رمضان يعيد الروح إلى قطاع غزة ..ماذا عن بقية الأيام..؟
2023-03-22
غزة (الاتجاه الديمقراطي) (تقرير آمنة الدبش)
يستعد الفلسطينيون في قطاع غزة المحاصر للعام الـ 16على التوالي لاستقبال شهر رمضان المبارك وهم مثقلون بالهموم والخيبات التي ارهقت كاهلهم ومشاهد المعاناة التي تلحق بهم بصور المنازل المتهالكة ووجوه تغص بؤساً وفقراً ومصيراً مجهولاً ما بين دهاليز الحرب ومعادلة الصراع مع الكيان الصهيوني.
رغم الجراح ومرارة الحصار يتمسك الشعب الفلسطيني بعاداته وثقافته كما يتمسك بحقه في صموده وثباته بأرضه تحت وطأة بطش الاحتلال الاسرائيلي ، فيبقى شهر رمضان له رونقاً ومذاقاً خاصاً ليس له مثيل في اجوائه وروحانياته وممارسة طقوسه من حيث تزيين واجهات المنازل والمحلات والشوارع بالإضاءات الملونة وحبال الزينة الرمضانية والفوانيس إضافة الى حلوى رمضان ، مظاهر واجواء ثقافية اجتماعية تمثل ثقافة وحضارة المجتمع الفلسطيني توارثتها الاجيال لتبقى خالد في الذاكرة والتاريخ. طقوس رمضانية لم تتغير مع الزمن
رغم التغييرات الزمنية ومواكبة التطور التكنولوجي الذي طرأ في حياتنا اليومية لا يزال المجتمع الفلسطيني يحتفظ بطقوسه الرمضانية وعبق ذكرياته.
يوم الفجعة الذي يسبق رمضان يحرص الفلسطينيون على عادات وتقاليد توارثوها جيلاً بعد جيل في آخر ايام شعبان قبل دخول رمضان يطلق على هذا اليوم في بعض المناطق " الفجعة او الهزرة " فالفجعة بالعامية تعني الشراهة والفجعان والهزرة تعني كثرة الأكل ، كان الآباء يدعون أبناءهم وبناتهم المتزوجين لتناول طعام الغداء في بيت العائلة يأكلون ما يشتهون بلا حسبان مأكولات دسمة ومن هذه الأكلات الشهيرة ما يعرف بـ "الكرشات والكوارع " وغير الحلويات والفواكه المتنوعة والموالح مما لذ وطاب لكن انحسر هذا التقليد بسبب الضغوط الاقتصادية والاوضاع المعيشة الصعبة ، ومن طريف قولهم في المثل الشعبي: "بيوم الهزرة الأكل حتى الفزرة". المسحراتي
النكهة الرمضانية لا تكتمل بدونه " يا نايم وحد الدايم " هكذا يصدح في الليالي الرمضانية بصوته الجهور منادياً بالسحور مرتدياً زياً شعبياً تراثياً حاملاً طبلته وعصاه الصغيرة ومصباحاً يساعده في تلمس خطواته متجولاً بين الشوارع وازقة المخيمات مردداً الابتهالات الدينية والموشحات الرمضانية وكلمات مستوحاه من الواقع السياسي والاجتماعي على الساحة الفلسطينية تتلاءم بواقعهم المرير ممزوجة بالدراما والكوميديا منها "الدنيا ماشية ورايحة فينا ومحدش فيها مدور علينا " ، "لا كهربا ولا مية والحصار اشتد علينا " ، " الكهربا قاطعة والناس بخارج البيوت لا رواتب ولا فلوس " . فوانيس رمضان
يبتهج شهر رمضان في فلسطين ببهجة احتفال الأطفال بقدومه واقتناء الفوانيس التي تردد أناشيد الشهر المبارك، فلا تخلو شوارع قطاع غزة من الفوانيس الرمضانية بأشكالها المختلفة والمصنوعة من المعدن والبلاستيك الملون والقماش ذات الألوان الزاهية، ويعبر الأطفال عن فرحتهم الشديدة بحلول شهر رمضان المبارك بعد تناول وجبة الإفطار مع أهاليهم والنزول إلى الشوارع والمفترقات حاملين الفوانيس مرددين تلك العبارة الطفولية " حالو يا حالو رمضان كريم يا حالو " .
اللمات الرمضانية
من العادات المتوارثة عند الشعب الفلسطيني عقد "اللمات الرمضانية" التي تزيد من تواصلهم وتوادهم وتراحمهم تجمع بين كل الأجيال من الأجداد إلى الأحفاد، حيث يتم خلالها تبادل الأحاديث وإحياء الذكريات مما يعزز مشاعر الألفة الأسرية التي تقوي روح التكافل وخلال اللمة العائلية يتناولون الحلوى الرمضانية ويحتسون القهوة السادة.
التكاتف المجتمعي والتعاطف يستمتع الفلسطيني بروحانية الشهر وطقوسه من خلال المحافظة على الجيرة الحسنة عبر تبادل صحون الإفطار فهذه العادة لا تغيب بين الأسر والجيران، وهي تحث ربات البيوت على الإبداع في إعداد الأكلات بهدف التباهي. المأكولات الرمضانية
يتميز الطعام الفلسطيني خلال شهر رمضان بأصناف معينة يفضلها الفلسطينيون وتختلف أحيانا من منطقة إلى أخرى، ولكن الاتفاق يكون شبه تام حول المقلوبة والسماقية والمفتول والمسخن والمنسف ، كما لا تغيب المخللات والسلطات عن المائدة الفلسطينية. وبدون أدنى شك تتربع القطايف والكنافة على مائدة الحلويات وتبقى التمور هي فاتحة وبركة الخير لكل إفطار.
أما المشروبات التي اعتاد عليها الفلسطينيون في هذا الشهر فأهمها شراب الخروب الذي لا تخلو موائد البيوت منه، كما لا يتوانى الباعة عن تقديمه في الأسواق والساحات العامة مع مشروبات أخرى مثل الكركدية وقمر الدين وعرق السوس ومختلف العصائر.
يأتي رمضان بحُلّته في ظل أوضاع أمنية وسياسية خطيرة تعصف بالقطاع مع استمرار الانقسام وعدم الوفاق وتفاقم أوضاع وأزمات المواطنين مما يشكل عبئا اقتصاديا إضافيا على كاهل المواطنين محدودي ومعدومي الدخل حيث تكثر احتياجات المواطنين وتتضاعف المصاريف في هذا الشهر الكريم من خلال الموائد الرمضانية المختلفة والتزاماتهم من النواحي الاجتماعية والعائلية ، حتى امتدت معاناتهم الى ادق التفاصيل الحياتية فمع ذلك يصر الفلسطينيون على انتزاع فرحة قدوم الشهر الفضيل من بين فكَّي الاحتلال الاسرائيلي والحصار القاتل.