■انقسم الموقف الفلسطيني، خارج الـ 48، من خوض الانتخابات الإسرائيلية التشريعية، بين من أيّد «القائمة المشتركة» وثمن دور الأحزاب العربية في تشكيل كتلة انتخابية موحدة. ودعا إلى الالتفاف حولها بكل الطاقات الممكنة، وبين من دعا إلى مقاطعة الانتخابات، وفق وجهة نظر تقول بأن هذا يعني الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، وأن من شروط خوض الانتخابات هو إعلان الولاء لدولة إسرائيل. وهو الأمر الذي أعاد النقاش إلى مربعه الأول، عن خصوصية الوجود الفلسطيني في إسرائيل، ووجوده في المناطق المحتلة.
بين وجود يحمل الجنسية وعنوان المواطنة، ويتعرض للتمييز العنصري، بكل أشكاله، وآخرها قانون القومية، الذي حصر تقرير المصير باليهود وحدهم، ونزعه عن الفلسطينيين العرب داخل إسرائيل، وبين وجود فلسطيني، تحت الاحتلال، يشكل كيانية فلسطينية قائمة بذاتها، تقوم العلاقة بينه وبين الاحتلال على قاعدة الصراع من أجل التحرر، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعودة اللاجئين، دون أن تسقط، إطلاقاً، العلاقة الجدلية التي تربط بين الحالتين، ودون أن تسقط، في الاعتبار أيضاً خصوصية كل حالة، القانونية، السياسية، الجغرافية، وكذلك قانونية وجودها بعيون ومعايير القوانين الدولية.
هذا يقودنا إلى السؤال حول طبيعة المعادلة التي تشكل أساس الربط بين «الداخل» في الـ 48، وبين الـ 67+ الشتات بكل تنوعه.
هل تقوم على مبدأ أن يقوم فلسطينيو الـ 48 في تقرير مصيرهم بأنفسهم، أو أن يقرر فلسطينيو الضفة والقطاع، والشتات مصير الـ 48.؟
هل يملك «الخارج» (أي الضفة والقطاع والشتات) صلاحية تقرير مصير «الداخل» باعتباره ملحقاً له، أم يفترض التعامل بين الجانبين وفق معادلة، تقوم على مبدأ أن كل طرف أدرى بظروفه، في إطار برنامج وطني موحد، يقوم على أساس جذري (ومرحلي في آن) ضد المشروع الصهيوني.
ونعتقد أن ما حققته «القائمة المشتركة» من فوز باهر، إذ حصلت على 15 مقعداً للمرة الأولى في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني، شكل جواباً واضحاً، ورسم الاتجاه السياسي النضالي الواجب اتباعه في الـ 48 : النضال من داخل الكنيست ومن خارجه.
ونعتقد أن التفاف الشارع الفلسطيني حول «القائمة المشتركة» ومنحها الثقة الكبرى، هو استفتاء على الموقف المبدئي من الانتخابات في إسرائيل.
* * *
بعد الفوز الباهر، ذهب البعض إلى المكابرة والمعاندة، في وصف هذا الفوز، بأنه «غير قابل للصرف»، أي أن «القائمة المشترك» ستبقى على هامش الحياة السياسية، ولن تستطيع، من خلال الكنيست، أن تحقق أمراً ذا قيمة لشعبها.
نعتقد أن مثل هذه القراءة، قاصرة، إذ هي لا تدرك حقيقة الصورة والخارطة السياسية والحزبية، وحدود اللعبة البرلمانية في إسرائيل، وتداعيات بناء كتلة عربية كبرى في الكنيست، دفعت صفاً من المثقفين اليهود، الليبراليين، والديمقراطيين للإعلان عن انحياز إلى «القائمة المشتركة» باعتبارها باتت تشكل النموذج لمستقبل الحياة في فلسطين، إذا ما تم تفكيك القوانين العنصرية الصهيونية، وإسقاط قانون القومية، وإلغاء كل قوانين وسياسات التمييز، والدفع نحو التغيير التدريجي.
هذا لا يعني أن مثل هذه الأهداف سوف تتحقق خلال دورة الكنيست الحالية، أو القادمة، أو التي بعدها، بل هذا من شأنه أن يعني أن هناك، كتلة هي «القائمة المشتركة»، هي التي تشق طريقها، النضالي، ضد المشروع الصهيوني، بتعبيراته السياسية والقانونية، وتلتقي مع نضالات الـ 67 والشتات ضد المشروع الصهيوني بتعبيراته الاستعمارية الاستيطانية العدوانية والدموية.
