العدوان على غزة... قراءة في المشهد الأردني
2023-11-22
ضرار البستنجي
فيما تتشابك الملفات وتتخذ الأحداث منحنى تصاعدياً متدحرجاً على وقع العدوان الصهيوني الدموي المدمّر والمستمر لليوم الخامس والأربعين على قطاع غزة، في محاولة للانتقام وطمس صورة الانتصار الكبير المزلزل التي فرضتها عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/أكتوبر الفائت، والبحث عن أي إنجاز يرمم ما تشظّى من معادلة القوة والردع والجبروت الصهيوني والهيمنة والقدرة الأميركية المطلقة، تشرّع أبواب المنطقة على كل الاحتمالات، في مشهد يؤكد أن معركة القطاع المحاصر المقاوم اليوم تتجاوز حدوده وحدود فلسطين المحتلة إلى الإقليم برمّته، وربما إلى العالم .
الأردن الذي برز ساحةً مهمةً في الحدث الحالي، بحكم التأثر والتأثير الذي يربطه بالحدث الفلسطيني تاريخياً، وبحكم الموقع والموقف، يعيش اليوم واحداً من أدق مفاصل تاريخه حساسيةً وخطورة في واقعٍ يستحضر خيارات الماضي واستعصاءات الحاضر وفرص المستقبل، ما يستدعي قراءة عميقة شفافة لتفاصيل المشهد الأردني بعين الحرص والبناء باتجاه استخلاص الدروس واتخاذ المواقف بما يناسب المصلحة الوطنية والدور الذي يليق به.
إلى ذلك، حمل اليومان الماضيان حدثين لافتين في الساحة الأردنية؛ حديثاً لنائب رئيس الوزراء الأسبق د. محمد الحلايقة على هامش لقاء إذاعي قال فيه: "إن وزير الخارجية الأميركي بلينكن طرح خلال لقائه الملك في عمان أن يستقبل الأردن 300 ألف مهجّر من غزة، على أن تتكفل الولايات المتحدة بالتكاليف... والطلب رفضه الأردن"، ومشاهد مصورة تظهر آليات عسكرية أردنية تتجه نحو الحدود مع فلسطين المحتلة.
وفيما تغيب عن وسائل الإعلام المساعي أو الضغوط المتصاعدة نحو التهجير، ولا تنقل أخبار أو مشاهد القوات العسكرية الأردنية المتجهة نحو الحدود الشمالية الغربية -باستثناء حديث عابر يفيد بذلك جاء على لسان النائب في البرلمان الأردني عمر العياصرة مساء الأمس- يسهل على المتابع أن يقرأ في تطورات المشهد الأردني والمواقف الأردنية قلقاً بالغاً وحركة في أكثر من اتجاه منذ أيام، وبشكل ينسجم مع الاستنفار الدبلوماسي والإعلامي الأردني المتصاعد الذي انطلق مع الساعات الأولى لبدء العدوان الصهيوني الدموي الهائل على قطاع غزة.
في قراءة للحراك الرسمي، يُرصد بوضوح أنَّ الأردن ينطلق في قراءته ومقاربته لتطور الحدث الفلسطيني من 3 عناوين رئيسة: استمرار كيان الاحتلال في استغلال الدعم الأميركي الغربي المطلق لتحقيق مشروعه القديم المتجدد بتصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين انطلاقاً من ثوابت الكيان التي تريد الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين، ثم الخشية من توسع رقعة الحرب لتشمل ساحات اشتباك أخرى بين قوى المقاومة ومحور واشنطن -"تل أبيب"، وأخيراً التحسّب من انعكاسات الحدث على الواقع الداخلي للأردن.
