غزة (تقرير وسام زغبر)
فرض الاتحاد الأوروبي والمؤسسات المانحة شروطاً جديدة لتمويل مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية «NGO» تُقيّد استفادة من يعتبرهم تنظيمات «إرهابية» أو أفراداً «إرهابيين» من تلك المشاريع والأموال عبر «وثيقة الإرهاب للحصول على التمويل».
وينص البند 1.5 الوارد في الملحق رقم 2 من اتفاقيات التمويل، على أن المؤسسات الفلسطينيّة مُلزمة بالتأكد ألا يكون المتعاقدون الفرعيون أو الثانويون معها، أو المشاركون في ورشاتها التدريبيّة، أو من يحصل من خلالها على دعم ماليّ، ممن تندرج أسماؤهم ضمن قائمة «المنع» الخاصّة بالاتحاد الأوروبيّ.
كما أنّ البند 12.2 من الملحق الثاني يمنح الاتحاد الأوروبيّ الحقّ في فسخ العقد من طرف واحد، إذا تبيّن له -من خلال حُكم قضائيّ نهائيّ أو قرار إداريّ أو من خلال أدلّة في حوزته - بأن المستفيدين من المشروع الذي يموّله متورطون بتهم تتعلق بالرشوة والفساد، أو المشاركة في تنظيمات إجراميّة، أو في ارتكاب «هجمات إرهابيّة» أو في تمويل ما يُسمى «الإرهاب».
وسلمت (135) مؤسسة فلسطينية أهلية رسالة إلى القائم بأعمال ممثّل الاتحاد الأوروبي، توماس نكلسون، توضّح موقفها الرافض لشروط التمويل الأوروبية، وإذ أكدت شبكة المنظمات الأهلية أنه لم يتم التوصل لأية اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي، وما زال الموقف كما هو من قبل المؤسسات الفلسطينية التي تطالب بعدم توقيع أية اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي لحين استكمال النقاش.
رضوخ للاحتلال
واعتبرت شذى عودة، رئيسة الشبكة في الضفة الفلسطينية أن الشروط الأوروبية مستهجنة، كونها محاولة لتجريم النضال الفلسطيني، مضيفة: «هذا رضوخ لضغوطات الاحتلال واللوبي الصهيوني في العالم، التي تسعى للصق تهمة الإرهاب بكل ما هو فلسطيني».
وحثّت دول الاتحاد الأوروبي على الالتزام بدعم حقوق الشعب الفلسطيني التي كفلتها كل المواثيق الدولية، وحقه بالنضال ضد الاحتلال، حتى نيل الحرية. داعية وزارة الخارجية الفلسطينية للضغط على الأوروبيين للتراجع عن الشروط الجديدة.
في المقابل، يعتبر الاتحاد الأوروبي أنه «ليس هناك أي جديد فيما يتعلق بوضع شروط على التمويل الأوروبي للمؤسسات الفلسطينية». وقال شادي عثمان، مسؤول الإعلام والتواصل في مكتب الاتحاد بالقدس، إن «الإجراءات المشار إليها في الاتفاقيات التي وقعت مع المؤسسات الفلسطينية، هي نفسها التي وقعت مع كل الأطراف التي تستفيد من المنح الأوروبية».
وأوضح أن الاتحاد يشترط عدم توجيه التمويل لأي حزب سياسي، وأن الأمر كان يشار إليه في البنود العامة للاتفاقيات ومذكرات التفاهم. مردفاً أن الاتحاد الأوروبي لا يطالب أحدا بتغيير مواقفه السياسية أو قناعاته.
واستدرك عثمان قائلاً: «هناك قائمة منع أوروبية، تشمل أحزاباً ومؤسسات على مستوى العالم، وضمنها فلسطينية، وتم إقرارها عام 2001، وهي تفرض حظراً على تقديم تمويل على تلك الأحزاب والمؤسسات».
وقف التمويل
وكان وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيليّ، جلعاد إردان بعث برسالة إلى وزير خارجية الاتحاد الأوروبيّ، جوزيف بوريل، دعا فيها الاتحاد لوقف تمويل المؤسسات الأهلية الفلسطينية ذات العلاقات بـ«الإرهاب».
