حجر رشيد عقبة كبرى.. تعرف على خطط مصرية لاستعادة آثارها المنهوبة
2022-12-12
القاهرة(الاتجاه الديمقراطي)
استعادة الآثار المهربة، لسنوات عدة ظل هذا الحلم يداعب مخيلة المصريين وسط جهود الحكومات المتعاقبة والتي تراوحت بين الاكتفاء بالمطالبة والتحرك القانوني مع حملات علاقات عامة، لكن مؤخرا تقول السلطات إن مساعي استعادة الآثار المهربة تشهد صحوة كبيرة.
يقول سالم يسري، وهو اسم مستعار لمفتش آثار بمنطقة آثار الجيزة غرب القاهرة، إن أجزاء الحضارة المصرية القديمة مبعثرة في أنحاء العالم، حيث هاله حجم إقبال الأجانب على الآثار المصرية الموجودة في المتحف المصري في تورينو بإيطاليا، وكثير من مقتنياته مهربة من مصر.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول سالم إن مرأى الطوابير يبعث مشاعر متناقضة ما بين الفخر والأسى، وهو ما دفعه للانضمام لحملتين نشطتا مؤخرًا، إحداهما يقودها الخبير الأثري المعروف زاهي حواس، والأخرى تقودها خبيرة الآثار مونيكا حنا، لاسترجاع حجر رشيد تحديدا لرمزيته.
وزادت الحكومة المصرية مؤخرًا من مساعيها لاسترجاع الآثار المهربة، فيما حذر خبراء بالمجال من اتباع أساليب تقليدية ربما تصطدم بعقبات قانونية دولية تعيق الجهود الرسمية.
وجاءت مهمة استرجاع الآثار المصرية بالخارج على رأس 4 محاور ذكرها وزير السياحة والآثار أحمد عيسى، تعمل عليها الوزارة حاليا، خلال اجتماع مع لجنة برلمانية استمعت إلى مسؤولين بالسياحة والآثار بشأن خطة الوزارة في هذا الصدد.
وأكد أمين مجلس الآثار مصطفى وزيري أن هناك صحوة لعودة الآثار المهربة للخارج، موجها خلال اجتماع اللجنة الشكر لوزارة الخارجية والنائب العام ومكتب التعاون الدولي لجهودهم في مهام استرجاع الآثار المهربة.
"نجاح أكثر من 90%"
نجحت مصر خلال السنوات السبع الماضية في تحقيق المستهدف بنسبة تخطت الـ90%، في قضايا استعادة آثارها بالخارج، بحسب رئيس إدارة الآثار المستردة بوزارة السياحة والآثار شعبان عبد الجواد، الذي أعرب عن تفاؤله بأن تتحقق خطة مصر للعام الجاري بنجاح.
وتابع عبد الجواد، في تصريحات صحفية، أن مصر تسعى لاستعادة آثارها بغرض دراستها وعرضها بالمتاحف.
ورفض مسؤول بوزارة الآثار -تواصلت معه الجزيرة نت- الكشف عن عدد القضايا التي تعمل عليها الوزارة حاليًا، حتى لا يؤثر الإعلان على جهود الاسترداد سلبًا، مؤكدا أن نتائج تلك القضايا ستظهر خلال الشهر الجاري.
وبلغ عدد القطع المستردة خلال الفترة (2011 -2021) نحو 29 ألف قطعة أثرية، وفق إحصاءات رسمية.
يرى مراقبون بناء على هذه الإحصاءات أن مصر قطعت شوطًا كبيرًا في خطتها، ورغم ذلك يظل "حجر رشيد" صخرة تصطدم بها الجهود في كل مرة، رغم أنه خرج بطريق غير شرعي، أي يسهل استرداده نظريا، خلاف آلاف القطع الأخرى التي يصعب استردادها لأنها خرجت من مصر بطرق شرعية، إهداءً أو شراءً قبل عام 1970.
