• الدعوة لإعادة هيكلة الاقتصاد الفلسطيني كشرط لتحقيق الانفكاك عن الاحتلال
    2020-06-09

    رام الله (الاتجاه الديمقراطي)

    دعا مشاركون في ورشة رقمية لمناقشة تداعيات كورونا الاقتصادية إلى إعادة هيكلة الاقتصاد الفلسطيني كشرط لتحقيق الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال الإسرائيلي، وما يتطلبه ذلك من إعادة النظر في وضع الموازنة، ووضع سياسات اقتصادية لمواجهة الأزمة الحالية، إضافة إلى زيادة دعم قطاعات الزراعة والصناعة والمنشآت الصغيرة، ودعم صمود المواطنين في القدس والمناطق المهمشة، والاستثمار في مناطق (ج).
    وحذروا من خطوة تزايد أعداد العاطلين عن العمل جراء أزمة كورونا والأوضاع السياسية الراهنة، داعين إلى وضع إستراتيجية واضحة للتشغيل تقوم على خلق فرص عمل داخل الاقتصاد الفلسطيني، وتقلل من تدفق العمال إلى المستوطنات وإسرائيل، بما يحقق الحد من التبعية للاقتصاد الإسرائيلي، إضافة إلى دعم القطاع الخاص، وضخ سيولة لإنعاش السوق.
    وشددوا على ضرورة اتخاذ سياسات لدعم الفئات المتضررة من الأزمة الحالية، من خلال تقليل الإنفاق الحكومي، وخفض الضرائب على المشاريع الصغيرة، وخفض نسبة الفائدة، وتعزيز المسؤولية الاجتماعية، إلى جانب مقاطعة بضائع الاحتلال، ودعم المنتج الوطني.
    جاء ذلك خلال ورشة رقمية نظّمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات)، لمناقشة مسودة ورقة أعدّها د. نصر عبد الكريم، ومساعد الباحث عبد الله مرار، حول التداعيات الاقتصادية لانتشار وباء كورونا في فلسطين، والتدخلات الاقتصادية المتاحة في فترة الوباء، وهي الورشة الرقمية الثالثة ضمن سلسلة ورشات "تأثير كورونا على الصمود الفلسطيني"، بمشاركة أكثر من 40 مشاركًا من الباحثين والاقتصاديين ورجال الأعمال، إلى جانب مشاهدة المئات لها عبر البث المباشر في مواقع التواصل الاجتماعي. وقد أدار الحوار سلطان ياسين، مستشار مبادرة إدارة الأزمات الفنلندية في فلسطين.
    ورحب ياسين بالمشاركين، مشيرًا إلى أن هذه الورشة تأتي ضمن برنامج "دعم الصمود الفلسطيني عبر الحوار"، الذي ينفذه مركز مسارات بالتعاون مع مبادرة إدارة الأزمات الفنلندية، وبدعم من الاتحاد الأوروبي، موضحًا أن هدف هذا البرنامج تطوير سيناريوهات وسياسات من شأنها تعزيز الصمود في وجه العاصفة التي تتعرض لها القضية الفلسطينية.
    وأضاف: تعقد هذه الورشة في ظل مجموعة من التحديات المرحلية ذات الصلة بفيروس كورونا وتداعياته على تعزيز الصمود، وفي ظل مخططات الضم الإسرائيلية، وتزايد الحديث عن "السلام الاقتصادي"، وإعلان القيادة عن التحلل من الاتفاقيات والحاجة إلى سياسة وإجراءات داعمة لهذا التحلل.
    وقال عبد الكريم إن هدف الورقة رصد وتشخيص التداعيات الاقتصادية لانتشار وباء كورونا في فلسطين، والبحث في السياسات والإجراءات الاقتصادية والمالية المطلوبة من السلطة الفلسطينية والقطاع الخاص والمانحين الخارجيين لمواجهة الآثار السلبية على قدرة الاقتصاد الفلسطيني على امتصاص الصدمات الاقتصادية نتيجة هذا الوباء، من خلال  تسليط الضوء على مختلف القطاعات الاقتصادية الإنتاجية، والمؤشرات الاقتصادية الرئيسية مثل نسب البطالة، ومعدلات الفقر في الفترة الحالية.
    وأشار إلى أن الاقتصاد الفلسطيني مرهق بسبب ما شهده في العام 2019 من مصادرة ووقف تحويل أموال المقاصة، وتراجع الدعم الخارجي، إضافة إلى أن الموازنة الفلسطينية تعاني من وضع مالي هش وغير مستدام، خاصة أن 75% من إيراداتها تخضع للظروف السياسية. وجاءت أزمة كورونا لتؤدي إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوياته قبل خمس سنوات، أي بخسائر متوقعة بحوالي 2.5 مليار دولار للعام 2020 مقارنة مع العام 2019.
