عن تحريض الأصوليين على قانون حماية الأسرة
2020-06-23
قبل عدة أيام قام مركز يبوس للدراسات بدعوتي للمشاركة في ندوة عبر تطبيق «زووم»، وكان عنوان الندوة حول قانون حماية الأسرة. لم أتردد في المشاركة لدى توضيح منسق الندوة بأنهم يتطلعون إلى ندوة حوارية تشارك بها جميع اتجاهات الرأي في المجتمع إزاء القانون.
لكن سرعان ما تبين أن المركز خالف قواعد احترام المصداقية وأسس الحوار الديمقراطي والمشاركة، عندما قُصر النقاش على وجهتَي نظر، قمت بتمثيل إحداها والمتمثلة في أهمية إقرار القانون وبدون مماطلة رغم نواقصه، بينما حضرت وجهة النظر الأخرى الرافضة للقانون عبر أربعة متحدثين، ما غيّب التوازن عددياً علاوة على التحيز في انتقاء مقصود لقائمة الحضور والمشاركين والذين كانوا من لون واحد ومطلب واحد، هو طي القانون ووضعه على الرف بحجج وذرائع ألبسوها لبوس الدين وهي ليست كذلك.
وللتوضيح أقول: إن مسودة قانون حماية الأسرة كان نتيجة توافق بين الاتجاهات الفاعلة في اللجنة المشكلة لوضع القانون، من وزارات الاختصاص في الحكومة وبضمنها طبعاً المؤسسات الدينية الرسمية، التي لم تر التعارض بين الدين والقانون، اعترضت على بعض المواد وتم ترحيل أو شطب عدد من الجرائم والانتهاكات إلى قانون العقوبات، ما يطرح التساؤل عن سبب عدم توافق السلفيين من خارج المؤسسة الرسمية مع السلفيين من داخلها، ولماذا تم تكفير المسودة؟!
الملفت في ندوة يبوس آنفة الذكر، أن قانون حماية الأسرة من العنف لم يكن على طاولة النقاش والبحث، وليس مقروءاً من قبلهم، بل كان العنوان الذي شكل لهم الوصلة المناسبة للعودة للهجوم على اتفاقية «سيداو»، تلك الاتفاقية التي جزء كبير منهم لم يقرأها أيضاً ولكنهم يهاجمونها لأنهم يبنون عليها الآمال لتسييس الخلاف، واستكمال الهجوم السياسي بالفكري لتحريض المجتمع واستكمال شقه عامودياً بواسطة التحريض والتكفير والترهيب بما يمس السلم الأهلي، خاصةً أن لا علاقة بين الاتفاقية وقانون حماية الأسرة ولم ترد في ديباجة مشروع القانون، علاوة على أن الاتفاقية التي صدرت عام 1979 هدفت الى الدعوة للمساواة ونبذ التمييز على أساس الجنس، وانضمت لها فلسطين عام 2014، بينما يعود العمل والضغط لإصدار قانون حماية الاسرة إلى عام 2005، ومنذ ذلك الحين خضعت ثماني مسودات للنقاش دون ان يتصاعد الدخان الأبيض من مكان ما!
وباستجماع الملاحظات التي قيلت وسيقت في الندوة من ممثلي الاتجاه السلفي وتلك التي تعمم قصداً في صالونات انصارهم ودعاتهم، لم ألحظ ان القانون كان مقروءاً من قبل المتحدثين الرئيسيين، وهذا ما تبين من خلال ملاحظات ومغالطات عديدة باتت متداولة قصداً، وهنا يمكن الاستنتاج دون كبير عناء ان ما يطرح ليس تعدداً في الآراء واختلافاً ثقافياً، بل يؤكد أن فكرة وجود القانون في عين الاستهداف من منطلق إقصائي، وليس أقل.
