استحقاق 4 أيار 1999، واستراتيجية بسط سيادة دولة فلسطين على أراضيها المحتلة عام 67
2023-03-07
قراءة في كتاب الدولة المستقلة والسيادة الوطنية ويحمل الرقم «5» في سلسلة الطريق إلى الاستقلال التي يصدرها المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف».
الكتاب يدعو إلى مبادرة وطنية بإعلان بسط سيادة دولة فلسطين على أراضيها المحتلة عام 67 لمواجهة استحقاق الرابع من أيار/ مايو1999 حيث يقف الفلسطينيون أمام انتهاء المرحلة الانتقالية من اتفاق أوسلو دون أن يكونوا قد توصلوا مع الجانب الاسرائيلي إلى اتفاق حول الحل النهائي.
التحلل من أوسلو أو تجاوزه ليس بالضرورة العودة إلى النظام القديم أي إلى واقع الاحتلال حسب ادعاء البعض في محاولة فاشلة لإثبات عدم وجود خيار خارج نطاق المسار الذي اختطته هذه الاتفاقات، تجاوز أوسلو يعني في الحالة المحددة التي نواجه: التقدم نحو الاستقلال الوطني، بإعلان بسط سيادة دولة فلسطين على أراضيها المحتلة عام 67، هذا هو الخيار الذي طرحته الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين كخيار رئيسي عقب انتهاء المرحلة الانتقالية دون التوصل إلى حل سلام دائم، وإلى الآن وبعد مرور نحو ربع قرن من الزمن على استحقاق 4/5/1999، من انتهاء الموعد المفترض والمحدد للمرحلة الانتقالية، لم يتم التوصل في مفاوضات الوضع الدائم إلى نهايتها باتفاق حول القضايا المؤجلة، بل ولم تنفذ ترتيبات ما تم الاتفاق عليه بشأن إعادة الانتشار وإطلاق سراح الأسرى وغيرها من القضايا الواجب تنفيذها حسب الاتفاقات المرحلية مثل بروتوكول الخليل ومذكرة واي ريفر، وهو ما ينطوي على خطر تحول الحل الانتقالي القائم على الحكم الذاتي إلى حل نهائي.
استحقاق 4/5/1999 طرح سؤالاً ملحاً: ماذا بعد انتهاء فترة المرحلة الانتقالية دون الوصول إلى حل دائم؟. وما هي الخيارات المتاحة لمواجهة هذا الاستحقاق الخطير؟. هذا السؤال مطروح بالدرجة الأساسية على السلطة التي اختارت طريق أوسلو وتتحمل مسؤولية نتائجه، ولكنه أيضاً مطروح على قوى معارضة أوسلو التي ليس بوسعها من موقع المسؤولية الوطنية أن تدير ظهرها لهذا الاستحقاق، فأشواك أوسلو تدمي شعبنا بأسره.
وللتعامل مع فشل استحقاق 4/5/1999 موعد انتهاء المرحلة الانتقالية، طرحت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين مبكراً استراتيجية سياسية وطنية وتفاوضية أساسها إعلان بسط سيادة دولة فلسطين على أراضيها المحتلة بعدوان الرابع من حزيران، استناداً إلى إعلان الاستقلال الصادر عن المجلس الوطني في 15/11/1988، وعملاً بقرارات الشرعية الدولية بما فيها القرار181 الذي أعطى الشعب الفلسطيني حقه في دولة مستقلة، واستناداً إلى التجربة والمؤشرات جميعها التي تؤكد أن حكومة نتنياهو حكومة استيطان معادية للسلام، والإدارة الأمريكية منحازة انحيازاً مطلقاً للجانب الإسرائيلي، أدرجت الجبهة هذه الاستراتيجية مبكراً على جدول أعمالها حيث أخضعتها للنقاش في صفوف منظماتها، وأقرتها في المؤتمر الوطني الرابع الذي انعقد في أيار/ مايو 1998 أي قبل استحقاق 4/5/1999 بنحو عام، وبادرت إلى طرحها على القوى السياسية وأوساط واسعة من الرأي العام الفلسطيني في سلسلة من الحوارات التي تندرج في سياق إعداد الجبهة الداخلية الفلسطينية لحمل هذه الاستراتيجية على أكتاف أوسع من القوى السياسية والقطاعات الشعبية باعتبارها الخيار الوطني الحقيقي في مواجهة استحقاق نهاية المرحلة الانتقالية، وهو عامل إضافي للانتهاء من الانقسام السياسي الفلسطيني حول موضوع اتفاقات أوسلو، رهان القوى على أوسلو كممر للاستقلال الوطني قد فقد مبرراته في ظل التعنت والعدوانية الإسرائيلية وسياسة الاستيطان والضم الزاحف، مما أبرز عدم جدوى هذا الرهان، وبالتالي تتسع القاعدة الموضوعية لإمكانية استعادة الإجماع الوطني على أساس تجاوز اتفاقات أوسلو.