قراءة تقول بأنه «فوز غير قابل للصرف»، لا تدرك كل هذا، فدعونا نقول إنها قراءة تمارس التطفل السياسي على القضية الوطنية، ولا تخدم مسارها النضالي، هي سياسة عبثية عدمية، قيدت نفسها بمعادلات وهمية لا وجود لها في حقيقة الأمر، إلا في عقول أصحابها، الذين ينطبق عليهم المثل القائل:
«أعمى يبحث في غرفة مظلمة عن قطة سوداء، والقطة غير موجودة أصلاً».
* * *
نكتب هذا الكلام، وقد وردت أخبار من داخل الكيان تفيد بتجديد موعد تفاوضي بين «المشتركة» وغانتس. وأن المكتب السياسي لحزب «التجمع» قد قرر، خلافاً لموقفه في الدورة الـ22 للإنتخابات، المشاركة، في اللقاء مع غانتس، أي أن وحدة «القائمة المشتركة» قد تبلورت كاملة في رسم تكتيكات التحرك تحت سقف الكنيست.
وفي حسابات غانتس، وكذلك في حسابات نتنياهو، وبإعترافهما، تشكل «المشتركة» قوة برلمانية لا يمكن لأحد أن يتجاهلها، أي إن مسار المشاركة في الإنتخابات، بالتجاور مع مسار النضالات في الشارع، حوّل الوجود الفلسطيني في إسرائيل، من وجود مهمش، خارج دائرة الحدث، إلى وجود فاعل ومؤثر، وجود سياسي له وزنه الذي لم يعد بإمكان أحد أن يتجاهله، لا اليمين المتطرف، ولا اليمين ولا الوسط، ولا بقايا اليسار الصهيوني. ونعتقد أن واحداً من الأهداف، إن هو تحقق سيشكل مكسباً كبيراً للمشروع الوطني، أي «كسر نتنياهو» وإبعاده مرة أخرى عن رئاسة الحكومة.
مؤشرات هذا الحدث الكبير، تبدت بالحديث عن خطوة مهمة تستهدف رئيس الكنيست الموالي لنتنياهو، لصالح رئيس آخر، من كتلة غانتس. وأياً تكن توصيفاتنا لغانتس، وكتلته، فإننا لا نستطيع أن نتجاهل إن هذا التغيير هو بداية إنكسار نتنياهو. وأن من يستطيع أن يوفر أغلبية برلمانية لإنتزاع رئاسة الكنيست منه، يستطيع بجهد أكثر ذكاء أن ينتزع رئاسة الحكومة من نتنياهو، وأن يسقط تحالفه مع اليمين المتطرف.
«كسر نتنياهو هو كسر لخطة ترامب – نتنياهو»، ولمشروع إسرائيل الكبرى، ولمشروع الضم، ولحملة الحقد والكراهية، ولأشكال التمييز العنصري، الذي لم تشهد له إسرائيل مثيلاً، ولقانون القومية الفاشي.
ولا يجوز، في هذا السياق القول إن غانتس يساوي نتنياهو، في المطلق.
غانتس، يساوي نتنياهو، لكن مع تعديلات ملحوظة، في المواجهة المباشرة، بين تحالف الليكود، وكاحول لافان، فهذا صراع بين أطراف الحركة الصهيونية لسنا طرفاً فيه.
لكن غانتس لا يساوي نتنياهو، إذا كان بحاجة إلى «القائمة المشتركة» للحصول على أغلبية برلمانية تقوده إلى رئاسة الحكومة. ومجنون من يعتقد أن أصوات «القائمة المشتركة» الخمسة عشر، سوف تعطى له مجاناً، بل لهذه الأصوات ثمن، أعلنت عنه «القائمة المشتركة» وسيكون موضع تفاوض بين الطرفين.
في كل الأحوال إذا نجحت «المشتركة» في الحصول على تنازلات من غانتس، تكون قد حققت أهدافها، وشقت طريقها نحو الفعل المؤثر في الحياة السياسية، أكثر فأكثر.
وإذا فشلت مفاوضاتها مع غانتس، فستبقى «المشتركة» كتلة معارضة فاعلة من داخل الكنيست. ولا شيء يمكن أن يعري حقيقة الكنيست، سوى العمل من داخله. فالصوت الفلسطيني، من على منبر الكنيست سوف يصل بعيداً إلى اسماع الرأي العام، بشكل أكثر تأثيراً كما لو كان من خارجة فقط ■