الانتخابات استحقاق وطني وديمقراطي لتجديد شرعية السلطات
2020-09-09
بعد انتظار طويل عقدت القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية يوم الخميس 3 أيلول/سبتمبر اجتماعا في رام الله وبيروت عبر تقنية الفيديو كونفرنس، برئاسة الرئيس محمود عباس، رئيس منظمة التحرير وبحضور الأمناء العامين للفصائل والقوى والحركات الفلسطينية، لبحث التطورات السياسية التي تشهدها القضية الفلسطينية على ضوء الاتفاق الثلاثي الأمريكي الإسرائيلي الإماراتي الذي تضمن اعلان التطبيع الرسمي بين دولة الامارات ودولة الاحتلال في إطار صفقة القرن التصفوية.
وأدان المجتمعون في بيانهم الختامي كل مظاهر التطبيع مع الاحتلال، معتبرين ذلك طعنةً في ظهر الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية، ودعوا الشعب العربي والإسلامي وأحرار العالم للتصدي بكل ما أوتوا من قوة لهذه المخططات. وناقش اجتماع الأمناء العامين قواعد الاشتباك مع الاحتلال، بما في ذلك تفعيل العاملين الإقليمي والدولي لمواجهة تلك المخططات، وتوافق المجتمعون على وسائل وآليات النضال لمواجهة الاحتلال على أرضنا المحتلة، بما في ذلك ما كفلته المواثيق الدولية من حق الشعوب في مقاومة الاحتلال.
وأكد المجتمعون حق الشعب الفلسطيني في ممارسة الأساليب النضالية المشروعة كافة، والتوافق في هذه المرحلة على تطوير وتفعيل المقاومة الشعبية كخيار أنسب للمرحلة، دفاعاً عن حقوقنا المشروعة لمواجهة الاحتلال، وقال البيان الختامي إنه “من أجل تحقيق أهدافنا الاستراتيجية لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة، يتوجب علينا الإسراع في إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة والشراكة الوطنية. وفي هذا السياق، وكشعب واحد وموحد، نعيش في وطنٍ حرٍ واحد، توافقنا على ضرورة أن نعيش في ظل نظام سياسي ديمقراطي واحد، وسلطة واحدة، وقانون واحد، في إطار من التعددية السياسية والفكرية، وترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة من خلال الانتخابات الحرة والنزيهة، وفق التمثيل النسبي الكامل في دولةٍ وفق المعايير الدولية.
كما وقررت الفصائل تشكيل لجنة من شخصيات وطنية وازنة، تحظى بثقة الجميع، تقدم رؤية استراتيجية لتحقيق إنهاء الانقسام والمصالحة والشراكة في إطار م. ت. ف الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، خلال مدة لا تتجاوز خمسة أسابيع، لتقديم توصياتها للجلسة المرتقبة للمجلس المركزي الفلسطيني، كما تم التوافق على تشكيل لجنة وطنية موحدة لقيادة المقاومة الشعبية الشاملة، على أن توفر اللجنة التنفيذية لها جميع الاحتياجات اللازمة لاستمرارها.
لا شك أن عقد هذا الاجتماع في هذا الوقت بالذات يكتسب أهمية كبيرة على الرغم من تأخره وقتا طويلا، خاصة أنه قرر جملة من الخطوات والقرارات التي تعالج الوضع الداخلي الفلسطيني، الذي لا يزال يشهد الانقسام، وتآكل شرعيات القوى الفلسطينية وأطرها القيادية، والسلطتين التشريعية والتنفيذية للسلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، ما يفقدها ثقة الشعب بقدرتها على مواجهة التحديات الوطنية والديمقراطية التي تواجهها.
وفي هذا الجانب سنسلط الضوء على موضوع إجراء الانتخابات العامة، لمؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية الرئاسية والتشريعية، والهيئات القيادية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وذلك لتجديد شرعيتها وتعزيز قوتها، ونيل ثقة الشعب بدورها الوطني والديمقراطي.
