الأسير علاء البازيان.. ببصيرته يضيء عتمة السجن
2021-01-05
ثلاثون عاماً ونيف لم يكن رقماً سهلاً في حياة الأسير المقدسي علاء أحمد البازيان، الذي أعتقل في ريعان شبابه وقضى في سجون الاحتلال الإسرائيلي أكثر مما قضى خارجه ولا سيما أنه يواجه عتمة السجن والبصر معاً.
عتمة السجن وفقدان البصر معاً، لم تنل من عزيمة الأسير علاء البازيان كونه لم يفقد بصيرته، ولم تدفعه للتراجع قيد أنملة أمام سجانيه، ولم تفت في عضده في مواجهة جدران السجن وأساليب السجان، بل أنه أصر على مشاركة رفاق دربه الأسرى في معاناتهم وآلامهم ومعاركهم النضالية دون الاتكاء على عجزه البصري، لامتلاكه بصيرة قوية أضاءت له عتمة السجون والزنازين.
ربما لم تكن صدفة أن ينحدر الأسير البازيان الذي يعد من قدامى أسرى القدس والمولود في عام 1958 من حارة السعدية في مدينة القدس القديمة، تلك الحارة التي ترعرع فيها مناضلون فلسطينيون أبرزهم الأسير الشهيد عمر القاسم «مانديلا فلسطين» عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وصانع اللبنة الأولى للحركة الوطنية الأسيرة، ولكن الاختلاف أن الأسير البازيان أفرج عنه في صفقة التبادل عام 1985 قبل أن تعاود قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقاله للمرة الثالثة في 20 نيسان (إبريل) 1986 بتهمة المسؤولية عن عمليات فدائية ضد الاحتلال، والتي استثنت تلك الصفقة رفيق دربه عمر القاسم الذي صمد وشارك الأسرى معاركهم وهمومهم ومعاناتهم إلى أن استشهد في الرابع من حزيران (يونيو) 1989.
وقال رفيق دربه الأسير وليد دقة ابن بلدة باقة الغربية في منطقة المثلث بأراضي الـ48، الذي اعتقل في ذات العام الذي اعتقل فيه الأسير علاء بتهمة تنفيذ عملية خطف وقتل الجندي الإسرائيلي موشي تمام، والتي تناولت حياته في الاعتقال في مقال سابق نشرته الصحافة الجزائرية، قال عن الأسير البازيان «كنت أمسك بيده كعادتنا أثناء السير في باحات السجن فاصطدمت بعامود السلة، ضحكت وضحك الجميع، وتساءلوا من يقود من؟».
الأسير علاء البازيان أعتقل ثلاثة مرات أولاها عام 1979 أي في الحادي والعشرين من عمره، رغم فقدان بصره في إحدى العمليات الفدائية جراء انفجار عبوة ناسفة فقد على إثرها عيناه الاثنتين وأفرج عنه بعد عامين وأعيد اعتقاله في ذات العام الذي أفرج عنه فيه بفارق شهور، ثم أفرج عنه في اعتقاله الثاني عام 1985 في إطار صفقة التبادل بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل قبل أن يعاود الاحتلال اعتقاله للمرة الثالثة عام 1986 ليقضي حكماً بالمؤبد حتى تحرر في صفقة شاليط «وفاء الأحرار» عام 2011 قبل أن يعاود الاحتلال الإسرائيلي اعتقاله عام 2014 ليقضي حكمه السابق بالسجن.
وشاءت الأقدار أن يفرج عنه في صفقتي تبادل للأسرى إحداها عام 1985 وأخرى عام 2011 ويعاود الاحتلال نكس تعهداته ويعيد اعتقاله في الإفراج مرتين، رغم فقدانه للبصر في تأكيد على عنصرية الاحتلال وغطرسته واستهتاره بالكرامة الإنسانية وحق البشر في العيش الكريم. فالاحتلال يخلو قاموسه من كل معاني الإنسانية والحياة الكريمة وحقوق الأسرى ويُبقي كل أشكال الاضطهاد والعنصرية والتعذيب وغريزة القتل والاستهتار بالكرامة الإنسانية، مصوباً سهامه نحو كل ما هو فلسطيني وضد كل ما يمتلكه الفلسطيني من أرضٍ وحياة ووطن، فما معنى أن يُسجن أسيراً فلسطينياً فاقداً للبصر وله عائلة من ابنتين إحداهما تسمى «انتصار» ولدت في إفراجه الثاني وعاشت معه ستة عشر شهراً وأخرى تسمى «منار» رأت النور ولم ترى وجه والدها، وما معنى أن يتعرض أسيراً فاقداً للبصر لكل صنوف التعذيب والتنكيل والعزل الانفرادي على يد الجلاد الإسرائيلي.
للأسرى مكانة سامية في ضمير الشعب الفلسطيني وتضحياته، ويحملون رسالة تضحية ونضال عبروا عنها في وثيقة الوفاق الوطني «وثيقة الأسرى» ويواصلون مسيرتهم في قهر السجن والسجان، داعين قوى الشعب للوحدة والتلاحم الوطني، لأنهم يعون جيداً أن الانقسام والتجزئة في النضال والجغرافيا قد غيّب وأضر بمسيرة النضال ضد الاحتلال، وفتح شهية التطبيع والتدخلات في الشأن الفلسطيني، وأضعف من معنويات الأسرى في مواجهة سجانيهم.
وختاماً، المعركة أصبحت واضحة وهي عدم ترك الأسير يخوض معركته وحيداً في الميدان أو يصارع جائحة كورونا لوحده، أمام تنصل المؤسسات الحقوقية والإنسانية الدولية من مسؤولياتها، وحالة اللامبالة من إدارة السجون الإسرائيلية تجاه حياة أكثر من خمسة آلاف أسير خمسهم من الأسرى المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن والأطفال والنساء، بل المطلوب تزخيم التحركات الرسمية والشعبية المساندة لقضية الأسرى كون قضيتهم عادلة، فيما على المستوى الرسمي المطلوب نقل ملف الأسرى بأكمله إلى الهيئات والمحاكم الدولية بما فيها محكمة الجنايات الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين، كون الانتظار يعني إضافة شهيد جديد على قائمة شهداء الحركة الوطنية الأسيرة ■