إن إعلان بسط السيادة لا ينسجم مع استمرار الرهان العقيم على المشاريع والمبادرات الأمريكية، والرهان على حل يقوم على أساسها، فالإدارات الأمريكية عملت على خفض السقف التفاوضي الفلسطيني، وعملت على شل التحركات والمبادرات العربية والدولية الأخرى التي يمكن أن تشكل عامل ضغط على اسرائيل، وهي تمكن نتنياهو من كسب الوقت الثمين لمواصلة فرض الوقائع الاستيطانية والتوسعية على الأرض، ويبدو واضحاً في خطة ترامب أن سقف الحل وفق صفقته هو حكم إداري ذاتي.
تدرك الجبهة الديمقراطية أن هذا الخيار الحقيقي سوق يصطدم بردود فعل إسرائيلية تندرج في عدد من الاحتمالات التي يجب العمل على احتوائها والتغلب عليها، اعتماداً على الطاقات الوطنية للشعب الفلسطيني، وعلى دعم الدول العربية والإسلامية ودول عدم الانحياز والمجتمع الدولي.
لقد وضع استحقاق 4/5/1999، الحالة الفلسطينية أمام ثلاثة خيارات: الخيار الإسرائيلي وقوامه الضم، الخيار الأمريكي وهو استمرار الأمر الواقع لأمد غير محدد تمهيداً لتحويل الحكم الذاتي المؤقت إلى حالة دائمة، الخيار الوطني الفلسطيني وهو إعلان بسط سيادة دولة فلسطين على الأراضي المعترف بها دولياً كأرض فلسطينية، وهذا الإعلان يعني العودة إلى حالة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ومحوره طرف يحتل أرض شعب آخر، ويحرمه منها ومن حقه في تقرير مصيره عليها، الأمر الذي يمهد لإرساء مفاوضات الوضع الدائم على أسس جديدة تقوم بين دولتين، إحداهما تعطل سيادة الأخرى على أراضيها، من خلال استمرار الاحتلال والاستيطان وإدارة الظهر لقرارات الشرعية الدولية، إن رفع السيادة المعطلة على الأرض الفلسطينية هو موضوع الصراع، وتالياً المفاوضات بين دولتين، هكذا نواجه فرض الأمر الواقع الإسرائيلي بأمر واقع فلسطيني، بمقدوره أن يدير الصراع متجاوزاً قيود اتفاقات أوسلو ومتحرراً منها.
التلويح الكلامي بهذا الخيار، خيار إعلان بسط سيادة دولة فلسطين على أراضيها المعترف بها دولياً، ليس كافياً، ولا يمكن أن يعتبر وحده جدياً، فالواضح أن هذا الإعلان سوف يجابه برفض إسرائيلي، انطلاقاً من الادعاء بأن المرحلة الانتقالية تبقى مستمرة حتى يتم الاتفاق على الحل الدائم، وأنه في حال انهارت أو توقفت المفاوضات النهائية، فإنه نظراً لأن حكومة السلطة الذاتية الفلسطينية قد قامت تحت إشراف السلطة العليا للحكم العسكري الإسرائيلي، فإن مصدر السلطات بعد انتهاء المرحلة الانتقالية يبقى اسرائيل، ومن منظور إسرائيلي أيضاً فإن الاتفاقات المعقودة تنص على تحريم متبادل لأي محاولة تغيير للوضع في الضفة وغزة، وهو تحريم يتخطى الفترة الزمنية الملحوظة للمرحلة الانتقالية ولا يتوقف عليها، وعليه لا يوجد سوى طريق واحد لمعالجة المسائل الصعبة للوضع الدائم، وهو المفاوضات المباشرة التي تبقي على كافة الخيارات مفتوحة، الأمر الذي يجعل من إعلان السيادة من جانب واحد محاولة واضحة للإضرار بنتائج هذه المفاوضات، لذلك فالمتوقع أنه يترتب على هذا الرفض الشديد لإعلان السيادة ردود فعل عدوانية حادة.
