غزة (الاتجاه الديمقراطي) (تقرير شيماء الدرة)
وانتصر الغضنفر أبو عطوان على القيد، بعد معركة أمعاءٍ خاويةٍ سجل فيها أسطر جديدة في قاموس كفاحنا الوطني ، وتمكن بإرادته الفولاذية أن يقهر السجن والسجان، وينتصر على الذين لم يفهموا كيف يمكن للجوع أن يهزم دولة؟؟، ليرفع شعار «لا بد للقيد أن ينكسر» ليقود ملحمة ستترك خلفها شظايا بعد 65 يوم.
من اللحظة الأولى، كنا على يقين بنصرك وانتصارك، نعلم صلابة ارادتك، نعرف من اليوم الأول أنك المنتصر، وقوة المظلوم بحبل إيمانه القوي بعدل الله، عرفناك فلسطيني صلب، وأسير مقاتل، عرفنا أن لك معنى حقيقي من اسمك الأسد ، أنت اليوم غسان الثورة ونصرت المنتصر المقاوم، ونصرت فلسطين المحتلة.
رغم صغر سنه، فقد اعتقلته سلطات الاحتلال حتى الآن أربع مرات منها الإداري، ومنها بالحكم القضائي، وسبق أن حُكم بالسجن الفعلي أربع سنوات بعد مشاركته في إلقاء قنابل حارقة على دورية إسرائيلية، أما اليوم فقد اعتُقل إداريا قبل أكثر من شهرين بدعوى أنه يشكل خطراً أمنياً.
في بلاد الحب والحرب، يُعتقل العاشق الغضنفر يوم خطوبته محاولة لكسر روحه وإرادته، لا بل قبلها بساعات جاء انتقاماً منه أم من الحب؟؟ لا يعلمون أن العاشقات في فلسطين وفية حتى ممات، كيف سيعلم ذاك المدجج بالسلاح كيف نحيا بالحب والكرامة.
هذا هو أحد أبطال فلسطين الصامدين الذين لم يستسلموا ولم يركعوا أمام سياسة الاحتلال الإرهابية القمعية والوحشية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، خاضَ إضراباً عن الطعام منذ الخامس من أيار، وفي الأيام الأخيرة امتنع حتى عن شرب الماء، احتجاجاً على اعتقاله الإداري، ولمن لا يعرف الاعتقال الإداري من خارج فلسطين «فهو اعتقال اخترعه الاحتلال البريطاني، يتيح للقائد العسكري اعتقال من يشاء، إذ شك في أنه يمارس عملاً لا يرضي السلطات، ولكن لا دليل قاطع على ذلك فيتم اعتقاله إدارياً، بمعنى بدون محاكمة، ويمكن تجديد هذا الاعتقال إلى ما لانهاية»، وهذا الاعتقال هو الرابع للأسير الغضنفر.
أبطل الرقيب أبو عطوان «الذي يعمل ضمن صفوف قوى الأمن الفلسطينية في جهاز الضابطة الجمركية منذ 2014 »، قرار الإعتقال الإداري بأمعائه الخاوية، أضرب عن الطعام 65 يومًا، وعن الماء 4 أيام، تدهورت صحته بشكل ملفت حتى أن سجانيه اضطروا لنقله إلى المستشفى والسماح لوالدته بزيارته، كي تخلي مسؤوليتها [كما تظن] في حال حدث شيء له.
بعد هذه العاصفة التي أخذت من صحتي الكثير، أيام لا ولن تنسى قد تكون أغرب وأشد وقعاً من كابوس، ذاك الإضراب الذي رفض الماء والعلاج والمدعمات والفيتامينات، وقف على أعتاب الموت المحق وخسر من وزنه أكثر من 15 كيلو غرام، بالإضافة إلى عدم انتظام دقات القلب، ولا يقوى على النطق والحركة ليخط بيده رسالة يناشد فيها «الفلسطينيين وأحرار العالم للتدخل لإنقاذه من الاحتلال الذي يطبّق عليه سياسة الموت البطيء»، وذلك قبل أن يذيّل رسالته بتوقيع «الشهيد مع وقف التنفيذ».
وجاء في متن الرسالة «إلى الشعب الفلسطيني بأكمله، صغيراً وكبيراً، إلى سيادة الرئيس والقيادة الفلسطينية والمؤسسات الحقوقية والدولية والقوى الوطنية والإسلامية، حياتي تتلاشى على مرأى عينيّ، فقدت صحتي وخانني جسدي... هذا الاحتلال يطبّق علي سياسة الموت البطيء في مستشفى كابلان، لذلك أَنقذوا حياتي، وها أنا على إضرابي عن الماء فوق إضرابي عن الطعام، ولله أمري كله»
فمن أين ورث الغضنفر هذه العزيمة؟ هل هناك في عائلته من يمكن الإشارة إليه؟
خاله هو الأسير منيف أبو عطوان والمحكوم 5 مؤبدات، وابن عمه الشهيد مهندس الكمائن جميل أبو عطوان [أحد أفراد مجموعة رائد الكرمي]، وقد استشهد جميل في طولكرم في 24 كانون أول 2001، وأبوه أيخمان أسير سابق، كما أن والدته اعتقلت عدة أشهر للضغط على والده، أما عمه فهو الشهيد باجس أبو عطوان ـ فدائي الجبل الذي ما زالت قصته تتردد على ألسنة الفلسطينيين من السبعينات إلى اليوم، فيما اعُتقلت عمتيه هيفاء وعبلة لمدة عام ونصف بتهمة دعم الفدائيين، وجده من الثوار الذين أسروا وأبعدوا إلى الأردن حتى وفاته، وقام الاحتلال بهدم بيت جده ثلاث مرات.
الأيام أصبحت في حياة الغضنفر سنين، والآن عمره ليس 28 عامًا كما تسجله السجلات الرسمية للحكومة، لكن العمر الحقيقي للغضنفر هو65 سنة ،«هذه هي عدد الأيام التي أضرب فيها عن الطعام».
خاض «الغضنفر» معركة كانت فيه كل يوم من عمره هي عبارة عن سنة، فخلال أيام تجاوز الثمانين سنة، فهل رأى العالم كيف يقفز الفلسطيني في تعداد السنوات هكذا؟؟