[■يكتسب اجتماع الأمناء العامين في 3/9/2020، بين بيروت ورام الله، أكثر من معنى. فهو المرة الأولى التي يلتقي فيها القادة الفلسطينيون بكامل انتماءاتهم، وتياراتهم، وفي كافة مناطق تواجدهم، دون وساطة خارجية، ودون أن تقدم لهم اقتراحات وأوراق عمل من خارج الصف الوطني، بل شكل اللقاء الوطني ثمرة إرادة وطنية فلسطينية جامعة، ومشاورات ثنائية وثلاثية وجماعية، توجَّها اللقاء الواحد في مكانين.
■ لقد أزاح هذا اللقاء الحاجز الجغرافي بين «الداخل» و«الخارج»، وأزاح أية ذرائع وحجج قد تكون عائقاً أمام الدعوة لجولات حوار جديدة، سوف تتطلبها المرحلة القادمة بكل تأكيد. إذ بفضل القرار السياسي أولاً، وبفعل التقنية ثانياً، التي لجأ إليها الحوار، بات الحاجز الجغرافي، غير ذي معنى. وحتى ولو تعقَّدت مسألة إيجاد المكان مستقبلاً، فقد بات بالإمكان تجديد اللقاء في أكثر من مكان، بما يُسهِّل على القيادات تجاوز عقبات التنقل ومراعاة العلاقات مع الأشقاء العرب، إن لم يكن مداراتها. وبالتالي، لم يعد صعباً أن يصدر عن المجلس المركزي – مثلاً - قرار بآلية ملزمة لحوار الأمناء العامين وللحوار عموماً، تستجيب – كلما اقتضى الأمر - للضرورات الوطنية.
■فضلاً عن ذلك، منح اللقاء العاصمة اللبنانية بعداً إقليمياً خاصاً بها، ثمة حاجة ماسة له في ضوء الظروف الصعبة التي يجتازها لبنان، نالت منه سمعة ومكانة، فبيروت هي العاصمة الثالثة بعد القاهرة وموسكو، التي تستضيف على أرضها جولة للحوار الوطني. وسوف يُذكر على الدوام اسم بيروت إلى جانب القاهرة وموسكو كلما أتى الحديث عن جولات الحوار الوطني الفلسطيني.
■وهذا أمر لا شك في أن بيروت تستحقه بكل جدارة، وهي عاصمة البلد الشقيق الذي يستضيف واحداً من أهم تجمعات الشعب الفلسطيني، والذي احتضن قيادة المقاومة الفلسطينية لفترة زمنية ذات طابع تاريخي ستبقى محفورة في الذاكرة، وهي العاصمة العربية التي صمدت 87 يوماً، صموداً أسطورياً في وجه الغزو الإسرائيلي عام 1982، وقدمت ضريبة العروبة والوفاء لشعبنا ولقضيته الوطنية؛ وهي عاصمة لشعب مناضل أصيل، مازال يعتمد المقاومة وسيلة رئيسية، لا بل حاسمة، في التصدي لعدوان إسرائيل المتمادي على لبنان، بعد أن حرر ما يقارب كامل ترابه الوطني من رجس احتلالها، شعب مقاوم ينظر إلى الحركة الفلسطينية ومقاومتها باعتبارها شريكاً في مشروع سياسي وطني وثوري وقومي، مشروع التصدي للتحالف الأميركي - الإسرائيلي ومخططاته لاستتباع المنطقة، والسيطرة على شعوبها واستغلال ثرواتها، والتحكم بمقدراتها؛ ومن هنا السمة المسئولة والناضجة في آن، للقرار السياسي اللبناني- لأصحاب الشأن - في استضافة إجتماع القيادة الفلسطينية، وتوفير الغطاء السياسي له ■]
(1)
الهجمة الأميركية – الإسرائيلية
والبيان الثلاثي
■ تتصاعد على شعوب المنطقة الهجمة العدوانية للتحالف الأميركي – الإسرائيلي، وغايتها السعي الدؤوب لتصفية القضية الفلسطينية والحقوق الوطنية لشعبنا، من خلال الدفع لتطبيق صفقة القرن (رؤية ترامب)، على مستوى الإقليم، في العلاقة مع الدول والأنظمة العربية، وعلى المستوى الفلسطيني، في إطار خطة الضم الزاحف بإجراءاته اليومية في شتّى أنحاء الضفة الغربية، بما فيها القدس.
