كم أتمنى أن تقف القيادة الإسرائيلية مع نفسها فى لحظة صدق وتسأل نفسها ثلاثة أسئلة رئيسية، الأول إلى متى سوف يستمر الاحتلال الإسرائيلى للمناطق الفلسطينية؟، والثانى هل تعتقد هذه القيادة أن الشعب الفلسطينى قد استسلم ولن يثور من أجل الحصول على حقوقه المشروعة؟، والثالث هل ستنجح إسرائيل فى أن تندمج فى المنظومة الإقليمية العربية دون أن تدفع المقابل الطبيعى لهذا الاندماج وهو إقامة الدولة الفلسطينية؟.
وقد وردت إلى ذهنى هذه الأسئلة الثلاثة وأنا أتابع تصاعد التوتر الأمنى فى الضفة الغربية ومدينة القدس العربية والذى يمكن أن يصل إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة لن ينجح أحد فى إيقافها مهما بلغت قوته، وفى رأيى أن هذه الأحداث حتى لو خفت حدتها بمرور الوقت إلا أنها أرسلت رسالة حاسمة إلى الإسرائيليين قيادة وشعبا وإلى المجتمع الدولى كله مفادها أن الشعب الفلسطينى لن يتنازل عن إقامة دولته المستقلة مهما بلغت حجم تضحياته.
كما تشير هذه الأحداث إلى أن الشعب الفلسطينى من أجل تحقيق أهدافه لن يعدم الوسيلة فى استخدام كل الأدوات المتاحة له بغض النظر عن شرعيتها أو عدم شرعيتها، لاسيما وأن الفلسطينيين يرون أن إسرائيل قد أسقطت كلمة الشرعية من قاموسها عندما رفضت تنفيذ جميع مقررات الشرعية الدولية، وبالتالى لم يجد الفلسطينيون مفرا من اللجوء إلى الأدوات التى يمتلكونها مهما تكن من أجل أن يشعر العالم بأن هناك شعبا محتلا يبحث عن حريته منذ نحو نصف قرن من الاحتلال.
ومن المؤكد أننى ضد العنف وأرفض قتل الأبرياء فى أى مكان فى العالم، ولكن السؤال هنا كيف يمكن أن نضبط رد فعل الفلسطينيين الذين يتعرضون للقتل والاعتقال والحصار والتهجير ومصادرة الأراضى ومزيد من الاستيطان والتهويد وهدم المنازل والاقتحام المتكرر للمسجد الأقصى؟ وبعبارة أخرى ماذا ينتظر الإسرائيليون من شعب محتل يزداد كل يوم يأسا وبؤسا وأصبح فاقدا كل أمل فى المستقبل؟.
ومرة أخرى فإننى لست سعيدا بعمليات العنف المتبادلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين التى تتم فى الضفة الغربية ومدينة القدس الشرقية التى ستظل جزءا لا يتجزأ من الضفة، ولكن لابد للقيادات الإسرائيلية سواء فى الحكومة أو المعارضة أو المؤسسات التشريعية والأمنية والبحثية أن تفكر فى الحلول المناسبة وهذه هى مسئوليتها لأن إسرائيل هى دولة الاحتلال، ومن ثم فإنها مطالبة بأن تبحث عن الحلول المناسبة لإنهاء القضية الفلسطينية التى لن تموت مهما تصاعدت الإجراءات الإسرائيلية. وفى رأيى أن الحلول ليست مستحيلة ومازالت هناك فرص متاحة رغم صعوبات الوضع السياسى والأمنى، ولعل الموقف الذى أعلنه رئيس الوزراء يائير لابيد فى خطابه الرسمى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر الماضى بتأييده مبدأ حل الدولتين كان لابد أن يكون المدخل المناسب للحل المنشود ولكن بشرط أن نرى آليات واضحة وعاجلة لتفعيله وليس مجرد مواقف معلنة. كما أن على الإسرائيليين أن يعلموا أن الأحداث الإقليمية والدولية مهما تصاعدت حدتها فإنها لن تجور على القضية الفلسطينية التى يمكن أن تتراجع لفترة ولكنها سوف تظل حية مادام هناك شعب فلسطيني حي وقيادة فلسطينية تجاهد للتعبيرعن طموحات هذا الشعب قدر استطاعتها رغم كل العقبات التى تواجهها، وللأسف الشديد فإن إسرائيل فشلت تماما فى أن تستثمر التوجهات المعتدلة للقيادة الفلسطينية الحالية التى قدمت كل المرونة الممكنة للتسوية السياسية ولكن دون جدوى.
أرجو أن تبتعد القيادات الإسرائيلية عن المزايدة فى استغلال الأوضاع الفلسطينية فى انتخابات الكنيست التى ستتم بعد أيام قليلة، وللأسف فإن الواقع يشير إلى أن التطرف ضد الفلسطينيين أصبح هو المعيار الرئيسى لدى الأحزاب التى ترغب فى الحصول على أكبر قدر من الأصوات ولاسيما حزب الليكود والأحزاب اليمينية والدينية فى الوقت الذى مازالت فيه الأحزاب العربية تبحث عن تحالفات رغم أنها فى حاجة ملحة إلى أن تتوحد وتكون لها كلمتها وتأثيرها باعتبار أنهم مواطنون عرب يحملون الجنسية الإسرائيلية ويعيشون فى دولة إسرائيل ومن ثم فمن الطبيعى بل من المطلوب أن يكونوا حريصين على أن يعيشوا فى دولتهم فى أمن وسلام واستقرار وهو الأمر الذى لن يتوافر إلا فى حالة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. ولن أكف عن التحذير من اندلاع الانتفاضة الثالثة التى لن تكون فى مصلحة إسرائيل التى سوف تتعرض ليس فقط الخسائر المادية والبشرية ولكنها سوف تخسر طموحات تفعيل اتفاقات التطبيع العربى بالشكل الذى تخطط له، أما فى المقابل فإن الجانب الفلسطينى لن يفقد شيئا فمادام الفلسطينيون ليس أمامهم أى مستقبل فلن يقفوا أمام أي خسائر يتعرضون لها أوتضحيات يقدمونها.
وأرجو أن تقوم القيادة الإسرائيلية بدراسة الأحداث التى شهدتها الانتفاضتان الأولى عام 1987، والثانية عام 2000 وتأثيرات هاتين الانتفاضتين على الأمن والاقتصاد الإسرائيلى مع الأخذ فى الاعتبار أن المناخ الذى وقعت فيه أحداث الانتفاضتين السابقتين كان أفضل كثيراً من الظروف الحالية السيئة التى يمكن أن نرى فيها انتفاضة ثالثة سوف تسرى كالنار فى الهشيم دون اعتبار لأحد. وختاما فبغض النظر عن نتائج الانتخابات الإسرائيلية المقبلة فإن الحكومة الجديدة سوف تكون مطالبة ببدء مرحلة التسوية السياسية وأن يكون مدخلها الرئيسى هو بلورة خريطة طريق تبدأ باستئناف المفاوضات وتنتهى بإقامة دولة فلسطينية مستقلة لن تمثل تهديدا لأمن أى دولة فى المنطقة وهو ما سوف يتقرر فى المفاوضات، أما غير ذلك فسوف يكون العنف والتطرف هو التيار السائد خلال المرحلة القادمة.■