب وجون هدسون ووليام بوث مقالا لـ "واشنطن بوست".
    في الأيام التي تلت الهجوم المميت الذي نفذته "حماس" في 7 أكتوبر، كان لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طلب من الرئيس بايدن: هل يمكنه الضغط على الرئيس المصري لفتح حدود بلاده واستقبال جزء كبير من أكثر من مليوني فلسطيني موجودين في غزة؟
    قال بايدن لنتنياهو إن الفكرة لم تجد قبولا لدى الحكومة المصرية، التي أوضحت أنها ليست مهتمة بقبول اللاجئين الفلسطينيين ولعب أي دور في تهجيرهم الجماعي. لكن عددا من المسؤولين الإسرائيليين لا زالوا يفضلون الطلب، الذي لم يتم الإعلان عنه من قبل، ما يسلط الضوء على الخلافات الصارخة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن ما يجب أن يحدث في غزة على المدى القريب والبعيد، بعد أن تكمل إسرائيل حملتها العسكرية هناك.
    وحتى الآن، قدم بايدن دعما ثابتا للحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة حتى في الوقت الذي واجهت فيه الدولة اليهودية إدانة دولية وسط ضربات جوية واسعة النطاق، أسفرت عن مقتل حوالي 20 ألف فلسطيني. ولكن كجزء من هذا الدعم، أصر بايدن مرارا وتكرارا على أن السلطة الفلسطينية، التي تحكم حاليا جزءا من الضفة الغربية، يجب أن تحكم غزة أيضا بعد القضاء على "حماس"، وأنه لا بد من إنشاء دولة فلسطينية ذات يوم تضم المنطقتين.
    ويرفض نتنياهو هذه المبادئ بتصريحات علنية قوية على نحو متزايد، الأمر الذي يجعل من غير الواضح كيف ستحل الولايات المتحدة وإسرائيل الخلافات الجوهرية حول مستقبل المنطقة، فيما يقول المسؤولون الأمريكيون إن القضية الأكثر إلحاحا هي تحديد من سيكون مسؤولا عن حكم القطاع الصغير في "اليوم التالي"، عندما ينتهي القتال في غزة.
    وبينما تسعى إدارة بايدن إلى احتواء الحرب في غزة وإنهاء القتال المكثف هناك قريبا، يضغط بعض المسؤولين الإسرائيليين لاستهداف جماعة "حزب الله" المدعومة من إيران في لبنان بعد ذلك، وهي خطوة عمل المسؤول الأمريكيون منذ أسابيع لتجنبها. ويختلف المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون حول مدى قسوة معاقبة المستوطنين اليهود المتشددين في الضفة الغربية. وبعبارة أخرى، فإن بايدن ونتنياهو على خلاف بشأن جميع القضايا الرئيسية تقريبا، التي ستصبح حاسمة في اللحظة التي تنهي فيها إسرائيل حملتها العسكرية "السيوف الحديدية".
    ويقول المحللون إن هذا الانقسام مدفوع جزئيا بالسياسة الداخلية للبلدين. فبعد هجمات 6 أكتوبر، عندما تسلل مقاتلو "حماس" إلى إسرائيل وقتلوا ما يقرب من 1200 إسرائيلي، تحرك الناخبون الإسرائيليون بشكل أكثر حدة نحو اليمين، بينما انخفضت شعبية نتنياهو، وهو ما يدفع رئيس الوزراء إلى احتضان اليمين المتطرف كوسيلة سياسة للبقاء حيا. من جانبه، يواجه بايدن ضغوطا متزايدة من قاعدته الديمقراطية للوقوف في وجه إسرائيل واتخاذ خطوات ملموسة لمساعدة الفلسطينيين في مواجهة الصور المدمرة لسفك الدماء والخراب.
    ويقول الخبير في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بجامعة بار إيلان، إيتان جلبوع: "أعتقد أن نتنياهو وبايدن يتحدثان إلى قاعدتيهما السياسية"، مضيفا أن "بايدن يريد تنشيط السلطة الفلسطينية، دون أن يوضح ما يمكن أن يعنيه ذلك، ويريد أيضا حل الدولتين، بينما يرفض نتنياهو كلا الأمرين".