في 13/8/2020 طالعتنا الخطوة الثلاثية الأميركية - الإسرائيلية – الإماراتية في بيان أعلن عن «تطبيع العلاقات» بين النظام الإماراتي ودولة الاستعمار الاستيطاني، والإتفاق على توقيع معاهدة سلام، في إنتهاك إماراتي مكشوف لمبادرة السلام العربية (الصادرة عن القمة العربية في بيروت - 2002)، ولقرارات القمم العربية اللاحقة في مقاطعة إسرائيل، ونزع الشرعية عن الإحتلال، حتى يتحقق الإنسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة بعدوان الـ 67، وتقوم الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 67 وعاصمتها القدس، ويُنجز حل عادل مُتفق عليه لقضية اللاجئين بموجب القرار الأممي 194.
[■استكملت هذه الخطوة في 15/9/2020 بالتوقيع في البيت الأبيض على معاهدة سلام بسبعة ملاحق بين الإمارات وإسرائيل، ومذكرة تفاهم (إعلان سلام) بين البحرين وإسرائيل سبقها الإعلان في 11/9 عن تطبيع العلاقات بينهما، حيث من المفترض أن تُستكمل المذكرة بمعاهدة سلام أيضاً بين البحرين وإسرائيل في موعد لاحق.]
■ البيان الثلاثي الإماراتي – الإسرائيلي - الأميركي يقوم على التلاعب بالألفاظ وتشويه المعاني، والمفاهيم والقيم. فما تم الإعلان عنه، ليس تطبيعاً للعلاقات، بين دولة عربية، عضو في جامعة الدول العربية، تلتزم ميثاقها وقراراتها الدورية، وبين دولة تحتل الضفة الغربية وتضع قطاع غزة خلف مغاليق الحصار، كما تحتل الجولان ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا، ولا تكف عن شن الأعمال العدوانية على أراضي سوريا، وانتهاك سيادة لبنان، ودول أخرى كالجمهورية الإسلامية في إيران.
إن ما قام به نظام الإمارات يتجاوز حدود «التطبيع» بالمعنى الشائع للمصطلح، نحو الإنخراط في تحالفات إقليمية، إسرائيلية – أميركية – عربية، سياسية واقتصادية وأمنية وثقافية، تأخذ المنطقة كلها وقضاياها القومية والوطنية، ودولها وشعوبها إلى حالة أخرى تماماً، يُفرض فيها الحصار على الدول الرافضة للتطبيع، والمتمسكة بالحقوق الوطنية والقومية لشعوب المنطقة، وتُنشر فيها ثقافة التبعية والإلتحاق بالمشروع الأميركي – الإسرائيلي، وبصفقة القرن، وتُتوج بنهب ثروات المنطقة، وتسخير كفاءاتها وقدراتها العلمية والبشرية، في خدمة المشروع الأميركي – الإسرائيلي بأولوياته ومصالحه الاستراتيجية، وأهدافه السياسية المعلنة■
(2)
الإنقسام والإنتخابات المعطلة
والبديل التوافقي
■ الإجتماع الذي عقده الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية، برئاسة الرئيس محمود عباس بين بيروت ورام الله تناول كيفية مواجهة هذه الهجمة وصدَّها، باستنهاض عناصر القوة في الحالة الفلسطينية، ومعالجة الثغرات والنواقص التي تعتورها، وفي مقدمها إنهاء الإنقسام واستعادة الوحدة الداخلية بما هي وحدة المؤسسات الوطنية برنامجياً في إطار م.ت.ف، الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا. وبدون هذا، تبقى دعوات المواجهة والتصدي مجرد شعارات، لا ترقى إلى مستوى جهد ميداني موحد في إطار وطني فاعل.
نتحدث هنا عن إستعادة الوحدة الداخلية، ونميِّز في الوقت نفسه، بينها وبين الوحدة الوطنية. فالحالة الفلسطينية لا تعاني من إنقسامات عامودية، والشعب الفلسطيني موحد في انتمائه لأرض وشعب ورواية تاريخية، موحد في التفافه حول منظمة التحرير الفلسطينية (دون الإقلال على الإطلاق، أو تجاهل الكثير من الإنتقاد المحق لأوضاع المنظمة وضرورات إصلاحها بنيوياً)، موحَّد حول برنامجها السياسي، برنامج العودة وتقرير المصير والإستقلال الناجز.
