دائرة وكالة الغوث بـ «الديمقراطية» تتحدث عن تداعيات البطاقة التمويلية على فلسطينيي لبنان
2021-10-26
بيروت ( الاتجاه الديمقراطي)
نتيجة الازمة اللبنانية المتواصلة منذ ما قبل العام 2019، وانعكاسها على جميع القطاعات، بدأت تداعيات رفع الدعم الحكومي عن عدد من السلع تظهر بأكثر من اتجاه، بعد رفعه بشكل نهائي عن المشتقات النفطية، وهو امر سبق لمصرف لبنان وان اعلنه في اكثر من مناسبة، بسبب نفاذ كميات العملة الصعبة التي يمتلكها.. وعدم القدرة على استمرار دعمه للسلع الاساسية، وسيكون خلال الفترة القادمة عاجزا عن دعم اية سلعة.. ما دفع بالبعض الى التحذير من النتائج الاقتصادية والاجتماعية لهذا الاجراء، وضرورة التفكير بحلول بديلة تخفف من وقع ما هو قادم..
وقد حاولت الحكومة السابقة التخفيف من وطأة تداعيات هذا الاجراء، فأقرت العمل ببطاقة تمويلية بديلة عن الدعم، وتم احالتها الى البرلمان الذي اقرها في نهاية شهر حزيران الماضي، اليوم اصبحت موضع اجماع القوى السياسية، رغم التباينات والاختلافات في تفاصيل العمل بها، ما يعني اننا امام مرحلة قد تشهد رفع الدعم عن الكثير من السلع الاساسية، حتى لو لم تتوفر بعد مصادر تمويل البطاقة، خاصة مع بدء التفاوض مع صندوق النقد الدولي وما يطرحه من عناوين اصلاحية قد تكون موضع نقد من قوى سياسية وشعبية ومجتمعية.. فيما تتواصل التحضيرات لاصدار واقرار البطاقة الدوائية وغيرها من بطاقات ربما خلال الاشهر القادمة..
ورغم ان تفاصيل تطبيق البطاقة ما زال غامضا في اكثر من عنوان، الا ان الواضح، ووفقا للقانون المقر، انها تستهدف الوصول الى مئات آلاف الاسر بمبلغ شهري يتراوح بين 93 دولارا إلى 126 دولارا، بما يخفض تكلفة الدعم من 6 مليارات دولار عام 2020 و 7 مليارات كانت متوقعة عام 2021 قبل رفع الدعم، الى نحو 2.5 مليار دولار سنويا. وتنحصر الاستفادة من البطاقة بالمواطنين اللبنانيين فقط، الذين سيتوزعون على مجموعة من المنصات مسجلة بشكل مسبق لدى عدد من البرامج والمؤسسات (التفتيش المركزي 486000 أسرة، البرنامج الوطني للتكافل والتضامن 40000، برنامج الفقر 50 الف عائلة، المشروع الطارئ لدعم شبكة الأمان الاجتماعي 161 ألف أسرة) ليصل الرقم الاجمالي الى اكثر من 700 الف اسرة سوف تستفيد من خدمات البطاقة عبر منصة IMPACT، وبتكلفة تقديرية قدرت بنحو 556 مليون دولار.
وقد حذرت منظمات محلية ودولية من مشاهد مرعبة قد يشهدها لبنان، اذا لم يتم تأمين بدائل عن الفوضى الحاصلة في السوق اللبنانية التي قادت الى ارتفاع جنوني في الاسعار. فاعتبرت منظمة العمل الدولية ووكالة اليونيسيف "أن رفع دعم أسعار المنتجات الأساسية في لبنان سيعود بنتائج كارثية على الفقراء والمحتاجين، وسوف تتضرر منه بشدة الفئات الاجتماعية الأكثر عوزا في البلاد، ما لم تتخذ الحكومة إجراءات تخفف من حدة الأزمة المعيشية التي ستتولد عن رفع دعم أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية". وقد بدأت هذه المشاهد بالظهور في اكثر من منطقة..
واذا كان بعض المسؤولين اللبنانيين يعتبر ان البطاقة التمويلية هي المنقذ للعائلات اللبنانية الفقيرة، فهي بالنسبة للاجئين الفلسطينيين مشكلة كبيرة تطاردهم هي اشبه بالكارثة الاقتصادية والاجتماعية، نظرا لعدم القدرة على تحمل التكاليف المعيشية التي ارتفعت بشكل جنوني خلال الفترة الاخيرة، والمفترض ان ترتفع اكثر حين يبدأ تطبيق اجراءات البطاقة، بعد أن تراجعت القدرة الشرائية للأسر، جرّاء الانهيار الحاد للعملة الوطنية التي فقدت أكثر من 80 بالمائة من قيمتها. لذلك، وفي ظل عجز المرجعيات المعنية، خاصة وكالة الغوث ومنظمة التحرير، عن تأمين البدائل، فأن البطاقة التمويلية ستكون بالنسبة لفلسطينيي لبنان مستقبل مجهول وغامض حده الادنى ان عشرات الآلاف منهم سيكونون خارج اطار الحماية الاجتماعية والاغاثية والاقتصادية، ما سيقود الى مشكلات قد تتجاوز حدود التداعيات الاقتصادية لتطال النسيج الوطني للمجتمع الفلسطيني في لبنان برمته.
