منذ أواخر كانون الأول 2019، بدأت وسائل الإعلام العالمية، خاصة تلك التي تتخذ من جمهورية الصين الشعبية موقفا عدائيا مطلقا، بنقل اخبار متتالية ومتسارعة حول انتشار فيروس جديد مصدره مدينة «ووهان» الصينية، والذي أصاب الآلاف من المواطنين الصينيين، وحول المدينة الى مدينة اشباح، بعد قرار الحكومة الصينية فرض إغلاق شامل، ما لبثت الاحداث ان تسارعت بطريقة دراماتيكية، ليصل الانتشار الى معظم المدن الصينية وصولا الى العاصمة بكين، ما دفع بالسلطات الصينية الى فرض حالة الطوارئ والاغلاق في كل البلاد، الامر الذي تناولته وسائل الاعلام ذاتها، الامريكية والأوروبية منها، بطريقة «هوليودية»، وصلت في بعض الأحيان الى درجة الخيال العلمي في تصور ما حدث، تارة بالترويج ان مصدر الفايروس «القاتل» هو نتيجة حساء الخفافيش وتارة أخرى نتيجة تطوير بيولوجي وفي كثير من الأحيان وضع الفايروس في خانة الاقتتال وتصفية الحسابات بين الدول الكبرى.
في ظل ترقب بعض الدول للمآل الذي ستصل اليه «كارثة» الصين الجديدة، وفي ظل شماتة بعض الدول الأخرى، واستغلالها للأحداث المتسارعة لتصفية حسابات دنيئة، خاصة الولايات المتحدة الامريكية، وبعض دول الاتحاد الأوروبي، الذين أداروا معركة إعلامية شرسة موجهة ضد الجمهورية الصينية والشعب الصيني، دونما أي اكتراث لحياة ملايين من الصينيين الذي اصبح الفايروس قاب قوسين او أدنى منهم ومن عائلاتهم، سارعت الكثير من وسائل الاعلام المحلية العربية، لإستنفار جميع فبركات الاعلام الأمريكي والاوروبي، ضد جمهورية الصين الشعبية، وخاصة من خلال مواقعها على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى وصل ببعض الصفحات لإرجاع سبب ظهور الفايروس الى ممارسة شباب صينيين الجنس مع الخفافيش! وهذا ما تم تداوله على نطاق واسع بين المتابعين العرب، مما دفع بالكثيرين من نشطاء «اليوتيوب» او المدونين الالكترونيين، للحديث عن هذا الموضوع وتصديق هذه الشائعات دون عناء التأكد من صحة هذه الاخبار.
تسارعت اخبار «فايروس» كورونا في العالم، بذات سرعة انتشار الفايروس، فضرب هذه المرة الجمهورية الإسلامية في إيران، وأصاب الآلاف من المواطنين الإيرانيين، الامر الذي دفع بجميع الأعداء المتربصين، ووسائل الاعلام التي تخدمهم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية وبعض دول الاتحاد الأوروبي، الى توجيه الاتهامات المغلفة بالشماتة نحو إيران التي تعاني من العقوبات الامريكية، وذات الاقتصاد المتواضع.. بأن اموالها لم تذهب لتطوير النظام الصحي بل الى كذا وكذا ..
وفي سياق الفبركات ذاتها وفي إطار ذات الدور المنوط بها، عاجلت وسائل اعلام بعض الدول العربية، الى التحرك على نفس الترددات التي تبثها وسائل الاعلام آنفة الذكر، وتوجيه السهام على الدولة الإيرانية دون أي اكتراث للشعب الإيراني الذي فتك به الوباء، ووصل الى اعداد مخيفة، في حين ردد ذلك الاعلام ان مشكلته ليست مع الشعب الإيراني بل مع النظام.
