مجازر "جيش" الاحتلال في غزة.. تعيد عصابات "الهاغاناه" التي شكّلت نواته إلى الذاكرة
2023-11-04
نجاح حمود
لعبت العصابات الصهيونية دوراً كبيراً وبارزاً في بناء مشروعها. ورغم أنها كانت متفرقة في الحركة، فإنها كانت متحدة في الهدف الذي رسمته، والمتمثل في إقامة ما تسمّيه "دولة إسرائيل"، لتكريس مشروع هذا الكيان الغاصب، الذي قام على جرائم هذه العصابات بحق أبناء الشعب الفلسطيني. وهي لا تزال قائمة ومستمرة حتى الآن على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ولتنفيذ مشروعها الاحتلالي، وتكريس الاستيطان في فلسطين، عملت الصهيونية على تشكيل "جيش" خاص بها، بهدف تقوية الكيان الناشئ، والدفاع عنه.
وتعني كلمة "الجيش" بالعبرية "تساهل" وهي التسمية التي تُطلق على سلاح البر، والجو والبحرية الإسرائيلية.
وأصبح "جيش" الاحتلال هو "الجيش" الوحيد في العالم الذي تشكل من العصابات الصهيونية، وأصبح إحدى القوى العسكرية الأكثر نشاطاً في المنطقة، وخوضاً للحروب، ما بعد الحرب العالمية الثانية.
شكلت العصابات الصهيونية نواة "جيش" الاحتلال، إضافة إلى المنظمات الصهيونية شبه العسكرية التي كانت تعرف آنذاك بـ"المجتمع اليهودي الجديد في فلسطين"، في فترة ما بعد الهجرة الثانية بين عامي 1904-1914.
وكانت أولى هذه المنظمات، منظمة "بارغيورا" التي تأسست عام 1907، ثم تحولت إلى "هشومير"، وظلت تعمل بنشاط حتى بدء مرحلة الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1920.
فى موسوعته "حتى لا ننسى عصابات الدم.. كيف تسللت ذئاب الصهيونية إلى قلب فلسطين؟، يقول الكاتب عبد الوهاب المسيري إنّ "أحد الأشكال الأساسية للعنف الصهيوني، هو رفضهم قبول الواقع والتاريخ العربي فى فلسطين، باعتبار أنّ الذات الصهيونية واليهودية هي مركز هذا الواقع ومرجعيته الوحيدة".
وبحسب المسيري، فقد انقسمت التنظيمات الصهيونية بحسب وظيفتها إلى قسمين:
- التنظيمات التي تخدم الكيان وصراعاته الممتدة خارج المنطقة.
- التنظيمات والعصابات المسلحة التي تقوم بدور أساسي فى شنّ الهجمات ضد السكان الفلسطينيين الأصليين.
في العام 1948، ضم التجمع الصهيوني الاستيطاني في فلسطين ثلاثة تنظيمات عسكرية أساسية هي: "الهاغاناه" وهو أكبر هذه التنظيمات، و"اتسل"، و"ليحي" وهما أصغرها.
كيف نشأت عصابة "الهاغاناه"؟
بعد الحرب العالمية الثانية، بدأ تأسيس ما يعرف باسم عصابة "الهاغاناه" الصهيونية، والتي تكونت غالبيتها في البداية من "فيلق صهيون" و"الفيلق اليهودي" التابعين للجيش البريطاني.
وأصبحت "الهاغاناه" فيما بعد نواة "جيش" الاحتلال، الذي يستمد هيكله الأساسي من الهيكل التنظيمي لها.
تأسست "الهاغاناه" بداية العام 1920 أي مع الانتداب البريطاني على فلسطين، وتعني بالعبرية "الدفاع"، بدلاً من منظمة "الحارس" كمنظمة استيطانية. وكانت تضم خلايا صغيرة ومحلية في مستوطنات مختلفة. سُميت فى البداية "هاغاناه وعفودا" وتضمّنت فرقاً خُصِّصت للهجمات الإرهابية.
ارتبطت العصابة منذ ولادتها بمنظمة العمال العامة (الهستدروت) والحركة الاستيطانية الصهيونية التي كانت تعمل على تطوير الهجرة إلى فلسطين، والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وتحويل ملكيتها لتصبح يهودية، إضافة إلى نشر اللغة العبرية.
شاركت "الهاغاناه" في قمع انتفاضة العرب الفلسطينيين عام 1929.