■ ما يعطل الجهد الوطني هو استمرار الإنقسام، وما يرقى بأدائه لا يكون إلّا باستعادة الوحدة الداخلية، أي وحدة فصائل العمل الوطني الفلسطيني، ووحدة المؤسسة الوطنية الجامعة، وهذا أمر انصبت عليه جهود حثيثة وتبلورت حوله مشاريع وخطط عمل، تمحورت كلها حول اعتبار الإنتخابات الشاملة، الرئاسية، والتشريعية في السلطة وفي م.ت.ف، بنظام التمثيل النسبي الكامل، هي المدخل للحل الديمقراطي الجذري لإنهاء الإنقسام. لكن، ما يجب استدراكه في هذا الأمر، أنه بدءاً من العام 2009 جرت خمس محاولات من أجل تنظيم هذه الإنتخابات، (آخرها أُعلنت في خطاب الرئيس أبو مازن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 26/9/2019)، كلها باءت بالفشل، لأسباب شتّى، في مقدمها العراقيل الإسرائيلية، خاصة حرمان أبناء القدس من حقهم في الإقتراع فيها، بدعوى أنها تقع تحت السيادة الإسرائيلية؛ كما ولأسباب ليس أقلها عدم استعداد حركتي فتح وحماس لخوضها على خلفية نتائجها غير المضمونة لأي منهما، قد تقود إلى وقائع تُحدث تغييراً على علاقتهما بالسلطة على خلاف الواقع القائم حالياً؛ ومنها أخيراً صعوبة تنظيم هذه الإنتخابات في الخارج في ظل الأوضاع السياسية السائدة.
■الإنتخابات هي الحل الأمثل، والأرقى، لكنها في الوقت نفسه، لا تتوفر الظروف، لتنظيمها في المدى المباشر وبالسرعة التي تقتضيها موجبات المواجهة المجدية والكاسرة للمخاطر الكبرى التي تتهدد القضية الوطنية. ومع كل خطوة فاشلة للإقتراب من تنظيم الإنتخابات، نجد أنفسنا وقد ابتعدنا عنها أكثر، حتى تكاد الدعوة لها تفقد في أعين الكثيرين، من صدقيتها، وكأنها باتت ذريعة يُلجأ إليها لتبرير إدامة الإنقسام، والإيحاء بصعوبة إنهائه، ما يتطلب، لإخراج الدعوة من «جورتها»، تقديم حلول عملية قابلة للتحقيق، لا تلغي الحاجة إلى الإنتخابات، بل تُقرِّبنا منها من خلال خطوات سبق للحركة الوطنية الفلسطينية أن لجأت إليها في أكثر لحظاتها مصيرية وتعقيداً، خطوات تقوم على مبدأ التوافق الوطني.
■ في هذا السياق بالإمكان استحضار – على سبيل المثال - تجربة الدورة التوحيدية الثامنة عشرة للمجلس الوطني – 1987، التي إنعقدت بالتوافق الوطني متجاوزة 4 سنوات من الإنقسام المر، (الذي لم يُخل في بعض محطاته من مواجهات عسكرية طاحنة)، وبكل السلبيات التي انطوى عليها. وثمة محطات أخرى مشابهة بالإمكان استذكارها (منها التوافق على برنامج النقاط العشر في الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني – 1974؛ ومنها أيضاً التوافق على إعلان الإستقلال ومبادرة السلام الفلسطينية في الدورة الثامنة عشرة للمجلس الوطني – 1988؛..)، حيث يضيق المجال عن التوسع بذكر المزيد من المحطات في هذه العجالة.
■في الظرف الصعب الذي تمر به الحركة الوطنية، وكحل عملي مباشر يتيح استعادة الوحدة الداخلية، ندعو إلى خطوة من شأنها أن تعيد تأطير الحالة الوطنية بكل أطرافها، وتعزز في الوقت نفسه الموقع السياسي والقانوني والتمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية، فنعيد بناء وتشكيل اللجنة التنفيذية، بحيث تضم الجميع، بما في ذلك حركتا حماس والجهاد الإسلامي، وبحيث تستعيد الجبهة الشعبية - القيادة العامة، ومنظمة الصاعقة مقعديهما فيها، وتعود الجبهة الشعبية لتفعيل موقعها فيها.