غير ان الأمور لم تقف عند حدود بلاد فارس، بل تعداها وفي سرعة مخيفة ليضرب هذه المرة معظم دول العالم، بما فيها دول الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الامريكية، إلى أن سجل حتى الان في إيطاليا واسبانيا والولايات المتحدة الامريكية، اعلى معدل للإصابات والوفيات في العالم، مقارنة مع الدول الأخرى، في حين استطاعت جمهورية الصين الشعبية، وفي سباق مع الزمن واضعة في الدرجة الأولى مسؤولية الدولة والحزب الشيوعي عن حياة الملايين من المواطنين الصينيين، الذين سارعوا الى تنفيذ عملية التفافية أذهلت العالم، من حيث الاتقان والدقة والسرعة، مما أدى الى محاصرة انتشار الفايروس، حتى وصل عدد الإصابات في مركز انتشار الوباء أي مدينة «ووهان» الى صفر إصابة، في حين الى الآن تتصاعد عدد الإصابات في أوروبا والولايات المتحدة الامريكية.
في ظل الانتشار الرهيب لهذا الفايروس المجهول المصدر الى الآن، أعلن عن معلومات على علاقة بسرعة انتشاره وتأثيره وآلية مكافحته وهي كثيرة ومتفاوتة من حيث الدقة والمصداقية، خاصة انها تروج من ذات الاعلام الكاذب، الذي لا يخدم سوى مصالح هذه الدول الإمبريالية، الا ان المثبت مصداقيته الى الآن هو أن هذا الفايروس لا يقتل الا ذوي المناعة الضعيفة خاصة كبار السن، وأن الطريقة الوحيدة لمواجهة انتشار هذا الفايروس، هو اتباع عملية الحجر المنزلي والامتناع عن التنقل بإعتبار ان الفايروس ينتقل عن طريق الانسان، ويتكاثر داخل خلايا الجهاز التنفسي للإنسان.
وعلى الصعيد الفلسطيني، أعلنت السلطة الفلسطينية عن تسجيل عدة إصابات بفايروس كورونا في مدينة بيت لحم، الامر الذي توجب فرض حالة اغلاق شامل وسريعة على المدينة، ووضعها في حالة حجر جماعي، خوفا من انتشار الفايروس الى المدن المجاورة، تبعها اعلان حالة طوارئ عامة في البلاد، بعد اكتشاف إصابات أخرى سجلت في عدة مدن فلسطينية، الامر الذي حد، حتى الآن، من سرعة الانتشار، بسبب السرعة في اتخاذ الإجراءات الميدانية، وعدم الاكتفاء بمواجهة الفايروس من خلال المؤتمرات الصحفية، والتهديدات اللفظية، وتأجيل موعد تنفيذ الخطوات التي وضعت الى وقت لاحق، وعليه، وفي ظل استمرار وجود التهديد الأول للفلسطينيين والقضية الفلسطينية، الا وهو الاحتلال الاستيطاني الصهيوني الجاثم على الأرض الفلسطينية، والآخذ بالانتشار السريع بين المدن والقرى الفلسطينية، الا يتطلب من السلطة الفلسطينية استخلاص الدروس والعبر، من فايروس كورونا في مواجهة «فايروس العصر»؟!
مما لا شك فيه ان العالم اليوم، بما فيه الشعب الفلسطيني، يعيش تداعيات انتشار وباء فايروس كورونا، وان الجهد الأول الذي تبذله جميع الدول هو في اتجاه محاصرة الوباء والقضاء عليه ومحاولة إيجاد اللقاح الذي من شأنه ان يقي ملايين البشر مأساة الإصابة وربما الموت، الا ان معاناة الشعب الفلسطيني هي معاناة مضاعفة، بفعل الإعلان عن «فايروس القرن» على لسان الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» والذي تم تطويره في المختبرات الصهيونية، وعلى يد كبار مجرمي العصر الصهاينة والمتصهينين في البيت الأبيض، والذي عرف باسم «رؤية ترامب» أو «صفقة القرن»، والذي أصاب الجسد الفلسطيني، وظهرت أولى عوارضه بإعلان الرئيس الأمريكي القدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني ونقل سفارة بلاده اليها، وتبعها اقفال مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ووقف كافة المساعدات لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الاونروا»، وتلك المقدمة للمستشفيات في القدس المحتلة، وتشريع السرطان الاستيطاني، واعتباره لا ينافي القانون الدولي.
