■ في تقارير تداولتها الدوائر الدبلوماسية والإعلامية، بدت الحالة الفلسطينية كما وصفت، في حالة مراوحة في المكان، تفتقر إلى القدرة على مغادرة مربع الإنتظار، في ظل الوضع الإقليمي المضطرب، في ليبيا، والعراق وسوريا، واليمن، ومصر (ربطاً بقضية سد النهضة) وأخيراً وليس آخراً، كارثة لبنان، في إنفجار المرفأ.
وينقل بعض التقارير تقديرات، تتخوف من تطورات مفاجئة في الأوضاع الداخلية في الضفة، كما في قطاع غزة. الحالة الداخلية.. فوضى السلاح والإنفتاح على إسرائيل
يلاحظ بعض التقارير أن فوضى السلاح في مناطق السلطة يكاد أن يتحول إلى ظاهرة إجتماعية، تقلق الأجهزة المعنية. فحادث مقتل مسؤول فتح في بلاطه، ثم بعدها حادثة البيرة ومقتل شقيق حسين الشيخ (وزير الإدارة المدنية في السلطة الفلسطينية) فضلاً عن الإحتفالات الصاخبة في إستقبال نتائج إمتحانات البكالوريا، وما رافقها من دوي الرصاص، وصدى المفرقات، بآلاف الشواكل، كلها مؤشرات مقلقة، تشير إلى تراخي قبضة السلطة؛ خاصة وأن اللون السياسي للسلاح، الذي استعمل في المناسبات كلها، من لون واحد، يفترض أن يكون أكثر الأطراف حرصاً على السلطة ودورها وهيبتها، وهو أمر يبعث على التساؤل، فيما إذا كانت هيبة السلطة، وهيبة أجهزتها قد تراجعت في عيون قواعد فتح وأنصارها، وهم الذين يفترض بهم أن يشكلوا قاعدتها السياسية. فالسلطة في الجوهر سلطة فتح، والحكومة في الجوهر هي حكومة فتح.
أما مسألة إندفاع آلاف الفلسطينيين، من الضفة، بتسهيلات من سلطات الإحتلال، لقضاء إجازة عيد الأضحى على شواطئ 48، إلى جانب إخوانهم هناك، فقد كانت أمراً لافتاً من أكثر من زاوية.
• الزاوية الأولى أن السلطة تمنت على الأشقاء في الـ48 عدم الحضور إلى الضفة بسبب جائحة كورونا، وحرصاً على صحة الجميع في الـ48 وفي الـ67. ما حصل أن فلسطيني 48 لبوا نداء السلطة، بينما تجاهله فلسطينيو الضفة، واندفعوا بالآلاف إلى شواطئ فلسطين.
• الزاوية الثانية أن قضاء إجازة العيد في شواطئ فلسطين توفرت له الأموال المطلوبة، في وقت تعاني فيه السلطة من شحة المال، وعدم القدرة على دفع رواتب الموظفين كاملة. ما يعني أن لدى المواطنين فائضاً من المال، لا تتوفر له الفرص لإستغلاله إقتصادياً، فأصبح مادة للرفاهية. المفارقة هنا أن الأموال، بدلاً من أن تصب في خدمة الإقتصاد الفلسطيني، وأن تكون الضفة هي المكان لقضاء عطلة الأعياد، في «سياحة داخلية»، انصبت في صالح الإقتصاد الإسرائيلي. وبالتالي نحن أمام قضية تحتاج إلى تفكيك من قبل المعنيين، تتعلق بالتخطيط الإقتصادي، وبإدارة الشأن العام، وبقدرة السلطة وكبار السلطة، على تقديم النموذج الصالح، ليكون قدوة يقتدى بها في مقاطعة الإقتصاد الإسرائيلي.
لماذا لم يقاطع سكان الضفة الإقتصاد الإسرائيلي؟ لماذا إطمأنوا إلى ضمانات حكومة إسرائيل ضد كورونا ولا يطمئنون إلى ضمانات السلطة الفلسطينية؟.
كيف ينظر سكان الضفة إلى دولة الإحتلال في خضم معركة مقاومة الضم؟ وأخيراً وليس آخراً، من هي الشرائح الإجتماعية التي لبت نداء العطلة على شواطئ فلسطين؟
أسئلة كثيرة يطرحها هذا الوضع، لا يمكن الإجابة عنها بردود قاطعة، فالأمر أكثر تعقيداً من الدخول في توصيفات متعجلة لا فائدة منها.
القضية في عهدة حكومة السلطة وفي عهدة اللجنة التنفيذية. قضية الرواتب وأموال المقاصة
تشير التقارير إلى أن قضية أموال المقاصة وفي سياقها رواتب الموظفين، تحتل المقام الأول في اهتمامات حكومة السلطة. فمنذ 19/5/2020، أي صدور قرار «التحلل» من الإتفاقات والمعاهدات مع إسرائيل والولايات المتحدة، والسلطة الفلسطينية ممتنعة عن استلام أموال المقاصة، في إطار «قطع العلاقات مع حكومة إسرائيل».
