يمكن القول إن نتنياهو بدأ البحث عن أفضل الطرق وأقصرها لحل الحكومة والكنيست، منذ اللحظة التي وقع فيها الاتفاق الائتلافي مع خصمه اللدود بيني غانتس. ويمكن القول أيضا إنه كان يدرك أن قيود هذا الاتفاق لن تكون السبب الوحيد في متاعبه على رأس الحكومة، خاصة مع صدور القرار القضائي ببدء محاكمته.
وإذا كان نتنياهو، حتى وقت قريب، قادرا على تدوير زوايا خلافاته مع «كاحول لافان» بانتظار الظروف المناسبة لقلب الطاولة في وجهه، إلا أن قرار تكثيف محاكمته ولزوم حضوره الشخصي جلساتها الثلاث كل أسبوع، وضعه أمام حسابات مختلفة، من موقع معرفته أن جلوسه شبه الدائم على مقعد الاتهام سيكون مادة أكثر من دسمة للنيل منه على أيدي خصومه في الحكومة والمعارضة على حد سواء.
قبل أسابيع، تصدر الليكود ورئيسه استطلاعات الرأي التي أعطت الحزب 4 مقاعد زيادة على المقاعد الـ 36 التي يشغلها الآن في الكنيست، وأبقت نتنياهو في موقع المرشح المفضل لرئاسة الحكومة. وبالمقابل تراجع «كاحول لافان» كثيرا في نتائج الاستطلاعات. وكانت هذه المعطيات أحد ركائز رئيس الوزراء في حال قرر تبكير الانتخابات والتخلص من حليفه اللدود غانتس.
لكن الأسابيع الأخيرة شهدت تغيراً ملموساً في اتجاهات الرأي الإسرائيلي مع قدوم الموجة الثانية من انتشار جائحة كورونا واشتعال الخلافات داخل الحكومة حول الاجراءات المفترضة لمواجهة تداعيات انتشار الفيروس، في الوقت الذي خرجت فيه تظاهرات غاضبة طالبت برحيل نتنياهو وحملته مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية. وترافق ذلك مع حملة إعلامية ضده شارك فيها مسؤولون سابقون ومحللون سياسيون أجمعوا على أن حل مشاكل الإسرائيليين يبدأ برحيل نتنياهو عن الحكم. وإذا وُضعَ قرار تكثيف محاكمته في المشهد القائم، فإن نتنياهو مقبل على خيارات صعبة في الاتجاهين:
• إذا أصر على عدم طرح الميزانية العامة للعام 2020 لمصادقة الحكومة، وبالتالي الكنيست، فهذا يعني الذهاب إلى انتخابات جديدة في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر، بحسب القانون. ويفترض أن تتم المصادقة على الميزانية حتى 24/8 القادم.
وضمن هذا الخيار، سيتحمل نتنياهو أمام الجمهور مسؤولية الزج به في انتخابات رابعة متلاحقة. وربطا بنتائج استطلاعات الرأي الأخيرة والحملة الإعلامية والاحتجاجات ضده، فإن توقعات المراقبين تذهب نحو اقتصار تأييد الليكود على جمهوره الخاص، أي خسارة أصوات الذين انزاحوا نحوه في استطلاعات الرأي السابقة، وهي أصوات وازنة منحته 4 مقاعد إضافية. وبالتالي، فإن المراقبين يتوقعون أن تزيد نتائج الانتخابات المبكرة من صعوبة وضع الليكود ورئيسه.
• إذا استطاع الليكود تجاوز السقف الزمني للمصادقة الموازنة عبر الاتفاق مع «كاحول لافان» على اقتراح سن قانون تتقدم به الحكومة للكنيست بهدف تمديد المدة القانونية المتاحة للمصادقة على الميزانية العامة. وهذا في حال تم على خلفية توجس غانتس وحزبه من الانتخابات، لن يقدم شيئا مهما لليكود بل سيضعه تحت سيف الابتزاز من زاوية الإصرار على تقديم الموازنة لاحقا للمصادقة شرط أن تكون لعامين وليس لعام واحد كما يصر نتنياهو. وهدفه من ذلك التحلل من التزام تسليم مقعد رئاسة الوزراء إلى غانتس كما جاء في الاتفاق الائتلافي. في هذه الحال، ومع استمرار التحالف مع «كاحول لافان»، فإن الخلافات في الحكومة مرشحة للتفاقم، وربما ينعكس ذلك على حركة الاحتجاجات ضدها عموما وضد نتنياهو على وجه الخصوص.
