رشدي أبو مخ.. العودة إلى حلم تأجل قسراً 35 عاماً
2021-04-04
رام الله (الاتجاه الديمقراطي) (تقرير إيهاب الريماوي)
أنهى رشدي أبو مخ بناء بيته وتجهيزه في عمر صغير نسيباً، لم يكن يتجاوز الثالثة والعشرين، وأوصى والدته بالبدء في البحث عن شريكة حياة له حتى يتزوج في صيف عام 1986، هكذا كان يخطط ويرسم.
جلب رشدي أفخر أنواع الأثاث والمحتويات لمنزله الجديد، وأبقى غرفة النوم شاغرة حتى يختارها مع شريكة حياته في الصيف، أما والدته سمية فقد أحضرت الستائر وحجزت دور لها عند الخياط لحياكة الفراش.
تبددت وتأجلت مخططات رشدي لمدة 35 عاماً، فالبيت الجديد لم تدخله العروس في الصيف، والأم التي انتظرت دورها عند الخياط ألغت حجزها، فلن يعود رشدي إلى بيته إلا بعد ثلاثة عقود ونصف.
داهمت قوة عسكرية إسرائيلية في الثالث والعشرين من شهر آذار عام 1986 ورشة الحدادة التي يملكها في قريته باقة الغربية داخل أراضي 48، وكُبّل وغيّب في الزنازين عدة أشهر، خضع خلالها لتحقيق قاسٍ، أفضى إلى حكم بالسجن لمدة 35 عاماً.
اعتقل أبو مخ إلى جانب ثلاثة من رفاقه الأسرى: الأسير وليد دقة، وإبراهيم أبو مخ، وإبراهيم بيادسة، وعرف رشدي بين رفاقه بالأسر باسم صالح، وصدر حكم عليه في البداية بالسجن المؤبد، والذي جرى تحديده لاحقا بـ(35) عاماً.
أصبحت الأم التي كانت ستجول وتصول في البحث عن شريكة لنجلها، تتنقل بين محاكم وسجون الاحتلال، وأجبرت على انتظار حرية ابنها طيلة ثلاثة عقود.
أصبحت سمية أرملة في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، حيث ترك لها زوجها ستة أبناء وثلاث بنات، وهذه العائلة الكبيرة عاشت تحت كنف أم تحملت وصبرت كل هذه السنوات.
رحلت سمية 86 عاماً في شهر نيسان عام 2019، وهي تبحث عن حرية ابنها لأكثر من 33 عاماً، ولم تترك اعتصاماً وتضامناً مع الأسرى إلا وكانت تتواجد فيه، لم يقعدها يوماً عن موعد زيارة رشدي إلا مرضها.
"أرغمت والدتي السجان أن يدخلها إلى رشدي لتلتقط معه صورة تذكارية، يومها عندما عادت إلى المنزل قالت لنا بأنها دخلت إليه واحتضنته غصباً عن السجانين، كانت سعيدة جداً يومها". يقول زكي أبو مخ شقيق رشدي الذي كان يبلغ 17 عاماً عند اعتقال شقيقه.
فقد رشدي 58 عاماً في السابع من آذار/ مارس عام 2007 شقيقه محمد، بعدما انهار عليه التراب خلال عمله داخل حفرة لمد الأنابيب، ما أدى إلى إصابته بإصابات بالغة، فارق الحياة على أثرها بعدة دقائق.
هذا الكابوس الذي امتد لأكثر من 35 عاماً كان سينتهي في الثاني والعشرين من الشهر الماضي، لكن الاحتلال أصر أن ينغص فرحة أشقائه وشقيقاته وأهل بلدته الذين عرفوه أو من سمعوا به لاحقاً.
"قبل موعد الافراج عنه، أصدرت محكمة الاحتلال الإسرائيلي حكماً بحقه بالسجن لمدة اثني عشر يوماً، لماذا؟، بسب حجة سخيفة، وهو وجود مخالفة سير بحق رشدي منذ عام 1985، أي قبل اعتقاله بأشهر قليلة حيث كان أيامها يمتلك مركبة خاصة يستعملها في عمله بالحدادة"، يضيف شقيقه زكي.
ستشرق شمس حرية رشدي يوم غدٍ الاثنين من معتقله في سجن النقب الصحراوي، حيث تستعد عائلته منذ أسابيع لهذا الاستقبال.
"بيته الذي لم يفتح منذ أن تم تجهيزه نهاية عام 1985، افتتحناه قبل أشهر قليلة، قمنا بتغير كافة المحتويات وأعدنا طلاء الجدران، فالبيت لم يسكنه أو يدخله أحد طيلة هذه المدة، بقي على حاله ينتظر العروسين"، يقول شقيقه.
سيكمل رشدي ما رسم وخطط له قبل 35 عاماً، حيث يطمح أن يجد شريكة لحياته، وأن يتزوج في الصيف كما أحب أن يتزوج في صيف عام 1986.
عندما يفرج عن رشدي سيترك خلفه 25 من الأسرى القدامى، أقدمهم الأسيران كريم وماهر يونس المعتقلان منذ عام 1983.