وقد شهدت أوساط الحكومة واللجنة التنفيذية نقاشات حول كيفية توفير وسيلة ما تضمن إستمرار «المقاطعة»، وتستعيد في الوقت نفسه السلطة أموال المقاصة. وقد سقطت كل الإقتراحات، وبقي القرار على حاله « مقاطعة حكومة الإحتلال بما في ذلك العلاقات الإقتصادية». مع التفهم، في الوقت نفسه أن قرار الإستيراد والتصدير، ما زال بيد سلطات الإحتلال، وأن حكومة السلطة لم تصل حتى الآن إلى وسيلة تمكنها من التحرر من قيود الإستيراد والتصدير عبر المعابر المسيطر عليها من قبل جيش الإحتلال.
مصادر الحكومة الفلسطينية، أوضحت في سياق لقاءاتها مع القناصل الأوروبيين أنها لجأت إلى الإستدانة الداخلية (من رجال أعمال والمصارف المحلية) لتعويض النقص في تمويل الموازنة وفواتير المصروفات، وأنها وضعت جدولة جديدة لصرف الرواتب منقوصة، مع التمييز بين الفئات العليا، والفئات الدنيا، كحد أدنى وكحد أعلى وأن هذا الحل قد يستمر حتى شهرين قادمين، أي ربما إلى نهاية شهر أيلول (سبتمبر) القادم. عندها ستضطر السلطة للتوقف أمام واقع جديد، يحتاج حلاً جديداً.
أحد القناصلة كتب في تقريره متسائلاً: لماذا شهر أيلول؟ هل لهذا صلة حقاً بقدرة المصارف الفلسطينية على أقراض السلطة؟ هل له علاقة بالتقدير الإسرائيلي أن حكومة نتنياهو – غانتس قد أجلت الشروع بالضم، بإنتظار الإشارة الخضراء من واشنطن، وأن أيلول هو موعد إضاءة هذه الإشارة ، بعد أن يكون الطرفان الإسرائيلي والأميركي قد فرغا من رسم الخرائط وآليات تطبيق الضم، بدءاً بالمستوطنات وفي وقت تكون فيه إدارة ترامب قد غاصت حتى الأذنين في المعركة الإنتخابية (الرئاسة + نصف أعضاء الكونغرس)، وبالتالي تكون الإحتمالات (الفوز والخسارة) قد وصلت إلى خط النهاية ما يتطلب تسللاً إسرائيلياً قبل فوات الأوان؟ كما تساءل في تقريره عما ستفعله السلطة الفلسطينية في أيلول حين تجد خزينتها فارغة تماماً. هل تتوقف عن العمل وتعلن انهيارها وتضع الجانب الإسرائيلي أمام «الواقع» الجديد، وستطلب إليه «استلام المفاتيح»، أم أن أمر أموال المقاصة يمكن أن يجد له حلاً بتدخل خارجي، لاستلام المال عبر طرف ثالث (أوروبي مثلاً).
كلها أسئلة قلقة، إن كانت تدل على شيء، فهي تعبر بوضوح عن غياب الوضوح في سياسة السلطة، وعن الارتجال كعنوان عريض لأدائها، وهو ارتجال إن كان يعبر عن شيء فهو يعبر عن حالة انتظاريه فما الذي تنتظره السلطة واللجنة التنفيذية؟ السياسات الانتظارية.. ولعبة كسب الوقت
يرى المراقبون في إطار متابعة مجرى الأحداث والمواقف في الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، أن الطرفين يلعبان لعبة الوقت، على أمل أن يخدم ذلك سياسة كل منهما.
فالسلطة الفلسطينية تراهن من جانبها على سقوط حكومة نتنياهو – غانتس، في 25/8/2020، حين يفشل الحليفان في حكومة الاحتلال في الاتفاق على تقديم الموازنة إلى الكنيست. فغانتس يريد موازنة لسنتين، تكفل له بقاء الحكومة طوال هذه المدة، ما يفسح في المجال أمامه لتسلم رئاسة الحكومة بعد سنة ونصف من قيامها، حسب الاتفاقات. بينما يرغب نتنياهو في موازنة لسنة واحدة، بحيث تبقى أمامه مساحة اللعب السياسي لإسقاط الحكومة عند استحقاق تسليم رئاستها إلى غانتس.
تعتقد السلطة أن سقوط الحكومة الإسرائيلية في 25/8/2020، سيفرض على إسرائيل إجراء انتخابات مبكرة لكنيست جديد، ما يعني تأجيل الضم لمدة 6 أشهر كحد أدنى.