وانطلاقا من تحذيرات المنظمات الدولية والمعايير التي وضعتها في توصيفها للازمة، فان اللاجئين الفلسطينيين في لبنان سيكونون من اكثر الفئات الاجتماعية تأثرا بقرارات رفع الدعم الحكومي. ففي لبنان يقيم خمس فئات اجتماعية: الاولى هي فئة المواطنين التي سوف يستفيد القسم الاكبر منها من البدائل المقترحة عن سياسة رفع الدعم، والثانية فئة اللاجئين السوريين الذين تتولى قضاياهم الاقتصادية والاغاثية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة، والتي وضعت تصوراتها لكيفية التعاطي مع المرحلة القادمة، خاصة بعد ان تعهد المانحون الدوليون في نهاية شهر آذار الماضي بتقديم 6,4 مليار دولار امريكي.. والفئة الثالثة هي فئة العمال الاجانب الذين اما ستتوفر لهم حماية من ارباب عملهم او سيكون امامهم خيار الرحيل الى بلدانهم.. اما الفئة الرابعة فهي فئة الدبلوماسيين والعاملين في البعثات والمنظمات الدولية، وهؤلاء ايضا قد لا يتأثرون كثيرا، لكونهم يتقاضون رواتبهم بالعملات الاجنبية..
اما الفئة الاخيرة فهي فئة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وهؤلاء تم استثناؤهم من امتيازات البطاقة التمويلية، كما تم استثناؤهم في فترات سابقة من خطط الدعم النقدي التي استفاد منها المواطنون اللبنانيون. وما يجعل من هذه القضية مشكلة فعلية هي ان تلك الفئة، من اللاجئين، تعتمد اعتمادا كليا على وكالة الغوث، التي لم يتضح حتى اللحظة كيف ستتعاطى مع المرحلة القادمة.. خاصة في ظل ازمة مالية تشهدها الوكالة وعجز كبير في موازنتها، كان ذريعة في السابق لعدم المبادرة لاقرار خطة طوارئ طالب بها اللاجئون والنازحون منذ ما قبل جائحة كورونا، وما زالت تشكل بالنسبة للوكالة خط الدفاع الاول في عدم التجاوب مع مطالب اللاجئين المحقة باعتماد خطة طوارئ اغاثية شاملة ومستدامة.
وما يبعث على القلق هو غياب المرجعيات الوطنية الفلسطينية، وبعضها قد لا يعلم بكل هذه المخاطر التي لا يبدو انها تشكل، بنظرهم، سببا كافيا لاعلان حالة الاستنفار الاقتصادي القصوى، او ان تكلف نفسها عناء البحث عن بدائل لجهة التواصل مع المنظمات الدولية والجهات المانحة، او مع الحكومة اللبنانية لشمول الفلسطينيين بخطتها الاقتصادية، التي يجب ان تطال الفلسطينيين لاكثر من سبب لعل اهمها هو التالي: اذا كان الهدف من خطة رفع الدعم واقرار البطاقة التمويلية هو الحد من التهريب ومنع تخزين السلع من قبل التجار الكبار في المستودعات، وضمان وصول السلع المدعومة الى مستحقيها من الفقراء، فان اللاجئين الفلسطينيين هم اكثر الفئات الاجتماعية حاجة للدعم، ولا تنطبق عليهم لا ذرائع التهريب وتخزين السلع ولا عدم حاجتهم لسلع مدعومة، لأنهم ليسوا في وضع اقتصادي يسمح لهم بذلك.
لذلك، فان توفير الحماية الاجتماعية لجميع المقيمين على الاراضي اللبنانية يبقى امرا من مسؤولية الدولة المضيفة، في اطار حماية المجتمع من اية تداعيات للازمة الراهنة، وهذا ما سبق وعبر عنه رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون بتاريخ 15 آذار 2020، حين قال "ان الدولة ستوفر الحماية للمواطنين والمقيمين"..، لكن شيئا من هذا لم يقع.
أن مسؤولية توفير الحماية من قبل الدولة اللبنانية للمواطنين واللاجئين والمقيمين، انما ينطلق من قاعدة ان الامن حزمة متكاملة من القضايا السياسية والامنية والاجتماعية، وان ترك اللاجئين الفلسطينيين يواجهون مصيرهم بمفردهم ودون اي تدخل من اطر لبنانية او دولية او فلسطينية، فمن شأنه الاضرار بالامن الاجتماعي للبنان ككل، والذي قد يتعرض للاهتزاز نتيجة عدم قدرة عشرات الآلاف من اللاجئين من الوصول الى احتياجاتهم الاساسية من الغذاء..