مواجهة ردود الفعل هذه والتصدي لها يتطلب إعداداً لا يقتصر على الجوانب السياسية-القانونية أو التقنية، على أهميتها البالغة وضرورة أن تُولى أقصى الجهد الممكن، بل هو في الأساس إعداد سياسي جوهره تعبئة قوى الشعب وتوحيد صفوفه للصمود بوجه الخطوات العدوانية الإسرائيلية المقبلة وصدها، وإن وقف المفاوضات الجارية وتفعيل الحوار الوطني بهدف استعادة الوحدة الوطنية هو أبرز متطلبات الاستعداد لهذا الاستحقاق الخطير القادم خلال فترة وجيزة نسبياً، وخاصة أن هذا الخيار يفتح على إمكانية استعادة الإجماع الوطني على هذا الأساس، ويوفر شروط توحيد الحركة الشعبية عليه، بصرف النظر عن موقف السلطة أو الشرعية المهيمنة فيها.
هناك العديد من القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة توفر الخلفية القانونية والشرعية الدولية لإعلان بسط سيادة دولة فلسطين على الأراضي المعترف بها دولياً كأرض فلسطينية، ومن بينها القراران 181، و194، حيث ورد في القرار 181 ما يلي: تنشأ في فلسطين الدولتان المستقلتان العربية واليهودية، والحكم الدولي الخاص بمدينة القدس على ألا يتأخر ذلك في أي حال عن 1 تشرين الأول/أكتوبر 1948. والجدير بالذكر أن هذا القرار تناول بالتفصيل محددات الدولة العربية والدولة اليهودية ومدينة القدس، فرسم الحدود، وحدد الخطوات التمهيدية للاستقلال، وانتخاب الجمعية التأسيسية لكل من الدولتين وشروط المواطنة والاتحاد الاقتصادي الفلسطيني.. واستناداً إلى هذا القرار تم الإعلان عن دولة اسرائيل فبسطت سيادتها على المساحة المحددة لها وتجاوزتها بعد حرب الـ48، ولاحقاً في 1949 في اتفاقيات رودس، وكان القراران 181 و 194 هما الأساس لقبول عضوية اسرائيل في الأمم المتحدة، وصدور القرار 273 بتاريخ 11/5/1949 بعنوان قبول اسرائيل عضواً في الأمم المتحدة، غير أن الدولة الفلسطينية لم تعلن بالتوازي مع الدولة اليهودية، فتأخر هذا الإعلان حتى العام 1988 في دورة المجلس الوطني الـ18، ومازالت سيادة دولة فلسطين معطلة حتى الآن، واتفاق أوسلو لا يتعارض مع هذا استناداً إلى أنه حدد المرحلة الانتقالية لفترة لا تتجاوز الخمس سنوات، وعندما تنتهي الفترة الانتقالية، فإن المبادئ والترتيبات والقيود ذات الطبيعة الانتقالية المتضمنة في الاتفاق تفقد قوتها الإلزامية، وبالتالي تبقى الخيارات بعد هذه الفترة مفتوحة، ومن المؤكد أن مصلحة حكومة نتنياهو أن تستمر المرحلة الانتقالية، وسقفها الحكم الذاتي، وهذا نقيض المصلحة الوطنية الفلسطينية التي تجد خيارها الوطني في إعلان بسط سيادة دولة فلسطين على الأراضي الفلسطينية المعترف بها دولياً مما يرفع الصراع إلى مستوى جديد ويفتح على إرساء مفاوضات الوضع الدائم بين دولتين على أسس جديدة.
رد الفعل الإسرائيلي على إعلان بسط السيادة سيكون قوياً، حيث تملك اسرائيل أكثر من خيار بوسعها اللجوء إليه:
- الخيار الأول: تعلن اسرائيل بسط سيادتها على أقسام واسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وضمها إلى دولة اسرائيل، وقد سبق لحكومة نتنياهو أن ناقشت مشروعين للضم على قاعدة خارطة المصالح الأمنية ، وتقتطع 55% من مساحة الضفة، وأما خارطة المصالح الوطنية فإنها تقتطع 70% من مساحة الضفة، وعلى افتراض إقدام الحكومة الإسرائيلية عليه، لا يعني أن نتيجته ستكون نهائية أو مفروغ منها أو ميئوس من احتمال أن تعيد اسرائيل النظر فيه أو تتراجع عنه، إن الإعلان عن ضم أقسام من المناطق الفلسطينية المحتلة في ظل الوضع المستجد في المنطقة على تراكمات أكثر من خمسين سنة من النضال الوطني الفلسطيني سيؤدي إلى خلق شروط تملي إطلاق مفاوضات على نار ساخنة لمعالجة وتطويق ذيوله لأته ينطوي على احتمال قوي بأن يتحول إلى نقطة تفجير فعلية للوضع الإقليمي بكامله، إن نتائج الضم بهذا المعنى سترتد سلباً على السياسة الإسرائيلية.