وبالعودة قليلاً إلى ما قبل أحداث اليوم، يمكن استذكار جملة من المعطيات التي عزّزت القراءة الرسمية الحالية للمشهد، إذ ظهرت إلى العلن قبل نحو 3 أعوام سردية أردنية أشارت بوضوح إلى تعاظم الاستهداف الممنهج للأردن؛ الدولة والدور والجغرافيا -وكنا قد أسهبنا في تحليلها عبر مقال مفصّل في الميادين نت قبل عدة أشهر- وكانت الإشارة إلى استهدافٍ مصدره الكيان وبعض حلفاء واشنطن من العرب، عماده الأساس تصدير أزمات مشروع المحتل نحو الجغرافيا الأردنية، والتضييق السياسي والاقتصادي على الأردن، ومحاولات تجريده من أوراق التأثير والدور في المنطقة، مروراً بالعبث في استقراره الداخلي، الذي تجلى في قضية الأمير حمزة؛ الأخ غير الشقيق للملك عبد الله، في نيسان/أبريل 2021، والتي اصطلح عليها رسمياً "قضية الفتنة"، والتي شملت مسؤولاً أردنياً سابقاً كان يعمل مستشاراً رفيعاً في دولة خليجية وازنة.
ورغم أن المقاربة الرسمية انطلقت من مخاطر حكم اليمين المتطرف برئاسة نتنياهو، فلا شك في أن خلفية الموقف تدرك أن الخطر الحقيقي هو في وجود الكيان وقدراته ومخططاته وفي الدعم الأميركي المطلق، تماماً كما هو في ضعف الصف العربي وهرولة أطراف وازنة نحو التطبيع والانخراط في مشاريع إستراتيجية تكرّس كيان الاحتلال قوةً إقليمية مركزية، ما فتح الأبواب أمام أسئلة كبيرة عن خيارات الأردن الإستراتيجية وعوامل صموده وجدوى الاستمرار في التحالفات ذاتها، ولا سيما إذا ما قرأنا جملة اشتباكات مع حكومات نتنياهو (الذي يقول صراحةً عبر مواقفه وفي كتابه "مكان تحت الشمس" إن الأردن هو فلسطين، مروراً بمواقف أركان حكومته التي تعبّر صراحةً عن مطامع في الأردن، كما ظهر -مثلاً لا حصراً- في اختيار وزير المالية الصهيوني سموتريتش التحدث من منصة تحمل خارطةً للكيان تشمل الأردن أثناء حفل في "باريس" في شهر آذار/مارس الماضي.
يدرك الأردن إذاً مطامع العدو التاريخية، ويدرك أن الدعم الأميركي الحالي المطلق بالمال والسلاح وحاملات الطائرات والموقف السياسي، مضافاً لها أزمة نتنياهو العميقة، قد يترجم إلى استغلال الواقع لاستكمال مشروع تصفية القضية الفلسطينية، عبر محاولة اجتثاث المقاومة وتغيير الواقع في قطاع غزة، وصولاً إلى الضفة الغربية التي تحظى بالأهمية الكبرى ضمن مشروع العدو، ولا سيما مع المضي في مخطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة رغم تراجع التصريح بذلك وادّعاء إدارة بايدن رفض ذلك عبر تصريحاتها حول رفض التهجير القسري من القطاع المحاصر الذي يتعرض لحرب إبادة هائلة وتدمير ممنهج لكل سبل العيش من مصادر مياه وطاقة ورعاية صحية وبنى تحتية، في مخطط لجعله غير قابل للحياة.
العين الأردنية هنا على الموقف المصري وعلى المخاطر من تحوّل آلة القتل الصهيونية نحو الضفة الغربية، ما يفسر تنامي التنسيق الرفيع المستوى مع الحكومة المصرية التي تتخذ حتى الآن موقفاً حاسماً ومهماً في مواجهة مشروع التهجير، عبر رفض فتح معبر رفح أمام محاولات دفع أهالي القطاع للنزوح باتجاه سيناء المصرية، وفق المخطط القديم المتجدد، وإن كان هذا لا يعفي الواجب في فرض فتح المعبر لكسر الحصار القاتل على القطاع وأهله.
يفسر ذلك الاهتمام الأردني الكبير بالوضع في الضفة الغربية والتحذير المبكّر والمتصاعد من مخاطر الوضع هناك، وخصوصاً مع الاستمرار في تسليح المستوطنين وإطلاق يدهم في الاستهداف الدموي الممنهج للفلسطينيين وتعطيل الحياة وتزايد الدعوات لمغادرة أهالي الضفة باتجاه الأردن عبر صفحات صهيونية استحدثت لهذا الغرض في منصات التواصل، مع تزايد الاقتحامات الليلية المستمرة لمدن الضفة ومخيماتها وتزايد أعداد الشهداء والأسرى وتنفيذ العمليات والقصف والتجريف الممنهجين، والحديث الصهيوني المتصاعد الذي يتمحور حول الشكل المستقبلي (المقبول) للسلطة الفلسطينية.