لكن هذا الرهان أسقطته الوقائع التي تلاحقت يوم الأربعاء في 12/8/2020، فقد صادق الكنيست، بتوافق الطرفين، نتنياهو وغانتس، على تأجيل البت بالموازنة حتى شهر تشرين الثاني (نوفمبر) القادم. أي تجاوز عقده 25/8/2020، وأي (أيضاً) تأجيل الخلاف إلى ما بعد الانتخابات الأميركية للرئاسة ولنصف أعضاء الكونغرس. وبالتالي سقط رهان السلطة على «الوقت الإسرائيلي». وقد تعزز موقع نتنياهو حين فشلت المعارضة في تمرير مشروع قانون ينص على رفض تسليم الحكومة لشخصية متهمة جنائياً (أي نتنياهو). وهكذا حصل نتنياهو على ضمانتين، بقاء الحكومة حتى نوفمبر، وبقاؤه رئيساً لها، وعدم الربط بين موقعه رئيساً للحكومة وبين كونه مداناً جنائياً أمام القضاء الإسرائيلي.
يوم الأربعاء في 12/8/2020 أعاد نتنياهو التذكير، أن الضم مازال قائماً ولم يلغَ. وكان لافتاً أن الضم لم توقف تنفيذه، ولم يؤجل ، كما تدعي حكومة نتنياهو. فالضم يوجه ضربات يومية إلى الأرض الفلسطينية في سلفيت، وفي طوباس، وفي القدس، وفي منطقة (E1) بجوار القدس، وفي الخليل وفي بيت لحم وفي أريحا وكلها خطوات ذات طابع «استراتيجي»، تشكل فيما بينها جزءاً من مشروع متكامل، لم تعد خرائطه سراً على أحد.
فشل السلطة في اللعب على الوقت الإسرائيلي، لم يمنعها في اللعب، في الوقت نفسه على الوقت الأميركي.
فالآمال الفلسطينية تبنى على احتمال سقوط ترامب، ومجيئ بايدن، في اعتقاد أن خطة ترامب، هي خطته وحده، وأن مشروع الضم هو مشروعه وحده، وأن بايدن من شأنه أن يلغي هذين المشروعين، في سياقهما الإقليمي، والفلسطيني. لكن الإشارات التي بدأ بايدن يرسل بها، بدأت هي الأخرى تبعث على القلق.
فقد تولى هو شخصياً شطب كلمة «احتلال» من برنامجه، في الإشارة إلى «الوجود» الإسرائيلي في الضفة (والقدس) والقطاع (أي المناطق المحتلة في حزيران 67) وواضح تماماً أن نزع صفة «الاحتلال» عن الوجود الإسرائيلي، يتقاطع بل ويتطابق مع الكثير من مواقف ترامب، ووزير خارجيته مايك بومبيو، وفريق «صفقة القرن»، كوشنير بيركوفيتش، وديفيد فريدمان.
فضلاً عن ذلك اختار بايدن لنفسه نائباً من الحرب الديمقراطي، (كامالاهاريس) من أصول هندية، معتقداً بذلك أنه سيستقطب «الأقليات» الأميركية (والتي لم تعد أقليات على الإطلاق). وقد وصف المراقبون المرشحة لمنصب نائب بايدن في الرئاسة أنها تكن العداء لحركة المقاطعة (B.D.S) وهذه بحد ذاتها إشارة مقلقة جداً. فمسألة المقاطعة، تعني المستوطنات، تعني الأرض.
ولم يعد خافياً أن حكومة نتنياهو قد نالت الموافقة الأميركية (من ترامب وبايدن معاً) على «الحق» في ضم المستوطنات الإسرائيلية (10% من مساحة الضفة) وهي المناطق الأكثر خصوبة، وذات الموقع الاستراتيجي، أمنياً، واقتصادياً، وهي مقامة في مناطق تحتضن في جوفها آبار المياه الجوفية في الضفة، بما يعني السيطرة الإسرائيلية على العنصر الرئيس في تنمية قطاع الزراعة، وبحيث يبقى هذا المصدر، أياً كان «الحل» مع الجانب الفلسطيني، بيد دولة إسرائيل.
وهكذا، أيضاً تكون قد سقطت لعبة الوقت الفلسطينية في الرهان على التطورات الأميركية. بعد هذا كله ... إلى أين؟
لا تخفي المصادر الفلسطينية المطلعة أن هذا السؤال يقلق السلطة الفلسطينية، ويضعها أمام سلسلة من الاحتمالات شديدة التعقيد، والتي ستكون لها تداعيات واسعة. خاصة وأن السلطة مازالت تعيش حالة انتظار، وبقيت إجراءاتها في «التحلل» من الاتفاقات بحدودها الدنيا، ولم تتقدم إلى الأمام في تطبيق قرارات المجلسين المركزي والوطني.
فهل تبقى السلطة في حالة انتظاريه، إلى أن يقع الاستحقاق الكبير، في الجانبين الأميركي والإسرائيلي؟
وهل رهانها على الدور الأوروبي، الأكثر نشاطية حتى الآن في الملف الفلسطيني، سيمكنها من إفشال الخطوات الإسرائيلية؟
أم أن رهانها على دور ما للأمم المتحدة لتطبيق قراراتها ذات الصلة، في ظل إدراك عميق أن الفيتو الأميركي باقٍ بالمرصاد؟.
وفي خضم هذه الأسئلة يلاحظ المراقبون أن السلطة تتجاهل طرح السؤال الأهم والأكبر وملخصه: «وماذا عن العامل الفلسطيني؟»■