• دعم المقاومة الفلسطينية بين التضامن والإسناد الحقيقي
    2023-12-05
    أسامة خليفة / باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»

    هذا العام تأتي الذكرى 76 لقرار تقسيم فلسطين «181» في ظروف الحرب الوحشية على قطاع غزة، وفي ظل تصعيد العنف الإجرامي على الضفة الغربية، وفي ظل تغيير واضح في الرأي العام العالمي، يؤيد ويدعم القضية الفلسطينية، ويدين ما تقوم به اسرائيل من استهداف متعمد للمدنيين. 

     

    قراران أمميان، من منظمتين دوليتين يفترض أنهما أنشئتا لصنع الأمن والسلام، أسسا للنكبة الفلسطينية، ولقيام دولة تسمى اسرائيل، الأول هو قرار عصبة الأمم الذي وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، أُقرّ رسمياً في 11 أيلول/ سبتمبر 1922، متضمناً تنفيذ وعد بلفور الذي بدأت بريطانيا تنفيذه عملياً منذ دخول القوات البريطانية مدينة القدس بقيادة الجنرال اللنبي في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917، والقرار الثاني هو قرار تقسيم فلسطين 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947 الذي اعتبرته الحركة الصهيونية أنه يعطيها الحق في البدء بعمليات تطهير عرقي وارتكاب مجازر، وضعت في الشهر الأخير من العام 1947 الخطط العملية لاحتلال القرى والسيطرة على أراضيها، وطرد سكانها، وأوكلت مهمة التنفيذ للعصابات الصهيونية الشتيرن الهاكاناه والأرغون والبالماخ، وبدأت عملياتها من الشهور الأولى للعام 1948، وفي نيسان من ذات العام تصاعدت المجازر والتطهير العرقي بالانتقال إلى احتلال المدن، وتهجير سكانها بدءاً من طبريا وحيفا ويافا وباقي المدن الفلسطينية…

    وبعد 30 عاماً من تاريخ صدور قرار التقسيم أدركت الأمم المتحدة خطأها التاريخي والظلم الواقع على الشعب الفلسطيني وحولت هذا اليوم يوماً للتضامن مع الشعب الفلسطيني، تجري فيه نشاطات إعلامية تضامنية لشرح القضية الفلسطينية، وللتذكير بأن قضية الفلسطينية ما زالت بلا حل، والسؤال هنا: هل الحملات التضامنية الإعلامية تؤدي إلى عودة الحقوق الوطنية الفلسطينية لأصحابها؟. وهل تكفي الاحتفالات والتجمعات والوقفات التضامنية دون اتخاذ إجراءات عملية عقابية تجبر اسرائيل على تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالشأن الفلسطيني؟. لقد أصبح التضامن ظاهرة صوتية غير مجدية في استعادة الحقوق، الأمم المتحدة مطالبة بأكثر من التضامن مع الشعب الفلسطيني، أـقلها طرد اسرائيل من الأمم المتحدة لأنها لم تنفذ شروط قبولها عضواً في المنظمة الدولية، بتنفيذ قرار التقسيم.

    ‎‎‎‎‎‎

    في الحالة الراهنة يرى العالم ويتابع مشاهد تظاهرات التضامن الشعبية العارمة في كل أنحاء العالم، منددة بالممارسات الإسرائيلية، وعلى النقيض من حركة هذه الشعوب وإرادتها، تقوم حكوماتها بمعاداة حركة المقاومة الفلسطينية كحركة تحرر من الاحتلال البغيض، وتصنفها في دائرة الإرهاب، وتقدم الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي لإسرائيل، وتنكر على الشعب الفلسطيني حقه في الكفاح من أجل الاستقلال والعودة وتقرير المصير، لقد أعلن قادة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا أنهم يقدمون كل الدعم والإسناد لضمان قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها، وأصدروا بياناً مشتركاً أعلنوا فيه دعمهم الثابت لدولة الاحتلال الإسرائيلي.

    تتعامل حكومات الدول الداعمة للعدوان بخبث مع تظاهرات ونشاطات شعوبها المؤيدة للحقوق الوطنية الفلسطينية، والمستنكرة للإرهاب والإجرام الصهيوني، والرافضة لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، باعتبار أن مظاهر التعبير هذه عن الغضب إزاء قتل المدنيين في غزة، هي حالة تنفيسية مؤقتة غير فاعلة لا تقدم ولا تؤخر، إلا في تهدئة الخواطر.

    لا نقلل من أهمية هذه الأشكال من الدعم المعنوي على كل المستويات، ولاسيما على مستوى الشارع في كل الدول الغربية ونريد استمرارها، لكن نريدها أن تحقق إنجازاً عملياً يخدم القضية الفلسطينية، هذه النشاطات ينبغي أن ينجم عنها مجموعات ضغط تؤثر على القرارات الحكومية، وتبدل من مواقف الحالة الرسمية المؤيدة والداعمة لإسرائيل، والمنجز المهم والمتقدم في اللحظة الراهنة، إنجاز يكبح العدوانية الإسرائيلية، بالدعوة إلى ملاحقة مجرمي الحرب قتلة الأطفال والنساء والشيوخ، ومقاضاتهم وتقديم الدعاوي القانونية بحقهم إلى المحاكم على كل المستويات.

    في الحالة العربية والإسلامية باعتبار أن قضية فلسطين، وفي المقدمة منها القدس والمقدسات، قضية عربية إسلامية، لا تخص فقط الشعب الفلسطيني وحده، ليترك وحيداً في الدفاع عنها، نطالب بإسناد ملموس وحقيقي للشعب الفلسطيني، الإسناد الملموس بالخروج من المشاركة بالمشاعر إلى التعاون الاقتصادي والسياسي، وكل أشكال الدعم الممكنة، المؤدية إلى التقوية عند الإحساس بالضعف.