على قاعدة ذلك، جاء تصريح الملك عبد الله المهم حول رفض أي محاولاتٍ لتهجير الفلسطينيين، معداً ذلك إعلان حرب سيتم التعامل معه بكل الوسائل، وهو ما كرره غير مرة وزير الخارجية الصفدي، وفي سياق تصاعد لافت في الموقف الأردني الذي تجاوز المألوف، بدءاً من دعوات التهدئة في الساعات الأولى وإدانة العدوان وذرائع الدفاع عن النفس، والتحذير من التهجير واتساع رقعة الحرب، ثم استدعاء السفير الأردني لدى الاحتلال، وفتح ملف الاتفاقيات معه على طاولة مجلس النواب الأردني، والتصريح الشهير لوزير الخارجية أيمن الصفدي حول رؤية حماس فكرة، لا مجرد حركة يمكن اجتثاثها، ووصفه معاهدة وادي عربة للسلام بأنها ستكون وثيقةً تجمع الغبار على رفٍ في مستودع ما، وإلغاء اتفاقية الماء مقابل الطاقة التي كان يجري الاستعداد لتوقيعها الشهر المقبل بدعم وتمويل من دولة الإمارات، والإصرار على رفض فكرة إرسال قوات عربية لإدارة غزة -لا مجرد رفض المشاركة- وصولاً إلى إرسال المستشفى الميداني الأردني الثاني إلى العريش المصرية اليوم تحضيراً لإقامته في خان يونس.
تتباين قراءة المتابعين للموقف الأردني، وتظهر أصوات مشككة هنا أو هناك ترى في مواقفه تخديراً للشارع وتهيئةً لدورٍ فيما يلي وقائع اليوم، فيما تتصاعد المواقف الشعبية الداعمة للموقف الرسمي، انطلاقاً من ثوابت إدراك وحدة المصير والتأثر والتأثير مع فلسطين المحتلة، ومن حتمية الاستفادة من الدرس القاسي الذي يفترض أن يتعلمه الجميع لجهة انكشاف زيف ادعاءات الغرب حرصه على حقوق الإنسان، وانكشاف الوجه الحقيقي الوقح للإدارة الأميركية التي تنحاز بالمطلق إلى جانب الكيان، وإن استدعى الأمر تضحيةً بأي حليف.
يُدفع هنا بخطوات أكثر عمقاً اتخذها الأردن مؤخراً، وغابت عن وسائل الإعلام، إذ كان لافتاً إصراره على البدء بإرسال قوافل القمح والدواء إلى الضفة الغربية قبل نحو 10 أيام، في الوقت الذي كان التركيز ينصب على إنزال الأغذية والأدوية إلى المستشفى الميداني الأردني في قطاع غزة.
وقد تبع ذلك إرسال مستشفى ميداني إلى مدينة نابلس في إطار ما تعتبره مصادر قريبة من دوائر صنع القرار دعماً لصمود الفلسطينيين في الضفة الغربية انطلاقاً من استقراء واستباق خطط استهدافها التي يبدو أن الأردن يراها قريبةً في إطار مخطط التهجير الناعم والقسري، وتغيير الخارطة في فلسطين والمنطقة، ما يعني أن تحريك القوات العسكرية الأردنية غرباً قد يكون أشبه برسالة أكثر حدةً لتأكيد جدية الموقف الرافض. كل هذا لا بد من قراءته بقلق واهتمام بالغَين.