فإذا كان خيار الانتخابات المبكرة لا يفتح على منفذ فعلي يريح نتنياهو من متاعب الائتلاف مع «كاحول لافان» وهواجس المحكمة من جهة، ويؤمن له ائتلافا مريحا بنتائجها من جهة أخرى، فلماذا تنقل عنه أوساطه المقربة عزمه عدم طرح الموازنة للمصادقة، وبالتالي فتح باب هذه الانتخابات؟
اللافت أن الصحف العبرية التي نشرت خبر امتناع نتنياهو عن طرح الموازنة، نقلت في الوقت نفسه عن مصدر مسؤول في الليكود أن «فرص إجراء انتخابات هي 50% مقابل 50%»، تاركا حسم الإجابة لما يجري في المناقشات حول الميزانية، أي في المفاوضات مع «كاحول لافان» بشكل أساسي. ويفهم من هذا أن موقف نتنياهو جاء للضغط على غانتس وحزبه من أجل فرض رأيه بخصوص شمول الميزانية لعام واحد فقط. وربما هذا يصح في تفسير الخطوة بذاتها، لكنه يدل على أمرين هامين ومتكاملين:
• توجد قناعة لدى الليكود ورئيسه بضرورة عدم إكمال ولاية الحكومة بالشراكة مع «كاحول لافان»، ولو كان يلوح في الأفق حل يخلصهم من هذا الشريك ويضمن لهم في الوقت نفسه قيادة الحكومة لاقتنصوه. ولكن الخريطة السياسية والحزبية للكنيست الحالي لا تسمح لهم بتنفيذ هذا الطموح من دون مخاطر السقوط.
• ربطا بما سبق، وخلال الفترة القريبة، أو الفترة الأطول في حال سن تشريع بتأجيل التصويت على الموازنة، سيسعى الليكود إلى دراسة فرصه في الانتخابات المبكرة على ضوء اتصالات مكثفة يجريها مع أطراف مختلفة في الحكومة والمعارضة، في محاولة التوصل إلى خريطة مواقف تمكنه من ضمان قيادته للحكومة ما بعد الانتخابات المبكرة.
ومع ذلك، من الممكن جداَ أن يكمل نتنياهو خطوته بخصوص الموازنة، فيرفض تقديمها للمصادقة ويصر على حل الحكومة والتوجه إلى انتخابات مبكرة مراهنا على:
• حالة الارتباك والفوضى التي سيخلقها قراره في صفوف المعارضة، وقبل ذلك في صفوف «كاحول لافان».
• استعادة الزخم الجماهيري لليكود خلال الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات (18/11)، من خلال التغول أكثر في تنفيذ مخطط الضم، وفي السياق حشد عتاولة اليمين المتطرف وفي المقدمة المستوطنون كرأس حربة في تنفيذ هذا المخطط، ضمن خطاب اعتاد تقديمه ويقوم على تحديه لكثير من الأطراف الإقليمية والدولية التي لا توافق على هذا المخطط، باعتباره (نتنياهو) حريصا على تطبيق هدف قيام «دولة إسرائيل الكبرى».
• رسم حسابات المرحلة القادمة ربطا بنتائج الانتخابات الأميركية (4/11)، على أساس مراكمة خطوات الضم على الأرض بسرعة قياسية وفرض التعامل معها مهما كانت نتائج هذه الانتخابات. وربما تحت هذا الشعار سيخوض نتنياهو حملته الانتخابية القادمة.
بالمحصلة، تبقى الانتخابات المبكرة لعبة نتنياهو المفضلة للهروب من استحقاقات الملفات الصعبة التي تحاصره مستفيدا من انعدام المنافسين.. وضعف الخصوم■