بعد 42 عاما على استشهاده.. عائلة الفلسطيني أنيس دولة تسأل: أين جثمانه؟
2021-08-28
رام الله (الاتجاه الديمقراطي)
تسابق الدموع كلمات المسن الفلسطيني حسن دولة (72 عاما) عندما يهمّ بالحديث عن "شقيق روحه ودمه أنيس"، وهي التسمية التي يفضّل أن يطلقها على الشهيد الذي قضى في أسره.
أكثر من 4 عقود مُرّة عاشتها عائلة دولة، من مدينة قلقيلية شمالي الضفة الغربية، بحثا عن أية معلومة حول مكان جثمان "أنيس" الذي فُقدت آثاره بعد تعرضه للإغماء وسقوطه في سجن عسقلان الإسرائيلي عام 1980.
ويحمل أغسطس/آب الحالي مناسبتين مؤلمتين للعائلة، إحداهما "اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء الفلسطينيين والعرب". ففي 3 أغسطس/آب 2008، أقر مجلس الوزراء الفلسطيني اعتبار يوم 27 من نفس الشهر، سنويا، يوما وطنيا لاسترداد جثامين الشهداء؛ لممارسة الضغط الشعبي والجماهيري باتجاه إعادتهم لعائلاتهم والكشف عن مصير المفقودين منذ عقود طويلة.
أما 31 أغسطس/آب، فهو تاريخ بداية الوجع باستشهاد أنيس دولة في سجنه، وبداية رحلة بحث شاقة عن جثمانه. روايات وشهود
يجد حسن دولة نفسه بين عدة روايات حول مصير شقيقه وجثمانه، بعضها من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والأخرى من أسرى وشهود عيان على الوفاة، بينما تُنكر إسرائيل وجود الجثة، وإن اعترفت بوفاته.
وأنيس واحد من 335 فلسطينيا استشهدوا في فترات مختلفة منذ عام 1967، وتواصل إسرائيل احتجاز جثامينهم أو رفاتهم حتى اليوم.
وبحسب حديث شقيقه للجزيرة نت، فإن أنيس -وهو من مواليد مدينة قلقيلية عام 1944- غادر فلسطين ثم دخلها مع ما يُعرف بالدوريات، وهي مجموعات كفاحية مسلحة كانت تتخطى الحدود إلى فلسطين، لتشارك في عمليات ضد الاحتلال. وقد اعتقل أنيس دولة في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1968.
"ينكرون وجود الجثمان، ويقولون مفقود"، هكذا يختصر حسن المشهد، ويضيف: "المحكمة نظرت في قضيته وتقول إنه (مختفٍ)، لكنهم اعترفوا بتشريح الجثمان عام 1982، أي بعد استشهاده المعلن بعامين، فأين كان طوال تلك الفترة؟".
الرواية التي وصلت حسن دولة عن شقيقه كانت تدور حول "سقوطه مغشيا عليه في ساحة سجن عسقلان، ثم نقله أسرى آخرون -بينهم الأسير المفرج عنه خالد الزبدة- إلى عيادة السجن، وكان على قيد الحياة".
يقول دولة إن جميع الأسرى الذين التقاهم وعايشوا الحادثة أكدوا مشاهدته في سيارة إسعاف تنقله من السجن إلى المستشفى، مع أن إدارة السجن أعلنت وفاته بعد ساعة من نقله إلى عيادة السجن. لذلك، يعتقد حسن أن "ثمة جريمة ارتكبت بحق شقيقه".
ولا يجد السبعيني الفلسطيني المتعب تفسيرا لمصير الجثمان سوى أنه دُفن في ساحة السجن، أو نُقل إلى مكان ما، وهنا يبدي خشيته من سرقة أعضاء من جسمه.
ويتابع: "في كل دول العالم، لما واحد يتوفى بالسجن يُطلق سراح جثمانه، وفي القانون الدولي تسقط محكوميته".
لا يُعذّب حسن شيء أكثر من وصية والدته حين حضرتها الوفاة عام 2011، وقالت له: "أخوك أمانة في عنقك".
وما يريده بعد 42 عاما من وفاة شقيقه، أن يعرف مصير جثمانه، ويسترده ليدفنه في قبر معلوم بمسقط رأسه قلقيلية، ويزرع فوقه وردة. "هذا حقنا". احتجاز للمساومة
ووفق الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء، فإن من بين 335 جثمانا يحتجزها الاحتلال الإسرائيلي، دُفن 254 جثمانا في مقابر الأرقام الإسرائيلية، إضافة إلى 81 جثمانا محتجزا منذ 2015، يُرجّح احتجازها في ثلاجات.
تقول منسقة الحملة سلوى حماد -للجزيرة نت- إن الاحتلال "أوجد لنفسه مسوغا قانونيا لاحتجاز الجثامين بعد 2015″، مشيرة إلى قرار مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر (الكابينت) عام 2015 باحتجاز جثامين الشهداء من منفذي العمليات.
و"عام 2019، أقرّت المحكمة العليا الإسرائيلية احتجاز الجثامين لاستخدامهم أوراق تفاوض مستقبلية".
وبحسب حماد، فإن آخر قرار للمحاكم الإسرائيلية، ردا على مطالب استعادة الجثامين، كان قبل أيام في ملف الشهيد أحمد عريقات من ضواحي القدس، والذي استشهد قبل أكثر من عام.
وذكرت أن المحكمة العليا قضت بعدم تسليم جثمانه لحين إبرام صفقة تبادل مع المقاومة الفلسطينية التي تأسر جنودا في غزة.
وتحتفظ حركة حماس في غزة بـ4 إسرائيليين، بينهم جنديان أُسرا خلال الحرب على غزة صيف عام 2014. أما الآخران، فقد دخلا غزة في ظروف غير واضحة، ولا تفصح الحركة عن مصير هؤلاء الأربعة.
وعن ملف الشهيد دولة، تقول حماد إن ملفه أُغلق من قبل المحكمة العليا الإسرائيلية عام 2011 بحجة استنفاد كافة الوسائل لإيجاد الجثمان، وأصبح من الجثامين التي لا تعترف إسرائيل بوجودها.
ووفق منشورات الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء، فإن من بينهم 5 جثامين لأسرى استشهدوا في السجون، وجثامين 12 شهيدا من القدس.
وجرت آخر عملية إفراج جماعي عن الجثامين المحتجزة في 29 مايو/أيار 2012، وشملت 91 جثمانا. مقابر سرية
أما عن المسار القانوني لاستردادها، فقالت سلوى حماد إن إسرائيل لا تعترف سوى بمكان دفن 110 جثامين في مقابر الأرقام، ومع ذلك لم تسلمها. ووفق منشورات الحملة، فهي مقابر سرية، وقد كشف النقاب عن 4 منها.
ومقابر الأرقام مدافن بسيطة محاطة بالحجارة دون شواهد، ومثبت فوق القبر لوحة معدنية تحمل رقما يدل على ملف الشهيد لدى الجهات الأمنية الإسرائيلية.
ومنها مقبرة تقع على الحدود الإسرائيلية السورية اللبنانية، وفيها نحو 500 قبر، ومقبرتان في منطقة الأغوار شرقي الضفة الغربية، وأخرى شمالي مدينة طبريا. ويُعتقد أن هذه المقابر تضم أيضا رُفات مقاتلين من الدول العربية.
المصدر: الجزيرة