وبما أن اجتماع الأمناء العامين قد أقر الدعوة لدورة جديدة للمجلس المركزي يحضرها الأمناء العامون أنفسهم، نفترض أنها ستكون الخطوة المتممة لاجتماع 3/9/2020، فإن هذه الدورة يمكن أن تشكل الفرصة السانحة أمامنا لإعادة انتخاب لجنة تنفيذية جامعة، خاصة وأن المجلس الوطني في دورته الـ 23- 2018، الذي قرر أن تكون الأخيرة في تكوينه القائم حالياً، فوَّض صلاحياته للمجلس المركزي. ونعتقد أن ما تشهده قضيتنا والإقليم من تطورات، حرِّي بها أن تقنعنا بضرورة البحث عن الحلول العملية السريعة والممكنة، التي بإمكانها في الوقت نفسه، أن تُحدث النقلة التوحيدية المطلوبة في الحالة المؤسساتية الفلسطينية، واستتباعاً عموم الحالة الوطنية.
■إن المشاركة هي مفتاح إستعادة الوحدة الداخلية. وإذا كان تجسيد المشاركة بالانتخابات أرقى – لا ريب – بالمعنى الديمقراطي، فإن تحقيقها بالتوافق الوطني أسرع. وهذا معطى فائق الأهمية كوننا في سباق مع مشروع أميركي – إسرائيلي بمشاركة عربية رسمية متسعة الدوائر، مشروع يرمي لإحداث تحولات عميقة وبعيدة المدى في الإقليم. إن أحد الأشكال الأهم لمواجهة هذا المشروع على محوره الفلسطيني، يكون بتصدي الحالة الفلسطينية الموحدة له، الموحدة بجميع مكوناتها وبأقصى ما يمكن من سرعة، البارحة قبل اليوم، واليوم قبل الغد■
(3)
المقاومة الشعبية الشاملة
النموذج الفلسطيني لحرب الشعب
■ إذا كانت استعادة الوحدة الداخلية على قاعدة المشاركة، هي الخطوة الأولى والضرورية للمواجهة متعددة الشكل للمشروع والتحالف الأميركي - الإسرائيلي، فإنها تشكل في الوقت نفسه الأساس المتين الذي يمكن أن نبني عليه الخطوة الثانية المتوازية معها، والمتمثلة في إطلاق المقاومة الشعبية بكل الوسائل الممكنة والمتاحة، الكفيلة بنقلها إلى انتفاضة شعبية شاملة، تتحول بدورها إلى عصيان وطني لدحر الإحتلال وتفكيك الاستيطان والظفر بالحقوق الوطنية.
ليس المقصود بالمقاومة الشعبية – بكل تأكيد - تلك المهرجانات والمسيرات والخطابات التي قامت على الإتفاق الثنائي بين فتح وحماس. فهي، ودون التقليل من أهميتها التعبوية والمعنوية، ومحاولتها تقديم صورة لتقارب معيَّن – موضع ترحيب دائم بكل تأكيد - بين الحركتين، فهي لا ترتقي إلى مستوى الإشتباك المفتوح مع الإحتلال ومع الإستيطان، وبحيث لا يبقى مجرد «إحتلال بلا كلفة». إن المقصود بالمقاومة الشعبية، هو استنهاض كل القوى والفعاليات والطاقات الشعبية، في الضفة والقطاع، والشتات، لخوض معركة الإستقلال الوطني، لاستنزاف العدو، والخلاص من الإحتلال واقتلاع الاستيطان.
■قضيتنا الوطنية ما زالت في مرحلة التحرر الوطني، ما يتطلب منا أن نعيد تعريف الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي باعتباره عدواناً يومياً على شعبنا وأرضنا، ومستقبلنا، وقد سقطت الأوهام باعتباره شريكاً(!) في عملية السلام المزعومة. وقد سبق للشرعية الدولية، متمثلة في قرارات مجلس الأمن 2334-2016، أو في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 19/67- 2012، أن أعادت التأكيد على المكانة القانونية للضفة والقطاع باعتبارها تحت الإحتلال، وأعادت التأكيد على حق شعبنا في الخلاص منه، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس على حدود الـ 67، وحل قضية اللاجئين بموجب القرار 194، أي ما يعني ضمناً وقانوناً، وما يترتب عليه عملاً وفعلاً: حق شعبنا في النضال ضد الإحتلال دفاعاً عن سلامة أرضه وسيادته الوطنية وحريته واستقلاله. وما المقاومة الشعبية بكل أشكالها، سوى الخطوة الأولى على طريق إطلاق الإنتفاضة الشاملة، مستعيدين بذلك تقاليد العمل الوطني المجيد في الإنتفاضتين الأولى (1987-1993)، والثانية (2000-2004)، وعلى طريق التحول نحو العصيان الوطني الشامل حتى دحر الإحتلال.