في مقابل ذلك، يستشعر الأردن الذي يرصد صمود المقاومة في غزة ومأزق جيش الاحتلال في تحقيق أيٍ من أهداف عمليته المعلنة هنا كخطر توسع دائرة المعركة، فالمقاومة التي تسطّر صموداً بطولياً تحتاج قريباً في حال استمرار العدوان إلى إسناد مباشر من قوى محور المقاومة الذي دخل على خط المعركة بعد أقل من 24 ساعة من انطلاق الحدث في غزة، ولا سيما مع الحصار والقتل والدمار ومحاولات تفريغ شمال القطاع والصمت الدولي وتواطؤ بعض الأنظمة العربية الرسمية، ما يعني أن قواعد الاشتباك التي تتغير على مدار الساعة في ساحات الاشتباك الأخرى: على حدود لبنان مع فلسطين المحتلة، وفي سوريا، والعراق، وعلى مستوى اليمن، قد تتدحرج وصولاً إلى حرب شاملة تشمل المنطقة برمتها في إطار صراعٍ محتدم حتمي ستغيّر نتائجه شكل المنطقة، وقد تتشابك حد تغيير المعادلات الدولية وأوضاع القوى الكبرى على مستوى إدارة العالم والنفوذ فيه.
هنا، يستشعر الأردن خطراً حقيقياً جرى التعبير عنه من اليوم الأول في مشهد أعاد إلى الأذهان الاستنفار الأردني الرسمي قبيل وإبان عملية عاصفة الصحراء -مطلع تسعينيات القرن الماضي- التي أدرك الأردن خطرها عليه وعلى موقعه ودوره، فضلاً عن اقتصاده واستقراره الداخلي، انطلاقاً من استقراء مآلاتها المدمرة التي ستغيّر شكل المنطقة وقواها ومساقاتها، وهو ما كان بالفعل.
يدرك الأردن إذاً أن مفاعيل الموقع الجغرافي تفرض مخاطر هائلة في حال توسعت رقعة الحرب وفتحت أبواب الجحيم باتجاه المصالح والقوات الأميركية في المنطقة. من هنا ربما يقرأ الأردن الرسمي بعين القلق الاحتشاد على الحدود العراقية-الأردنية، وخصوصاً أنه وقّع قبل نحو عامين اتفاقيةً عسكرية مع الولايات المتحدة أُسست بموجبها قواعد عسكرية أميركية على أرضه، في الوقت الذي لا تعد العلاقات الأردنية في أحسن حال مع أطراف محور المقاومة، رغم إدراك كل الأطراف أن الأردن ليس متورطاً كدول عربية أخرى في عمق المشاريع الأميركية في المنطقة، بدليل استهدافه الواضح وقدرته على اتخاذ مواقف متقدمة في مواجهة ضغوط مورست عليه للتورط بشكل عميق في ملفات مهمة كسوريا التي رفض التورط المطلق عبر زج جيشه داخل أراضيها، وملف العدوان على اليمن حين رفض إرسال جنوده للمشاركة في المعارك ضمن "عاصفة الحزم"، وهي بلا شك من أسباب استهدافه والتضييق عليه أيضاً، إلى جانب مزاحمته على الدور المهم في الملف الفلسطيني المنطلق من مفاعيل المصير المشترك، ومن الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس، ناهيكم بالآثار التي ستصيب المنطقة والعالم على البعدين الاقتصادي والاجتماعي في حال تدحرجت الأمور نحو حرب إقليمية.
ولعل دلالات عملية الجيش اليمني البطولية في السيطرة على سفينة صهيونية من البحر الأحمر مساء أمس في إطار الرد على عدوان الاحتلال المستمر على غزة خير دليل على تزايد احتمال اتخاذ المعركة أشكالاً أخرى سيكون لها آثارها الهائلة.
وفي الوقت الذي يطالب الأردن ويراهن ككل الأطراف المعنية على وقف العدوان الذي تتراجع يوماً بعد يوم آماله بتحقيق نصر حقيقي فيه، ويخسر شيئاً فشيئاً عوامل دعمه الغربي، فإنه ينظر بعين القلق إلى غياب ظهير دولي داعم في ظل الحسابات الروسية الصينية وتعاظم الضعف الأوروبي أمام السيد الأميركي، فضلاً عن مواقف رسمية عربية يبدو دعمها للكيان وحربه ومشاريعه واضحاً جلياً، سواء في إطار التبعية المطلقة المهينة للولايات المتحدة أو في إطار التلطي أو الاستحضار العبثي اليوم لمفردات الحسابات الضيقة تجاه الإسلام السياسي. ومجدداً، يجد الأردن نفسه في حقلٍ من الألغام والاستعصاءات.