جميع هذه العوارض الصحية، التي ظهرت تباعا على الجسد الفلسطيني بفعل هذا الفايروس الهجين، أصابت جهاز التنفس لهذا الجسد الفلسطيني، الذي اخذت قواه تنهار شيئا فشيئا، وتتفاقم حالته تباعا، حتى تطلب الامر إدخاله الى غرفة الطوارئ، وفرض رقابة مشددة على جهازه التنفسي الذي مازال يجد بجهاز التنفس الاصطناعي، المصنوع في الخارج، مصدر الامل الوحيد للبقاء على قيد الحياة، في حين كانت وسائل الاعلام العربية إياها، والتي تتناقل الاخبار المفبركة في غرف الاعلام الامريكية، تبث شائعاتها حول «فايروس القرن» وحالة المريض الفلسطيني، مبررة دوافعها بعدم مد يد العون، خوفا من العدوى المحتملة لهذا المرض، وخوفا من الانتقال الى باقي الجيران الذين اكتفوا بتوجيه النصائح بضرورة اتباع الحجر الصحي والاغلاق، والابتعاد عن الاختلاط وطرق الابواب، والصمود قدر المستطاع في ظل عدم وجود أي لقاح لـ«فايروس القرن» الى الان بحسب الاعلام الرسمي الأمريكي.
وعلى الرغم من معرفة هذا الجسد الفلسطيني، بأسلوب المواجهة الوحيد ومنذ زمن طويل لهذا الفايروس وغيره، الا انه لم يتبع وسائل الحصانة الصحية، التي من شأنها ان تجعل هذا الجسد قويا وصلبا في مواجهة هذا الفايروس بل والتغلب والقضاء عليه، وذلك من خلال تقوية جهاز المناعة الفلسطيني، الذي يجاهد وحيدا ضعيفا في هذا الجسد الهزيل، فعلى امتداد أكثر من 25 عاما، لم يعمل هذا الفلسطيني على إبقاء هذا الجهاز قويا في جسد فتي وقوي، قادر على مواجهة جميع التحديات التي ستواجهه في المستقبل، بل اكتفى بتدمير جهاز المناعة بيده، حتى افقده القدرة الحقيقية على المواجهة والصمود، والاكتفاء فقط بإظهار القوة المثالية، والصمود الوهمي، والقدرة على المواجهة اللفظية، الى ان وصل اليه «الفايروس» وأستوطن جميع خلاياه التنفسية.
شكلت منظمة التحرير الفلسطينية ومنذ انطلاقتها، جهاز المناعة الفلسطيني، للجسد الفلسطيني الثوري الفتي، الذي واجه جميع الفايروسات التي تربصت بالشعب الفلسطيني، وحقوقه الوطنية، بدءا من محاولة نسف الكيانية السياسية الفلسطينية، وفرض الحلول الاستسلامية المذلة على الشعب الفلسطيني، وانهاء قضيته الوطنية لصالح المشروع الصهيوني المتواصل، والذي حارب وبجميع الوسائل كل هذه المحاولات، ونهض بالجسد الفلسطيني من سرير الاحتضار، الى حلبة المواجهة المباشرة، معتمدا على الشراكة الحقيقية في صناعة القرارات الوطنية، والوحدة الوطنية الفلسطينية، وعزيمة الشعب الفلسطيني وبسالته في المواجهة والتضحية والفداء، وهذا ما جعل من القضية الفلسطينية، قضية صلبة الجسد ذات عزيمة فولاذية فتية وشابة، الا ان السياسية التي اتبعتها السلطة الفلسطينية في تهميش جميع المؤسسات الشرعية للمنظمة، ومصادرة دورها الوطني، واتباع سياسية الاقصاء والتفرد في شؤون قراراتها الوطنية، أدخلت المنظمة باعتبارها «جهاز المناعة الفلسطيني»، في دوامة من نقص التغذية والفيتامينات، ما اضعفها شيئا فشيئا في ظل استمرار الهجمة الفيروسية الاستيطانية، التي راحت تتغلل في جميع الخلايا الفلسطينية، حتى استوطنت اكثر من 60% من هذه الخلايا التنفسية، التي ومن غيرها سيفقد القلب الفلسطيني- «المشروع الوطني»- نبضه، في ظل اكتفاء السلطة بضخ كميات «الاوكسيجين» من جهاز التنفس الاصطناعي الذي ربط بالجسد الفلسطيني من الخارج خوفا من انهياره وموته «حاليا».
