إذا انتصر ملاكم على خصمٍ له، فمن المستهجن أن يطالب الثاني بمشاركة المنتصر في الجائزة، التي ستُصرف له! والأنكى، إذا طلب المهزوم أن يحتكر الجائزة له، وحده!
خطرت ببالي هذه الفكرة، وأنا أرى بعضنا يتسابق في تقديم مشاريع تسوية، تتعارض مع موازين القوى.
إننا أمام ظاهرة مستهجنة، استفحلت، مؤخرًا، وكأن الظروف غدت أكثر مواتاةً لها، كي تُجدي؛ فبعد «صفقة القرن»، أخذت مجموعات من مثقفينا، نأت بنفسها عن الحركة السياسية، وتجمَّعت، وعقدت الندوات، والمؤتمرات، بتغطية مالية خليجية!
تمثَّلت هذه الظاهرة في استحداث غُدَّة، دأبت على إفراز مشاريع لتسوية القضية الفلسطينية، على نحوٍ يشير بأن القائمين على هذه المشاريع يبحثون عن دور لهم. على أن الصحيح، أيضًا، أنهم وجدوا فراغًا، حاولوا مَلأه، بعد أن دخلت القيادة الفلسطينية المتنفِّذة في سرداب أُوسلو، قبل نحو ثلاثة عقود.
أولًا، هؤلاء «المتطوعين» في سبيل إنقاذ القضية، غير مؤهلين للإنقاذ، وثانيًا، فنحن جميعًا، كمهزومين، ليس لنا أن نُقدِّم مشاريع تسوية، يتخذ منها العدو جسرًا إلى ما تبقى من أرضنا؛ «ييجو يكحلوها يعموها!»
ثمت أوليات، تفوق البديهيات، مؤداها أنك لا تأخذ على مائدة المفاوضات أكثر مما تساوي في ميزان القوى، والأمر لا يتعلق هنا، بالأماني. حين عاد السياسي النمساوي الداهية، مترنيخ، إلى حلفائه من حكام الدول الأوروبية، باتفاق عقده مع نابليون بونابارت، المهزوم (1815)، وفيه تنازل الأخير للدول الأوروبية المنتصرة عن جزءٍ من الأراضي الفرنسية، هنا، عاتب أولئك الجكام مترنيخ؛ لأنه لم يحصل من نابليون على مزيد من الأرض. رد عليهم مترنيخ، بجملته الشهيرة: «أنت لا تستطيع أن تأخذ من الأرض إلى أبعد مما تصل إليه دانة مدفعك!» أما الزعيم الفرنسي، شارل ديجول، فهو من قال: «من لا يملك خيار الحرب، لا يملك خيار السلام». إلى فردريك الأكبر، الذي أكَّد بأن «سلام بدون سلاح، موسيقى يدون آلات موسيقية!»
متمنيًا على الأخوة «المبادرين» بأن يلتفتوا إلى محاولة تعزيز الوضع الفلسطيني، في ميزان القوى، وهو دون الصفر. وخذا ليس اكتشافًا.
الملاحظ أن «مشروع الدولة الواحدة» يحتل قمة المشاريع المتداولة، الذي لا يستحيل تنفيذه فحسب، بل إنه – لو نُفِّذ – فسيمنح الاستيطان الصهيوني المتغوِّل في الضفة الغربية شرعية، لم يكن يحلم بها؛ فالدولة تستوطن في أراضيها، عند ذاك.
غني عن القول بأن عدونا يخوض ضدنا معركته بمعادلة صفرية: إما نحن، وإما هو، أي أن هذه العدو لا يملك إلا مشروع تصفية لقضيتنا الوطنية، تُغريه على ذلك أوضاعنا العربية، وفي القلب منها الوضع الفلسطيني.
لا شك أن من بين الذين بهرتهم بعض هذه المبادرات، محبطون من أداء القيادة المتنفِّذة، ومن مدى تردي أوضاع عُمقنا الاستراتيجي العربي، لكن ثمت طريق آخر، يمكن أن يسلكه هؤلاء، متمثلًا في: توصيف الوضع الحالي للقضية الفلسطينية، وتحليله، وكشف ما أوصلنا إلى هذا الوضع، طبقيًا، وسياسيًا، وفكريًا، وصولًا إلى وضع «خطة عمل»، للخروج من هذا النفق المظلم. ومن هنا نبدأ■