سبعون يوماً ونيف والأسير ماهر الأخرس يرقد في مستشفى «كابلان» الإسرائيلي، يواجه الموت البطيء في أية لحظة مع بدء إضرابه المفتوح عن الطعام ورفضه تناول المدعمات والمكملات الغذائية ما أدى إلى تدهور صحته.
ومع تجاوز الأسير الأخرس يومه الستين دخل مرحلة الخطر الشديد وأصبح يعاني من أوجاع كثيرة وعدم وضوح في الرؤية ومشاكل في الأذن والنطق وصعوبة في التنفس وآلام في المعدة إلى جانب عدم القدرة على الحركة والنهوض من السرير وآلام في الأيدي والأرجل.
فمن المألوف أن الإضراب من هذا القبيل يُذهب صاحبه نحو الموت في يومه الستين، لذلك اختار الأسير الأخرس طريقه إما حريته أو استشهاده لأنه في كلا الطريقين يعد انتصاراً على الاحتلال الإسرائيلي ومحاكمه التي اعتادت التنصل من تعهداتها واتفاقياتها التي تقطعها على نفسها، بعدما أصدرت المحكمة العليا للاحتلال تجميد اعتقاله الإداري دون الإفراج عنه، واضعاً وصيته بعدم تشريح جثمانه بعد الإعلان عن استشهاده.
إن اختيار الأسير الأخرس المشوار الصعب ما بين الحرية أو الاستشهاد لفهمه البليغ والعميق لما سجله الشهيد الشيخ عمر المختار خلال مقاومته الاستعمار الإيطالي، بإحدى مقولاته الشهيرة «نحن لن نستسلم، ننتصر أو نموت.. نحن لا نبخل بالموجود ولا نأسف للمفقود»، وكل أسير فلسطيني خاض معركة الكرامة والحرية.
ربما أراد الأسير ماهر الأخرس خوض ذات الإضراب الذي خاضه الأسير الشهيد أنيس دولة وغيره من الأسرى ليرسل رسالة إلى آسريه يخيرهم ما بين الحرية أو الموت ولا يعرف للاستسلام طريق، كما عهد ذلك الشيخ عمر المختار الذي اختار حبل المشنقة عن النفي والاستسلام قائلاً مقولته الشهيرة أيضاً «نحن لا نعرف إلا أمرين إما النصر أو الموت...».
إصرار الأسير الأخرس على استمرار نضاله بإضرابه المفتوح عن الطعام ضد سياسة الاعتقال الإداري مهما تكن الظروف والنتائج على طريق نيل حريته والانتصار لقضيته وقضية الأسرى وإسقاط قانون الاعتقال الإداري، رغم إدراكه عدم تكافؤ المعركة بين الأسير الفلسطيني والسجان الإسرائيلي ومحاكمه.
فالأسرى يدركون أن معركتهم النضالية مصيرها الانتصار حتماً، لذلك أول وآخر ما يفكر به الأسرى هو الإضراب كونه دفاعاً عن كل أسير فلسطيني لنيل حريته، وكونه يدرك أن الانتصار لن يكون للأسير وحده بل لكل الأسرى وللشعب الفلسطيني وكل أحرار العالم الذين يقفون ويساندون قضيتهم العادلة.
إن معركة النيل من سياسة الاعتقال الإداري، بدأها الأسرى منذ سنوات عديدة، ويخوض أخطر فصولها الأسير ماهر الأخرس الذي يواجه أسوأ ظروف اعتقالية في تاريخ الحركة الأسيرة، خاصة أنه يواجه الاعتقال الإداري ووباء كورونا في ذات الوقت كون يرقد في مشفى كابلان بجسده الضعيف ويعاني ظروفاً صحية صعبة تنذر بخطر استشهاده في أية لحظة، وكون مصابو وباء كورونا القاتل يعالجون بهذا المشفى وخطر انتقاله واردة في أي وقت.
إن سياسة الاعتقال الإداري تعني احتجاز الأسير دون تهمة أو محاكمة، ولا أحد يدرك كيف ذلك يكون حتى محاكم الاحتلال وكافة قوانين العالم التي تحاول ترجمة هذا القانون الاعتقالي فلن تجد له أي مسوغ قانوني في كل كتب القانون ومحاكم التاريخ.
لذلك المعركة أصبحت واضحة وهي عدم ترك الأسير يخوض معركته وحيداً في الميدان أمام تنصل كافة المؤسسات الحقوقية والإنسانية الدولية، بل المطلوب تزخيم التحركات الرسمية والشعبية المساندة لقضية الأسرى كون قضيتهم عادلة، فيما على المستوى الرسمي المطلوب نقل ملف الأسرى والاعتقال الإداري إلى الهيئات والمحاكم الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين، كون الانتظار يعني إضافة شهيد جديد على قائمة شهداء الحركة الوطنية الأسيرة ■