هل يمكن ان تبقى السلطة الفلسطينية بدون التنسيق الامني؟!
2020-05-27
أثارت قرارات السلطة الفلسطينية الاخيرة بوقف التنسيق الامني مع اسرائيل الشكوك في مصداقيتها وجديتها، كما أثارت الجدل مجددا حول عشرات الاسئلة الاخرى التي يتقدمها سؤال اشكالي كان وما زال طيلة ربع القرن الأخير موضع جدل وصراع داخلي فلسطيني ويقول السؤال : هل يمكن للسلطة الفلسطينية ان تستمر بدون استمرار التزامها وتنفيذها لمقتضيات وتعليمات التنسيق الامني مع العدو حسب اتفاقيات اوسلو؟!
ومن الاسئلة تشكيك الكثيرين وانا احدهم بجدية قرار السلطة، وبمدى استعدادها للذهاب به بعيدا وصولا لحل السلطة ان اقتضت الضرورة؟ وما هي ترتيباتها لذلك؟ وكيف سيكون الرد الاسرائيلي؟ أم سيجد الطرفان برعاية امريكية مخرجا وحلا للمأزق الذي وصلت اليه علاقاتهما الكلية وخاصة العلاقات الأمنية التي لا يستفيد منها سوي العدو؟
هناك وجهتا نظر اساسيتان في الاجابة على السؤال الرئيسي، وهناك وجهات نظر اخرى هامشية. اما وجهة النظر الاولى وليس من باب الاهمية، فهي وجهة نظر السلطة التي ترى امكانية البقاء والاستمرار، لانها وكما هو واضح قررت وقف التزاماتها دون ان تقرر حل نفسها، وتفسيري الشخصي انها تراهن على متغيرات وهمية قد تمكنها من التراجع عن قرارها المناورة التكتيكية للحفاظ على ماء الوجه، وللحفاظ على شعبية يزداد اهتزازها يوما بعد اخر، فقرار الضم قرار تاريخي بكل المعايير والمفاهيم ولا يختلف كثيرا عن نكبة العام 48 م كما لا يختلف كثيرا عن نكسة 67 م وان اختلف حتما عن كوارث وهزائم اخرى تعرض لها الشعب الفلسطيني، كهزيمتى ايلول الاردن عام 1970 م وهزيمة لبنان عام 1982م، وتختلف عن هزيمة الانقسام الداخلي المتواصلة منذ العام 2007 م. الامر الذي فرض على من يدعون القيادة اتخاذ مواقف كهذه! اما وجهة النظر المنطقية الواقعية، فهي التي ترى استحالة البقاء ما دام الاحتلال باقيا بدون الالتزام الحرفي والدقيق بالاتفاقيات التي بررت وجود السلطة وخاصة الاتفاقيات الامنية التي اعتبرتها وكيلا امنيا وممولا بإرادة وقرارات العدو نفسه، فالموضوع “مش لعب ولاد” انه اتفاق اوسلو الذي عرف كاتفاق دولي ووقع بحضور دولي مميز بآلاف الشخصيات السياسية والدبلوماسية الاهم دوليا في البيت الابيض الامريكي في حينه، ويعتبر اتفاق اوسلو اوكسجين وماء حياة السلطة الفلسطينية كما سبق وقال احد الأصدقاء.
حاولت السلطة أن تبدو هذه المرة وكأنها أكثر جدية من ذي قبل، بعد أن صدرت الاوامر من الرئيس عباس لقادة الأجهزة الأمنية بوقف فوري للتنسيق مع إسرائيل. وبعد ابلاغ موظفي السلطة الفلسطينية علي معبر بيت حانون بقطاع غزة بوقف التنسيق، وبعد انسحاب قوات الامن الفلسطينية من قرى شمال غرب مدينة القدس في بدو، وقطنة، وبيت اكسا ومن مناطق العيزرية وأبو ديس (شرقي المدينة). ويعد ان افادت قناة “كان”، الإسرائيلية أمس بأن الجيش الإسرائيلي لم يدخل مناطق الضفة الغربية منذ ثلاثة ايام لتنفيذ العمليات. لكن ما نقلته القناة نفسها في وقت سابق عمن وصفته بـمسؤول فلسطيني رفيع”، قوله إن السلطة الفلسطينية بحاجة إلى رسالة من سلطات الاحتلال الإسرائيلي تشير الى أنها لن تقدم خلال الفترة القريبة المقبلة، على تنفيذ مخططها بضم مناطق في الضفة الغربية المحتلة إلى “سيادتها”، اي تأجيل الضم وليس الغاؤه، الامر الذي سيشجع السلطة لإستئناف التنسيق الأمني الذي أعلن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، وقفه يوم الثلاثاء الماضي. وما نقلته القناة الاسرائيلية يرجح وربما يؤكد مخاوف المشككين بعدم صمود السلطة على موقفها الحالي .
وكما افادت المصادر أن السلطة ربما تكتفي برسالة سرية من حكومة الاحتلال الإسرائيلي تحمل هذا المضمون (أن الضم لن يحدث قريبًا)، مشددة على أنها لم تتلق حتى الان أي رسالة من الحكومة الإسرائيلية بهذا الشأن، وأنه لم يتم إرسال أي ممثل عن الحكومة الإسرائيلية إلى رام الله لنقل رسائل حول هذا الموضوع , اي ان السلطة الفلسطينية بانتظار موقف اسرائيلي كهذا كما تقول المصادر ولكنني شخصيا لا اعتقد بان السلطة يمكن ان تكتفي برسائل او تطمينات سرية مع انها واصلت تأكيد التزامها بمواصلة محاربة ما اسماه الدكتور صائب عريقات بالعنف.
ان اخشى ما اخشاه ان تعمل السلطة على التراجع عن قرارها المعلن اما باعادة العمل بالتنسيق الامني من تحت الطاولة من خلال شخصيات وادوات واجهزة سلطوية كثيرة مستعدة للقيام بمهمة كهذه، او انها ستنتظر اي منعطف او مسار او اي حجة ستجد فيها مبررا للتراجع عن قرارها لاستئناف التنسيق الامني مجددا وكان شيئا لم يكن، حرصا منها على بقاء السلطة المهددة بوجودها داخليا وخارجيا، فكل المعطيات وكل المؤشرات تنذر بمخاوف السلطة الداخلية والخارجية على مصيرها، وليس ادل على ذلك من سرعة تراجعها عن اجراءاتها لمواجهة الكورونا بوقف اغلاق المساجد بعد حادثة الدهيشة وبعد اقامة صلاة العيد في الخليل وغيرها من مدن الضفة عنوة، مما اضطرها للتراجع الذي اظهر ضعفها وعمق ازمتها.
ان الشعب الفلسطيني امام تحد كبير وخطير كالنكبة والنكسة، وستفرض الدولة اليهودية قانون يهودية الدولة على الارض وعلى ساكنيها اجلا ام عاجلا، وسياسة السلطة التي تمعن بتمزيق الشعب الفلسطيني، لا يمكن ان تواجه وتتصدى لهذا التحدي الكبير! قلنا مرارا وتكرارا ما هو المطلوب وكيف يجب ان نقاوم ولكن من يسمع.. من يسمع؟