■ أثبت شعبنا، بتجاربه النضالية الغنية، أن الإنتفاضة هي النموذج الفلسطيني المميز لحرب الشعب، ما ينسجم وظروفه وأوضاعه وأحواله الذاتية والموضوعية، ومن هنا سمة الإبداع التي تمتعت بها. وتحت سقف المقاومة الشعبية، وفي سياقها، وعبر أطرها المنظمة، يخوض شعبنا كل أشكال النضال، بالوسائل المتاحة في الميدان، في إدامة الإشتباك اليومي مع الإحتلال والإستيطان، وتحميله الثمن الغالي لمواصلته إحتلال أرضنا، أو في باقي المجالات، ما يفتح الباب لتنظيم أوضاعنا من أجل مقاطعة الإقتصاد الإسرائيلي، وكسر الغلاف الجمركي الواحد الذي يُقيِّد إقتصادنا بقيود الاقتصاد الإسرائيلي المتفوق، ويُعمِّق تبعيته له؛ وتنظيم أوضاع المجتمع الفلسطيني تعزيزاً لقدرته على الصمود في الحرب الشعبية المفتوحة.
■ المقاومة الشعبية هي الطريق الأقصر للوصول إلى الوحدة الميدانية وتجاوز الخلافات السياسية للحؤول دون تحولها إلى عوائق تحتجز استنهاض الحالة الجماهيرية، وتحول دون تصعيد المواجهة الوطنية. وتجاربنا الوطنية في هذا المضمار غنية على مدى سنوات النضال، في الأراضي المحتلة وخارجها. هذا فضلاً عن كون المقاومة الشعبية هي الأسلوب النضالي لخلق التقارب وتوثيق العلاقة بين الفصائل والقوى الوطنية، من جهة؛ وبينها وبين عموم الحالة الجماهيرية، من جهة أخرى، تعزز التحامها في المواجهة، وفي إطلاق المبادرات الوطنية الفردية والمجتمعية.
ومما لاشك فيه أن إجماع الأمناء العامين، في اجتماع 3/9، على المقاومة الشعبية المشتبكة مع الاحتلال والاستيطان، وعلى قيام القيادة الوطنية الموحدة للإنتفاضة، يشكل – بعد التطبيق - محطة مفصلية، ويفتح الباب نحو التقدم بخطوات حثيثة نحو الهدف، كونه يجمع ما بين الاستراتيجية وأسلوب النضال الذي يؤكدها ويعطيها مضمونها■
(4)
القيادة الوطنية الموحدة... أي جديد؟
■ عندما تُذكر «القيادة الوطنية الموحدة» تستعيد الذاكرة التجارب الغنية للإنتفاضتين الأولى والثانية في الضفة والقطاع، وما أحدثتهما من تداعيات وردود فعل عربية وإسرائيلية ودولية، وكان لكل واحدة منها آثارها البليغة في الجسم الكفاحي، والتراث النضالي، والعقل السياسي الفلسطيني.
لقد أثبتت الإنتفاضة، كنموذج للنضال الوطني، أنها تشكل مستوى راقياً ومتقدماً من مستويات الكفاح ضد الإحتلال، تتوحد في أطرها كل الفعاليات السياسية والمجتمعية على اختلاف اتجاهاتها ورؤاها؛ وتعيد تقديم الحالة الوطنية لشعبنا، في صيغة، تدفع الأطراف الرئيسية المعنية بشؤون المنطقة، للتدخل والضغط للوصول إلى حلول تتقدم نحو الإستجابة لحاجات شعبنا وتطلعاته الوطنية.
وبالتالي، عندما يتخذ مُلتقى الأمناء العامين قراراً بتشكيل القيادة الوطنية الموحدة، للمقاومة الشعبية، فإنه بذلك ينطلق من رؤية تتجاوز حدود الرهان على المفاوضات، كحل فوري وآني، وحدود الرهان على العودة إلى ما قبل قرار القيادة الفلسطينية في 19/5/2020 القاضي بالتحلل من الإتفاقات والإلتزامات والتفاهمات مع الجانبين الإسرائيلي والأميركي، كما أنه يشكل في الوقت نفسه فرصة لدفع الأمور إلى الأمام وتطويرها، عبر الإنتقال إلى سياسة الإشتباك الحقيقي، والمواجهة الشاملة مع الإحتلال، ومع «رؤية ترامب»، ومع مخطط الضم وتطبيقاته.