في موازاة كل ذلك، تولي الحكومة الأردنية، ككل حكومات المنطقة، اهتماماً مضاعفاً بتطورات الحراك الشعبي الداخلي، سواء على وقع التفاعل الشعبي الكبير مع العدوان على قطاع غزة أو الخشية من تصاعدها باتجاه تزايد الضغط للزحف نحو الحدود مع فلسطين المحتلة أو على سفارة العدو أو سفارات الدول الغربية، أو تنبهاً لأي محاولاتٍ للعبث في الداخل على وقع انفلات الكيان وأدواته من عقالهم وتصعيد مساعيه لتنفيذ مخططاته في فلسطين والمنطقة.
ورغم أن الموقف الرسمي المتقدم يلقى ارتياحاً وترحيباً شعبياً واسعاً، تظل أصوات المشككين والعابثين ومخاطر العبث هاجساً أمنياً يتصاعد الحذر منه، وخصوصاً مع بدء التضييق على دعوات التظاهر والاحتجاج ومساعي احتواء أي محاولات لاستغلال المشهد الحالي لتعظيم الحضور والتأثير الشعبي من قبل أي طرف أو تيار، ولا سيما الإخوان المسلمون الذين التقاهم وزير الداخلية في الأيام الأولى للأحداث.
ويبدو أن اللقاء أفضى إلى تفاهمات مهمة، إذ أظهروا التزاماً كبيراً بالمحدّدات الرسمية لسقف الحراك الشعبي -الذي يقودون جزءاً وازناً منه- سواء لجهة الزخم أو وجهة التظاهرات أو مفردات الخطاب وسقوفه، رغم انضمامهم إلى الدعوات الشعبية المطالبة بتصعيد أكبر في الخطوات العملية، إذ يكون أولها وأولاها قطع العلاقات تماماً مع كيان الاحتلال وإعلان بطلان معاهدة وادي عربة المشؤومة وتوسيع المشاركة والاستعداد الشعبيين للدفاع عن البلاد عبر الدعوة إلى إعادة العمل بإلزامية خدمة العلم وإعادة الاعتبار إلى الجيش الشعبي، وصولاً إلى دعواتٍ بتسليح الشعب الأردني.
في الخلاصة، وإلى جانب إيمان الأردنيين جميعهم بوحدة الدم والمصير التي تجمعهم بالقضية الفلسطينية، وبالأشقاء هناك، يدرك كبيرهم وصغيرهم مخاطر الواقع ومآلاته على أمن البلاد ودورها ومستقبلها، وحتى على نظامها السياسي، ما يضاعف دوافع الإسناد وحتمية الاستعداد للدفاع عن الوطن ومواجهة المخططات وأدواتها، والإيمان أكثر من أي وقت مضى بأن العدو هو كيان الاحتلال الاستعماري الاحتلالي -أياً يكن شكل وشخوص حكومته- وأن المقاومة هي خيار الشعوب الحية لتحقيق الحرية والسيادة والعيش بكرامة، ما يستدعي مراكمةً على الموقفين الرسمي والشعبي تحقّق الاستفادة من الدروس واتخاذ خطوات إستراتيجية، بمعزل عن التشكيك بالأداء الرسمي أو التسحيج له، عبر تمتين الداخل وإعادة الاعتبار إلى شراكة فاعلة مع قوى المجتمع الحية ومؤسساته على طريق بناء جبهة وطنية موحّدة تستثمر في الوعي الشعبي المتصاعد، وتحقق زخماً أكبر يضمن عدم الرضوخ أمام التهديدات والإغراءات، وترسم خطوط المهام والواجبات للدفاع عن وطنٍ وأمةٍ في معركة مفصلية خطرة يقول التاريخ إن النصر فيها سيكون من نصيب أصحاب الحق والأرض إن أخلصوا واستخلصوا العبر وأحسنوا التقاط اللحظة.