- الخيار الثاني: هو فرض الحصار الشامل على مناطق السلطة وإجراءات الخنق الاقتصادي، بفرض الحصار الشامل على مناطق السلطة، معززاً بحصار داخلي بين المدن بما يطول حركة الاقتصاد والمواطنين، وهذا سلاح فعال، لأنه في حال تطبيقه على قطاع غزة مضافاً له المناطق (أ) في الضفة الغربية، سيؤدي إلى النتائج التالية:1-حرمان العمالة الفلسطينية من سوق العمل الإسرائيلي، 2-المساس بحركة الاستيراد والتصدير التي تمسك إسرائيل بمغاليقها، ومفاتيحها. 3- حرمان السلطة الفلسطينية من أموال المقاصة التي تشكل 62% من دخل السلطة، مما يؤثر على مواردها وعلى مصالح الشرائح الطفيلية المستفيدة، بما في ذلك الصفقات التي تدار تحت مظلة العلاقات الاقتصادية والاحتكارات التي تدار بحمايتها، هذا الحصار على فعاليته وآثاره السلبية المدمرة على الجانب الفلسطيني لن يتسنى لإسرائيل أن تفرضه لفترة طويلة، إذ ستتبعه بالتأكيد تحرك عربي ودولي دون أن تتمكن من تحقيق أهدافها وسترغم على رفع الحصار، في حال تمكّن الشعب الفلسطيني من الصمود ومواجهة الخنق الاقتصادي، وهو أمر ممكن التحقق، من خلال الخطوات التالية: تنمية الناتج المحلي، فصم العلاقة مع السوق الاقتصادية الإسرائيلية، تنشيط المعونات الخارجية، إعادة النظر بأولويات السياسة الاقتصادية، مراجعة لأوجه الصرف وللموازنات المعتمدة، العودة إلى اقتصاد الانتفاضة بما هو توجه مجتمعي متكامل للاعتماد على الذات وعلى المجتمع الأسري والمحلي المتضامن لتغطية احتياجات المواطنين وتلبيتها بهدف الحفاظ على الصمود.
- الخيار الثالث: هو احتمال التحرش الأمني والمساس بالمفاصل الحساسة والمؤثرة في المجتمع والحركة الوطنية والمؤسسات والإدارات.. وهذا أسلوب تعتمده الحكومة الإسرائيلية في الأوقات العادية، ومن باب أولى أن تستحضره على نطاق واسع عند التحدي لبسط السيادة على الأراضي المحتلة.
- الخيار الرابع: هو احتمال الاجتياح العسكري للمناطق الفلسطينية (غزة + المنطقة أ) دون ترجيحها على غيرها من الاحتمالات نظراً للخسائر العالية التي يتوقع أن تلحقها في صفوف الطرف المعتدي، الذي يسعى قدر المستطاع إلى تفاديها أو تقليصها إلى حدود الدنيا.
مما تقدم يتضح أن إعلان بسط السيادة قرار سياسي مفصلي يتعدى المناورة الضيقة المعدة للاستهلاك الآني، إنه سلاح ماضٍ بيد الشعب وقواه الوطنية من أجل التقدم على طريق الاستقلال والحقوق الوطنية، ولا ينبغي لمثل هذه الاستراتيجية أن تختصر إلى حدود قرار يسهل التغلب عليه، أو يختصر إلى حدود مبادرة سياسية أو ورقة ضغط لتحسن مواقع تفاوضية أو مواقف سياسية فذلك ينطوي على خطورة بالغة، وعدم مسؤولية، إن الإقدام على هذه الخطوة يقتضي تعبئة طاقات الشعب لمواجهة الضغط الإسرائيلي باحتمالاته المختلفة، إطلاق زخم الحركة الجماهيرية في سياق تجديد الانتفاضة، تجهيز البدائل السياسية لإدارة معركة سياسية وتفاوضية شديدة التعقيد، إن هذا التوجه نحو إعلان السيادة يتطلب جملة من الإجراءات في المقدمة منها:
- إعادة صياغة العلاقة بين السلطة والشعب لجهة إرسائها على أسس من الديمقراطية والشفافية، واحترام القانون، وتفعيل المؤسسات، وتنشيط المجتمع المدني بكل خلاياه، واحترام التعددية، وإطلاق الحريات السياسية والديمقراطية، ومكافحة الفساد وإعادة صياغة الخيارات والأولويات الاجتماعي والاقتصادية لصالح دعم صمود الشعب والمجتمع في مواجهة الاحتلال والاستيطان.