في العام 1930، تعرضت "الهاغاناه" لانشقاقات داخل صفوفها، وتفرعت منها منظمات عديدة أبرزها: "هاغاناه ب" التي اندمجت مع "بيتار" لتشكيل منظمة "اتسل"، و"الإرغون" وهي أكثر تطرفاً ووحشية من "الهاغاناه"، وكان قائدها رئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيغن.
خلال الثورة الفلسطينية (1936-1939)، تعاونت "الهاغاناه" مع القوات البريطانية، خلال تعيين تشارلز وينجيت، ضابطاً للمخابرات البريطانية في فلسطين عام 1936، الذي أشرف على تكوين الفرق الليلية الخاصة، والسرايا المتحركة، لتنسيق الأنشطة بين المخابرات البريطانية، ومخابرات "الهاغاناه". وتعاونت القوات البريطانية مع هذه العصابة لتشكيل ما يسمى شرطة حراسة المستوطنات المعروفة بـ"النوطريم"، وكان معظم أفرادها من "الهاغاناه".
أهداف "الهاغاناه" والمجازر التي ارتكبتها
تركزت أهداف "الهاغاناه" في الدرجة الأولى على تهجير الفلسطينيين والتنكيل بهم والاستيلاء على ممتلكاتهم العامة والخاصة، تمهيداً لانتشار اليهود والصهاينة المتسللين من دول أوروبا إلى فلسطين المحتلة، ثم بناء المستوطنات.
ارتكبت "الهاغاناه" مجازر عديدة ضد الفلسطينيين والعرب، أبرزها مذبحة قرية الشيخ، جنوب شرق حيفا، في 31 كانون الأول/ديسمبر1947 والتي قتل فيها 600 فلسطيني، إضافة إلى مجزرة دير ياسين، غربي القدس، في نيسان/أبريل 1948 وقتلت فيها كلّ سكّان القرية. فيما قام بعض العصابات المتفرّعة من "الهاغاناه" باغتيال شخصيات أوروبية، كانت قد وقفت بشكلٍ ما ضدّ رغبة العصابة بطرد كل الفلسطينيين من أراضيهم وتهجيرهم.
بلغ أعضاء "الهاغاناه" نحو 36،000 بالإضافة إلى 3000 عنصر من عصابة "البالماخ"، ما سهّل عملية تحويلها فيما بعد إلى "جيش" الاحتلال.
بن غوريون يحل "الهاغاناه" والعصابات الصهيونية
ما إن أُعلن عن قيام ما يسمى "دولة إسرائيل" في 26 أيار/مايو 1948 بعد انتهاء الانتداب البريطاني، حتى أصدر ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء للكيان، ووزير الأمن حينها قراراً في 31 أيار/مايو يقضي بحلّ "الهاغاناه" والعصابات الصهيونية الأخرى، لتكون نواة "جيش" الاحتلال، والذي أطلق عليه بن غوريون ما يسمى بـ"جيش الدفاع". وأصبحت "الهاغاناه" تتألف من 3 وحدات رئيسية هي: "الفيلق الميداني" و"الحري" و"البالماخ"، أي قوات النخبة.
وسرعان ما دخل "جيش" الاحتلال في أولى حروبه ضد جيوش الدول العربية، وانتهت الحرب بهزيمة العرب، وعرفت بـ"النكبة". وكان سعي اليهود لإقامة كيان لهم في فلسطين سبباً رئيساً لاندلاع هذه الحرب، بمعاونة دول غربية، للعمل على تفريغ فلسطين من سكانها العرب الأصليين، وإقامة هذا الكيان الغاصب.
وبعد الحرب انقسم "جيش" الاحتلال إلى 12 لواءً ضمّ: غولاني، وكرملي، والإسكندروني، وكيرياتي، وجفعاتي، وإتزيوني، ولواء 7، واللواء 8 المدرع، وعوديد، وهاريل، ويفتاح، والنقب، فيما ألغي البعض الآخر.
العصابات الصهيونية الأخرى داخل "جيش" الاحتلال
وإضافة إلى "الهاغاناه"، يضم "الجيش" الإسرائيلي عصابات أخرى، أهمها:
منظمة "بارغيورا":
تأسست في فلسطين عام 1907 على يد يتسحاق بن تسفي، وإسرائيل شوحط، وغيرهما من أوائل المستوطنين الصهاينة. وهي منظمة عسكرية سرية، شعارها "بالدم والنار سقطت يهودا، وبالدم والنار ستقوم يهودا".
تولت "بارغيورا" مسؤولية بناء المستوطنات الصهيونية في الجليل، وظلت تعمل حتى 1909 ثم حلّت مكانها منظمة "هشومير" أي "الحارس".
