مَن هما سفيرا الأدبِ الروسي الفلسطينيان؟
2020-10-22
استغرب أحدُ الشباب من إجادة أحد المعلقين الروس الحديثَ باللغة العربية الفصحى في إحدى القنوات الفضائية، قال الشابُ الفلسطيني مًستغربا: "إنه لم يُخطئ في ضبط الجمل، فقد وضع الحركات الصحيحة على أواخر الكلمات، وكأنه معلمٌ كفءٌ لمادة اللغة العربية، أين تعلم لُغتَنا؟"!
أوردتُ لهذا الشاب نموذجينِ من المعلمين الفلسطينيين المبدعين، لعلَّ أبرز رواد هذا الجيل الفلسطيني، الأديب، والمعلم، والقاص ابن مدينة الناصرة، خليل بيدس، المولود عام 1874م، المتوفى عام 1949م، ترجم، خليل بيدس أعمالا أدبية روسية إلى العربية، منها إبداعات، ديستوفسكي، وتولستوي، انتفعتْ بها كل الأجيال في بلاد العرب وليس في فلسطين فقط.
كتب عددٌ من كتابنا الفلسطينيين عن هذه الشخصية منهم، ناصر الدين الأسد، والمترجم، أحمد عمر شاهين، والدكتور يحيى جبر، وآخرون، غير أن هذه السيرة (العسلية) لم توضع في خلايا مناهج التربية والتعليم للأسف، أصدر الأخ، جهاد صالح كتابا عن، خليل بيدس، (الصباغ) أشار في كتابه إلى ريادته في مجالٍ آخر غير الترجمة، في مجال القصة والرواية، أطلق عليه لقبا يستحقه؛ سفير الأدب الروسي في الأدب العربي، أشار إلى نضاله ضد البريطانيين، وضد وعد بلفور، حتى أن البريطانيين حكموا عليه بالإعدام، كان خليل بيدس إعلاميا بارعا أصدر صحيفة، النفائس العصرية، ونشر مقالاته في صحيفتي، الأهرام، والمقطم المصريتين
أما الشخصية الفلسطينية ذات الأثر البالغ في تعليم اللغة العربية للناطقين باللغة الروسية كانتْ أيضا ابنة الناصرة، الأديبة، والمترجمة، والمناضلة الفلسطينية، كلثوم عودة، وهي أيضا لم تحظَ بالشهرةِ، ولا تعرف الأجيالُ الفلسطينية عنها كثيرا، هذه الفتاة المجتهدة، ولدت في الناصرة 1892، توفيت في موسكو 1965م، هي مؤسسِّة قسم اللغة العربية، في جامعة موسكو، وهي أول امرأة تحصل على لقب برفسور، هذه المبدعة الفلسطينية عملت أيضا محاضرا في جامعة، بطرسبورغ.
سأظل أذكرُ صديقي الراحل، رئيس تحرير صحيفة، الاتحاد، الشاعر الفلسطيني، سالم جبران، كان يفخر بصلة القرابة بينه وبين المبدعة، كلثوم عودة، كان يعتبرها أحد أبرز رموز الإبداع الفلسطيني المهاجر،
لم تنسَ هذه المبدعةُ فلسطين، حتى بعد أن حصلت على جنسية زوجها الروسي، فقد اعترضتْ بصوتٍ عالٍ على اعترافِ روسيا بدولة إسرائيل، عام 1948م، لم تكترث بعواقب هذا الاحتجاج، مما دفع، ستالين إلى أن يُصدر أمرا بنفيها إلى سيبيريا، غير أن تراثها الثقافي وموهبتها دفعتْ أحد أبرز المستشرقين الروس، وهو، أغناطوس كراتشكوفسكي، إلى أن يُقنع ستالين بإلغاء أمر النفي، لأن هذا المستشرق كان يعرف موهبتها وكفاءتها في اللغتين، العربية والروسية، ويعرف إسهامها في النهضة الأدبية، وفي تعليم الروس اللغةَ العربية.
للأسف، ما تزالُ أجيالنا الحديثة تقتاتُ على ما تركه هؤلاء الآباءُ من تراثٍ ثقافي، ولم تَبنِ هذه الأجيالُ قُصورا ثقافيةً جديدة، بخاصة، ونحن نعيش في عصر التواصل الاجتماعي والانفتاح الثقافي، في الألفية الرقمية!
كُنا نُعلِّمُ لغتَنا للآخرين، فيعشقونها، ويبرعون فيها، كان المعلمون الفلسطينيون في القرن الماضي هم وإخوتهم المعلمون المصريون روادَ التنوير في كل أرجاء الوطن العربي، أسهموا في بناء أروع الأسس الثقافية والأدبية والفنية والإعلامية في أقطار الوطن العربي.
سأظلُّ أذكر قسم اللغة العربية في جامعة القاهرة، في ستينيات القرن الماضي، كنتُ أجلس إلى جوار طلاب وطالباتٍ من إفريقيا، وآسيا، وأوروبا، كانوا هم الأغلبية في قسم اللغة العربية!
كان التبادل في تعلُّم اللغات هو الطبق الشعبي في فلسطين، في القرن التاسع عشر والعشرين، ففي مدارس، السيمنار الروسية في مدينة الناصرة ونابلس الفلسطينيتين تَعلّم كثيرون من الروس اللغة العربية، وتعلَّم العربُ أيضا اللغة الروسية، كان وطنُنا زاخرا بالكفاءات والإبداعات في كل مجالات العلوم، هذه المدارس الفلسطينية خرَّجتْ جيلا من المترجمين والمعلمين للعربية والروسية ■