- الشروع بحوار وطني جاد يشمل جميع القوى والفعاليات والشخصيات الوطنية والاجتماعية يغطي طيف القضايا والملفات التي تواجه المجتمع والحركة الوطنية سياسياً، اجتماعياً، اقتصادياً، تحالفياً.. من أجل إعادة بناء الإجماع الوطني على قاعدة البرنامج المشترك واستعادة الائتلاف الوطني.
- تفعيل جدي لمنظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، من خلال فصلها عن إدارات السلطة، وصيانة استقلالها، وعدم التدخل في دائرة عملها، واعتماد الأساليب والأسس الديمقراطية والجبهوية في انتخاب هيئاتها وتشكيلها، إن التفعيل الجاد لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية هو الضمانة الرئيسية والأكيدة لوحدة جناحي الحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل والخارج ضمانة لوحدة الشعب على قاعدة سياسية قوامها برنامج العودة وحق تقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.
- إطلاق حركة اللاجئين، حركة جماهيرية ديمقراطية، وتزخيم فعلها لتصبح مؤثرة في ميزان القوى والقرار السياسي.
خطوة إعلان سيادة دولة فلسطين تنطوي بلا شك على محاذير عديدة، يعتقد البعض أن من بين أبرز هذه المحاذير، أن يكون هذا الإعلان مدخلاً للتكيف مع واقع الاحتلال، من خلال تحويل الدولة إلى طربوش يركب على واقع هو أقرب للحكم الذاتي، أو من خلال قبول اسرائيل برفع الحصار عن غزة تمهيداً لقيام دولة فيها، مقابل فرض التقاسم الوظيفي في الضفة، وإذا افترضنا قبول المفاوض الفلسطيني بمثل هذه الصفقة بما تنطوي عليه من تنازل عن الضفة والقدس، فإن المحذور في هذه الحالة لا ينبع من خطوة إعلان السيادة بحد ذاتها، بل من الاستعداد للقبول بما هو أقل من السيادة الكاملة على القدس وسائر الضفة حتى حدود الرابع من حزيران، ولذلك لابد من إبراز أن أي استعداد لقبول هكذا صفقة هو تنازل خطير عن إعلان السيادة وليس تطبيقاً له، أو نتيجة طبيعية لهذا الإعلان.
أما التخوف أن تكون الدولة طربوشاً يتستر على واقع الحكم الذاتي، فهو يهمل المغزى السياسي لإعلان السيادة، والذي يعني أن الطرف الذي أصدره لم يعد ملزماً بأية قيود أو التزامات تنتقص من هذه السيادة، بما في ذلك القيود والالتزامات المجحفة التي تفرضها الاتفاقات على الحكم الذاتي، هذه القيود قد تبقى على أرض الواقع بفعل سيطرة اسرائيل على المعابر والطرق والحدود والأجواء والمياه ومساحات واسعة من الأرض، لكن ثمة فرق جوهري، في ظل اتفاق الحكم الذاتي فإن الجانب الفلسطيني يرضى بهذه القيود والالتزامات ويتعهد باحترامها وبالتالي يضفي عليها شرعية معينة ولو كانت مؤقتة، أما في حال إعلان السيادة فإن بقاء سيطرة الاحتلال وما تفرضه من استلاب السيادة بالقوة، يفقد شرعيته ويعود على طبيعته كقوة احتلال قائمة بالأمر الواقع على أرض دولة ذات سيادة، وبهذا يكون الإعلان للعزم على استئناف الكفاح من أجل جلاء المحتلين والمستوطنين بما يمكن الدولة الوليدة من ممارسة سيادتها على أرضها فعلياً، إن هذا يتطلب تضحيات عظمة، والتخوف الشعبي واسع من أن يكون الفشل نصيب هذه الخطوة بما ينطوي عليه من كارثة، هو تخوف مشروع، ولكن إن كان ثمة من يخشى أن يقود إعلان بسط السيادة إلى كارثة، فإن عليه أن يتذكر أن الكارثة الأكبر التي يمكن أن تحل بشعبنا وبقضيته الوطنية هي تكريس الوضع الراهن، وتمديد ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالية يما ينطوي عليه من خطر تحويلها إلى وضع دائم وحل نهائي مفروض بالأمر الواقع، كما ينبغي الحذر من الوقوع في مطب تحويل المخاطر إلى فزاعات تدب الرعب وتغذي التردد إزاء خطوة إعلان بسط السيادة.