    البيت الأبيض يواجه انقساما داخليا بشأن إسرائيل وغزة
    لقد ابتليت السلطة الفلسطينية لسنوات بالفساد والضعف، وقد أطاح الناخبون في غزة بالسلطة الفلسطينية من حكومتهم في عام 2006، بعد عام من انسحاب إسرائيل من القطاع لصالح "حماس". لكن المسؤولين الأمريكيين يقولون إنه لا يوجد بديل عن السلطة الفلسطينية كقوة براغماتية تمثل الفلسطينيين، وغالبا ما يتحدث بايدن عن غزة ما بعد الحرب، التي ستنضم إلى الضفة الغربية في أن تديرها سلطة فلسطينية "يعاد تنشيطها".
    بدوره يقول مارتن إنديك، الذي مثل الولايات المتحدة في محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية الفاشلة في عهد الرئيس باراك أوباما، إن المسؤولين الأمريكيين "يصرون على أن غزة يجب أن تكون تحت الحكم الفلسطيني بطريقة تربط الحكم في الضفة الغربية بغزة"، وهناك "مرشح واحد فقط تم تشكيله قانونيا لهذا المنصب: السلطة الفلسطينية".
    ويضيف إنديك، الذي يشغل الآن منصب زميل "لوي" في مجلس العلاقات الخارجية: "بيبي (نتنياهو) يرفض هذه الفكرة جملة وتفصيلا، لأن شركاءه في الائتلاف عازمون على التخلص من السلطة الفلسطينية". ويتابع: "إنهم يريدون ضم الضفة الغربية بدلا من أن تحكم السلطة الفلسطينية هناك، لذلك لا يريدون إحياءها من خلال دور جديد في حكم غزة".
    كما أن موقف نتنياهو المتشدد يعقد الجهود الأمريكية لإقناع الزعماء العرب بالمساعدة في إعادة بناء غزة، وتوجيه عملية التحول السياسي بعد الحرب. وفي اجتماعات مع كبار مسؤولي بايدن، أوضح القادة العرب أنهم لن يساعدوا في إعادة إعمار غزة دون الوعد بـ "أفق سياسي"، أي دولة فلسطينية.
    وفي مؤتمر صحفي عقد في تل أبيب الأسبوع الماضي، حرص نتنياهو على التفاخر بجهوده طويلة الأمد لمنع إنشاء دولة فلسطينية، ونيله الفضل في "كبح" عملية السلام التاريخية في أوسلو، التي توسط فيها الرئيس بيل كلينتون، فيما يواجه نتنياهو انتقادات داخلية شديدة بسبب الهفوات الاستخباراتية والعسكرية التي أدت إلى هجوم السابع من أكتوبر، ويتوقع العديد من المحللين أن يفقد منصبه بمجرد انتهاء القتال.
    وردا على ذلك، فهو يقول للإسرائيليين إن المأساة كانت ستصبح أسوأ لولاه، حيث قال نتنياهو: "أنا فخور لأنني منعت إنشاء دولة فلسطينية، لأن الجميع اليوم يفهم ما كان يمكن أن تكون عليه تلك الدولة الفلسطينية، بعد ما رأينا الدولة الفلسطينية الصغيرة في غزة".
    ويقول دبلوماسيون إن الحالة الذهنية لنتنياهو تنعكس في سعيه للضغط على مصر لاستقبال مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين سيهجرون من منازلهم، إلى جانب حث بايدن للضغط على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشأن هذه القضية، فيما وجه نتنياهو طلبا مماثلا إلى رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زياراتهما لإسرائيل، وفقا لثلاثة دبلوماسيين ومسؤول كبير في الإدارة مطلع على الأمر، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته للحساسية الدبلوماسية. وقد رفض كلا الزعيمين الاقتراح جملة وتفصيلا، إلا أن الدبلوماسيين قالوا إن المسؤولين الإسرائيليين يواصلون التعبير عن حيرتهم من عدم قبول الخيار المصري في القاهرة أو العواصم الغربية.