    وأوضح أن هذا الوباء أثر سلبًا على معظم القطاعات الإنتاجية بنسب متفاوتة، أكثرها قطاع الفنادق والمطاعم بنسبة 47%، والإنشاءات 20%، والصناعة 18% والزراعة 14%، مشيرًا إلى أن مدينة بيت لحم وما حولها هي أكثر المدن الفلسطينية تأثرًا من الناحية الاقتصادية.
    وبيّن أن إغلاق المدن والمنشآت شل ما نسبته 74% من الأنشطة والخدمات، مما يرفع حجم البطالة إلى مستويات مرتفعة التي هي بالأساس تشكل أعلى نسبة بطالة على مستوى العالم بحسب تقارير منظمة العمل الدولية والمواقع الاقتصادية الدولية، إضافة إلى انخفاض الصادرات بنسبة 11% في شهر شباط مقارنة بشهر كانون الثاني من هذا العام.
    وأضاف: إن طموحاتنا السياسية تسير بشكل مغاير لسياساتنا الاقتصادية، فنحن نتحدث عن دولة واستقلال لكن خياراتنا الاقتصادية ذهبت في اتجاه مخالف، داعيًا الحكومة إلى إجراء مراجعة شاملة وعميقة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية العامة باتجاه إصلاحها، من خلال إعادة الاعتبار والاهتمام بتنشيط القطاعات الإنتاجية الحيوية كالزراعة والصناعة والسياحة، الأمر الذي ستكون له منافع اقتصادية وسياسية متعددة كخلق فرص العمل، وزيادة حصة الجباية المحلية، وتخفيض مستوى الانكشاف والتبعية للاقتصاد الإسرائيلي والصدمات الخارجية، وتحسين حالة الأمن الغذائي.
    وأوضح أننا أمام أشهر ساخنة ليس بسبب وباء كورونا، بل بسبب الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب، داعيًا إلى اتخاذ سياسات أو إصدار قوانين مثل ضريبة الثراء وفرض المسؤولية الاجتماعية بنسبة وتناسب، وإطلاق حوار اجتماعي واسع مع كافة الأطراف ذات العلاقة للوصول إلى نظام حماية اجتماعية عادل ومستدام.
    وأوصى عبد الكريم بضرورة الاهتمام بالقطاع الزراعي لما له أهمية في تأمين الغذاء والتمسك بالأرض، والعمل على شق الطرق الزراعية، واستصلاح أراضٍ زراعية جديدة، خاصة في مناطق الأغوار وطوباس، وإحلال الواردات الزراعية بتشجيع المنتج الزراعي والتصنيع الزراعي.
    كما دعا صناع القرار والمؤسسات المانحة ومؤسسات الدعم الاجتماعي إلى توجيه أموال المساعدات للطبقة الفقيرة، خاصة التي تضررت بشكل واضح، والعمل على إعداد خطة لإنعاش الاقتصاد، وعدم تراكم متأخرات القطاع الخاص، وضرورة صرف المتأخرات للقطاع الخاص حيث أمكن، وإعطاء قروض للقطاع الخاص والمشاريع الصغيرة التي تنتج سلعًا وخدمات ملائمة لهذه الفترة بشروط ميسّرة.
    وتطرق إلى أهمية حماية المؤسسات الاقتصادية الفلسطينية والتوعية المجتمعية تجاه هذه المؤسسات، خاصة البنوك التي هي العامل الأساسي في تحفيز الاقتصاد في فترة الانكماش الحالية والقادمة، وإلى تجديد النقاش حول السياسات الاقتصادية والفكر الاقتصادي والأولويات، وأن يكون الاقتصاد في خدمة المشروع الوطني وليس العكس.
    وطرح مشاركون مجموعة من الاستفسار والأسئلة حول أداء الحكومة والقطاع الخاص في ظل أزمة كورونا، داعين إلى إيجاد سياسة مدروسة ما بين القطاعين العام والخاص لإنعاش الاقتصاد وتنفيذ خطط اقتصادية، لا سيما في ظل افتقار الحكومة إلى إستراتيجيات واضحة في المرافق الاقتصادية الأساسية، وخاصة لجهة تحويل الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد إنتاجي.
    ووجه آخرون استفسارات عن نية الحكومة إنشاء بنك حكومي يقدم قروضًا ميسرة للمواطن الفلسطيني، وهل تعدّ هذه الخطوة محل ثقة من قبل المتابعين الاقتصاديين؟

    http://www.alhourriah.ps/article/62943