تمرّ اليوم الذكرى الـ34 على استشهاد رسام الكاريكاتير الفلسطيني، ناجي سليم العلي، الذي أُعلن عن استشهاده في 29 آب/ أغسطس عام 1987، بعد صراعٍ له مع الحياة لمدة 5 أسابيع منذ أن أُطلق النار عليه في 22 تموز/ يوليو من نفس العام في لندن.
كانت ريشته عبارة عن سلاح للدفاع بشراسة عن حق الفلسطيني في كل مكان، والتي رسمت التشرد والمنافي والثورة والعمل المقاوم والأعداء والانتهازيين، وما عرفت يوما طريقًا إلى فلسطين إلا طريق النضال والمواجهة.
نشأته
ولد ناجي سليم حسين العلي عام 1938 في قرية الشجرة الواقعة بين مدينتي الناصرة وطبريا في الجليل الشمالي من فلسطين، وبسبب اعتداءات العصابات الصهيونية على القرى والمدن الفلسطينية اضطر للنزوح مع أسرته عام 1948 إلى مخيم عين الحلوة في لبنان.
حنظلة
اقترن اسم ناجي العلي بحنظلة أو العكس أدقّ، بحيث أن حنظلة ذاع سيطه واسمه وشكله أكثر من صاحبه، حنظلة هي شخصية ابتدعها ناجي العلي تمثل صبيًا في العاشرة من عمره، ظهر رسم حنظلة في الكويت عام 1969 في جريدة السياسة الكويتية، أدار ظهره في سنوات ما بعد 1973 وعقد يداه خلف ظهره، وأصبح حنظلة بمثابة توقيع ناجي العلي على رسوماته.
لقي هذا الرسم وصاحبه حب الشعوب العربية كلها وخاصة عند الفلسطينيين لأن حنظلة هو رمز للفلسطيني المعذب والقوي رغم كل الصعاب التي تواجهه فهو دائر ظهره للأعداء.
أجرت الكاتبة المصريّة الراحلة، رضوى عاشور، في عام 1984 حوارًا مع ناجي العلي في بودابست العاصمة المجريّة، قال فيه إن "شخصية هذا الطفل الصغير الحافي هي رمز لطفولتي. أنا تركت فلسطين في هذا السن وما زلت فيها. رغم أن ذلك حدث منذ 35 عامًا، إلا أن تفاصيل هذه المرحلة لا تغيب عن ذاكرتي وأشعر أنني أذكر وأعرف كل عشبة وكل حجر وكل بيت وكل شجرة مرت علي في فلسطين وأنا طفل".
وأضاف حينها أنني "قدمته للقراء وأسميته حنظلة، كرمز للمرارة. وفي البداية قدمته كطفل فلسطيني، لكنه مع تطور وعيه أصبح له أفقه القومي ثم أفق كوني وإنساني.. وفي المراحل الأولى، رسمته ملتقيا وجها لوجه مع الناس، وكان يحمل الكلاشينكوف، وكان أيضا دائم الحركة وفاعلا وله دور حقيقي، يناقش باللغة العربية والإنجليزية، بل أكثر من ذلك، فقد كان يلعب الكاراتيه.. يغني الزجل ويصرخ ويؤذن ويهمس ويبشر بالثورة".
عندما سُئل العلي، هل سيكبر حنظلة؟ قال "سيظل في العاشرة حتى يعود الوطن. عندها فقط يكبر حنظلة، ويبدأ في النمو.. قوانين الطبيعة المعروفة لا تطبق عليه، إنه استثناء، لأن فقدان الوطن استثناء، وستصبح الأمور طبيعية حين يعود الوطن".
ومتى يمكن رؤية حنظله؟ قال: "عندما تصبح الكرامة غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته".
أتقن استخدام الريشة والقلم
عام 1963 سافر ناجي العلي للعمل في مجلة الطليعة الكويتية في الكويت، وبدأ بنشر رسوماته الكاريكاتيرية على صفحاتها، وظل ناجي مواظبا على العمل في المجلة حتى عام 1968، وهو العام التالي لتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة جورج حبش، ثم غادر الكويت وعاد إلى لبنان وتزوج من وداد نصر، ثم رجع إلى الكويت مرة أخرى.
وبعد أن أوقف إصدار مجلة الطليعة، عمل ناجي العلي في صحيفة السياسة الكويتية حتى عام 1974، وعاد إلى لبنان ليعمل في صحيفة السفير، ثم عاد مرة ثانية ليعمل في صحيفة السياسة الكويتية حتى عام 1978، ثم رجع إلى لبنان ليعمل مرة أخرى في صحيفة السفير حتى عام 1983، وعمل بعدها في القبس الكويتية والقبس الدولية.
أنتج أكثر من 40 ألف عمل فني، غير تلك التي منعتها الرقابة وظلت حبيسة الرفوف، وأعطى ثلاثة كتب في أعوام 1967، 1983، 1985، وعرضت أعماله في بيروت ودمشق وعمان وفلسطين والكويت وواشنطن ولندن، ويشكل "حنظلة" أشهر شخصيات رسوماته الكاريكاتيرية.
الاغتيال
عند الساعة 5:13 صباحًا، يوم الأربعاء 22 تموز/ يوليو 1987، أوقف العلي سيارته على رصيف الجانب الأيمن لشارع إيفز جنوبي غرب لندن، حيث مقر جريدة القبس الدولية. ولم يكن ناجي يعلم أن قاتلا يترصده، وبالرغم من التهديدات الكثيرة التي تلقاها العلي، والتي كانت تنذره بالعقاب على رسوماته، وتلقيه معلومات وافية بأن حياته في خطر نظرا لأن الموساد الإسرائيلي قد جعله هدفا، إلا أن العلي لم يتخذ لنفسه أية إجراءات للحماية، لإيمانه القدري وفقا لمقولة: "الحذر لا يمنع القدر" لذلك كان اقتناصه سهلا.
وما أن اقترب ناجي العلي من مخزن "بيتر جونز"، القريب من نقطة الاستهداف حتى اقترب منه القاتل الذي ارتدى سترة من الجينز والذي وصفه الشهود بأنه ذو شعر أسود أشعث وكثيف، وعندما سار في موازاته أخرج مسدسه وأطلق الرصاص باتجاه رأس ناجي العلي، ثم لاذ بالفرار.
نقل ناجي إلى مستشفى "القديس ستيفن" وهو خاضع لجهاز التنفس الاصطناعي ثم جرى تحويله إلى مستشفى "الصليب تشارنج" وأدخل إلى قسم جراحة الأعصاب، ثم أعيد مرة أخرى إلى مستشفى القديس ستيفن.
ظل العلي يصارع الموت حتى يوم السبت 29 آب/ أغسطس 1987. ودفن في مقبرة "بروك وود" الإسلامية في لندن، وحمل قبره رقم (230191).