    ووفقا لدبلوماسيين من الشرق الأوسط، فإن خطة نتنياهو لنقل سكان غزة، على الرغم من إلحاحه، كانت دائما بعيدة المنال، ويرجع ذلك إلى ما يشكله ذلك من انتهاك كبير لحقوق الإنسان، وجزئيا بسبب أن مصر ليس لديها مصلحة في قبول أعداد كبيرة من الفلسطينيين المعوزين. ومع اتساع نطاق القتال وتعمق المخاوف بين القادة العرب من أن إسرائيل تهدف إلى دفع سكان غزة إلى سيناء، قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إن بلاده "مستعدة للتضحية بملايين الأرواح لضمان عدم تعدي أحد على أراضينا".
    وقال مسؤول إسرائيلي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لحساسية القضية، إن "التأكيد على أن إسرائيل تحاول إخراج سكان غزة إلى مصر كاذب".
    ويعترف المسؤولون الأمريكيون في الوقت الحالي بأن هناك شهية قليلة بين الإسرائيليين لمناقشة إقامة دولة فلسطينية نظرا لاستمرار غضبهم وحزنهم على هجمات "حماس" في 7 أكتوبر، لكنهم يقولون إن بايدن ملتزم بمتابعة الاقتراح على المدى الطويل، ولا يرى أي حل آخر للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
    ووفقا لمسؤول كبير في البيت الأبيض، تركز إدارة بايدن حاليا على إقناع إسرائيل بقبول فكرة عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة بعد انتهاء القتال. وفي حين رفض نتنياهو الفكرة بشدة، فإنه لم يذكر من يعتقد أنه يجب أن يحكم غزة بدلا من ذلك، على الرغم من طرحه فكرة الاحتلال الإسرائيلي إلى أجل غير مسمى للقطاع، وهي فكرة يرفضها عدد من الإسرائيليين وتشكل مصدرا للإحباط لدى بايدن، بحسب شخص مطلع على تفكير الرئيس، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب سرية المحادثات الخاصة.
    وفي مقال افتتاحي نشر في صحيفة "إيلاف" المملوكة للسعودية، كتب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي أن إسرائيل غير مهتمة بالسيطرة على غزة، وأشار إلى انفتاحه على عودة السلطة الفلسطينية إذا خضعت لإصلاحات مهمة.
    وكتب هنغبي: "إن إسرائيل تعترف برغبة المجتمع الدولي ودول المنطقة في دمج السلطة الفلسطينية في اليوم التالي بعد (حماس)، ونوضح أن ذلك سيتطلب إصلاحا جوهريا للسلطة الفلسطينية. وأضاف: "سيتطلب الأمر جهدا كبيرا ومساعدة كبيرة من المجتمع الدولي وكذلك من دول المنطقة، ونحن مستعدون لهذا الجهد".
    وتضم حكومة نتنياهو، وهي الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل الممتد منذ 75 عاما، ممثلين عن حركة الاستيطان في الضفة الغربية، إضافة إلى شخصيات تعتقد أنه يجب طرد الفلسطينيين من غزة ليحل محلهم إسرائيليون. وقال بايدن في وقت سابق من هذا الشهر إن حكومة نتنياهو بحاجة إلى التغيير، قبل أن يكون هناك تقدم جدي نحو حل الدولتين.
    وقال بايدن: "إنه صديق جيد، لكني أعتقد أن عليه أن يتغير، ومع هذه الحكومة، حيث تجعل هذه الحكومة في إسرائيل من الصعب عليه أن يتحرك"، وتابع: "لكن علينا أن نتأكد من أن يفهم بيبي أن عليه القيام ببعض التحركات لتعزيز السلطة الفلسطينية – تعزيزها، تغييرها، تحريكها. لا يمكن القول إنه لن توجد دولة فلسطينية على الإطلاق في المستقبل، وهذا ما سيكون الجزء الصعب".
    في الوقت نفسه، أصبح بعض كبار الديمقراطيين في الكونغرس أكثر صخبا في التعبير عن إحباطهم من نتنياهو. ووصف السيناتور كريستوفر أ. كونز (الديمقراطي من ولاية ديلاوير)، وهو حليف مقرب من بايدن، نتنياهو هذا الأسبوع بأنه "شريك صعب للغاية".
    وتابع السيناتور في مقابلة "إنه أمر ليس جديدا، لدى رئيس الوزراء هذا الموقف، وقد فعل أشياء لمنع أو جعل حل الدولتين أكثر صعوبة لفترة طويلة. لذلك، وعندما يتحدث عن ذلك، فهو في واقع الأمر يصف سجله المعروف".