وقمة التضليل في خطاب السلفيين تتمثل في حالة إنكار الواقع، ومؤشرات العنف بالنسبة لهم غير جديرة بالتوقف، منطلقاتهم تبدأ وتنتهي بشيطنة الاتفاقية، وفي طريقهم يهجمون على المؤسسات النسوية لانها تكشف الغطاء عن العنف وتستمر في الضغط لمعالجته.
نعم إنهم لا يرون في ارتفاع معدلات العنف إلى نسبة 29% حسب المسح الأخير للمكتب المركزي للإحصاء أي تهديد يطال وحدة الأسرة، مليون ضحية تعاني من أحد أشكال العنف المعروفة، الجسدي والمعنوي والجنسي والحرمان والحبس المنزلي وغيرهم..لا يعنيهم ولا يرون به عاملاً من عوامل تدمير الأسرة وتفكيك روابطها بل المخاطر تأتي من «اتفاقية سيداو» التي لم تطبق بعد ؟؟؟؟ يا الله اي تضليل هذا!! والفئات المستضعفة والضعيفة لا مكان لها في خطابهم الشعبوي، إنهم لا يرون الضحايا أصلاً، المرئي لهم مصالحهم السياسية وأجندتهم الظلامية وإنْ تغلّفت بلباس الدين، علماً أن القانون قيد النقاش لا يهدد الدين ولا يلغيه.
من يستطيع إلغاء الدين بقانون؟ من يستطيع فصل المجتمعات عن دينها؟ حتى في المجتمعات العلمانية التي فصلت الدين عن الدولة لم يؤد الفصل إلى المساس بدين المجتمع. إنها الأوهام التي ينشرونها بين العامة مستغلين الظرف والإحباط والفشل العام لترويج أجنداتهم.
الاتجاه السلفي يعيش في حالة انفصام مع الواقع، ولدى انفصام القانون عن المجتمع تهب القوى الاجتماعية للمطالبة بالتغيير لمواكبة التطورات والتغيرات ليتم استيعابها في القانون الجديد. عدم اعتراف المتطرفين بالتغيير المجتمعي وانعكاساته على الحياة وطبيعة العلاقات الانسانية، مشكلة سببها إراديتهم وماضويتهم، حيث تعددت أدوار الأفراد بما فيها النساء وتغير وعيهم في ظروف يتصاعد فيها الوعي الحقوقي.
في نظر المتطرفين أن قانون الأحوال الشخصية الساري الصادر عام 1960، ما زال صالحاً للتعامل معه بل يسبغون عليه قداسة رغم أنه من صنع البشر، لأنهم يريدون الإمساك بحركة التغيير وقمعها حفاظاً على تنفذهم وسيطرتهم، لا أستثني إعفاء أنفسهم عناء الاجتهاد فيسبغون على ما قدمه السلف من اجتهادات قُدِّمت في الماضي السحيق منذ خمسة قرون، انتهت صلاحية انطباقها في الحاضر.
ماذا يريدون إذاً! ولماذا يقومون بدعوتنا في هذه المرحلة إن كانوا لا يؤمنون بالتعددية الثقافية والفكرية ويرفضون الآخر؟ إنْ أخذنا سياق ونتيجة ندوة يبوس بعين الاعتبار، يمكن الاستنتاج أنهم بصدد حملة جديدة من الهجوم على «سيداو»، تتركز على المدافعات عن حقوق المرأة والإنسان، بعد أن حققوا نجاحاً باهراً في اغتيال الاتفاقية التي تركز على نبذ التمييز والمساواة الحقوقية.
آخر الكلام همسة في أذن رئيس مجلس الوزراء، لقد توسع نشاط المتطرفين في عهدك يا دكتور أكثر من أي عهد سبق، وأنجزوا خططهم وأجهضوا عديد القوانين التي كانت على الطاولة. أحبطوا تحديد سن الزواج ونجحوا في ابتزازكم وانتزاع مواقف على صعيد اتفاقية سيداو، وحالياً هم على وشك النجاح في طيّ قانون حماية الأسرة من العنف..هل هذا هو قدرنا مع حكومتك..؟!