    تشهد شوارع وساحات المدن والعواصم العربية والاسلامية طوفاناً بشرياً شعبياً كبيراً متضامناً مع المقاومة الفلسطينية، متزامناً ومتصاعداً مع تطورات معركة «طوفان الأقصى»، تطالب الجماهير العربية والإسلامية بإصرار تقديم الدعم للمقاومة في تصديها للعدوان الوحشي على قطاع غزة والضفة الغربية.

    لكن حتى لا تكون مظاهر التأييد وأشكال الدعم حالة تنفيسية، يجب أن تدرك الشعوب العربية قدراتها وإمكاناتها وتوظفها كي تستطيع أن تضغط على حكوماتها لوقف التطبيع، وطرد السفير الإسرائيلي من الدول التي تقيم علاقات مع اسرائيل، ومطالبة الحكومات التي تسيطر على الممرات والمضائق المائية إغلاق الممرات البحرية العربية أمام السفن التي تنقل السلاح والذخائر لإسرائيل، واستخدام سلاح النفط.

    منذ سنوات طويلة تحدث حكيم الثورة جورج حبش، كأنه يصف الحالة الراهنة بدقة، قال: « إسرائيل والحركة الصهيونية والامبريالية مصممون على القضاء النهائي على حركة المقاومة، لماذا؟. لأنها هي القوة الثورية الحقيقية التي تستطيع فعلاً أن تجابه إسرائيل، وتجابه الامبريالية في حرب حقيقية جادة طويلة حتى الانتصار، وحتى التحرير، ومن هنا ترتعد فرائس اسرائيل، وترتعد فرائس الامبريالية، عندما ترى حركة المقاومة مازالت قائمة حتى الآن، رغم كل الحرب الشريرة ورغم كل المخططات التي وضعت للقضاء عليها، ما هو واجب الشعب العربي في هذه الحالة؟. أن يهيئ نفسه للإسناد الحقيقي والإسناد الفعلي، والإسناد الملموس لحركة المقاومة، أن يطالب كل هذه الحكومات العربية بالإسناد الملموس الفعّال، حتى تستطيع حركة المقاومة أن توفر كافة متطلباتها، وحتى تستطيع أن تصمد في وجه هذه المؤامرات، لم يعد مطلوباً من الشعب العربي العواطف والإسناد المعنوي فقط، أصبح مطلوباً من الشعب العربي أن يعبأ نفسه وينظم قواه، ويطالب حكوماته بالرد الحقيقي على كل المؤامرات التي ترسمها الامبريالية لهذه المنطقة، أن يقف ليشكل القاعدة الصلبة التي تسند حركة المقاومة حتى تحقيق الانتصار، وأيضاً أصبح واجب الشعب العربي أن يصرخ في وجه الحكومات المتخاذلة والمستسلمة، حتى يفرض عليها الحرب، ويفرض عليها أن تخوض حرب تحرير شعبية حقيقية، أو تزول من طريقه، حتى يتسلم هو مقاليده بنفسه، وبالتالي يعطي بالرد التاريخي على هذه العصابة التي تمكنت من هذا الجزء العزيز من وطننا»

    بالإرادة الشعبية من الممكن الخروج من حالة التردي العربي، والصمود الفلسطيني يقوي هذه الإرادة، ويرتقي بها، بارتقاء فعل المقاومة بتحقيق شعار وحدة الساحات بحيث يقوم الكل الفلسطيني بدوره، طوفان الأقصى معركة الكل الفلسطيني، ويجب ألا يقتصر دور فلسطينيو الشتات على وقفات تضامنية ينشط بها للتضامن مع فلسطيني الداخل المحتل، كمن يتضامن مع نفسه، إن المطلوب في الحالة الفلسطينية تصعيد دور كل ساحات العمل الوطني في المواجهة مع العدو، وإعادة الاعتبار للتدريب العسكري العالي المستوى في مناطق الشتات، وبناء قوات قادرة على التسلل والعمل خلف خطوط العدو، هذا ممكن وبالطريقة الإبداعية التي ظهرت عليها عملية طوفان الأقصى، لا شيء مستحيل، الحواجز وأجهزة الإنذار والرصد مهما بلغت تقنيتها المتطورة يمكن اختراقها، ولقد شهدنا بعض العمليات من هذا النوع في شمال فلسطين، وانطلاقاً من جنوب لبنان، تزامناً مع عملية طوفان الأقصى، لكنها تحتاج إلى زخم وتكثيف واستمرارية، وقد شهدنا خلال حرب الاستنزاف عمليات الصاعقة المصرية وبطولات أفرادها، الذين أذاقوا العدو مرارة الهزيمة، وأوقعوا في صفوفه خسائر جسيمة، مما جعل الولايات المتحدة تطرح أول مشروع للسلام عام 1970، المعرف بمشروع روجرز نسبة إلى وزير الخارجية الأمريكي وقتها وليم روجرز، وتنفست اسرائيل الصعداء لتوقف حرب الاستنزاف، وتهربت من استحقاقات السلام الذي كان سلاماً أميركياً وهمياً لإنقاذ حليفتها اسرائيل، ذلك يؤكد أن عمليات المقاومة وحدها توصل إلى سلام عادل يعيد الحقوق لأصحابها، لأن العدو لا يفهم إلا منطق القوة. 




    http://www.alhourriah.ps/article/85961