ومع الاقرار بصعوبة الازمة على جميع المواطنين اللبنانيين، الا ان تداعياتها على اللاجئين الفلسطينيين هي اشد وقعا، نظرا لترافق الازمة في لبنان مع ضغوط اسرائيلية وامريكية على وكالة الغوث، في اطار سياسة العقوبات الجماعية التي يتعرض لها اللاجئون الفلسطينيون لدفعهم للقبول بحلول سياسية تستجيب للمطالب الاسرائيلية. والا كيف يمكن تفسير اغداق الاموال من قبل الدول المانحة على قضايا عالمية قد تكون اقل وطأة على المستوى الانساني، وتحجب هذه الاموال عن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الذين لا يحتاجون من اجل شمولهم بالبطاقة التمويلية سوى لاقل من 70 مليون دولار، انطلاقا من ان عدد العائلات الفلسطينية في لبنان لا يتجاوز 55 الف عائلة، وفقا لتقديرات التعداد السكاني للاجئين الفلسطينيين في لبنان عام 2017..
انطلاقا من ذلك ومن المخاطر المحدقة بالشعب الفلسطيني جراء استمرار الازمة في لبنان، فان الحالة الفلسطينية في لبنان بجميع مكوناتها، كفصائل واتحادات ولجان شعبية ومؤسسات اجتماعية ورجال اعمال وتيارات مختلفة، مدعوة الى وضع قضية اغاثة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان على جدول اعمالها اليومي، والسعي ما امكن للتنسيق والتعاون في كل ما من شأنه التخفيف من شدة الازمة. وفي المدى المباشر فاننا في "دائرة وكالة الغوث في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" ندعو الى التالي:
اولا) اعتبار ان مطلب خطة طوارئ اغاثية لم يعد ينسجم والواقع الراهن، وان ما هو مطلوب الآن هو توسيع برنامج الطوارئ العام الخاص بالاونروا والمعمول به في فلسطين وسوريا ليطال اللاجئين الفلسطينيين على غرار ما حصل خلال سنوات سابقة، خاصة خلال وبعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982، واطلاق وكالة الغوث لمناشدة خاصة في اطار هذا البرنامج لدعم اسر اللاجئين الفقيرة في لبنان لتمكينهم من الوصول الى احتياجاتهم الاساسية من الغذاء..
ثانيا) الى ان يتم الاستجابة لمطلب شمول اللاجئين ببرنامج الطوارئ، فاننا دعوة وكالة الغوث الى المسارعة باغاثة اللاجئين الفلسطينيين سواء من خلال بعض جوانب الموازنة او عبر التواصل مع المنظمات الدولية كبرنامج الغذاء العالمي وغيره من برامج دولية، بهدف توفير الحد الادنى من الاحتياجات الحياتية الاساسية للاجئين، والتنسيق مع الدولة اللبنانية، التي تترأس اللجنة الاستشارية للوكالة، من اجل شمول اللاجئين الفلسطينيين بأية بدائل قد يتم اللجوء اليها بما يخفف من هول المشكلة القادمة..
ثالثا) دعوة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ودائرة شؤون اللاجئين والوزارات المعنية في حكومة السلطة الفلسطينية الى مد تقديماتها الى اللاجئين الفلسطينيين ووضعهم على قائمة الاسر التي تحتاج الى الدعم الاقتصادي.
رابعا) دعوة هيئة العمل الفلسطيني المشترك في لبنان الى وضع خلافات بعض مكوناتها حول القضايا الوطنية الكبرى جانبا، واعطاء الاولوية لحماية الشعب الفلسطيني، اقتصاديا واجتماعيا وتوفير مقومات العيش الكريم له، والمسارعة الى عقد اجتماع طارئ للهيئة لبحث تداعيات رفع الدعم الحكومي على اللاجئين الفلسطينيين ومناقشة الخيارات البديلة التي قد توفر الحد الادنى من الاستقرار الاجتماعي، والتواصل مع الكتل البرلمانية اللبنانية لوضعها في صورة النتائج السلبية التي من المتوقع ان نراها في حالة لم يتم مد اللاجئين بالاحتياجات المعيشية.
خامسا) ندعو الى لقاء وطني تشارك فيه جميع المكونات الوطنية لبحث تداعيات الازمة والاجراءات الرسمية اللبنانية المتعلقة برفع الدعم الاقتصادي وانعكاساتها السلبية على شعبنا الفلسطيني في لبنان. ونعتبر بأن الشعب الفلسطيني في لبنان يعيش مشاكل اقتصادية كبيرة منذ اكثر من ثلاثة سنوات، وهو غير قادر بل غير مهيأ لمزيد من الازمات الاقتصادية والاجتماعية التي من شأنها ان تهدد كل المجتمع..
"دائرة وكالة الغوث في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين"