لا يختلف اثنان على واقع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الذي يعاني أزمات مركبة انعكست على حياة اللاجئين في المخيمات والتجمعات الفلسطينية بشكل مأساوي وعلى كامل تفاصيلها، ولسان المفوض العام للأونروا يقول إن 93٪ منهم تحت خط الفقر، إذاً نحن أمام صراع متعدد الأبعاد تُرك فيه الشعب الفلسطيني وحيداً في مواجهة أزمات معقدة ومتتالية ومتشعبة، ومشاريع تصفوية عمل عليها العدو الصهيوني ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية في محطات مختلفة، خاصةً بما يتعلق بضرب أسس صمود الشعب الفلسطيني وتمسكه بحقوقه، ومن ضمنها الأونروا وما تشكله من اعتراف دولي حي على نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948. مشاريع أمنية بموازنات متوفرة:
عند الحديث عن قضايا الفقراء، ضحايا الحروب والكوارث، اللاجئين، المفقودين، الأسرى الخ... غالباً مايجري الحديث عنها بلغة جافة من الأرقام والسياسة، لا تحكي حياة الناس ويومياتهم، بكل ما فيها من هموم وتحديات وأحلام ضائعة، بل على العكس هي لغة تُجردهم من حقوقهم وتُنقصهم إنسانيتهم.
وأمام قضية اللاجئين الفلسطينيين، تكتسب لغة الأرقام أبعاداً أكثر خطورة من كونها عملية إحصائية إلى توظيفات سياسية وأمنية تخلق مخاوف مشروعة لدى اللاجئين الفلسطينيين، في إطار الحرب التصفوية لقضيتهم، لاسيما بعد أن جددت إدارة الأونروا اتفاق الإطار مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقامت بنقل الأرشيف الفلسطيني من رئاستها في عمان إلى بيت الأمم المتحدة في بيروت، وسبقها محاولات عديدة ما زالت مستمرة وصولاً إلى ما نحن بصدده اليوم في مشروع التحقق الرقمي من أعداد المستفيدين من المساعدات النقدية الزهيدة التي تستثني منها الشريحة العمرية الأوسع من شعبنا في لبنان (من عمر 19 حتى 59)، ولا تقدمها بشكل شهري منتظم بمواعيد ثابتة، وأمام واقع يفتقد المقومات الإنسانية الأساسية، خاصة الصحية، فمرضى السرطان والكلى والقلب في صراعٍ يومي لتأمين متطلبات العلاج، ومازالت آلاف البيوت الآيلة للسقوط في المخيمات الفلسطينية تهدد حياة ساكنيها، وما زالت صرخات اللاجئين الفلسطينيين من سوريا في لبنان لتوفير أدنى متطلبات الحقوق الآدمية لهم لا تلقى آذاناً صاغية كما صرخات أهلنا في مخيم نهر البارد المنكوب الذي لم تُستكمل عملية إعادة إعماره حتى اليوم، وغيرها من القضايا والتحديات التي ما زالت الأونروا عاجزة عن توفيرها بذريعة العجز المالي بينما تتوفر الأموال بسلاسة ووفرة لمثل هذه المشاريع الأمنية. جدوى عملية التحقق الرقمي - تعقيدات وصعوبات
أطلقت إدارة الأونروا في لبنان منذ فترة تطبيقاً للتسجيل Eunrwa، وتعمل حالياً على إطلاق عملية التحقق الرقمي والذي سيبدأ باللاجئين الفلسطينيين من سوريا، وعملية التسجيل في البرنامج هي مدخل إلزامي للتحقق الرقمي.
لكن يخشى اللاجئون الفلسطينيون أن يكون هذا التحقق مدخلاً لتقليص أعداد المستفيدون (على قلتهم)، وبوابة للمس بمكانتهم القانونية، خاصة وأن عملية التحقق فردية، وهناك من يشير إلى التوجه بعدم إفادة الزوج/ة الغير فلسطيني/ة من المساعدة، وقد جرى سابقاً التصدي لمثل هذه المحاولات، كما يفتح الباب لمزيد من المعايير والتعقيدات المتعلقة بالأحوال الشخصية، تواقيت دخول الأراضي اللبنانية وغيرها من الاحتمالات التي تُنتج بالمحصلة مزيد من التقليص أكثر مما هو قائم حالياً, مع العلم أن عملية استلام المساعدة النقدية حالياً تشترط على المستفيدين حضورهم الشخصي مصطحبين أوراقهم الثبوتية وبطاقة الأونروا كما تشترط عرض الرسائل المتعلقة بالمساعدة على الهاتف والتي تحتوي على رقم الحساب والرقم السري لإتمام عملية التحقق واستلام المساعدة النقدية من مراكز OMT المنتشرة على الأراضي اللبنانية، وأيضاً يُجري باحثوها الاجتماعيون عمليات الإحصاء والتقييم الاجتماعي والاقتصادي والتحقق عبر زيارات ميدانية إلى بيوت المستفيدين وبدون موعد مسبق, فهل كل هذه الإجراءات غير كافية للتحقق؟!!!
وفوق كل هذا ظهرت عيوب في تطبيق Eunrwa وشكاوى من ثغرات في إتمام عملية التسجيل رصدنا منها ما يلي:
1- في حال نسيان كلمة المرور سيتم إرسال كود مرة واحدة على رقم الهاتف، وبعد ذلك سيكون التواصل عبر إرسال إيميل وهنا تبرز صعوبة تواصل عدد واسع من المستفيدين بهذه الطريقة.
2- سيؤدي إدخال كلمة السر خمسة مرات بشكل خاطئ لتعطيل الحساب، ويستوجب الاتصال بالأونروا للمعالجة.
3- في تقدير أولي لعمليات التسجيل تبين ضعف (السيرفر) الخاص بالبرنامج، وعدم قدرته على الاستجابة في حال كان هناك كثافة في عمليات تسجيل متزامنة.
4- كرت الأونروا الذي يصدر في المحصلة عن البرنامج باللغة العربية، وغير معتمد ما لم يكن مختوماً من الأونروا، مما يضطر المستفيد للذهاب لمركز الأونروا بالمحصلة لإتمام عملية التسجيل، الأمر الذي يُفقد كامل العملية جدواها ويوحي بأن أحد الغايات من البرنامج تقليص أعداد الموظفين.
5- سهولة اختراق الحساب من الآخرين.
أما في عملية التحقق الرقمي المزمع إطلاقها:
1- اشتراط اتمام عملية التسجيل بتطبيق eunrwa للولوج لعملية التحقق.
2- صورة سيلفي (بصمة الوجه).
3- تفعيل gps وفتح الكاميرا لتصوير الهوية ومطابقتها مع صورة الوجه بتقنية الذكاء الاصطناعي (نُشير لقبول الهوية العسكرية في حال توفرها! )، وهنا تبرز المشاكل المتعلقة باستصدار الأوراق الثبوتية للاجئين الفلسطينيين من سوريا في ولبنان ولمن فقد ثبوتياته لسبب أو لآخر ولمن تجاوز عمره 16 عاما، ولا يحمل اية مستندات، بالإضافة للأوراق الثبوتية التي تحتوي على صور قديمة وصور غير واضحة ولا تتطابق مع الصورة الحالية.
4- عملية التحقق فردية وتجري لمرة واحدة فقط.
5- بعد الانتهاء من الخطوات السابقة، يجري تحديد موعد لإجراء مكالمة فيديو مع العاملين بالأونروا بآلية خاصة بالأمر، وهنا تبرز مشكلة توفير رسوم الكهرباء غير المتوفرة على مدار الساعة والانترنت الذي ربما ستتضاعف كلفته.
6- مراكز الأونروا وإن توفر فيها الانترنت هي غير مؤهلة لاستقبال أعداد كبيرة من المراجعين للأمر, وتفتح في أوقات الدوام الرسمي, كما أن هناك صعوبة خاصة للمرضى وكبار السن في الوصول إليها, وإن ثلاثين موظفاً في لبنان لن يستطيعوا تلبية الأمر.
7- العملية التحضيرية للموضوع من الناحية التكنولوجية، وإشراك المجتمع المحلي غير متوفرة بالشكل المطلوب ولم تأخذ مداها الزمني المناسب.
8- رقم الهاتف الواحد أو حساب الإيميل يلبي للتواصل مع 5 حالات تحقق كحد أقصى.
9- ضرورة متابعة كافة الإشعارات من البرنامج وإمكانية إعادة طلب التحقق من الأنروا في أي وقت.
10- تستوجب كامل العملية السماح الإجباري للتطبيق بالولوج إلى الهاتف والكاميرا والوسائط الأمر الذي يُعتبر انتهاكاً للخصوصية.
والكثير غيرها من الأمور والثغرات التي سنتكلم عنها في مقالات لاحقة.
ختاماً يبقى الأساس البحث عن صيغ أفضل في التعاطي مع اللاجئين الفلسطينيين تستند إلى خلفية إنسانية واجتماعية تحاكي حقوقهم وأولوياتهم بعيداً عن إثارة هواجس أمنية وسياسية.■