اليوم التالي للتهدئة بين إسرائيل وقطاع غزة
2021-05-29
اسمحوا لي أن أبدأ المقال بتوجيه سؤال عام إلى المجتمع الدولي بمؤسساته المختلفة والقوى العظمى والكبرى التي لديها مصالح فى منطقة الشرق الأوسط وسؤالي هو هل لم تعد المشكلات والنزاعات والصراعات والحروب التي تشهدها المنطقة تشكل تهديداً لاستقرار هذه المنطقة الاستراتيجية. ومن ثم يتم التعامل معها بهذا القدر من الاهتمام المحدود الذي لا يتناسب مع خطورة هذه المشكلات ولا نجد تدخلاً فعالاً من أجل منع انزلاق المنطقة إلى مرحلة من عدم الاستقرار قد يصعب احتواؤها.
ولا شك في أن ما دفعني إلى طرح هذا التساؤل، أن التعامل الدولي مع الحرب الإسرائيلية الرابعة على قطاع غزة التي بدأت منذ يوم 11مايو الحالي والتي سبقتها محاولات تهجير قسري لعائلات فلسطينية تقطن منذ عقود فى حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية ثم اقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى كان تعاملاً روتينياً إلى حدٍ كبير ولم ينخرط بالجدية المطلوبة من أجل وقف هذه الحرب التدميرية غير المسبوقة وكأن الأمر لا يعنيه كثيراً.
لن أتطرق هنا إلى الحديث حول طبيعة هذه الحرب وأسبابها ونتائجها فقد كان كل ذلك واضحاً تماماً وكانت العمليات تدور أمام الجميع على الهواء، أما مسألة توقف الحرب والتوصل إلى تهدئة بين الجانبين، سواء جزئية أو شاملة ماهي إلا مسألة وقت مهما تأخرت قليلاً وسوف يتفق الطرفان فى النهاية بجهد مصري أساساً وبمساعدة إقليمية ودولية على وقف العمليات والتوافق على مجموعة من التفاهمات المرضية مثلما كان يحدث فى كل مواجهة سابقة بين إسرائيل وقطاع غزة منذ عام 2009. وبالتالي حتى نكون عمليين لابد من استخلاص الدروس المستفادة ليس فقط من واقع هذه الحرب ولكن من مجمل المواقف خلال السنوات الماضية التي شهدت جموداً فى عملية السلام ونتائج ثلاث حروب سابقة وتهدئات تم انتهاكها بكل سهولة، وهو ما يعنى أن التهدئة التي سوف يتم التوصل إليها لن تمنع اندلاع حرب خامسة أو سادسة، الأمر الذي يفرض أن نفكر فى كيفية أن ننطلق من هذه الحرب إلى إحداث تغيير حقيقي فى الوضع الراهن بالشكل الذى يمنع تكرار هذه الأحداث مرة أخرى.
يمكن القول إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة كانت ظاهرة كاشفة لخمسة أمور رئيسية وهي:
– أن حل القضية الفلسطينية بما يحقق طموحات الشعب الفلسطيني يعد أساس الاستقرار الحقيقي فى المنطقة ودون هذا الحل ستظل احتمالات تفجر الأوضاع واردة فى أي وقت.
– أن القدس تعتبر بمثابة الخط الأحمر فى هذه القضية ولن يقبل الفلسطينيون والعرب والعالم الإسلامي مطلقاً أي مساس بالمقدسات الإسلامية مهما يكن ثمن المواجهة ومهما تكن الإجراءات الإسرائيلية متواصلة فى مجال التهويد والتهجير وفرض سياسة الأمر الواقع.
– أن الشعب الفلسطيني لن يتقبل استمرار الوضع الحالي إلى مالا نهاية، ومن الخطأ أن تأمن إسرائيل أن هذا الشعب الذى مازالت تخضع أراضيه للاحتلال والاستيطان لن ينتفض لانتزاع حقوقه المشروعة وبالشكل الذى يراه مناسباً.
– إن نظرية الأمن الإسرائيلي هى نظرية نسبية فلا يمكن لإسرائيل تحقيق أمنها بالوسائل العسكرية أو الأمنية المتطورة فقط، وأن المدخل الوحيد للحفاظ على أمنها الخارجي وسلامة تركيبتها الداخلية يتمثل فى أن يكون للفلسطينيين دولة مستقلة تعيش فى أمن وسلام على أساس مبدأ حل الدولتين الذي يتبناه المجتمع الدولي كله فيما عدا الحكومة الإسرائيلية.
– أن الجانب الفلسطيني أصبح فى حاجة ملحة إلى أن تتوحد مواقفه حتى يكون قادراً على أن يتحرك بقوة فى المسار السياسي الذي لا مفر من اللجوء إليه مستقبلاً حيث إن العمليات العسكرية مهما تكن نتائجها قد تحرك الأوضاع، ولكنها لن تحسم أي معركة.
وفى ضوء ما سبق فإن هناك ضرورة للانطلاق من الأحداث الحالية بكل نتائجها نحو بلورة خطة عمل واقعية يمكن أن تغير الواقع الراهن إلى الأفضل، وفى هذا المجال أقترح أن يكون التحرك فى عقب التوصل إلى التهدئة فى الإطار الرباعي التالي:
– عقد مؤتمر دولي فى مصر لإعادة إعمار قطاع غزة وتجميع الدعم المادي اللازم فى هذا الشأن، ولعل القرار الذي اتخذه الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال القمة التي عقدها سيادته فى باريس مع كل من الرئيس الفرنسي والعاهل الأردني يوم 18 مايو الحالي بتقديم 500 مليون دولار لإعادة إعمار القطاع هو المقدمة الإيجابية لعقد هذا المؤتمر الدولي.
– قيادة مصر لتحرك إقليمي ودولي يهدف إلى تمهيد المجال أمام استئناف المفاوضات الفلسطينية/ الإسرائيلية من أجل الوصول إلى تطبيق مبدأ حل الدولتين، على أن يتم بدء التفاوض فى موعد قريب يتفق عليه وآمل ألا يتأخر عن شهر سبتمبر من هذا العام، وأقترح فى هذا المجال أن يتم عقد الجلسة الافتتاحية للمفاوضات فى مدينة شرم الشيخ على أن يعقبها بدء جلسات التفاوض المباشر طبقاً لما يتفق الطرفان عليه.
– قيام السلطة الفلسطينية باتخاذ الخطوات اللازمة من أجل إنهاء الانقسام بمساعدة مصرية، خاصة أن المصالحة لم تصبح فقط أحد الخيارات المطروحة بل أصبحت هى الخيار الوحيد لإعادة بوصلة الوضع الفلسطيني إلى الطريق الصحيح.
-التنسيق مع الإدارة الأمريكية بهدف الترجمة العملية لرؤيتها لحل الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي استناداً على موقفها الإيجابي تجاه حل الدولتين ولاسيما بعد سقوط صفقة القرن المرفوضة فلسطينياً وعربياً ودولياً ■