حاول البعض تسويق اتفاق الشراكة بين الإمارات وإسرائيل من زاوية نصه على تجميد مخطط ضم أراض من الضفة الفلسطينية، وهو المخطط الذي شكل الحلقة الأساسية في المسار الفلسطيني لـ«صفقة ترامب ـ نتنياهو». وفيما كان السجال محتدما حول هذه المسألة، بادر نتنياهو إلى نفي تجميد المخطط على خلفية التوصل للاتفاق المذكور، وأكدد مجددا أن المخطط على رأس أولوياته.
والمؤسف أن احتدام هذا السجال نقل الموقف من الاتفاق من حيز كشف مخاطره الكبرى، كنقلة كبيرة في المسار الاقليمي على طريق تنفيذ المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي المعنون بـ«صفقة القرن» إلى حرب معلومات حول حقيقة نصوص الاتفاق، وخاصة بعد الضجيج الذي افتعله الحديث عن ملاحق «سرية» وتعهدات مستقبلية، قدمها الطرفان القويان في الاتفاق، الولايات المتحدة ودولة الاحتلال.
من هذه الزاوية، ربما الأفضل التركيز على المصير الذي وصلت إليه عمليا الاتفاقات ذات الصلة بالصراع الفلسطيني /العربي الإسرائيلي التي وقعتها إسرائيل بمعية الولايات المتحدة، وفي المقدمة اتفاق أوسلو الذي ـ على سوئه ـ حفلت نصوصه بالكثير من البنود التي تسجل التزامات إسرائيلية تجاه قيام «الدولة» الفلسطينية، من بينها تنفيذ نبضات انسحاب متتالية يتم من خلالها تسليم مناطق من الضفة إلى ولاية السلطة الفلسطينية الناشئة بعد توقيع الاتفاق. والجميع يذكر سيل التعهدات الأميركية المعلنة حول الالتزام الأميركي بقيام الدولة الفلسطينية. كما تضمن اتفاق أوسلو أجندة زمنية حددت فترة انتقالية مدتها 5 سنوات تنجز خلالها رزمة واسعة من الاجراءات التي تمهد الطريق نحو ترسيم الحل الدائم.
لكن الذي حصل على أرض الواقع كان مختلفا. فقد توقفت نبضات تسليم المناطق في الضفة بعد الانتهاء من تسليم المناطق السكنية الفلسطينية (ماعدا القدس ومحيطها) إلى ولاية السلطة الفلسطينية، وفق مبدأ «سكان أكثر .. أرض أقل». أي أن دولة الاحتلال عملت على التخلص من أعباء وأكلاف إدارة شؤون الفلسطينيين ونقلتها إلى عهدة السلطة وعلى نفقة الدول المانحة.
وكلما كان المفاوض الفلسطيني يحتج أمام راعية الاتفاق واشنطن، تحيله هذه إلى حلبة المفاوضات تحت ادعاء أنها تريد حلا يصنعه الطرفان معا. وكانت هذه السياسة تعبر عن استراتيجية موحدة لدى كل من إسرائيل والولايات المتحدة، هدفها إعادة صياغة الاتفاق بقوة الأمر الواقع وتحت سقف المصلحة الإسرائيلية، وقد سبق لإسحق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق الذي كان من أبرز مهندسي الاتفاق، أن عبَّر بوضوح عن ذلك عندما سئل عن السبب الذي قيدت فيه إسرائيل نفسها بأجندة زمنية في آليات تنفيذ الاتفاق قائلا إنه لا يوجد بالنسبة لإسرائيل تقديس لأي التزام عملي أو موعد تنفيذ نص عليه الاتفاق وأن الشيء المقدس الوحيد بالنسبة لها هو مصلحتها .. ومصلحتها فقط.
وهذا لا يتعلق فقط في ترجمة أي نص مكتوب في الاتفاق وفق المصلحة الإسرائيلية، بل يتجاوزه إلى الاجراءات التي نفذتها بالفعل، أي أنها قامت بإعادة احتلال الكثير من المناطق والمواقع التي سبق وأن سلمتها للسلطة، وأغلقت العشرات من المؤسسات الوطنية الفلسطينية التي تم تنشيطها عقب توقيع الاتفاق وخاصة في مدينة القدس الشرقية.
وحصل لاحقا في ملف الأسرى بعدما تم التوصل بواسطة الولايات المتحدة إلى اتفاق يتم من خلاله الافراج عن الأسرى القدامى عبر أربع دفعات في سياق بادرة «ثقة» قبيل إطلاق جولة جديدة من المفاوضات. فقد أحجمت إسرائيل عن إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى، وشهدت السنوات الأخيرة إعادة أسر العشرات ممن أطلق سراحهم عبر تللك «البادرة».
خلاصة القول إنه لا قيمة لنصوص الاتفاقات الموقعة من قبل إسرائيل مع أي طرف فلسطينيا كان أم عربيا، وجوهر المسالة بالنسبة لها تتلخص في معادلة تضمن في طرفها الأول تحقيق مصالح سياسية، وتضع في الطرف الثاني من هذه المعادلة كل ما ينص على التزامات عليها كطرف في الاتفاق، وتنفيذه مرهون بعدم تناقضه مع الطرف الأول من المعادلة .. مصلحتها.
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن الإعلان عن الاتفاق الثلاثي بين واشنطن ودبي وتل أبيب حقق مصالح مباشرة لكل من حكومة نتنياهو وإدارة ترامب، في الوقت الذي يتأهب فيه نتنياهو لقلب الطاولة في وجه «كاحول لافان» وخوض انتخابات مبكرة، وتستعد إدارة ترامب المثقلة بالأزمات الداخلية لمواجهة استحقاقات الانتخابات الرئاسية بعد نحو شهرين■