■ غير أن الأمر الذي لا يقل أهمية عن كل ما ذكر، هو أن القيادة الوطنية الموحدة، تتشكل، حسب القرار المتخذ، من الداخل والخارج، أي أنها لن تكون مقتصرة على جزء من تجمعات شعبنا، البالغ تعدادها 5 مليون في الضفة والقطاع، كما حصل في التجارب السابقة، بل سوف تتألف من القيادات الوطنية في جميع أماكن تواجد شعبنا، بتعداده الكامل، أي بالـ 13 مليون، وأن برنامج المقاومة الشعبية لن يكون برنامجاً للضفة والقطاع فحسب، بل لكل أبناء شعبنا دون إستثناء، وإن حرب الإستقلال لن تخاض على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 حصراً، بل سوف يخوضها الشعب الفلسطيني كله، بما يعيد إبراز أهمية البرنامج الوطني بدوائره الثلاث:
·دائرة الـ48، من أجل المساواة في حقوق المواطنة الفردية والقومية والضغط من أجل الخلاص من الإحتلال الإسرائيلي في مناطق الـ 67.
·دائرة اللاجئين (الشتات) من أجل العودة إلى الديار والممتلكات، وصون الهوية والكيانية الوطنية.
■ سوف تمتد العملية الوطنية المناهضة للاستعمار الاستيطاني وتشتعل نيرانها في باقي المناطق والتجمعات، وفقاً للخصوصية السياسية المحلية والقانونية لكل تجمع؛ فيتوحد تحت سقف القيادة الوطنيةالشعب بأسره، والقضية كلها، وتتوحد الأرض، بتوحد شعبها. ويستعيد مبدأ «وحدة الشعب والحقوق والأرض» ألقه السياسي، بقيادة م.ت.ف الإئتلافية، الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا.
في هذا الإطار من الطبيعي أن تتخذ المقاومة الشعبية أشكالها المتنوعة، النضالية في الميدان، وإعادة بناء أدوات وأساليب الصمود للتحرر من اتفاق أوسلو وبروتوكول باريس الإقتصادي، وإعادة بناء المؤسسة الوطنية في الداخل (السلطة الفلسطينية) التي تدير الشأن المعيشي للسكان بأولوية تأمين مقومات صمودهم وثباتهم وتجذرهم في أرض الأجداد، بما ينسجم مع الواقع الجديد وشروطه ومتطلباته، وإعادة بناء أوضاع م.ت.ف، واستعادة تموضعها السياسي والمكاني والجغرافي بما يستجيب لضرورات المرحلة الجديدة من النضال الوطني.
ولسوف تؤكد التجربة النضالية بما ستفرضه من وقائع جديدة في الميدان، وتقود إلى بلورة رؤية سياسية واقعية وعملية، تنتج، في عملية تراكمية، رؤى سياسية جامعة، أكثر اتساعاً على الصعيد الوطني وأكثر تقارباً فيما بينها، بحيث تلعب التجربة، والوقائع الميدانية وضرورات العمل الكفاحي دوراً في صياغة المفاهيم المشتركة، وصولاً إلى مخرجات متوافق عليها وطنياً لكل مرحلة من مراحل النضال الوطني بصيغته الجديدة■
(5)
المجلس المركزي.. الدورة الإستثنائية
■ دورة المجلس المركزي التي دعا لها البيان الختامي للأمناء العامين، تستحق أن يطلق عليها – في حال إنعقادها - «الدورة الإستثنائية»؛ فهي، أولاً: دورة يمتلك فيها المجلس صلاحيات المجلس الوطني بما فيها سلطته التشريعية.وليست هذه المرة الأولى التي يقف فيها المجلس المركزي أمام واقع سياسي مستجد يملي - وحتى بتجاوز صلاحياته في بعض الأحيان - اتخاذ القرار بشأنها. إذ هو نفسه المؤسسة التياتخذت القرار بالذهاب إلى مفاوضات مدريد، ووضعت متطلبات المشاركة الفلسطينية فيه (التي لم يتم التقيّد بها لاحقاً!)، وهو المجلس الذي اتخذ قراراً بإنشاء السلطة الفلسطينية؛ ما يعني أن المجلس المركزي الحالي، مؤهل، خاصة بحسب صلاحياته المكتسبة بعد الدورة 23 للمجلس الوطني، لاتخاذ القرار الذي يستجيب لضرورات المرحلة الجديدة، بما فيها إعادة صياغة أوضاع اللجنة التنفيذية، فلم نَعُدْ أمام أية عوائق قانونية قد تحول دون ذلك.