    ومع ذلك، فقد خفف نتنياهو من بعض مواقفه الأكثر تشددا في وقت سابق من القتال، عندما كان في حاجة ماسة إلى دعم بايدن لقصفه العنيف على غزة. والآن، وقد اقترب الهجوم من نهايته، يبدو نتنياهو أكثر ارتياحا في إصراره العلني على رؤيته للشرق الأوسط ما بعد الحرب.
    كان بايدن نائبا للرئيس عندما حاول وزير الخارجية آنذاك جون كيري وإنديك التوسط في حل الدولتين بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وكان كل من نتنياهو ومحمود عباس، الرئيس الحالي للسلطة الفلسطينية، في السلطة بالفعل في ذلك الوقت في منصب القيادة.
    وقد تمكن كيري من إقناع نتنياهو وعباس بالدخول في مفاوضات الوضع النهائي، لكن الاتفاق انهار، وخلص عدد من المسؤولين الأمريكيين إلى أن أيا من الزعيمين لم يكن ملتزما بالقدر الكافي بإيجاد حل طويل الأمد.
    وقال إنديك إن بايدن، على سبيل المثال، أصبح مقتنعا بأنه لا جدوى من السعي إلى التوصل إلى اتفاق سلام طالما كان الاثنان في السلطة. وبدلا من ذلك، ركز معظم فترة رئاسيته على الدفع من أجل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، معتقدا أن ذلك يمكن أن يعيد تشكيل الشرق الأوسط بطريقة إيجابية، حتى لو ظلت القضية الفلسطينية دون حل.
    لكن الحرب في غزة غيّرت حسابات بايدن، ومنحت وضع الفلسطينيين أهمية متجددة. وتأمل الإدارة الآن أن يؤدي احتمال اعتراف المملكة العربية السعودية، وهي دولة ذات نفوذ كبير في العالمين العربي والإسلامي، إلى دفع الإسرائيليين إلى قبول تنازلات تدريجية بشأن إنشاء دولة فلسطينية، وهو ما لم يكونوا ليقبلوه لولا ذلك، وفقا لاثنين من كبار المسؤولين في البيت الأبيض، تحدثا بشرط عدم الكشف عن هويتهم لسرية المناقشات الداخلية.
    وعلى المدى القريب، قال مسؤولون في البيت الأبيض إنهم يعتقدون أن بإمكانهم في نهاية المطاف إقناع نتنياهو بقبول حكم السلطة الفلسطينية في غزة، حيث أشار أحد المسؤولين إلى أن الحكومة الإسرائيلية، بعد أن قالت في البداية إنها لن تسمح بدخول المساعدات إلى غزة، أو تقبل وقفا للقتال، تراجعت في النهاية عن الأمرين، بعد أن مارست الولايات المتحدة ضغوطا.
    وهذا يعزز الآمال في أن الضغوط التي يمارسها بايدن، الذي يحظى بشعبية في إسرائيل لدعمه بعد الهجمات، يمكن أن تؤثر على نتنياهو للتراجع عن قبول السلطة الفلسطينية.
    لكن نتنياهو أمضى سنوات في إضعاف السلطة الفلسطينية، وبدا راضيا عن القيادة الفلسطينية المنقسمة في الضفة الغربية وغزة، معتقدا أن ذلك سيجعل من الصعب إنشاء دولة فلسطينية موحدة.
    إلا أن تركيز نتنياهو في الوقت الحالي يبدو أنه منصب على مستقبله السياسي. وبعكس القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين الآخرين، فقد أحجم عن قبول المسؤولية عن الإخفاقات الاستخباراتية التي سمحت للآلاف من مقاتلي "حماس" باقتحام الحدود بين إسرائيل وغزة في 7 أكتوبر.
    وقال الرئيس السابق للقسم الفلسطيني بوكالة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية مايكل ميلشتاين: "لقد كان من الواضح جدا منذ الأسبوع الأول أو الثاني من الحرب أن هناك فجوة حقيقية كبيرة في الموقف الأساسي بين الشريكين إسرائيل والولايات المتحدة".
    وأضاف: "ولا يريد نتنياهو، لاعتبارات سياسية خاصة به، الترويج لأي خطة لليوم التالي".

    http://www.alhourriah.ps/article/86466