الشرق الأوسط وتعيينات الإدارة الأميركية.. نكهة بايدن بمقادير ترامب!
2020-11-27
القدس المحتلة (الاتجاه الديمقراطي)
إن نظرة إلى سلسلة التعيينات العليا التي أعلن عنها الرئيس المنتخب بايدن، تفيد بأن نتنياهو ليس سبباً للقلق: فلم تعين أي شخصية سياسية ذات فكر راديكالي في فريق الرئيس التالي ونائبته. العكس هو الصحيح – فالفريق الجديد يتشكل في معظمه، إن لم يكن كله، من رفيقات ورفاق طريق بايدن، سياسيين مجربين وخبراء من الوسط المعتدل، ويمكن القول المحافظ، للحزب الديمقراطي. هكذا هو وزير الخارجية المرشح انطوني بلينكن، وهكذا هي المديرة الرئيسة المرشحة لأجهزة الاستخبارات أبريل هاينس، وهكذا هم رئيس طاقم البيت الأبيض رون كلاين، ومستشار الأمن القومي جيك سليبان، ووزير الأمن الداخلي المرشح الخاندرو ميوركس. وهكذا هي بالتأكيد وزيرة المالية المرشحة جينت يلين.
استناداً إلى تركيبة القمة الحكومية التي يعينها بايدن، يمكن إذن المخاطرة بالتقدير بأن ما كان في سياسة ترامب الشرق أوسطية هو ما سيكون، مع تعديلات معينة في الصياغة، والأسلوب، والمزاج الشخصي والتنفيذ. مع كل النقد اللفظي ضدها، يعرف رجال بايدن بأن الحقائق التي ثبتتها إدارة ترامب عززت مكانة الولايات المتحدة في المنطقة. صحيح أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس لم يؤثر على دول أخرى للسير في أعقاب ترامب، ولكنه لم يتسبب باضطرابات مناهضة لأمريكا، ولم يعرض الأنظمة العربية المحافظة للخطر. خطة التسوية الإسرائيلية – الفلسطينية الشهيرة المسماة “صفقة القرن” وإن كانت ردت باحتقار من القيادة الفلسطينية، ولكن ليس من عموم العالم العربي الذي يتعاطى معها بجدية. فهي متحيزة جداً لصالح إسرائيل، وفيها في الوقت نفسه كبح لتطلعات الضم التي يتبناها اليمين الإسرائيلي. لن تلقي إدارة بايدن بها إلى سلة المهملات.
وليس متوقعاً انضمام متجدد سريع للولايات المتحدة إلى الاتفاق متعدد الأطراف لوقف التسلح النووي الإيراني، الذي انسحب منه الرئيس ترامب قبل سنتين. في أثناء حملته للانتخابات، أوضح بايدن بأنه سيكون مستعداً للعودة إلى الاتفاق شريطة موافقة إيران على بعض التحسينات بعيدة الأثر، بما في ذلك التعهد للتخلي عن تطوير الصواريخ ووقف دعم الإرهاب. هذا موقف يتعين على حكومة إسرائيل أن تتعاون معه.
وفي السياق ذاته، واضح أن ليس في نية بايدن تقييد أيدي إسرائيل في مساعيها العسكرية لمنع الوجود الإيراني في سوريا بعد أن وافقت حتى سوريا على ذلك بالصمت.
لقد وضع ترامب وفريقه هذا الصيف صيغة سياسية جديدة كفيلة بإغراء فريق بايدن: اشتراط بيع السلاح الأمريكي المتطور للدول الإسلامية بالتطبيع مع إسرائيل. هكذا تحققت اتفاقات إبراهيم مع الإمارات والبحرين، والتسوية الدبلوماسية مع السودان، ومؤخراً نظمت زيارة نتنياهو المسربة إلى السعودية. يمكن الافتراض إذاً أن إدارة بايدن ستستند إلى هذه الأسس أو بعضها في طريقها إلى منطقتنا، مع تعديلات في المسار، كما أسلفنا.
في السياسة الاقتصادية ،يشير التعيين المرتقب لوزيرة المالية البروفيسورة جينت يلين، رئيسة البنك المركزي في السابق، إلى تواصل سياسة التوسع المالي والعجوزات الحكومية العميقة – ولكن الحيوية. ومع تلقي خيوط الحكم، ستجتهد الإدارة الديمقراطية لإقرار رزمة مساعدة إضافية لمتضرري أزمة كورونا بحجم 2 تريليون دولار، والتي وقعت ضحية للنزاعات بين الحزبين عشية الانتخابات. أما التغييرات الفورية في مجالات اجتماعية كالهجرة والأنظمة الإدارية وجودة البيئة والنظام العام والخدمات الصحية وغيرها، فسينفذها بايدن من خلال مراسيم رئاسية، وهي أداة سلطوية حبيبة على ترامب، دون أن يطلب جمائل من الجمهوريين.
إن تعيين جون كيري، وزير الخارجية في إدارة أوباما، مسؤولاً عن سياسة المناخ يبشر ظاهرًا بعودة الولايات المتحدة إلى اتفاقات المناخ متعددة القوميات المسماة “اتفاقات باريس”. غير أن هذه الاتفاقات تبينت في هذه الأثناء كخدعة أو كمجموعة نوايا طيبة لم تتحقق. مطلوب استبدالها باتفاقات مناخ جديدة. وهنا يمكن لإدارة بايدن التي يأتي رجالها ببشرى إعادة دمج الولايات المتحدة في مساعي إصلاح العالم، أن تؤدي دوراً رائداً وواقعياً. رائد وواقعي… كلمتان تصفان معاً طبيعتها.