منظمة "الحارس":
اسمها بالعبرية (هشومير) تأسست عام 1909 على يد كل من يتسحاق تسفي، وألكسندر زيد، وإسرائيل جلعادي، وإسرائيل شوحط. بدأت العمل بسرية، وهي تُعد استمراراً لـ"بارغيورا"، وكانت ضمن المحاولات الأولى لتأسيس قوة مسلحة يهودية في فلسطين تعمل على فرض الاستيطان الصهيوني وتدعيمه. كما تولت إقامة المستعمرات في الجليل، وفي مناطق فلسطينية أخرى.
أسست المنظمة أول مستعمرة لها عرفت بـ"عداشيم" بالعبرية، في مرج ابن عامر بمحاذاة الطريق العام الواصل بين العفولة والناصرة، وعلى جزء من أراضي القرية العربية المدمرة تل العدس، قبيل الحرب العالمية الأولى عام 1923. وكانت هذه المستعمرة أحد الأجهزة الرئيسية لتدريب العناصر العسكرية التي شكلت فيما بعد قوام عصابة "الهاغاناه".
منظمة "النوطريم":
"النوطريم" تعني بالعبرية "الحراس". شكلتها سلطة الانتداب البريطاني بالتعاون مع "الهاغاناه"، بهدف قمع الانتفاضات العربية في فلسطين ما بين 1936ـ 1939. جُند لها المئات في المستوطنات الواقعة على الحدود، وفي وادي الأردن.
منظمة "البالماخ":
اسمها بالعبرية "بلوجوت ماحاتس" أي "سرايا الصاعقة"، وتختصر بـ"البالماخ"، وهي القوات الضاربة لـ"الهاغاناه". كانت تعمل كوحدات متقدمة أثناء الحرب العالمية الثانية، وإمداد "الهاغاناه" باحتياطي دائم من الإرهابيين المدربين جيداً.
من أهم وحداتها: وحدة "المستعرفيم" أي (المستعربين) ممن يجيدون اللغة العربية، ولديها إلمام بالعادات والتقاليد العربية، للتغلغل بين الفلسطينيين استخبارياً للحصول على معلومات تتصل بأوضاعهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، واغتيال العرب. بالإضافة إلى وحدة الجوّالين التي كانت تُعد ملفات ومعلومات تفصيلية كاملة عن القرى الفلسطينية.
عملت "البالماخ" خلال 1941 و1942 بتنسيق تام مع القوات البريطانية في فلسطين، والتي دربت أعضاءها تدريباً مكثفاً.
منظمة "إتسل":
اسمها "الإرغون" وتختصر بـ "إتسل"، تأسَّست في فلسطين عام 1931 برئاسة مناحيم بيغين وتعني "المنظمة العسكرية القومية في أرض إسرائيل"، تتألف من اتحاد أعضاء عصابة "الهاغاناه" المنشقين عنها وعصابة "بيتار".
تبنت "الإرغون" أفكار فلاديمير جابوتنسكي، التي تشدد على ضرورة قيام القوة اليهودية المسلحة وإقامة الكيان، وعلى حق كل يهودي في دخول فلسطين. وكانت أنشطتها تتركز على قتل الفلسطينيين وتهجيرهم.
منظمة "ليحي" أو "شتيرن":
تعني "ليحي" بالعبرية "المحاربون من أجل حرية إسرائيل" واشتهرت باسم مؤسسها أبراهام شتيرن عام 1940، كعصابة عسكرية صهيونية سرية بعد انشقاقه مع أنصاره عن "اتسل"، ثم تغير اسمها إلى "شتيرن" عام 1942 بعد مقتل مؤسسها.
أطلق عليها في البداية اسم "الإرغون"، ثم سمّيت "ليحي". شاركت في تنظيم الهجرة غير الشرعية إلى فلسطين، وارتكبت أعمالاً وحشية وإرهابية واغتيالات ضد الفلسطينيين، وعمليات سلب ونهب للبنوك، كذلك اغتالت اللورد موين، المفوض البريطاني في القاهرة عام 1944.
في 22 تموز/يوليو 1946، نسفت "شتيرن" جناح فندق الملك داود في القدس.