ويأتي القرار الأممي الصادر عام 1970 بشأن رد الممتلكات الثقافية إلى بلدانها الأصلية، ليمنح مصر ودولا أخرى حق المطالبة باسترداد الآثار المسروقة بعد عام 1970 فقط.
كما كانت الآثار المصرية تخرج بطرق شرعية استنادا لوثيقة ملكية، وذلك قبل إصدار قانون رقم 117 لعام 1983 والذي منع تجارة الآثار أو إهداءها بالكامل.
المشكلة هنا -برأي معنيين بالآثار- أن أغلب الآثار المصرية التي سُرقت وخرجت من مصر بطرق غير مشروعة كانت قبل هذا التاريخ، فيما تشير وثائق إلى مكاتبات رسمية بعهد الملك فؤاد مطلع القرن الماضي تطالب باستعادة المسلات المصرية بالخارج.
ورغم أن الاتفاقية أسهمت في استعادة الآلاف من الآثار المصرية المهربة، فإن مصر تطمح لتعديل بنود تتيح استرداد ما خرج منها بطريق غير شرعي قبل عام 1970، ومنها بنود تلقي بعبء إثبات ملكية القطع الأثرية على بلد المنشأ وليس حائز القطع.
حجر رشيد عثرة كبرى
في هذا السياق، دشن وزير الآثار الأسبق زاهي حواس حملة شعبية لاستعادة حجر رشيد، لم تصل بعد للعدد المأمول وهو 100 ألف توقيع. وعبر حواس -في تصريحات متلفزة- عن حزنه من انخفاض استجابة المصريين للمشاركة في الحملة، فيما لبى أجانب نداءها.
وأشار حواس إلى أنه قرر استغلال التوجه العالمي لعودة آثار أفريقيا المنهوبة في السعي لاستعادة حجر رشيد والقبة السماوية، مضيفا: "إذا كانت الدولة محرجة يمكننا ـمن خلال الحملة الشعبيةـ التقدم رسميا بالطلب".
ومع نجاح مصر مؤخرًا في استرداد آلاف القطع، فإن حجتها الأقوى تتعلق بحجر رشيد تحديدا، كما يقول المستشار القانوني لمجلس الآثار سابقا أشرف العشماوي.
يوضح العشماوي أن صلابة موقف مصر القانوني ينبع من أن هذه القطعة الأثرية النادرة لم تخرج بموافقة الحكومة المصرية، ولم تكن ضمن الإجراءات الرسمية أو ضمن نتائج حفائر بعثات أجنبية ولم يتم بيعها أو شراؤها، كما جرى في القطع الأخرى المستردة، وإنما أخذها الإنجليز عنوة من مصر أثناء الحملة الفرنسية عام 1801، بعد مفاوضات بين الدولتين اللتين احتلتا مصر.
تحدث العشماوي للجزيرة نت عن تجربته إبان مسؤوليته قائلا إن الخبرة أثبتت أننا كلما ابتعدنا عن مكاتب المحاماة الدولية ومشارطات التحكيم، يمكننا الاقتراب أكثر من استرداد آثارنا.
ويعرب المتحدث ـوهو قاض ورئيس محكمةـ عن اعتقاده بأن الحملات الإعلامية وتوعية الجماهير بأهمية الاسترداد يحتاج فاعلية أكبر خصوصا على وسائل التواصل الاجتماعي.
ورغم تقديره لأهمية تلك الحملات، يؤكد العشماوي أن تأثيرها مؤقت لكن قوتها في تقديم طلب الاسترداد وقت ذروتها، في لحظة شبيهة بدوي انطلاق رصاصة، محذرا من إطالة مدة الحملة أو استخدام مصطلحات قانونية وأثرية لن تصل للمتلقي، لأن ذلك سيكون له أثر سلبي.
وشدد العشماوي -وهو مؤلف كتاب "سرقات مشروعة" الذي تناول تاريخ سرقات الآثار المصرية- على أهمية حشد المجتمع نحو فكرة الحق في استعادة ممتلكات وطنية مسروقة أو منهوبة، مؤكدا أنه لا يضيع حق وراءه مُطالب أبدًا في قضايا الاسترداد الدولية.
