يمكن القول أن الفن القصصي في فلسطين قبل عام 48 كان يمر في مراحله التجريبية، شأنه في ذلك شأن القصة العربية بشكل عام، والتي كانت تفتقر حينها إلى النضج الذي يؤهلها لترسيخ نفسها ومزاحمة الشعر، ورغم ذلك؛ عرفت أسماء، مثل: خليل بيدس (1875- 1949)، وأحمد شاكر الكرمي (1894-1927)، وجميل البحري (توفي عام 1930)، الذي أصدر أول رواية فلسطينية تحت عنوان "الوريث" والتي ظهرت في القدس عام 1920، ونشر أيضاً مجموعة قصصية بعنوان آفاق الفكر عام 1924 في القاهرة.
وقد أسس كل من هؤلاء الأدباء مجلة أدبية خاصة وأشرف على تحريرها بنفسه، وكانت معظم ما تنشره قصصاً مترجمة، كانوا يقومون بترجمتها بأنفسهم من اللغات الأوروبية والآداب العالمية.
وفي عام 1943 أصدر إسحق موسى الحسيني الرواية الفلسطينية الثانية، تحت عنوان"مذكرات دجاجة" وقد كتب لها المقدمة د.طه حسين، وقد طبعت عدة مرات؛ لما حصلت عليه من شهرة آنذاك في العالم العربي.
أما ما بين العامين 1948-1967؛ فقد تأثر الفن القصصي الفلسطيني بعدد من تجارب في العالم العربي، وقد اشتهر في هذه الفترة أربعة كتاب كانوا جميعاً يعيشون خارج فلسطين، وهم: محمود سيف الدين الإيراني 1914-1974، جبرا إبراهيم جبرا 1917-1994، سميرة عزام 1924- 1964، غسان كنفاني 1963- 1972.
وكتب محمود سيف الدين الإيراني القصة منذ الأربعينات، وهي أكثر نضجاً من المحاولات السابقة لها في فلسطين، وانتقل إلى الأردن عام (1942)، فكان من أهم رواد القصة في شرق الأردن، وربما كانت مجموعته "مع الناس" (1956)، هي ما أثبت قدراته المتعددة.
أما أعمال جبرا القصصية؛ فقد بشرت بميلاد مستوى مختلف وأكثر حداثة، وقد نشر مجموعته "عرق وقصص أخر" عام (1956)، وقد كانت قصصه إلهاماً للصفوة.
أما سميرة عزام، التي بدأت الكتابة قبل عام 1948، فقد دلت أعمالها على وعي بالأحداث الخطيرة التي كانت على وشك الحدوث، بالإضافة إلى أن قصصها عكست انضباطاً فرضته على ذاتها واحتراماً لأدواتها الفنية، وباختصار، فإن قصصها الفنية هي خير ما يمثل القصص القصيرة الفلسطينية في مرحلة الخمسينات والستينات.
أما غسان كنفاني فقد دخل عالم الأدب بنشره عام 1961 مجموعته "موت سرير رقم 12"، وقد بدا أن هذا الكاتب قادرٌ على تحقيق العمق والتنوع، وبصدور مجموعته الثانية "أرض البرتقال الحزين" عام 1963؛ رسخ نفسه كاتباً قصصياً من الطراز الأول، ثم أصدر بعد ذلك "عالم ليس لنا" 1965، عن الرجال والبنادق 1968، وأصدر كنفاني روايته الأولى "رجال في الشمس" عام 1963، ثم رواية "ما تبقى لكم" عام 1966، "وعائد إلى حيفا" 1969. وكانت رواية رجال في الشمس هي التي وضعته في طليعة كتاب القصة في الأدب العربي عامة، والفلسطيني خاصة. أما رواية "ما تبقى لكم" فكانت محاولة جريئة لتحديث القصة في العالم العربي.