وأضاف أردان في رسالته (31 كانون الأوّل (ديسمبر) 2019)، أنّه «يجب على الاتحاد الأوروبيّ ألّا يستسلم لمطالب المنظمات الفلسطينيّة بالسماح للمساعدات بالذهاب إلى الجماعات التي لها صلة بجماعاتٍ «إرهابيّةٍ» مُعينّةٍ، على حدّ تعبيره، مُتهّمًا بالوقت عينه في رسالته المؤسسات غير الحكوميّة بأنّ لها علاقة بحركة المقاطعة الدوليّة وغيرها، وتعمل كجهاتٍ لـ «غسيل الأموال لصالح أنشطة تلك المنظمات».
وتتزامن شروط الاتحاد الأوروبي الجديدة التي يصر عليها لتمويل المؤسسات الفلسطينية مع الرؤية الأميركية- الإسرائيلية للسلام «رؤية ترمب» في محاولة لإسكات تلك المؤسسات التي تطالب بمحاسبة الاحتلال على جرائمه.
وطالبت مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينيّة في بيان لها، الاتحاد الأوروبي والمؤسسات المانحة بإلغاء الشروط الجديدة، للحصول على التمويل والتوقيع على ما يُسمى «وثيقة الإرهاب»، وأنها ترفض التمويل المشروط.
وناشدت باقي مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني بالامتناع عن توقيع أية اتفاقية تمويل مشروطة تتضمن شرط «الإرهاب»، وعلى المؤسسات التي سبق لها التوقيع على هكذا وثيقة، الانسحاب فورًا.
وشددت المؤسسات على رفضها للتمويل المشروط سياسياً، وأية إجراءات تتضمن إخضاع أعضاء هيئات المؤسسات والطواقم والمتعاقدين معهم ومقدمي الخدمات والأفراد المستفيدين لعملية فحص بموجب معايير لا وطنية وتقنيات استخباراتية، موضحة أن القوى الفلسطينية ليست تشكيلات إرهابية، وأن مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني على اختلافها، هي جزء أصيل من حركة شعبنا للتحرر من الاستعمار الإسرائيلي ومقاومة الابارتهايد الإسرائيلي ونضاله لنيل حقوقه في تقرير المصير والعودة.
تراجع خطير
من جهته، أكد السفير المناوب في بعثة فلسطين في الاتحاد الأوروبي عادل عطية رفض السلطة الفلسطينية للشروط التي فرضها الاتحاد الأوروبيّ، محذراً من أنّ التحرك الأوروبيّ بهذا الخصوص يشكل تراجعاً خطيراً في مواقف الاتحاد تجاه قضيتنا، ويمثل انجراراً خلف المواقف الإسرائيلية والأميركية.
وعبر السفير عطية عن خشيته من قيام بعض دول الاتحاد الأوروبي بتبني مواقفاً متشددة قدّ تصنف مقاومة الاحتلال بالعنف، وبالتالي فرض قيود على إيصال الدعم إلى مؤسسات وطنية ونشطاء في مقاومة الاحتلال.
ويذكر أنّ اللوبي الصهيوني في بروكسل بذل الكثير من الجهود لانتزاع قرار من الاتحاد الأوروبي مؤخراً، يعيد من خلاله النظر في تقديم المساعدات والدعم للمؤسسات الفلسطينية، وخاصة التي تقدم خدماتها لأهالي الشهداء والأسرى، لكن لم ينجح في ذلك.
وأنشئ مكتب المفوضيّة الاوروبيّة للمساعدات الفنيّة في عام 1994، في سياق اتفاقات أوسلو، من أجل تطوير مساعدات الاتحاد الأوروبيّ للفلسطينيين والمساهمة في بناء المؤسسات لإقامة دولة فلسطينيّة مستقبليّة.
ووفق بيانات المجلس الاقتصادي الفلسطينيّ للتنمية والإعمار «بكدار» أن إجمالي المنح والمساعدات والقروض الخارجيّة الموجهة لفلسطين، بلغت 35.4 مليار دولار منذ تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994 وحتى عام 2017، وتضم مختلف المساعدات سواء للموازنة أو المساعدات غير المباشرة لنحو (3400) مؤسسة مجتمع مدني مسجلة فلسطينياً لدى وزارة الداخلية.■
مجلة الحرية الفلسطينية - العدد 1761