المتحدث الذي استعاد بين عامي 2003 و2011 نحو 5 آلاف قطعة أثرية وقت توليه مسؤوليته بالآثار، أعرب عن تفاؤله بأن أكثر المهام التي بدت صعبة، وهي مهمة استرداد حجر رشيد، يمكن أن تصير سهلة، لتعود القطعة الأثرية لمصر وفقا لأحكام القوانين والمواثيق الدولية، التي تلعب لصالح مصر، لأنها لم تكن طرفا في اتفاقية وُقعت بين دولتي احتلال عسكري، حصلت إحداهما على حجر رشيد دون حق.
وليس صحيحًا أن الحكومة محرجة من التقدم بطلبات تخص قطعا مهمة، برأيه، ففي 11 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2011 تقدم العشماوي ـبصفته ممثلا قانونيا للمجلس الأعلى للآثارـ بطلب رسمي لاستعادة الحجر من بريطانيا تمهيدا لوضعه بالمتحف المصري الكبير، ولأول مرة يأتي رد المتحف البريطاني إيجابيا.
استفادة نوعية للسياحة
من جهته، يثمن رئيس لجنة تسويق السياحة الثقافية بالصعيد محمد عثمان، صحوة الدولة لاسترداد آلاف القطع الموجودة حول العالم بعد سنوات طويلة من الإهمال.
وفي حديثه للجزيرة نت، لفت إلى أن دولا عديدة بدأت من تلقاء نفسها في إعادة ما بحوزتها إيمانا منها بأنه حق لمصر لا بد من عودته، بعد خروجه بطرق غير مشروعة، مؤكدا أهمية العلاقات الدبلوماسية المميزة في هذا الصدد، باعتبارها كلمة السر في عملية الاسترداد.
سبب الصحوة الراهنة لاسترجاع الآثار، يفسره عثمان بحالة الترقب والانتظار العالمي لافتتاح المتحف المصري الكبير، والذي يأتي بعد افتتاح متحف الحضارة، وبعد اعتراف اليونسكو بأن مصر حافظت على نصف الإرث الإنساني العالمي.
ويشدد الخبير السياحي على ضرورة تتبع السفارات المصرية بالخارج لمزادات كبرى لبيع الآثار المصرية، تقام بصالات المزادات المعروفة عالميا، إلى جانب إقامة قضايا دولية في الدول الموجودة بها هذه القطع.
وفيما يخص بعض القطع المستبعد استرجاعها، مثل رأس نفرتيتي الأشهر الموجود في متحف برلين، وحجر رشيد، يطالب عثمان بالاستمرار دون يأس ولا كلل في محاولات استرجاعهما، بالتوازي مع تصاعد الحملات الشعبية باعتبارها ظهيرا داعما لخطوات الحكومة، وأحد أدوات الضغط لاستعادة الآثار.
التأثير على السياحة
بدوره، أعرب رئيس غرفة شركات السياحة بالصعيد ثروت عجمي عن تقديره لما وصفه بالجهد المشكور للحكومة في مساعيها لاسترداد الآثار المهربة، معتبرا أنه نوع من الدعاية الجيدة بالخارج للسياحة الثقافية، ما يجذب نوعية من السائحين يعشقون الآثار المصرية القديمة.
وفي حديثه للجزيرة نت، استبعد عجمي بناء على ذلك أن تؤثر عودة الآثار كثيرا في زيادة تدفق السياحة الأجنبية لمصر، لأن مصر لديها أكثر من ثلث آثار العالم القديم.
واستدرك في حديثه للجزيرة نت بالقول: رغم ذلك، فمن الجيد والمهم عودة تلك القطع، وخاصة الشهيرة منها، ما يدل على حرص الدولة على آثارها المنهوبة بالخارج، خاصة وأن عين العالم على مصر، والكثيرون حتى من الأجانب يتابعون ويهتمون بعودة الآثار المصرية.