أبرز المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية
منذ تغلغلها في فلسطين، ارتكبت العصابات الصهيونية مجازر عديدة لا يمكن حصرها، بيد أنّ أبرزها كان مجزرة قرية دير ياسين غربي القدس في 9 نيسان/أبريل 1948، حيث قام 120 صهيونياً من عصابتي "الإرغون" و"شتيرن" بأمر من قائد "الهاغاناه" دافيد شلتيئيلو، بمباغتة سكان القرية، وقتلهم بوحشية، ثم جابوا شوارع القرية وهم يهتفون فرحاً بنصرهم وقتلهم النساء والأطفال والشيوخ. كما مثّلوا بجثث الضحايا، وألقوا بها في بئر القرية. ووصل عدد شهداء المجزرة إلى 245 فرداً.
ومن بين المجازر الأخرى التي ارتكبتها العصابات الصهيونية نذكر منها: مجازر في حيفا، ويازور في يافا، وطبريا، وصفد، والرملة، وقلقيلية، والبريج، وكفر قاسم، وخان يونس، وبيت دراس في غزة والتي راح ضحيتها 260 شهيداً من النساء والأطفال، ومذبحة غزة الأولى في شباط/فبراير 1955 والثانية في أيار/مايو 1955، ومجزرة اللد، والحولة، وبيت لحم 1952، وعدة مجازر في القدس، ومذبحة الحرم الإبراهيمي في شباط/فبراير 1994.
وفي خارج فلسطين المحتلة، ارتكبت العصابات الصهيونية مذابح عديدة في لبنان، أبرزها مذبحة حولا عام 1948، ومذبحة صيدا جنوبي البلاد في حزيران/يونيو عام 1982، ومذبحة صبرا وشاتيلا بين 16 و18 أيلول/سبتمبر 1982، ومذبحة عين الحلوة في أيار/مايو 1984، ومذبحة سحمر في أيلول/سبتمبر 1984، ومذبحة حمامات الشط في تشرين الأول/أكتوبر 1985، ومذبحة قانا في نيسان/أبريل 1996 والتي راح ضحيتها 250 لبنانياً بينهم نساء وشيوخ وأطفال.
"طوفان الأقصى".. الاحتلال يواصل مجازره بحق المدنيين الفلسطينيين
مع الإشارة إلى أنه منذ بدء العصابات الصهيونية ارتكاب المجازر في فلسطين، وحتى اندماجها في ما يسمى "جيش الدفاع" الإسرائيلي، تواصل العصابات داخل هذا "الجيش" ارتكاب أفظع المجازر والتطهير العرقي والإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين حتى يومنا هذا، وكتابة هذا التقرير، حيث تشنّ الاعتداءات الوحشية على قطاع غزة لليوم الـ29 على التوالي ضمن معركة "طوفان الأقصى"، أكثر ضحيتها النساء والأطفال، وارتكب الاحتلال خلالها مجازر عديدة واستهدف بشكل متعمّد مستشفى المعمداني وراح ضحيتها المئات من الشهداء والجرحى، و3 مجازر في مخيم جباليا، ومجازر أخرى في مخيم جنين والمغازي، ولم تسلم منه المساجد والكنائس. كما استهدف مدرسة للنازحين داخلها عشرات العائلات النازحة.
وأعلنت وزارة الصحة في غزة،في آخر إحصائية لها ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى أكثر من 9 آلاف شهيد، منهم 3760 طفلاً و2326 امرأة، إضافة إلى إصابة نحو 32 ألفاً بجراح مختلفة منذ بداية ملحمة "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأوّل/أكتوبر، في حصيلة غير نهائية مع استمرار العدوان الوحشي.
وقالت الوزارة إنّ الاحتلال ارتكب 15 مجزرة خلال الساعات الماضية راح ضحيتها 256 شهيداً، ما رفع عدد المجازر بحق عائلات قطاع غزة إلى 965 مجزرة.
وكشف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أنّ "إسرائيل" أسقطت أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة تتجاوز بمعدل 70 طناً لكل كيلومتر مربع، في إطار عدوانها المتواصل منذ انطلاق معركة "طوفان الأقصى"، وذلك بما "يُعادل قنبلتين نوويتين" من القنبلة النووية التي ألقيت على "هيروشيما".
ويتسع الجدل حالياً داخل "إسرائيل" حول ما إذا كانت هذه الحرب حرباً وجودية، وحرب - اللا خيار -، وفق ما وصفها الإعلام الإسرائيلي، في ظل أزمة داخلية عميقة على رأسها قيادة متداعية تعرضت لضربة كبيرة وقاسية من المقاومة، مع مخاوف من أن تتحول إلى حربٍ إقليمية تدفع "إسرائيل" ثمناً باهظاً لها في حال قررت توسيع عمليتها البرية في قطاع غزة.