■ وهي، ثانياً: دورة يشارك فيها الأمناء العامون كلهم. أي الفصائل الفلسطينية دون استثناء، من كان منها عضواً وفاعلاً في م.ت.ف، أم لم يكن، ما يجدد التأكيد أن م.ت.ف، هي الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، وأن آفاق مشاركة الجميع في مؤسساتها والإنخراط بها باتت (إلى حد كبير) بمتناول اليد.
ومع أن العديد من قرارات المجلس المركزي، في دوراته السابقة، مازالت معلقة، ولم تجد طريقها إلى التطبيق، فإن مشاركة الأمناء العامين في هذه الدورة تشكل ضمانة وطنية ذات شأن، لتطبيق ما سيصدر عنها من قرارات. إذ بات واضحاً ومعلوماً، أن قرارات الصف القيادي الأول، (أي الأمناء العامين) تمتلك قوة معنوية وسياسية وتنفيذية متميّزة، وهي المؤهلة أكثر من سواها لتجد طريقها إلى التطبيق.
■ وهي، ثالثاً: الدورة التي ستتناول كيفية وآليات العمل بمخرجات مؤتمر 3/9، بما في ذلك بحث خطة وآليات إنهاء الإنقسام، وإعادة توحيد مؤسسات السلطة الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، على ذات القواعد التي رسمها بيان 22/11/2017، للفصائل الفلسطينية في القاهرة، وبحث إعادة تشكيل اللجنة التنفيذية، بحيث تنخرط فيها جميع الفصائل الفلسطينية، بما يعزز الموقع التمثيلي السياسي والقانوني والمعنوي والاعتباري لـ م.ت.ف.
كما ستناقش هذه الدورة إعادة تسليح اللجنة التنفيذية وإحاطتها بالدوائر التي تكفل لها فعالية الدور السياسي، وآليات التفاعل مع المجتمع الفلسطيني، كالدائرة السياسية ودائرة شؤون اللاجئين ودائرة المغتربين وغيرها. كما لا بد أن يكون على جدول أعمال دورة المجلس القادمة قضية إعادة بناء مؤسسة الصندوق القومي الفلسطيني، بانتخاب رئيسه مباشرة من المجلس، عضواً في اللجنة التنفيذية، وتشكيل مجلس إدارة للصندوق من الشخصيات المستقلة، واتخاذ القرارات الضرورية لأدائه لمهامه، بما يعيد الصندوق – بالمعنى المؤسسي والنظامي للكلمة - إلى عهدة المؤسسة الأم: منظمة التحرير.
■ وهي، أخيراً وليس آخراً، المحطة التي ستدرج على جدول أعمالها مسألة الإنتخابات الشاملة وآليات وتوقيت ذلك بما يتناسب والظروف الراهنة، بما يجدد المؤسسات الوطنية ويعيد بناءها على أسس إئتلافية. هذا – بطبيعة الحال – على افتراض جدية التوجه لدى حركتي فتح وحماس للإحتكام إلى صندوق الاقتراع مدخلاً رئيسياً لإعادة صياغة أوضاع النظام السياسي الفلسطيني.
■■■
■ لقد آثرنا فيما تقدمنا به تناول تلك القضايا ذات الطابع المؤسساتي، لإدراكنا أنه دون الولوج فيها باعتبارها الحلقة المركزية لإخراج الحالة الفلسطينية من أزمتها، وتزويدها بالمؤسسات الوطنية الموحدة، سيبقى أي برنامج سياسي يُتفق عليه في المجلس، أو غيره من المؤسسات، وأياً كانت عناوينه، مجرد حبر على ورق، يفتقر إلى قوة الإلتزام والتنفيذ. إن الحلقة المركزية كما نراها هي توفير الشروط والآليات المؤسساتية لتأكيد مبدأ الإئتلاف والشراكة الوطنية وتجاوز السلبيات المميتة للمرحلة السابقة■