لم تعر السلطة الفلسطينية الى الآن، مهمة دعم جهاز المناعة الفلسطيني، بالغذاء المطلوب بهدف إعادة تنشيطه واستثارته لمواجهة «فايروس القرن» وجميع عوارضه، والذي يشكل الخيار الوحيد المتوفر في هذه المعركة المصيرية، بل ما زالت متمسكة بجهاز التنفس الاصطناعي، في رهان على إيجاد لقاح مبتكر، يخرج من مختبرات البيت الأبيض، يشكل الأمل المشرق لهذا المسن الذي يحتضر على سرير غرفة الطوارئ في حجره الصحي الوحيد.
إن تجربة «فايروس كورونا»، والخطوات الميدانية السريعة، والتي لا تستند على التصريحات والوعود والتهديدات الإعلامية، اثبتت انها الوسيلة الوحيدة في محاصرة المرض، والحد من انتشاره، وان الانتظار والتلكؤ لا يصب الا في مصلحة الفايروس وانتشاره، كما تؤكد ان جهاز المناعة القوي في جسد شاب ومعافى، هو السلاح الوحيد، الذي يمتلكه الانسان، بعيدا عن لقاحات المختبرات الإمبريالية، والقادر على قتل الفايروس وانهائه. وعليه فإن مهمة السلطة الفلسطينية اليوم، تكمن في اتخاذ الإجراءات السريعة الميدانية، والتي تسابق الزمن للحد من انتشار هذا التوسع السرطاني الاستيطاني، ولإيقاف خطر تكاثر هذا الفايروس على الأرض الفلسطينية، والتي تبدأ بإعلان سحب الاعتراف بالكيان الصهيوني، ووقف كافة اشكال التنسيق الأمني مع الاحتلال، ووقف العمل ببروتوكول باريس الاقتصادي، وسحب السجل المدني من يد الاحتلال، كما يتطلب العمل على تغذية جهاز المناعة الفلسطيني، من خلال انجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية، وإعادة الاعتبار للمؤسسات الشرعية للشعب الفلسطيني، داخل منظمة التحرير الفلسطينية، والابتعاد عن صيغة الاقصاء والتفرد، بالإضافة الى انجاز الانتخابات التي تعيد توحيد شطري الوطن المنقسم، وتوحد جميع مكونات الشعب الفلسطيني، في معركة الصمود وهزيمة هذا الفايروس، في اطار منظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت وستبقى الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
إن ما بعد معركة فايروس «كورونا» التي يخوضها العالم أجمع، لن يكون كما قبلها، خاصة على صعيد العلاقات الدولية، لما ستتركه هذه المعركة من آثار طالت وستطال العالم أجمع، كما ان المعركة الفلسطينية ضد «فايروس القرن» أو «رؤية ترامب» هي معركة مصيرية وخطيرة لن تبقى القضية الفلسطينية بعدها كما قبلها، وهذا يتطلب العمل الجدي والمسؤول على تعزيز مناعة الشعب الفلسطيني، وتعزيز قواه، واستنهاض جميع عناصر القوة الموجودة، وعلى رأسها الانتفاضة الشاملة، والمقاومة بجميع أشكالها، كي يستطيع هذا المارد الفلسطيني، الانتصار على هذا الفايروس، والقضاء عليه وخروجه منتصراً من الحجر الصحي الذي أراده العالم أجمع قدرا له ومصيرا محتوما.