إن إعلان السيادة يتطلب أن يأتي في سياق خطة وطنية شاملة متفق عليها، تحدد الضوابط الوطنية لهذا الخيار، كما تحدد مقومات نجاحه، وأبرز هذه الضوابط أن يحدد إعلان السيادة بوضوح الحدود الجغرافية للمناطق التي تعتبرها الدولة الوليدة واقعة ضمن نطاق سيادتها، ولا يمكن المساومة عليها في أي مفاوضات أو اتفاق مستقبلي للسلام، وثمة رأي يقول بالامتناع عن تحديد حدود الدولة، وهو أمر لا يفتح آفاقاً لنيل ما هو أبعد من حدود 67 في ظل واقعنا الراهن، بل بالعكس يسقط الضوابط التي تقيد النزعات التفريطية المستعدة للتنازل عن بعض مناطق 67، كما أن إعلان بسط السادة في حدود 67 لا يسقط تلقائياً حقنا في المطالبة بحدود التقسيم، إن القول أن الضفة بما فيها القدس وقطاع غزة هي أرض فلسطينية لا جدال في حقنا في السيادة عليها، ولا إمكانية للمساومة بشأنها، وهي غير خاضعة للتفاوض، أما التفاوض بشأن الحدود التي هي عنصر من عناصر مفاوضات الوضع الدائم، فيجب أن تجري على قاعدة التسليم المسبق بسيادتنا على أراضي 67، وبعد ذلك يمكن المطالبة بإعادة رسم الحدود بما يأخذ بعين الاعتبار الحقوق التي منحنا إياها قرار التقسيم دون أن يعني ذلك المساس بحق اللاجئين في العودة وفقاً للقرار 194، وأن يستند إعلان بسط السيادة على إعلان الاستقلال: بأن دولة فلسطين المستقلة هي « دولة لكل الفلسطينيين أينما كانوا، فيها يطورون هويتهم الوطنية ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق».
بتاريخ 26/9/1998كان من المفترض أن يتلو الرئيس الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات خطاباً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يتضمن فقرة عن استحقاقات يوم 4/5/1999 بأنه « تاريخ له شرعيته الفلسطينية والإسرائيلية والأمريكية والروسية والعربية والأوروبية والدولية، ولا يمكن أن يمضي كأي يوم آخر يجب أن يكون هناك اتفاق قبل هذا اليوم وهذا خيارنا الأساسي وما نطمح لتحقيقه ونواصل بذل كل جهودنا لهذا الغرض، وإما أن نكون مضطرين للإعلان من جانب واحد عن قيام دولة فلسطين على أرض فلسطين مدركين حتى الآن ما قد يترتب على ذلك من نتائج على العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية» وقد استبدلت هذه الفقرة بإسقاط كل ما له علاقة بتاريخ 4/5/1999 وبدلاً من ذلك دعا المجتمع الدولي إلى دعم الفلسطينيين لإقامة دولتهم.
إن التراجع تحت الضغط الأمريكي والابتزاز الإسرائيلي عن طرح القرار الفلسطيني بإعلان السيادة عند نهاية المرحلة الانتقالية على الجمعية العامة للأمم المتحدة وطلب تأييدها لهذا القرار هو نموذج للممارسة السياسية التي تشتق من الرهان العقيم على المبادرات الأمريكية للتوصل إلى سلام عادل.
إن هكذا ممارسة تلحق ضرراً فادحاً وتترك انعكاسات سلبية على مستوى التعبئة الشعبية، ودرجة الاستعداد الكفاحي للجماهير لتحمل أعباء هذا الخيار الوطني والالتفاف حوله.