فقد أطلقت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" ومؤسسات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، شخصيات أكاديمية ومستقلة، حملة تهدف للتسريع في إجراء الانتخابات العامة، خلال مؤتمر صحفي عقدته أمام مقر لجنة الانتخابات المركزية عقب لقائها الدكتور حنا ناصر رئيس اللجنة، وأصدرت النداء الأهلي إلى السيد الرئيس والأمناء العامين للفصائل الفلسطينية المجتمعة في بيروت ورام الله بشأن الانتخابات العامة، مطالبة الرئيس اصدار مرسوم رئاسي لإجراء الانتخابات في أقرب فرصة ممكنة.
خاصة أن ترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني يبدأ بإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة والوحدة الوطنية، وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، باعتبارها مدخلاً مهماً لاستعادة وحدة النظام السياسي، واستحقاقاً دستورياً، وحقاً قانونياً وطبيعيا للمواطن الفلسطيني للمشاركة السياسية، ووسيلة ديمقراطية لإعادة تجديد شرعيات السلطات التشريعية والتنفيذية للسلطة الوطنية، وهذا ما أكد عليه القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003 وتعديلاته، في المادة رقم (5) بأن "نظام الحكم في فلسطين نظام ديمقراطي نيابي، يعتمد التعددية السياسية والحزبية، وينتخب فيه رئيس السلطة الوطنية انتخاباً مباشراً من قبل الشعب، وتكون الحكومة مسؤولة أمام الرئيس والمجلس التشريعي".
مضى حوالي 15 عاماً على إجراء آخر انتخابات للمجلس التشريعي، مما يعني أن قرابة 50% من أصحاب حق المشاركة السياسية لم يشاركوا في أي انتخابات عامة، وعلى الرغم من صدور قرار المحكمة الدستورية في العام 2018 القاضي بوجوب إعلان إجراء الانتخابات التشريعية خلال ستة أشهر بعدما قررت المحكمة حل المجلس التشريعي، وأيضاً، وعلى الرغم من المبادرة التي طرحها سيادة الرئيس محمود عباس حول إجراء الانتخابات العامة خلال خطابه في الأمم المتحدة في أيلول 2019، وموافقة كافة فصائل العمل الوطني عليها وإبلاغ لجنة الانتخابات المركزية بهذه الموافقة من خلال رسائل رسمية، إلا أن موضوع إجراء الانتخابات لا يزال يراوح مكانه رغم أهميته القصوى في هذا الظرف الصعب.
إن إجراء الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية أصبح الآن أمراً ملحاً، في ظل غياب المجلس التشريعي المنتخب، وما يترتب على ذلك من غياب الفصل بين السلطات، وانعدام الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وضعف الشفافية والمشاركة في إصدار التشريعات، ولا يمكن تأجيل الانتخابات أو المماطلة في إجرائها، خاصة بعد اجتماع الفصائل الذي عقد مؤخرا في بيروت ورام الله، وتوافق الجميع على ضرورة عقدها في أسرع وقت ممكن، لتجديد شرعيات مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، وإعادة الوحدة للنظام السياسي، وتعزيز ثقة المواطن بالسلطات التشريعية والتنفيذية، وإتاحة الفرصة لجيل الشباب في المشاركة في صنع القرار السياسي والوطني، وتعزيز صمود المواطنين على أرضهم، وتكريس السيادة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس.
وفي هذا الصدد نؤكد على ما جاء في النداء الأهلي الموجه إلى السيد الرئيس والأمناء العامين للفصائل الفلسطينية بشأن الانتخابات العامة، ونوكد على دعوة الرئيس محمود عباس إلى إصدار مرسوم رئاسي فوري يحدد من خلاله موعداً لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، والعمل على توفير متطلبات إجرائها ونجاحها في جميع المحافظات الفلسطينية بما فيها القدس، لتكون معركة وطنية وديمقراطية وشعبية لمواجهة صفقة القرن، والضم والتطبيع، وفصل مدينة القدس عن محيطها الفلسطيني، ومن أجل احترام الحقوق والحريات العامة، وحق المواطنين في المشاركة السياسية، يكون النواب المنتخبون أعضاءً في المجلس الوطني الفلسطيني يمثلون الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس، وعلى أن يتم بحث الصيغة الأنسب لانتخاب المجلس الوطني، حيث يمكن في بلدان المهجر والشتات، أو اختيار أعضائه بالتوفق إذ تعذر انتخاب الأعضاء، بعيدا عن المحاصصة الحزبية، وبما يمثل الكفاءات والخبرات الشعبية المؤهلة، والشخصيات المستقلة.